مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

الدية ، فإن بلغ حدّ الكلام ولم يتكلّم فالثلث فان تكلّم بعد قطعه حسب الذاهب من الحروف وأخذ من الجاني بنسبته.

______________________________________________________

بعد ان ذهب بعض منافعه بالجناية عليه مثل إن جنى عليه أوّلا شخص فذهب نصف منفعته أي نصف الحروف ثم جنى آخر بحيث ذهب ربعه ، فعلى الثاني ربع الدية ، وهو نصف ما بقي ، فينسب ما ذهب بالجناية الثانية إلى ما بقي بعدها فان كان مثله فعليه ربع الدية التامة ، وهو نصف ما بقي بعد الجناية ، وهكذا.

ويحتمل ان ينسب إلى الباقي بعد الجناية الأولى ، فإن كان نصفه ، فعليه نصفه ، وهو ربع دية الصحيح وهكذا.

ودليله واضح ، فان ما أذهب الجاني بجنايته الّا نصف اللّسان الّذي ديته نصف الدية التامّة فليس عليه إلّا نصف ، والبحث في لزوم أكثر الأمرين والتفصيل الذي ذكرناه آت هنا فتذكر.

ولا فرق في ذلك بين كونهما من واحد ومن أكثر.

والظاهر عدم الفرق بين كون ذهاب البعض بالجناية الموجبة للدية ، أو بآفة سماويّة بعد ان كان صحيحا أو كان ناقصا في أصله مثل ان خلق أخرس.

ولو قطع لسان شخص ـ بعد ان صار اللسان بحيث لا يحصل منه حرف أصلا ـ فعليه ثلث الدية ، دية لسان الأخرس ، فإن الذي لا يحصل منه حرف أصلا فعليه ثلث الدية ، دية لسان الأخرس فإن الذي منه حرف ، هو أخرس فدليل لزوم الثلث على قاطعه دليل ما هنا ، فتأمّل.

ودليل تمام الدية في قطع لسان الطفل ، هو دليل أنّ في اللسان هو الدية إلّا في الأخرس ، والأصل فيه الصحّة وعدم الخرس ، وأنه لا يخرج من القاعدة والدليل الّا ما تحقق أنه أخرس ، والطفل ليس كذلك.

نعم إذا كبر وبلغ حدّ الكمال وصار بحيث لو لم يكن أخرس لتكلّم ، كان لسانه لسان الأخرس ، فديته ديته ، ولو تكلّم بعد ذلك ، حسب الذاهب من

٣٨١

ويصدّق الصحيح في ذهاب نطقه عند الجناية مع القسامة بالإشارة.

______________________________________________________

الحروف واستقرّ ديته ويسقط دية الباقي الذي لم يذهب ويتكلّم به ، وهو ظاهر.

قوله : «ويصدق الصحيح إلخ». دليل تصديق صحيح اللسان بعد وقوع جناية محتملة لذهاب نطقه كلّه أو بعضه في دعواه ذلك تعذر البيّنة وحصول الظن بصدقه للأمارة وهي الجناية الحاصلة التي يمكن ترتب ذهابه عليها.

فيحتمل الاكتفاء بيمين واحدة وعدمه فيحلف القسامة بالنسبة إلى الدعوى ، فان كانت تمام الدية لذهاب كل نطق تكون خمسين ، وإذا كانت النصف وهكذا.

ولكن الأصل عدم الذهاب وعدم لزوم شي‌ء حتى يثبت ما يوجب ذلك شرعا.

فيحتمل الإمهال والتأجيل وامتحانه وترصّده وإغفاله إلى مدّة مثل سنة ، كما في دعوى ذهاب السمع على ما سيجي‌ء.

لصحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال : في رجل ضرب رجلا في اذنه بعظم ، فادعى انه لا يسمع؟ قال : يرصد (يترصد ـ ئل) ويستغفل وينتظر به سنة فان سمع أو شهد عليه رجلان انه سمع (يسمع ـ ئل) والا حلّفه وأعطاه الدية قيل : يا أمير المؤمنين (١) فإن عثر عليه بعد ذلك انه سمع (يسمع ـ ئل)؟ قال : ان كان الله عزّ وجلّ ردّ عليه سمعه لم أر عليه شيئا (٢).

ومثله عنه عليه السّلام ، قال : سألته عن العين يدعي صاحبها انه لا يبصر (شيئا ـ ئل)؟ قال : يؤجّل سنة ثم يستحلف بعد السنة انه لا يبصر ثم يعطى الدية ،

__________________

(١) قال في الوافي بعد نقله : بيان ، الظاهر انه سقط لفظة وعن أمير المؤمنين عليه السّلام عن السند أو كان القائل جاهلا باختصاص اللقب فخاطب أبا عبد الله عليه السّلام بذلك ـ الوافي ج ١٦ طبع نشاط أصفهان ، ونقله في هامش التهذيب المطبوع أيضا ج ١٠.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٧٧.

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : قلت : فان هو أبصر بعده؟ قال : هو شي‌ء أعطاه الله تعالى إيّاه (١).

وهما يدلان على انه لا بد من الامتحان بحيث لا يمكن عادة جعل نفسه غير ناطق مستحضرا ، وانما ذلك بحيث لا يغفل ولا يتكلّم غفلة أصلا وهو ظاهر ، ومع ذلك لا بدّ من اليمين وهي واحدة ، إلّا ان يظهر للأكثر موجب.

ويمكن الاكتفاء بأقل من سنة إن حصل المطلوب قبلها.

ويحتمل العمل برواية أصبغ بن نباتة ، قال : سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن رجل ضرب رجلا على هامته ، فادّعى المضروب انه لا يبصر (بعينه ـ خ ل ئل) شيئا ، وانه لا يشمّ الرائحة ، وانه قد ذهب لسانه (خرس فلا ينطق ـ خ ل ئل)؟ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : ان صدق فله ثلاث ديات (النفس ـ الفقيه) فقيل : يا أمير المؤمنين فكيف يعلم انه صادق ، فقال : أمّا ما ادعى انه لا يشمّ رائحة ، فإنه يدنى منه الحراق ، فان كان كما يقول والّا نحّى رأسه ودمعت عينه ، واما ما ادّعاه في عينه (عينيه ـ ئل) ، فإنه يقابل بعينه (بعينيه ـ ئل) (عين ـ خ) الشمس ، فان كان كاذبا لم يتمالك حتى يغمض عينه (عينيه ـ ئل) ، وان كان صادقا بقيتا مفتوحتين ، واما ما ادّعاه في لسانه فإنه يضرب على لسانه بالإبرة (بإبرة ـ ئل) ، فان خرج الدم أحمر فقد كذب ، وان خرج (الدم ـ ئل) أسود فقد صدق (٢).

إلّا انها ضعيفة ، فان في الطريق محمّد بن الوليد (٣) ، وقد ذكر في الباب (٤)

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٥ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٨٣.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ١ بالسند الثاني ج ١٩ ص ٢٧٩.

(٣) سنده كما في التهذيب هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن الوليد ، عن محمّد بن الفرات ، عن الإصبع بن نباتة.

(٤) ان المراد ان محمّد بن الولد قد ذكر ابن داود في علم الرجال في بابه (اثنان) كلاهما ضعيفان نقول : قد ذكر في تنقيح المقال من يسمى بذلك خمسة وكلهم ضعيف أو مجهول الّا محمّد بن الوليد الخزاز البجلي

٣٨٣

ولو اذهب النطق ثم عاد فللشيخ قولان في استعادة الدية.

______________________________________________________

الثاني اثنان كلاهما ضعيفان أحدهما بالاتفاق ، والآخر على الخلاف ، ومحمّد بن الفرات ، وهو ضعيف جدّا ، وانه ممن لا يكتب حديثه ، بل نقل انه ادعى النبوّة (١) ، مع ان الأصبغ غير مصرّح بتوثيقه ، وكذا إبراهيم بن هاشم.

قوله : «ولو اذهب النطق إلخ». لو ذهب النطق بجناية جان فأخذ منه الدية ثم عاد على ما كان ففي استعادة الدية قول للشيخ في المبسوط بها ، وهو مختار المختلف ، لأنه لما نطق بعد ان لم ينطق ، علم انه لم يذهب كلامه ، إذ لو ذهب لما عاد ، ولان انقطاعه بالشلل ، وهو لا يزول ، بخلاف ما لو نبت بعد ما قطع منه شي‌ء فذهب به فان هذا عطيّة مستأنفة.

وفي الدليلين منع ظاهر لاحتمال الذهاب ثم العود ، بل الفرض ذلك ، وإمكان زوال الشلل أيضا ظاهر عقلا إذ لا دليل على امتناعه ، والقادر المطلق قادر على كل شي‌ء.

نعم يمكن ان يقال : إنّ الجناية ما كانت بحيث تزيل منفعته دائما ، بل في بعض الأزمنة الّا أنه ما كانت معلومة وقد علم حينئذ.

وان الدية انما تلزم بالذهاب الدائميّ ، لا بالذهاب في الجملة مع العدد

__________________

فوثقه فراجع ج ٣ من الطبع الأول ص ١٩٦ ـ ١٩٧.

(١) في خلاصة الأقوال في علم الرّجال ص ١٢٤ طبع طهران : ما هذا لفظه : محمّد بن فرات بالفاء المضمومة والراء والتاء المنقطعة فوقها نقطتين أورد الكشي اخبارا متعددة في ذمّه قال محمّد بن عيسى لم يلبث محمّد بن فرات الّا قليلا حتى قتله إبراهيم بن شكلة وهو إبراهيم بن المهدي بن المنصور امه شكلة وكان محمّد بن فرات يدّعي انه باب ، وانه نبيّ ، وكان القاسم اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان لعنهم الله ، وقال ابن الغضائري : محمّد بن فرات بن أحنف روى عن أبيه ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام ، ضعيف وابن ضعيف لا يكتب حديثه ، وقال النجاشي : محمّد بن فرات الجعفي كوفي ضعيف (انتهى كلامه رفع مقامه) واعلم ان المتتبع الخبير صاحب تنقيح المقال ـ بعد نقل أكثر هذه العبارة عن الخلاصة ـ أورد كثيرا من الأخبار التي رواها الكشّي فراجع تنقيح المقال ج ٣ ص ١٧٠ الطبع الأوّل.

٣٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فاستحق حينئذ الأرش بذهاب تلك المدّة التي ما كان ينطق ، لا الدية.

وقول آخر له في الخلاف بعدمها ، وهو مختار الشرائع ومستحسن التحرير ، لأن الأصل أنّ الأخذ بالاستحقاق ، والاستعادة تحتاج إلى الدليل ، وليس.

وقال في القواعد : ان علم ان الذهاب أوّلا ليس بدائم استعيد ، والّا فلا.

قال في الشرح : وهذا يشمل ثلاثة أقسام (الأول) حكم أهل الخبرة بأن الذهاب لا يدوم ، بل يرجع (الثاني) حكمهم بأنه يرجع بل يدوم (الثالث) أشكل الأمر ، ففي الصورة الأولى يستعاد قطعا ، وفي الثانية لا يستعاد ، لأنه هبة من الله ، ويشكل بظهور بطلان الحكم ، وفي الصورة الثالثة يلزم من كلامه بأنه لا يستعاد ويشكل بأن عوده أمارة أنّه لم يكن دائما ، بل ينبغي في هذه الصورة الاستعادة والظاهر انه أراد القسمين الأولين لا غير (١).

أي العلم بعدم العود فلا يرجع ، والعلم به فيرجع.

وأنت تعلم ان العلم لا تأثير له بعد أن ظهر عدم الزوال الدائم ، فعلم انه ما كان علما ، فالعبرة ما ذكرناه من انه ان كان الموجب بعد الزوال المعتد به بحيث يقال أنه زائل عرفا ، لا يعيد.

وان كان الموجب هو الزوال الدائم ، يعيد مع أخذ الأرش.

والظاهر هو الثاني ويمنع كون الأصل الأخذ بالاستحقاق بل الأصل عدمه ، نعم هو الظاهر بناء على خفاء المال ، وحكم الاستصحاب بالبقاء وعدم العود فلا أثر له بعد ظهور خلافه.

ويمكن ان يقال : ما (٢) تقدم في روايتي سليمان بن خالد ـ في السمع والعين ان كان ردّ الله عليه ان يسمع ويرى ، لم يرجع بشي‌ء فإنه عطيّة وهبة من الله

__________________

(١) إلى هنا عبارة الشرح.

(٢) مبتدأ وخبره قوله قدّس سرّه : (يدل إلخ).

٣٨٥

ولو أنبت الله اللسان بعد قطعه فلا استرجاع وكذا سنّ المثغر.

ولو كان له طرفان فأذهب أحدهما ونطق بالحروف فالأرش.

وفي الأسنان الدية وتقسم على ثمانية وعشرين اثنا عشر مقاديم

______________________________________________________

تعالى ـ يدل على عدم الرجوع هنا أيضا ، إذ لا فرق بينهما أصلا.

ولكن ينبغي تقييده في الكلّ بما فهم من القواعد من كون ذلك إذا كان ممّا لا يرجع عادة ، وأنّه زائل دائما ، فاتفق الرجوع بهبة ولطف من الله تعالى ، فكأنه ليس بالمعاد ، بل أمر آخر جديد ، مثل ان قطع اللسان ، فذهب ثم أنبته الله فرجع ، فإنه لا يرجع بشي‌ء من الدية هنا وهو ظاهر ، فإنه إعطاء جديد كما في السن المثغر ، فإنه إذا قلعه جان ثم عاد ونبت لم يرجع من الدية بشي‌ء.

المراد بالمثغر من سقط سنّه فنبت ولو سقط ولم ينبت مرّة أخرى على العادة.

وقد يناقش هنا أيضا بأن اللسان حينئذ كان ممّا ينبت فكأنه ما أزال لسانه فإنه عاد كما في سن الصبي إذا قلع ثم عاد ، فإنه لا دية حينئذ بل الأرش فقط على ما سيأتي.

وقد لا يسلم (لا يتسلم ـ خ) في المثغر أيضا وكان النظر إلى ما أشار إليه في القواعد من انه ان علم العود يرجع ، وان لم يعلم ، فلا ، فكأنه إذا كانت العادة والغالب عدم العود فحكمه حكم عدم العود مع العود فإنه نادر.

فأكثر الأحكام مبني على الظاهر والغالب ، فكأنه لا عود ، بل هبة مستأنفة ومجدّدة ان وجد العود فتأمّل ، واحتط.

قوله : «ولو كان له إلخ». لو كان اللسان طرفان فكأن أحدهما أصليّا والآخر زائدا كاليد والإصبع ، فإذا قطع احد الطرفين ولم ينقص من نفعه شي‌ء فقطع الزائد الذي لا تقدير له ، فيكون ديته الأرش.

قوله : «وفي الأسنان الدية إلخ». الظاهر عدم الخلاف في كون دية

٣٨٦

ثنيّتان ورباعيّتان ونابان ومثلها من أسفل وستة عشر مآخير وهي من كل جانب ضاحك وثلاثة أضراس ففي كل سنّ من المقاديم خمسون دينارا وفي كل من المآخير خمسة وعشرون.

______________________________________________________

الأسنان كلها الدية التامة ويدل عليه الاخبار أيضا.

واما كونها منقسمة على ثمانية وعشرين سنا ، وفي كل واحد من اثني عشر من المقاديم ستة من فوق ، وستة من تحت ، وهي ثنيتان ورباعيتان ، ونابان خمسون دينارا خمسمائة درهم.

وفي كل واحد من المواخير نصف ذلك وهو خمسة وعشرون دينارا ، مائتان وخمسون درهما وهي ستة عشر في كل طرف ثمانية ، أربعة من فوق وأربعة من تحت وهو ضاحك يبدو حال الضحك وأضراس ثلاثة.

فهو المشهور.

وتدل عليه ضعيفة الحكم بن عتيبة ـ له ـ قال : قلت لأبي جعفر عليه السّلام أصلحك الله (ان ـ خ) بعض الناس في فيه اثنان وثلاثون سنّا ، وبعضهم له ثمانية وعشرون سنّا (خ أ) فعلى كم يقسم دية الأسنان؟ فقال : الخلقة انما هي ثمانية وعشرون سنّا اثنا (اثنتا ـ خ) عشر.

في مقاديم الفم وست عشرة في مواخيره ، فعلى هذا قسمة دية الأسنان فدية كل سنّ من المقاديم ـ إذا كسرت حتى تذهب ـ خمسمائة درهم ، فديتها كلّها ستة آلاف درهم ، وفي كلّ سنّ من المواخير ـ إذا كسرت حتى تذهب ـ فان ديتها مائتان وخمسون درهما ، وهي ست عشرة سنّا ، فديتها كلّها أربعة آلاف درهم ، فجميع دية المقاديم والمواخير من الأسنان عشرة آلاف درهم وانما وضعت الدية على هذا ، فما زاد على ثمانية وعشرين سنّا فلا دية له ، وما نقص فلا دية له ، هكذا وجدناه في كتاب عليّ عليه السّلام ، قال : فقال الحكم : فقلت : ان الديات انما كانت تؤخذ قبل اليوم من الإبل ، والبقر ، والغنم ، قال : فقال : انما كان ذلك في البوادي قبل

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الإسلام فلما ظهر الإسلام ، وكثر الورق في الناس ، قسمها أمير المؤمنين عليه السّلام على الورق ، قال الحكم : وقلت له : أرأيت من كان اليوم من أهل البوادي ما الذي يؤخذ منهم في الدية ، اليوم إبل أو ورق؟ قال : فقال : الإبل اليوم مثل الورق بل هي أفضل من الورق في الدية انهم كانوا يأخذون منهم في دية الخطأ مائة من الإبل يحسب لكلّ بعير مائة درهم فذلك عشرة آلاف درهم ، قلت له : فما أسنان المائة البعير؟ قال : فقال : ما حال عليه الحول ذكر ان كلّها (١).

وهي مذكورة في الكافي وفي التهذيب والفقيه بسند واحد.

وقال أيضا في الفقيه : روى ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : أصابع اليدين والرجلين في الدية سواء (٢).

وقال : في السن إذا ضربت انتظر بها سنة ، فان وقعت اغرم الضارب خمسمائة درهم وإن لم تقع واسودّت أغرم ثلثي ديتها (٣).

وقضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الأسنان التي تقسم عليها الدية : أنها ثمانية وعشرون سنّا ، ستة عشر في مواخير الفم ، واثنا عشر في مقاديمه ، فدية كل سنّ من المقاديم إذا كسر حتى يذهب ، خمسون دينارا فيكون ذلك ستمائة دينار ، ودية كل سنّ من المواخير ـ إذا كسر حتى يذهب ـ على النصف من دية المقاديم خمسة وعشرون دينارا ، فيكون ذلك أربعمائة دينار فذلك ألف دينار فما نقص فلا دية له ، وما زاد فلا دية له (٤).

__________________

(١) أورد صدرها في الوسائل باب ٣٨ حديث ٢ من أبواب ديات الأعضاء وذيلها في باب ٢ من أبواب ديات النفس حديث ٧ ج ١٩ ص ١٤٨ وص ٢٦٢ على الترتيب.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ٩ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٥.

(٣) الوسائل باب ٤٠ حديث ١ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٦.

(٤) الوسائل باب ٣٨ حديث ١ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦١.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله : إذا أصيبت الأسنان كلّها فما زاد على الخلقة المستوية وهي ثمانية وعشرون سنّا فلا دية له (لها ـ خ) ، وإذا أصيبت الزائدة منفردة عن جميعها ، ففيها ثلث دية التي تليها (١).

هذه العبارة تدل على ان قوله : قضى (إلى قوله) : (قال مصنف هذا الكتاب) تتمّة رواية عبد الله بن سنان ، وهي صحيحة فتكون على المشهور رواية صحيحة ، وان لم تكن من تتمتها فلم تكن صحيحة ، بل مرسلة ، ولكنها مؤيّدة لرواية الحكم المشهورة مع نقلها في الفقيه بالمضمون (٢) ، فتأمّل.

ويدلّ على التساوي بين الأسنان كلّها وفي قسمة الدية على الكل على السواء ، ما في رواية علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : في السن خمس من الإبل أدناها وأقصاها ، وهو نصف عشر الدية ان (٣) كانت دنانير ، فدنانير ، وان كانت دراهم فدراهم ، وان كانت بقرا فبقرا ، وان كانت غنما فغنما ، وان كانت إبلا فإبلا ، على الدية مائتا بقرة ، وفي السّن عشرة من البقر ، وفي الإصبع عشر الدية ، عشر من الإبل (٤)

وما في رواية أبي بصير قال : في السنّ خمس من الإبل أدناها وأقصاها سواء (٥).

__________________

(١) الى هنا عبارة الفقيه.

(٢) إشارة إلى أن الصدوق قد ضمن صحة ما في من لا يحضره الفقيه بقوله رضي الله عنه : ولم اقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما افتى به وأحكم بصحته ، واعتقد فيه انه حجّة فيما بيني وبين ربي ، تقدّس ذكره ، وتعالت قدرته (انتهى) موضع الحاجة من لا يحضره الفقيه مقدمة الكتاب.

(٣) من قوله عليه السّلام ان كانت إلى آخرها لم يكن في النسخ نقلناه لارتباطه بالمقام.

(٤) الوسائل باب ٣٨ حديث ٦ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٣.

(٥) الوسائل باب ٣٩ حديث ٧ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٥.

٣٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : الأسنان كلّها سواء في كل سنّ خمسمائة درهم (١).

وكذا في مضمرة سماعة قال : سألته عن الأسنان؟ فقال : هي في الدية سواء (٢).

وما في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة أيضا : (أغرم الضارب خمسمائة درهم) (٣).

فإنها ظاهرة في أيّ سنّ كانت.

وما في رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السّلام في كل سنّ خمسون دينارا والأسنان كلّها سواء (٤) وما في رواية العلاء بن الفضيل : والسن من الثنايا ، والأضراس سواء نصف العشر (٥).

قال في التهذيب بعد نقل رواية الحكم (٦) : فاما ما رواه أحمد (ونقل صحيحة عبد الله بن سنان ومضمرة سماعة) ثم قال : فالوجه في هذين الخبرين ، والخبر الّذي قدمناه في رواية العلاء بن الفضيل أن نحملها على الثنايا ومقاديم الأسنان دون مواخيرها.

ولا يخفى بعد الحمل ، وان لا نصّ في رواية العلاء ولكن لو ثبت صحّة

__________________

(١) الوسائل باب ٣٨ حديث ٣ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٢.

(٢) الوسائل باب ٣٨ حديث ٤ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٢.

(٣) الوسائل باب ٤٠ حديث ١ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٦.

(٤) الوسائل باب ٨ قطعة من حديث ١ ج ١٩ ص ٢٢٤ لكن نقله من كتاب ظريف بن ناصح ، لا عن مسمع.

(٥) راجع الوسائل باب ١ قطعة من حديث ١١ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢١٧.

(٦) راجع الوسائل باب ٣٨ حديث ٣ من أبواب ديات الأعضاء ص ٢٦٢ وباب ٢ حديث ٨ من أبواب ديات النفس ص ١٤٨.

٣٩٠

وفي الزائدة المنفردة (منفردة ـ خ ل) الثلث ، ولا شي‌ء مع

______________________________________________________

رواية الحكم وما يقوم مقامها فلا بدّ من التأويل.

ويمكن الجمع بالتقيّة ان كانت ، أو استحباب الأقلّ للمجنى عليه والأكثر للجاني ، فتأمّل.

قوله : «وفي الزائدة منفردة إلخ». دليل ثلث الدية الأصليّة ، الصحيحة للسنّ الزائدة على الثمانية والعشرين الأصليّة المقررة عندهم ، سواء كانت من اثنين وثلاثين التي توجد كثيرا أو ما فوق ذلك.

هو ما تقرر عندهم أن لزائدة كل عضو ثلث اصليّة (أصلي ـ خ).

هذا إذا كانت منفردة عن الأصليّة.

واما إذا انقلعت منضمّة إليها فلا شي‌ء لها أصلا بل تؤدى دية الأصليّة ، وهي الكلّ لا الثلث ، هذا ظاهر كلام الأكثر.

وفيه تأمل ، إذ لا دليل على ان لكل زائد ثلث الأصلي ، ولهذا ذهب بعض إلى الحكومة والأرش ، لأنه عوض ما لا تعيين له في الشرع بخصوصه.

وأيضا إذا كانت منضمّة وانقلعت جميع الأسنان التي قلعها موجب لكلّ الدية فلا شي‌ء للزائدة ، مثل كل واحدة من الأصلي كقطع يد مشتملة على الإصبع الزائدة فإنها تدخل في الكل.

فذلك غير بعيد ، فان قلع جميع الأسنان موجب لتمام الدية ، سواء كانت ثمانية وعشرين ، أو اثنين وثلاثين أو أقل أو أكثر.

وقد ادعى عليه الإجماع في شرح الشرائع حيث قال : لا خلاف في ثبوت الدية لجملة الأسنان زادت أم نقصت.

وان كان في دعواه تأمّل ، إذ يفهم منها ان لو كان للإنسان سنّ واحدة وانقلعت يلزمه تمام الدية ، وفيه بعد.

واما إذا انقلعت منضمّة مع بعض الأصليّة فذلك غير ظاهر ، مثل ان

٣٩١

الانضمام فان اسودّت بالجناية ولم تسقط أو انصدعت (تصدّعت ـ خ ل) فالثلثان وفي المسودة (السوداء ـ خ) الثلث.

______________________________________________________

انقلعت الزائدة والأصليّة منفردتين ، فيحتمل هنا أيضا الثلث أو الأرش مع دية الأصليّة.

وأيضا هذا انما يكون مع الامتياز ، واما إذا كانت المقلوعة مشتبهة بالأصليّة كما إذا كانت اثنين وثلاثين سنّا ، فانقلعت واحدة مشتبهة ، فالظاهر الثلث على المشهور ، والحكومة على الآخر لأصل عدم قلع الأصليّة وبراءة الذمة واستشكله في شرح الشرائع ، والظاهر عدمه.

قوله : «فان اسودّت بالجناية إلخ». الواو اولى ، دليل ثلثي الدية على الجاني الذي ضرب على سنّ شخص حتى اسودّت ولم ينقلع هو صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : السنّ إذا ضربت انتظر بها سنة فإن وقعت اغرم الضارب خمسمائة درهم ، وان لم تقع واسودّت أغرم ثلثي ديتها (١).

واما كون الثلث في المسودّة ، فكأنه يظهر منها لأنه إذا كان للاسوداد ثلثا الدية ، فيكون لقلع المسودّة الثلث لذهاب ثلثيها.

ولرواية عبد الرحمن المقدمة عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام انه جعل في السن السوداء ثلث ديتها (٢).

ولنقل الإجماع عن الشيخ في شرح الشرائع.

ولان الاسوداد شلل ودية قلع وقطع الشلل ثلث ديته لقول الباقر عليه السّلام في رواية حكم بن عتيبة المتقدمة : (وكل ما كان من شلل ، فهو على الثلث من دية الصحاح) (٣) فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٤٠ حديث ١ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٦.

(٢) الوسائل باب ٤٣ حديث ٢ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٨.

(٣) الوسائل باب ٣٩ ذيل حديث ٣ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٣.

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فما في مرسلة أبان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : إذا اسودّت الثنيّة جعل فيها الدية (١) أي تمام دية السن.

ردّ لضعفها بالإرسال (٢) وغيره ومنافاتها لما سبق أو تحمل على القلع وتمام دية المسودّة.

وكذا ما في رواية مسمع : إذا اسودّت السن إلى الحول ولم يسقط فديتها دية الساقط (٣) ورواية عجلان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : في دية السنّ الأسود ، ربع الدية (دية السن ـ خ) (٤) ، يحذف أيضا لضعفها من وجوه مع ما مرّ.

فقول المبسوط : في اسودادها الحكومة ، وفي قلع السوداء الحكومة ، لأنها المتيقن وضعف مستند التقدير لا يخلو من بعد.

وكذا قول شرح الشرائع بعد نقل قول المبسوط : وهو متجه في الثاني دون الأوّل لصحتها ، فتأمّل.

واما دليل ثلثي الدية في الانصداع كما هو المشهور ، فليس بواضح ، فكأنه جعل بمنزلة الشلل وهو غير ظاهر مع الكبرى.

وما في رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السّلام ان عليّا عليه السّلام قضى (إلى قوله) : وان انصدعت ولم تسقط فديتها خمسة وعشرون دينارا ، مع ضعفها لا

__________________

(١) الوسائل باب ٣٩ ذيل حديث ٣ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٢٥.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم أو غيره ، عن ابان عن بعض أصحابه.

(٣) الوسائل باب ٨ قطعة من حديث ١ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٢٤ لكن من كتاب ظريف.

(٤) الوسائل باب ٤٠ حديث ٣ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٦.

٣٩٣

ودية السّن في الظاهر مع السنخ ولو كسر الظاهر خاصّة فالدية فإن قلع فعليه حكومة.

______________________________________________________

قائل بها ، بل لم يظهر كونه (١) في رواية مسمع ، حيث نقل في الكافي بعد رواية مسمع في ذيل قوله : (الأسنان إلخ) ، فالحكومة غير بعيدة.

قال في الشرائع : وفي انصداعها ولم يسقط ، ثلثا ديتها ، وفي الرواية ضعف والحكومة أشبه (٢).

ولو قطعها بعد انصداعها ، فالحكومة أيضا ، لما مرّ ، قيل : ثلث الدية بناء على وجوب الثلثين للانصداع ، فتأمّل.

قوله : «ودية السن في الظاهر إلخ». أي دية السن تثبت فيما يظهر من السن مع ما لم يظهر منها ، وهو الذي تحت اللثة ، وثبوت تمام الدية لمجموع السن الظاهر منها والمستور بأن قلعت من أصلها ، الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ، لأنها ثابتة للسنّ وهو سنّ من غير شكّ.

واما الظاهر منها حتى لو انكسرت من فوق اللثة وما بقي منها الّا ما تحت اللثة فهل يثبت تمام الدية له أم لا؟ ظاهر الأكثر ذلك ، فإنه سنّ ، بل انما يطلق على ذلك.

نقل عن المبسوط : السنّ ما شاهدته زائدا على اللّثة والسنخ أصله.

فعلى هذا لو قلع آخر ما بقي ـ وهو السنخ ـ يلزمه حكومة لا غير.

ويحتمل ان يكون هو المجموع لانه يقال : قلع سنّه وانكشف اللثة عن السنّ ويؤيّده الأصل وبراءة الذمة.

__________________

(١) يعني لم يظهر كون هذا القول وهو قوله : (وان انصدعت إلخ) جزء من رواية مسمع فان الكليني رحمه الله عنوان بعد نقل رواية عن مسمع : (دية الأسنان) وذكر هذه الجملة في ضمن هذا العنوان. نقول : ويؤيده انا لم نعثر على هذه الجملة بعنوان الرواية لا في الوسائل ولا في الكافي ولا في التهذيب.

(٢) إلى هنا عبارة الشرائع.

٣٩٤

فإن نبت سنّ الصغير فالأرش ، والّا الدية.

وفي العنق إذا كسر فاضورّ أو مع الازدراد فالدية فإن زال فالأرش.

______________________________________________________

قال في الشرائع : ولو كسر ما برز عن اللثة ، ففيه تردد ، والأقرب أن فيه دية السنّ.

لعل وجه القرب انه يسمّى سنّا لغة وعرفا ، فتأمّل.

قوله : «فإن نبت إلخ». لو قلع سنّ صبيّ صغير ، فان نبت بدله من غير عيب ، فاللازم هو الأرش ، لأنه قد كان يسقط ، وكأنه ليس بشي‌ء لازم ولا يضرّ في سنونه قلع ، نعم قد حصل ألم ، ونقص في الجملة ، فعليه الحكومة.

وان لم تنبت ، فعليه الدية ، فإنه أسقط سنّه وجعله بغير سنّ.

وتدل عليه مرسلة جميل ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهما السّلام انه قال : في سنّ الصبيّ يضربها الرجل فتسقط ثم ينبت؟ قال : ليس عليه قصاص وعليه الأرش (١).

وفي رواية مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ان عليّا عليه السّلام قضى في سنّ الصبيّ قبل ان يثغر ، بعيرا في كلّ سنّ (٢).

يمكن حملها على الإنبات بعد ذلك كما يقتضيه قوله : (قبل ان يثغر) مع كون الأرش ذلك حينئذ.

قوله : «وفي العنق إذا كسر إلخ». إذا كسر العنق فصار اعوج فاضورّ (٣) أي فنبت كذلك ، أو صار بحيث يمنع الازدراد ودخول شي‌ء في الحلق

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ حديث ١ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٥٨.

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ٢ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٥٨.

(٣) في الخبر : دخل على امرأته وهي تتضوّر من شدة الحمى أي تتلوّى وتصيح وتنقلب ظهر البطن (مجمع البحرين).

٣٩٥

وفي اللحيين من الطفل أو من (ومن لا ـ خ ل) لا أسنان له الدية ولو قلعا مع الأسنان فديتان.

______________________________________________________

يلزم على الجاني تمام الدية ان بقي على هذه الحالة ، وان زال يلزم الأرش.

زواله مع بقاء الشخص مشكل ، فلعل المنع من بعض الازدراد ، لا بالكلّية أي ما بقي مثل ما كان يزدرد.

دليل وجوب الدية إذا كان مانعا بالكلّية ، ظاهر ، فإنه بمنزلة قتله.

واما إذا بقي معه ويزدرد في الجملة والاعوجاج ، فلعلّ دليله الإجماع مستندا إلى رواية مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا أرعد القلب (١) فطار الدية ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : في الصعر الدية ، والصعر أن يثنى عنقه فيصير في ناحية (٢)

وهي ضعيفة ب (سهل ، ومحمّد بن الحسن الشمون وعبد الرحمن الأصمّ) (٣).

فإن كان دليل آخر من إجماع وغيره ، والّا فالحكم بمجرد ذلك مشكل ، فتأمّل.

واما الأرش ـ مع الزوال ـ فظاهر ، لأنه نقص في الجملة من غير تقدير شرعيّ بخصوصه فيكون أرشا كما في غيره.

قوله : «وفي اللحيين من الطفل إلخ». لعلّ دليل الدية التامّة في قطع اللحيين معا من غير سنّ ـ كما في الأطفال أو الشيخ أو غيرهما ممّن لا سنّ له ـ ما

__________________

(١) في القلب إذا أرعد (رعد ـ خ) الوسائل والكافي.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب ديات المنافع ج ١٩ ص ٢٨٦.

(٣) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك.

٣٩٦

وفي نقصان المضغ أو تصلّبهما الأرش.

وفي اليدين الدية وفي كل واحدة النصف وحدّهما المعصم فان قطع معها بعض الزند فالدية وحكومة.

______________________________________________________

تقدم من عموم الخبر أن ما في الإنسان منه اثنان ففيه نصف الدية ، وفيهما كلّها (١) ، وبعض الاعتبار وبعد ذلك لزوم الديتين إذا قلعتا مع الأسنان ، واحدة لهما ، والأخرى للأسنان ظاهر.

قوله : «وفي نقصان المضغ إلخ». وجه الأرش في نقصان المضغ بوقوع نقصان في اللحيين ، ظاهر ممّا تقدم من أن في النقصان الذي لا مقدّر له في الشرع معينا هو الأرش.

وكذا في تصلّب اللحيين ، قيل : هما العظمان اللذان يقال لملتقاهما : الذقن ويتصل طرف كل واحد منهما في الاذن.

قوله : «وفي اليدين ، الدية إلخ». وجوب نصف الدية في قطع اليد وإبانتها بحيث يصدق عليه ذلك وفي كلتيهما ، الدية ، يعلم ممّا مرّ من عموم الخبر الصحيح والحسن المتقدمين مع التصريح باليد في الحسن (٢).

ويدل عليه بالخصوص أيضا ، مثل رواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : في اليد نصف الدية ، وفي اليدين جميعا الدية ، وفي الرجلين كذلك ، وفي الذكر (كذلك ـ خ) إذا قطعت الحشفة الدية ، وفي الأنف إذا قطع المارن الدية ، وفي الشفتين الدية ، وفي العينين الدية ، وفي إحداهما نصف الدية (٣).

والحدّ الموجب لذلك هو المعصم ـ وهو الزند مفصل الذراع والكف ـ فان قطع مع اليد المحدودة بعض الذراع ، فيلزم لليد الدية ، وللزائد الحكومة والأرش

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١ حديث ١ ـ ١٢ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ١٣ ـ ٢١٧.

(٢) راجع الوسائل باب ١ حديث ١ ـ ١٢ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ١٣ ـ ٢١٧.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢١٥.

٣٩٧

وان قطعت من المرفق أو المنكب فدية واحدة.

______________________________________________________

وهو ظاهر ممّا تقدم غير مرّة.

ويحتمل الاكتفاء بنصف الدية ، للصدق ، ودخول الأضعف في الأغلظ كما دل عليه صحيح أبي عبيدة (١).

قوله : «وان قطعت من المرفق أو المنكب فدية واحدة». المراد بالدية الواحدة دية اليد ، فان كانت واحدة فنصف دية النفس ، والثنتين ، فتمامها ، والمراد (٢) قطعهما ودية النفس.

دليله أنه إحدى إطلاقات اليد ، وهو موجب للدية ، والزائد منفي بالأصل ، ولا يلزم من لزوم الحكومة إذا قطع ، فوق الزند ، لزوم أرش هنا أيضا ، إذ ليست (ثمّة ـ خ) تلك الزيادة داخلة تحت اسم اليد بحيث يصدق من هناك ، بل ما تحته يد ، وما فوقه شي‌ء آخر لا دية له ، فله الأرش بخلاف ما هنا.

ويحتمل الأرش هنا بالطريق الأولى لكون القطع أكثر ، وانه إذا قطعت اليد الواحدة من المرفق لزم دية تامّة ، نصف للكف ، ونصف للذراع من المرفق إلى الكفّ فإنه أيضا يده فكأنما قطع يدين.

وإذا كان من المنكب فدية ونصف ، فإنه منه إلى المرفق ، يد ومنه إلى الزند يد ، وأيضا ، منه إلى الأصابع ، وكلّ واحد موجب للنصف.

فتأمّل فإنه ليس بمعلوم ان من المرفق إلى الزند يدا ، وكذا من المنكب إلى المرفق ، بل المجموع يد واحدة ، وليست تلك الزيادة بخارجة حتى توجب الأرش والحكومة أيضا ، لكن قياسها على الاولى محتمل قريب في لزوم تعدّد الدية أو الدية والأرش بل الأولويّة ، وان كان كون أحكام الدية تعبّدا محضا يدفعه ، فافهم.

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ٧ من أبواب ديات المنافع ج ١٩ ص ٢٨١.

(٢) يعني مراد الماتن رحمه الله من قوله : قطعت من المرفق إلخ قطع نفس المرفق والمنكب ومراده من قوله : فدية دية النفس لا دية العضو.

٣٩٨

ولو كان على المعصم كفّان باطشان فالأزيد (بطشا ـ خ) هو الأصلي وان كانت منحرفة عن السّاعد ولو تساويا فلا قصاص في إحداهما وفيه نصف دية اليد وزيادة حكومة.

وفي الذراعين الدية وكذا في العضدين.

______________________________________________________

قوله : «ولو كان على المعصم إلخ». إذا قطع اليد من الكوع (١) وتحته كفان ، فان لم تكن إحداهما باطشا فالباطش أصليّ ، لها القصاص ودية اليد ، وللآخر الأرش ، فإنه ليس بيد.

وان كان لها أيضا بطش ، فان كان إحداهما أزيد بطشا بحيث علم بها أنها الأصليّ ، والأخرى الزائدة وان كانت منحرفة عن السّاعد ومعوجة والأخرى مستقيمة ، فكما تقدم.

والأمثل أن يكونا متساويتين في البطش ، فظاهر المتن عدم القصاص لعدم العلم بتعيين الأصليّة ، لاحتمال عدم الأصليّة وكونهما زائدتين ، فيكون في إحداهما نصف الدية ، وهو دية اليد ، وفي الأخرى الأرش.

وفيه تأمل للعلم بذهاب الأصليّة وان لم تكن معلومة ، واحتمال كونهما زائدتين لا يلتفت في الشرع كما في الكف الواحد وغيره ، والّا يلزم الأرش ، لا دية اليد ، وهي نصف الدية وهو ظاهر ، نعم لو قطعت إحداهما وبقي الأخرى ، فعدم القصاص متوجه.

ويحتمل نصف الدية لظهور أنّها الأصليّة لوجود ما يوجد في الأصليّة فيه.

وفيه تأمّل للتساوي ، والأصل عدم كونها أصليّة وبراءة الذمّة إلّا أن يكون الأرش أكثر من نصف الدية ، فأقل الأمرين ، محتمل جيّد ، فتأمّل.

قوله : «وفي الذراعين ، الدية إلخ». دليل وجوب تمام دية النفس ـ في

__________________

(١) الكوع طرف الزند الذي يلي الإبهام والجمع اكواع كقفل واقفال (مجمع البحرين).

٣٩٩

وفي كل إصبع من اليدين أو الرجلين مائة دينار.

______________________________________________________

الذراعين ، وكذا في العضدين ، وفي كل واحدة منهما نصف الدية ـ ما تقدم في اليد وغيرها.

وهذا في الذراعين إذا لم يكن كفّ ، ظاهر ، وكذا في العضدين إذا لم يكن معهما ذراع.

واما مع وجودهما فقد تقدّم لزوم دية واحدة للقطع من المنكب مع ما فيه من احتمال التعدد.

فلعلّ مراده هناك قطع المنكب مع قطع النظر عن العضد ، وهو بعيد جدا أو مراده هنا ، مع عدمهما كما ذكرناه ، فتأمّل.

ويحتمل الأرش في الزائد ، والدية في الكف فإنه اليد بالاتفاق ، فتأمّل.

قوله : «وفي كل إصبع من اليدين إلخ». دليل مائة دينار ـ وهو عشر الدية في كل إصبع من اليدين والرجلين ـ أخبار.

مثل صحيحة عبد الله بن سنان (عن أبي عبد الله عليه السّلام ـ ئل) قال : أصابع اليدين والرجلين سواء في الدية في كلّ إصبع عشر من الإبل ، وفي الظفر خمسة دنانير (١).

وعشر من الإبل عشر وبحساب الدنانير مائة دينار.

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام في الإصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلّت قال : وسألته عن الأصابع أهنّ سواء في الدية؟ قال : نعم ، قال : وسألته عن الأسنان ، فقال : ديتهن سواء (٢).

__________________

(١) أورده صدره في الوسائل باب ٣٩ حديث ٤ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٤ وذيله في باب ٤١ حديث ٢ منها ص ٢٦٧.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ٣ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٤ إلى قوله : نعم ولم نعثر على قوله عليه السّلام : قال : وسألته إلخ في الوسائل راجع يب ج ٢ ص ٢٥٧ والاستبصار ج ٤ ص ٢٩٧.

٤٠٠