مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

ولو تساويا اقتصّ مع اتفاق المحلّ.

ولو كان لقاطع اليد ستّ أصول قطع خمس أصابعه ودفع حكومة اليد ولو كان فيها زائدة واشتبهت فلا قصاص.

______________________________________________________

بالزائدة ، لأنّها تقتصّ بالكاملة ، إذ ذلك إنما يكون مع اتحاد المحلّ ، فإنّ ذلك شرط القصاص ، كما مرّ ، ولهذا لم يقتصّ الإبهام بالسبابة وبالعكس وغير ذلك.

وكذا يقتصّ لأربع الأصابع الكاملة الأصلية بمثلها ويأخذ المجني عليه دية الزائدة الناقصة لو كانت الزائدة له خاصّة ، فإنّه لا يمكن قصاص الكاملة بالناقصة.

ولو تساوى المجني عليه والجاني في أنّ لهما إصبعا زائدة ، مثل ان يكون لكلّ واحد منهما أربع (أربعة ـ خ) اصلية وواحدة زائدة اقتصّ في كلّ الأصابع إن اتّحد محل الزيادة فيهما ، وإلّا اقتصّ في الكاملات الّتي اتحد محلّها وأخذ دية الزائدة الناقصة التي ما اقتصّ لها من الجاني ، لأنّه كانت في موضعها الكاملة وهي لا تؤخذ بالناقصة.

نعم قطعت زائدة لكاملة المجني عليه ، لأنّه يؤخذ الناقصة بالكاملة ، كما مرّ ، فتأمّل.

قوله : «ولو كان لقاطع اليد إلخ». أي إذا كان للجاني الذي قطع يد شخص من الكوع ستّ أصابع كلّها اصلية بمعنى التساوي في القوة ، اقتصّ بقطع أصابعه التي للمجنى عليه وأخذ منه دية اليد من الكوع إلى أصول الأصابع ، لعدم إمكان القصاص ، لأنّه يحصل الظلم ، ولا يجوز القطع مع دية الزائدة ، لأنّه قطع بغير استحقاق فهو ظلم ، وعدم أخذ شي‌ء يستلزم هدر شي‌ء من المجني عليه.

ولو كانت بين أصابع الجاني مشتبهة بالأصلية يسقط القصاص وتعيّن الدية ، وهو ظاهر ممّا مرّ ، فتأمّل.

١٢١

ولو كان لإصبع أربع أنامل متساوية فقطع صاحبها أنملة معتدل قطعت واحدة وهل يطالب بما بين الربع والثلث؟ اشكال.

______________________________________________________

قوله : «ولو كان لإصبع إلخ». أي لو كان لإصبع شخص أربع أنامل متساوية فقطع أنملة واحدة لشخص معتدل الأنامل مثل أكثر الناس على ثلاث أنامل قطعت واحدة من أربع أنامله.

كأنّه لا اشكال ولا خلاف في ذلك ، لكن هل يطالب بالتفاوت بين الكاملة الأصليّة والناقصة الأنملة الزائدة وهو نصف سدس إصبع وأخذه (واحدة ـ خ) الذي هو التفاوت ما بين الربع والثلث ، وهو الواحد من اثني عشر ، لأنّ دية الإصبع إذا قسمت على أنملتها الثلاث المتعارف يصير لكلّ واحدة ثلثها ، وإذا قسمت على الإصبع التي لها أربع أنامل يصير لكلّ أنملة ربعها ، فالتفاوت هو بين الرّبع والثلث وهو نصف السدس وهو ظاهر ، أم لا؟ (١) فيه اشكال ، لعدم استيفاء حقّه بكماله ، إذ أنملته كاملة وأنملة الجاني ناقصة ، فلو لا الاستيفاء لزم الضرر المنفي بقوله صلّى الله عليه وآله : لا ضرر ولا ضرار (٢).

ولأنّ المماثلة هنا غير متحققة بينهما ، والواجب المماثلة لقوله تعالى «بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (٣) فلا بدّ من الفاضل.

ولأنّه كنقصان يد الجاني إصبعا.

ولأنّ أنملة الجاني المقتصّة تسمّى أنملة فتصدق المماثلة فخرج عن العهدة.

ولأنّه ما يزيد على قطع ما في المرأة بما في الرّجل من الأعضاء فيما دون الثلث.

__________________

(١) متعلق بقوله قدّس سرّه : لكن هل يطالب بالتفاوت إلخ.

(٢) راجع الوسائل الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات الرواية ٣ و ٤ ص ٣٤١ والباب ٥ من أبواب الشفعة الرواية ١ ص ٣١٩.

(٣) البقرة : ١٨٧.

١٢٢

ولو كان لأنملته طرفان ثبت القصاص مع التساوي وإلّا اقتصّ وأخذ أرش الآخر ولو كانت للجاني فلا قصاص وللمجنى دية أنملته.

______________________________________________________

ولأنّه لو وجب الردّ لامتنع القصاص لعدم المماثلة حينئذ.

ولأنّه كجناية النفس على النفس ، وكما لا ردّ هناك فكذا هنا.

وبعض هذه الوجوه لا يخلو عن دخل.

واعلم أنّي لم أقف على خلاف في هذه المسألة ممن يعبأ به ، بل المصنف ذكرها في القواعد ، مفتيا بالوجه الأوّل من غير احتمال ، وكذلك غيره ولا شك في أنّ الأوّل أوجه.

ومنه يعرف حكم الزائد على أنملة ، كذا في الشرح.

ولا يخفى أنّ الأصل هو العدم ، ووجوه الأوّل أيضا لا يخلو عن شي‌ء كبعض الوجوه الثاني.

وأنّه لا يكفي الدخل في بعض وجوهه ، لاختيار الأوّل ، والظاهر صدق المماثلة الظاهر عرفا ، وأنّها يكون كافيا ، فتأمّل واحتط.

قوله : «ولو كان لأنملته إلخ». لو كان لأنملة المجني عليه طرفان ثبت القصاص فقط على الجاني ان كان هو مساويا للمجنى عليه في وجود الطرفين لأنملته التي متحدة مع أنملته التي في المحل.

وان لم يكن كذلك اقتصّ أنملة واحدة لطرف واحد وأخذ أرش الطرف الآخر.

ولو كان لأنملة الجاني فقط طرفان فلا يمكن القصاص إذ يلزم قطع الطرفين لطرف واحد.

ويمكن إيجاب القصاص فيهما مع دفع أرش أحدهما ، كما مرّ ، وسيجي‌ء فيما سيجي‌ء ، ففيه تأمّل.

١٢٣

ولو قطع الوسطى ممّن لا عليا له اقتصّ بعد ردّ دية العليا.

ولو قطع عليا ووسطى من شخصين أخّر ذو الوسطى الى ان يقتصّ ذو العليا فان عفا فلذي الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا ولو سبق ذو الوسطى بالقصاص فعليه دية العليا ولذي العليا على الجاني الدية.

ولو ادّعى الجاني نقصان إصبع قدّم قول مدّعي السلامة ـ سواء ادّعى زوالها طارئا أو نفى السلامة أصلا ـ على اشكال.

______________________________________________________

والأولى (فالأولى ـ خ) ان يقال : أنّ للمجنى عليه دية أنملته.

قوله : «ولو قطع الوسطى إلخ». لو كان للمجني عليه الأنملة الوسطى دون العليا فقطعها الجاني اقتصّ له من الوسطى فيلزم قطع العليا أيضا من غير استحقاق ، فيلزم المجني عليه ديتها أوّلا حتى يقتصّ.

وفي الفرق بين هذا وبين سابقه في طرفي الأنملة تأمّل.

قوله : «ولو قطع عليا إلخ». لو قطع عليا من شخص ووسطى من آخر اقتصّ أوّلا لصاحب العليا ثم صاحب الوسطى ، فيؤخّر قصاصه إلى ان يقتصّ ذو العليا وهو ظاهر.

فان عفا ذو العليا على مال أو مجردا فصار مثل قطع من له عليا وسطى ممّن لا عليا له ، فيدفع دية العليا ثمّ يقتصّ الوسطى كما تقدم مع ما تقدم.

ولو سبق ذو الوسطى فاقتصّ ، فعليه دية العليا للجاني لتعذّر القصاص ، ولصاحب العليا الاولى ديتها على جانيها ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو ادّعى الجاني إلخ». قال في الشرح : ذكر الإصبع إشارة إلى أنّه فرض المسألة في العضو الظاهر أي الذي لا يجب ستره شرعا ، قاله في المبسوط

١٢٤

ولو ادّعى قاطع اليدين والرجلين الموت بالسراية صدّق باليمين مع قصر الزمان والولي مع احتمال الاندمال.

______________________________________________________

وقيل : أو مروّة (مردة ـ خ) (١).

وجه تقديم قول مدّعي السلامة مطلقا ـ سواء ادّعى طريانه أم لا ـ ، أنّ الظاهر معه ، فإنّ أكثر أفراد الإنسان مخلوق كذلك وأكثر أحكام الشرع محمول على الغالب ، والمتعارف إلحاق الفرد بالغالب الكثير ، فلا يعارضه الأصل هنا ، وان كان مقدّما عليه في أكثر الاحكام.

وهذا في دعوى زوال السّلامة ينبغي ان يكون بغير اشكال ولا نزاع ، لأنّ الأصل والظاهر معا معه ، ولا وجه لتقديم قول مدعي طريان عدم السلامة بمجرد أصل براءة الذمّة وعدم القصاص والدية ، وأنّه منكر ومخالفة مدّع والبيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، فافهم.

نعم لدعوى عدمها أصلا وجه ، فإنّ أصلي البراءة وعدم السلامة وجهه ، فتأمّل ، وهو قول البعض.

وفي المسألة احتمال آخر ، وهو التفصيل بالعضو الظاهر والباطن وقبول دعوى مدّعي السّلامة في الباطن لعدم إمكان الشهود عليه غالبا بخلاف الظاهر مثل إصبع فإنّه يمكن الاشهاد عليه من غير مشقة وعسر فالقول قول منكرها فالاحتمالات أربعة مجملان ومفصّلان.

قوله : «ولو ادّعى قاطع إلخ». إذا قطع شخص يدي رجل ورجليه ومات ، ولمّا أراد وليّه القصاص في الأطراف ادّعى القاطع أنّه مات بسراية قطع أطرافه ، فليس لك إلّا القصاص في النفس ، لا في قطع الأطراف ، ويدّعي الولي أنّه

__________________

(١) كذا في النسخ ، فتأمّل في هذه الجملة لعلك تفهم المراد منها ولعلها معطوفة على قوله : (شرعا) أي يجب ستره مروّة.

١٢٥

فان اختلفا في المدّة قدّم قول الجاني.

ولو قطع يدا وانعكست الدّعوى قدّم قول الجاني مع مضيّ مدة إمكان الاندمال ، والّا قول الوليّ ولو اختلفا في المدّة قدم قول الوليّ على اشكال.

______________________________________________________

اندمل أحدهما فمات بغيره ، فالقول قول القاطع مع يمينه ان كان الزمان الذي بين موت المجني عليه وقطع أطرافه قليلا بحيث يبعد اندماله فيه والموت بغيره عملا على الظاهر ، فانّ الموت المترتّب على قطع الأعضاء بزمان قصير ظاهر في وقوع الموت بالقطع والسراية.

وان كان طويلا بحيث يمكن فيه ذلك فالقول قول الوليّ مع يمينه عملا بمقتضى الجناية المحقّقة وعدم وقوع الموت بها ، وتركا للمشكوك بالمتيقن ، فإنّ الموت بالقطع مشكوك ووقوع القطع الموجب للقصاص معلوم ، مع عدم دليل يدلّ على كون الموت بالسّراية ، مثل الظاهر الذي كان في قصر الزمان.

فان اختلف الجاني والولي في قصر الزمان وطوله ـ بأن يدّعي الجاني الأوّل حتّى يقدّم قوله ، ولم يمكن للوليّ إلّا القصاص في النفس على ما مرّ ، والولي يدّعي الأخير حتى يثبت القصاص في الأطراف ـ قدّم قول الجاني مع يمينه الأصل عدم مضي زمان كثير ، ولأنّه فعله ، وهو العلم ، فإنه بالحقيقة يدّعي فعله في زمان سابق بقليل على الموت ، والوليّ يدّعي سبقه عليه بكثير.

تأمّل ، فإنّ الأصل عدم وقوع الموت بالسّراية ، وعدم ترك اليقين بالمشكوك مع عدم دليل ظاهر في خلاف ذلك ، فتأمّل.

قوله : «ولو قطع يدا إلخ». إذا قطع قاطع يد شخص ومات المقطوع فادّعى وليّه أنّه مات بالسراية فيقتصّ النفس ، وأنكر القاطع ذلك ، قدّم قول الجاني هنا أيضا ، إن مضى من وقت القطع إلى زمان الموت زمان طويل يمكن الاندمال

١٢٦

ولو ادعى الوليّ حياة المقطوع بنصفين في الكساء أو الموت بالسراية وادّعى الجاني موته أو موت المجروح بشرب السّم ، تعارض أصل السلامة وعدم الشرب مع أصل البراءة وعدم الموت بالسراية فيرجّح الجاني.

______________________________________________________

فيه والموت بغيره ، للأصل ، والظاهر ، مع عدم ظهور ما يدل على كونه بالسراية مثل الاولى حتّى يقدم قول مدّعيها ، ولما تقدّم من يقين (تعيين ـ خ) القطع والشك في النفس.

وان لم يمض زمان يسع ذلك قدّم قول الوليّ ، فإنّ الظاهر اسناد القتل الى القطع ، فإنّه أمر متحقق قابل للاستناد مع وقوع شي‌ء آخر فيستند إليه في العادات.

وبالجملة هذا أيضا من المواضع التي قدّم فيها الظاهر على الأصل كما تقدّم ، فتأمّل.

ولو اختلف القاطع والوليّ بان ادّعى الجاني مضيّ زمان يمكن فيه الاندمال وأنكر الولي ذلك ، ففيه اشكال ، من تقابل أصل براءة الذمّة وأصل عدم مضي زمان يمكن فيه ذلك ، وتعارض ظاهر معرفة صاحب الفعل زمان فعله ، فإنّ مرجعه إلى النزاع في ابتداء زمان الجناية وظاهر كونه بالسراية ، لما تقدّم.

وفيه تأمّل يعرف ممّا تقدم من ترجيح الظاهر على الأصل.

وبالجملة ينبغي عدم الاشكال هنا أيضا ، والاشكال فيما تقدّم أيضا من الاختلاف في الزمان في قطع اليدين والرجلين ، إلّا ان يدّعى أنّ الظاهر هناك أكثر.

قوله : «ولو ادّعى الولي إلخ». إذا قطع شخص شخصا بنصفين ملفوفا في كساء عمدا ، فادّعى وليه القصاص ، وادّعى القاطع أنّه كان ميّتا حال القطع.

أو جرح شخصا ومات ذلك الشخص وأراد وليه دمه ، فادّعى أنّه ما مات

١٢٧

ولو قطع إصبع رجل ويد آخر اقتص للاوّل ثم للثاني (١) ويرجع بدية إصبعه (إصبع ـ خ ل) عليه للمتأخّر من ذي الإصبع واليد.

______________________________________________________

بالسراية بل سقى سمّا فمات بشرب السّم ، فتعارض هنا أيضا أصلان ، أصل السلامة حتّى مات بالقطع.

فالقول قول الولي وأصل براءة الذمة ، فالقول قول القاطع في المسألة الاولى ، وأصل عدم الشرب فمات بالجرح فيصدّق الولي ، وأصل عدم الموت بالسراية فيصدّق الجارح في المسألة الثانية فترجّح (فيرجّح ـ خ) المصنف قول الجاني والقاطع والجارح ، فليس عليه إلّا دية قطع الميت نصفين وأرش جراحته بأنّ الذي متحقق ومعلوم هنا هو القطع والجرح لا القتل بهما فلا يثبت عليه إلّا مقتضاها لا مقتضى القتل ، فإنّه غير معلوم والأصل عدمه.

وبالجملة الجاني منكر والوليّ مدّع فالإثبات عليه ، ولا يثبت بمجرّد تلك الدعوى والظهور.

ولكن مقتضى ما تقدّم من ترجيح الظاهر رجحان قولي الوليّ ، فإنّ الظاهر والمتبادر ـ ومع أصل السلامة والاستصحاب وأصل عدم تحقق موجب آخر ـ يدل على صدقه وأنّ الموت مستند إلى القطع لا إلى شي‌ء آخر.

ولا يعارض ذلك كلّه أصل البراءة ، فإنّ أصل براءة الذمة يندفع بكلّ دليل ولا يعارض دليلا.

نعم هو دليل العدم ما لم يكن دليل مخرج.

وكذا ذلك كلّه يرجع أنّ الموت بالجرح في المسألة الثانية لا بشرب السّم.

ولا يعارض أصل عدم السراية بل مع أصل براءة الذمّة ، فتأمّل.

قوله : «ولو قطع إصبع رجل إلخ». لو قطع جان إصبع شخص ثم قطع

__________________

(١) في بعض النسخ : اقتص الأوّل ثم الثاني.

١٢٨

ولو قطع عدّة أعضاء خطأ فعليه ديتها ، وان كان أضعاف الدية ان اندملت والّا فالدّية وهل له المطالبة بالجميع قبل الاندمال؟ الوجه لا ولو اندمل البعض ثمّ سرى الباقي أخذ دية المندمل ودية النّفس.

______________________________________________________

يد آخر مع أصابعه ، اقتصّ للاوّل لتقدم سببه ثم للثاني ، وأخذ دية الإصبع التي قطع للاوّل من الجاني للمتأخّر الذي قطع يده مع إصبعه واقتصّ له وبقي إصبعه بلا عوض لقطعه بالأوّل ، وهو المراد بقوله : (للمتأخّر من ذي الإصبع واليد) ، فتأمّل.

ولو انعكس ، قطعت يده مع الأصابع لذي اليد وأخذ منه دية الإصبع لذي الإصبع ، لما مرّ.

قوله : «ولو قطع عدّة أعضاء إلخ». لو قطع شخص أعضاء كثيرة من شخص خطأ ، فلا شك انّ عليه دية كلّ واحد واحد ، وان كانت الديات أضعاف دية نفسه ، لحصول الموجب وعدم المسقط ، إن اندملت وطابت الجراحات ولم تؤثّر (يؤثّر ـ خ) ولم يهلك النفس.

والّا ـ أي وان لم يندمل بل أثّرت وسرت في النفس وأهلكتها ـ فليس عليه إلّا دية نفس كاملة ، لدخول الأطراف والجراحات في النفس ، على ما تقرّر عندهم.

كأنّه للإجماع والنّص.

ولو طاب بعض الجراحات وبقي البعض وسرت في النفس حتّى أهلكتها لزمه دية المندمل والذي طاب من الجروح ، ودية النفس لإهلاكها بالسراية ، وذلك واضح.

وهل للمجنى عليه مطالبة الجاني بدية الجراحات قبل الاندمال واحتمال السراية في النفس وصيرورة الديات الكثيرة اللازمة دية النفس الواحدة ولكن ان ظهر الحال على خلاف ما أخذه منه والزيادة ـ بأن أخذ أضعاف الديات ومات بالجميع من غير اندمال شي‌ء ـ يردّ الجميع إلّا دية واحدة.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أم يلزمه الصبر حتّى يتحقق عدم الاندمال ، فيستقر أرش الديات وان كانت أضعاف دية نفس كاملة.

أو عدمه ، فيدخل الجميع في النفس فيلزم دية واحدة.

أو يدخل البعض دون البعض فيدخل البعض في البعض ، ويبقى البعض على حاله ، فيؤخذ مقتضاه مع دية النفس ، وان زادت على ديات كثيرة؟

الوجه عند المصنف عدم المطالبة ، قال في الشرح : هذا مذهب المبسوط في فصل الشّجاج والجراح ، معبّرا بمقتضى المذهب وابن البرّاج ، في المذهب ، وهو ظاهر الخلاف وظاهر المحقق نجم الدين ، بل يطالب بدية لا غير ، لأنّه لا يعلم بقاء استحقاق الباقي لجواز السراية ودية الطرف يدخل في دية النفس اتفاقا ، فلا يتسلط على ماله بمجرد الظنّ ، لأنّ يقين البراءة لا يعارضه ظنّ البقاء ووهمه.

ويحتمل الجواز عملا بالاستصحاب الحالي وأصالة عدم طريان المسقط.

إلى قوله (١) : ونقل في الكتابين قولا آخر بعدم جواز المطالبة بشي‌ء أصلا لعدم الاستقرار إلّا بعد الاندمال.

ولا يخفى أنّ عبارة المصنف إلى هذا القول أقرب ، فلا يكون (٢) قول المبسوط المتقدّم.

وأنّ هذا القول بعيد ، لأنّ استقرار الدية الواحدة ثابتة مستقرة من غير شك ، فالمنع عنها منع المستحق عن حقّه بغير وجه.

وكأنّه لذلك حمله على قول المبسوط ، بان يكون معناه منع مطالبته بالجميع ، ويكون المنع راجعا إلى المجموع من حيث المجموع ، فيكون مطالبته الجميع ممنوعا (٣)

__________________

(١) أي قول الشارح.

(٢) يعني فلا يكون الأقرب قول المبسوط.

(٣) هكذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب ممنوعة.

١٣٠

ويؤخر القصاص في شدة الحرّ (من الحرّ ـ خ ل) (من شدة الحرّ ـ خ ل) والبرد الى اعتدال النهار.

ولا قصاص بغير الحديد.

______________________________________________________

لا البعض ، فيفهم منها جواز البعض ، ويكون ذلك البعض هو الدية الواحدة بقرينة القول بها لا بغيرها.

وأنّ أصل براءة الذمة يدلّ على ان لا يحكم بخلافه حتّى يثبت ، وليس مجرّد وجود قطع الأعضاء مع احتمال دخلها في النفس يكون موجبا لوجوب الدية في الحال قبل اليأس من السراية والتداخل ، فليس هنا منع المستحق عن حقّه الثابت يقينا بالظنّ أو الوهم ، فلا يتمّ وجه الاحتمال ، وكأنّه لذلك قالوا به.

ويؤيّده أنّه لو هلك النفس بالسراية بعد أخذ ديات الأعضاء كلّها يتبيّن فساد الأخذ ويحتاج إلى الترادّ ، وقد يتعذّر ، فيؤول إلى الضرر.

على أنّ القائل به من القدماء غير معلوم ، كأنّه لذلك ما نقله في الشرح.

نعم به قال الشيخ علي والعجب منه ذلك ، لعدم خروجه عن المشهور ، وان كان له وجه ، فتأمّل.

قوله : «ويؤخّر القصاص إلخ». قد مرّ ما يفهم منه تأخير القصاص من وقت الحرّ والبرد من أوّل النّهار إلى وقت اعتداله مثل وسطه في البرد وأوّل الصباح في الحرّ من تأخير الحدود إلى ذلك الوقت.

وأنّ الظاهر على سبيل الاستحباب لا الوجوب ، وأنّ ذلك في الأطراف لا النّفس ، فإنّ النكتة التحرّز عن السراية وحصول الضرر للجاني ، ولا معنى لذلك في قصاص النفس.

قوله : «ولا قصاص بغير الحديد». لعلّ وجهه الإجماع والخبر (١) ، ولا

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ج ٢ ص ٨٨٩ ح ٢٦٦٧ و ٢٦٦٨ وفيه «لا قود الّا بالسيف».

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

فرق في ذلك بين وقوع أصل الجناية بالحديد أو بغيره.

المشهور عدم جواز الاقتصاص إلّا بضرب العنق بالسيف ، لأنّ المجوّز هو القصاص بإزهاق الروح وهو حاصل به والزيادة تعذيب ما ورد به الشرع ، بل قالوا : لا بد ان لا تكون الآلة كالّة ومسمومة ، بل حادّة ، وان كان آلة الجاني كالّة ومسمومة أو قتل بالحرق والغرق أو برضخ رأسه بالحجر ونحوه.

ولعلّ في رواية موسى بن بكر ، عن عبد الصالح (العبد الصالح ـ ئل) عليه السّلام اشارة إليه ، في رجل ضرب رجلا بعصا فلم يرفع العصا حتّى مات ، قال : يدفع إلى أولياء المقتول ، ولكن لا يترك يتلذّذ به ، ولكن يجاز عليه بالسيف (١).

وحسنة الحلبي ومحمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني جميعا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قالا سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه حتّى مات أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال : نعم ، و (لكن ـ ئل) لا يترك يبعث به ، ولكن يجيز عليه بالسيف (٢).

وفي أمثاله دلالة على عدم اشتراط حضور الحاكم والشهود في القصاص ، ولا يبعد استحباب ذلك.

وقال في شرح الشرائع : يستحبّ للإمام ان يحضر عند الاستيفاء شاهدين فطنين احتياط ولإقامة الشهادة ان حصلت مجاحدة وفيه إشارة إلى أنّ المستوفي هو الامام عليه السّلام فمع عدمه يكون الحاكم ، وقد صرح في القواعد باشتراط الحاكم ، وادّعى في مجمع البيان كون ذلك مذهب الأصحاب ونقل (شرح الشرائع ـ خ) عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٢ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٣ ج ١٩ ص ٩٥ ـ ٩٦.

(٢) الوسائل الباب ٦٢ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ ج ١٩ ص ٩٥.

١٣٢

ولو قلع العين قلعت بحديدة معوجة.

ولو قطع بعض الأنف نسبناه إلى الأصل وأخذ من الجاني

______________________________________________________

ابن الجنيد جواز قتل الجاني بمثل ما قتل المجني عليه لقوله تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (١) والعقل أيضا يساعده.

وما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله من حرّق حرّقناه ومن غرّق غرّقناه (٢).

وروي أنّ يهوديّا رضخ رأس جارية بالحجارة فأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله برضخ رأسه بالحجارة (٣).

ولا يضر عدم صحة السند بل عدم سندها وثبوتها من العامة.

ولأنّ التشفّي أيضا مقصود في شرع القصاص في الجملة ، وذلك إنّما يحصل بالمثل لا أقلّ.

واستثنى على تقدير جواز ذلك ، كما هو مقتضى الآية الشريفة ، إذا قتل الجاني شخصا بمجرم (بمحرّم ـ خ) الأصل مثل اللواط والزّنا بعنف حتّى قتل أو وجر في فيه وحلقه الخمر حتّى مات ، ويمكن قتله هنا بوجر مائع في حلقه.

واستثنى القتل بالسّحر أيضا ، ويحتمل القتل بالكالّ (٤) أيضا إذا قتل بالكالّ ، لما مرّ ، قاله في شرح الشرائع أيضا ، فتأمّل.

قوله : «ولو قلع العين إلخ». الفرض بيان الطريق الجائز للقصاص في قلع العين ، وهو يحصل بحديدة تكون معوجة الطرف وحادّة ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو قطع بعض الأنف إلخ». إذا قطع الجاني بعض أنف المجني

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.

(٢) سنن البيهقي : ج ٨ ص ٤٣.

(٣) سنن ابن ماجة : ج ٢ ص ٨٨٩ ح ٢٦٦٥ مع اختلاف.

(٤) يعني ويحتمل استثناء القتل بالكالّ ، والكالّ بالتشديد من كلّ السيف والرّمح أي ثقل.

١٣٣

بتلك النسبة لا بقدر المساحة.

وكلّ عضو يقاد فمع عدمه الدية كان يقطع إصبعين وله واحدة.

ولو طلب القصاص قبل الاندمال فله.

______________________________________________________

عليه اقتصّ له من أنف الجاني بمقدار نسبة المقطوع من أنف المجني عليه ، إليه ، فإن كان نصفه مثلا فيؤخذ نصف أنف الجاني ، وان كان ثلثه فيقطع ثلثه وهكذا.

ولا يقدّر ذلك المقدار المقطوع بالمسافة ، فيقطع له ذلك المقدار ، فإذا كان مساحة المقطوع من أنف المجني عليه مساويا لتمام أنف الجاني وكان نصف أنف المجني عليه ، لا يقطع تمام أنف الجاني بل نصفه ، إذ لو فعل ذلك يلزم ان يصير الجاني بغير أنف مع كون المجني عليه نصف الأنف ، وفيه شائبة الظلم.

وفيه تأمّل ، لأنّه قد يلزم قطع القليل للكثير وبالعكس ، وفيه عدم استيفاء تمام الحق والزيادة ، ولهذا ما حكم في شجاج الرأس هكذا حيث قال : ولو كان رأس الشّاجّ أصغر استوعبناه وأخذ أرش الزائد بنسبة المختلف إلى أصل الجرح إلخ.

ولعلّه فرّق بين قطع العضو التامّ بحيث ينعدم بالكليّة وبين الشجاج في العضو ، فتأمّل.

قوله : «وكلّ عضو إلخ». لو فعل موجب القصاص في عضو وليس له ذلك العضو ، ولا ما يقوم مقامه حتّى يقاد ويقتصّ منه ، ينتقل الحق إلى الدية فيلزمه دية ذلك العضو ، مثل ان يقطع إصبعا وليس له إصبع أو إصبعين وليس له إلّا إصبع واحدة ، وقد مرّ ذلك مفصّلا.

قوله : «ولو طلب القصاص إلخ». لو طلب المجني عليه القصاص في طرفه الذي استحق بقطعه القصاص من قاطعه قبل اندماله وسرايته في النفس ، فله ذلك ويجاب فيقتصّ.

ويحتمل المنع ، كما صرّح في منع الدية مع قطع الأعضاء المتعددة خطأ ،

١٣٤

ويقتصّ من الجماعة للواحد فلو قطع يده اثنان قطع يدهما وردّ الفاضل وله قطع أحدهما فيرد (ويرد ـ خ ل) الآخر عليه قدر جنايته.

______________________________________________________

فتأمّل في الفرق.

فان سرى بعد ذلك ، فان سرى في الجاني أيضا حتّى ماتا احتمل التعارض والتساقط وسقوط نفس الجاني ، فإنّ سراية القصاص غير مضمونة كسراية الحدود ، ولأنّه حق بخلاف جرح الجاني المجني عليه ، فإنّه ظلم فنفسه مضمونة بعد ان كان جرحه مضمونا ، فيكون مثل ان سرى الجرح الأوّل ولم يسر الثاني الذي هو القصاص.

فيحتمل ان يكون لوليه تمام الدية من غير نقص شي‌ء فان قطع الجاني كان قصاصا ، فلا يلزم ظلم عليه.

ويحتمل ان يكون له ذلك بعد ردّ دية اليد ، فإنّه بعد السراية مع دخول الطرف في النفس علم أنّ قطع اليد ما وقع في محلّه وقصاصا ، إذ علم عدم الاستحقاق ، ولمّا لم يكن ظلما وخطأ ، ثبت في ماله.

ومنه يظهر جواز المنع عن القصاص في العضو قبل الاندمال واليأس من السراية.

وقد مرّ دليل الطرفين في المنع عن أخذ الدية قبل الاندمال إذا قطع عدّة أعضاء خطأ ، فتذكّر وتأمّل.

قوله : «ويقتصّ من الجماعة إلخ». كما يجوز ان يقتصّ لواحد من الجماعة المشاركين في قتل النفس بان يقتل أكثر من نفس واحدة ، كذا يجوز قطع عضو جماعة لعضو واحد اشتركوا فيه فلو قطع يد واحد اثنان ، له قطع يدهما بعد ردّ الفاضل عن جنايتهما إليهما فيردّ إلى كلّ واحد نصف دية اليد فيقطع (ثم يقطع ـ خ) يدهما ، وله قطع يد أحدهما ويردّ الآخر أرش جنايته وهو نصف دية يد المجني عليه.

١٣٥

وتحصل الشركة بالاشتراك في الفعل ولو قطع كلّ جزء أو وضعا اليد متوسطة (مبسوطة ـ خ ل) بين آلتيهما واعتمدا فلا شركة ، وعلى كلّ واحد قصاص جناية لا قطع يده.

ويقسّم قيمة العبد على أعضائه كالحرّ فما فيه واحد فيه القيمة ، وفي الاثنين القيمة ، وفي كلّ واحد النصف وهكذا فالحرّ أصل للعبد في المقدّر وبالعكس في غيره.

______________________________________________________

قوله : «وتحصل الشركة إلخ». أي ويحصل الشركة في قطع العضو بان يشتركا في القطع بان يفعلا معا قطعا واحدا ، مثل ان يضعا الآلة الواحدة في أيديهما ويقطعان بهما (١).

ولا يحصل بان يقطع كلّ واحد منهما جزء من يده ، مثل ان قطع أحدهما النصف والآخر النصف الآخر حتّى انفصل.

وكذا لم يحصل بأن أخذ واحد آلة ووضع في موضع واحد من يده والآخر كذلك في مقابله فقطعا من الطرفين ، فلا شركة هنا بل يؤخذ كلّ واحد بجنايته وجريرته وهو قطع بعض يده لا قطع يده بالمرّة.

قوله : «ويقسم قيمة العبد إلخ». أي يجعل قيمة العبد بمنزلة دية الحرّ فتعيّن قيمة أعضائه بنسبتها.

فكلّ ما هو مقدّر في الحرّ بالنسبة إلى الدية هو مقدّر فيه بالنسبة إلى القيمة ، بأن يكون كلّ ما هو فرد من أعضاء الإنسان في المملوك ففيه تمام قيمته مثل الذكر والأنف ، كما أنّ في الحرّ تمام ديته.

وكلّ ما فيه اثنان فدية كلّ واحدة نصف قيمته ، كما أنّ فيه نصف ديته ،

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب (بها) كما لا يخفى.

١٣٦

ولو جنى الحرّ بما فيه الكمال تخيّر المولى (الولي ـ خ ل) بين دفعه وأخذ قيمته وبين إبقائه بغير شي‌ء ولو قطع يده ثمّ آخر رجله فعلى كلّ واحد النصف والعبد للمولى.

______________________________________________________

مثل اليدين والرّجلين.

وكلّ ما ليس فيه مقدّر شرعا بل يكون فيه الأرش مثل الجراحات فيقوم المملوك تارة سليما وتارة مجروحا ، فأرش الجرح هو التفاوت ما بينهما.

وكذا يفرض الحرّ مملوكا ويقوّم مرّتين والتفاوت ما بينهما هو الأرش والحكومة.

فالحرّ أصل للمملوك فيما له مقدّر يعني يعلم بالقياس عليه وبالنسبة إليه ، والمملوك أصل له فيما ليس له مقدّر كذلك.

ولا بد ان لا يتجاوز قيمة المملوك دية الحرّ ، فان تعدّى يرجع إليها.

قوله : «ولو جنى الحرّ إلخ». إذا جنى حرّ على مملوك جناية أرشها تمام قيمته مثل ان قطع أنفه أو قطع يديه ، فالذي يلزم الجاني تمام قيمته على ما تقرر ، فمولاه مخيّر بين أخذ قيمة الدية عليه بالجناية ودفع المملوك اليه ، وبين ان لا يؤخذ (يأخذ ـ ظ) شيئا ولا يدفع المملوك ، بل يبقيه على حاله لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض ، فإنّ المملوك ليس لصاحبه منه إلّا نفسه أو قيمته ، فالجمع لا يمكن.

نعم قد يبقى المملوك له ويجتمع عنده القيمة ونفسه إذا جنى عليه اشخاص ، مثل ان قطع شخص يده والآخر يده الأخرى أو رجله ، فيأخذ من كلّ واحد نصف القيمة مع بقاء المملوك عنده.

ولا بد ان لا يتجاوز بقيمته عن دية الحرّ ، لما مرّ.

هذا حق ، ولا اشكال فيه.

ولكن في الأوّل إشكال ، فإنّ ما تقرر لأعضاء العبد من الشارع لمولاه معه كالحرّ.

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وانّ ذلك بمنزلة نمائه وكسبه ، ولأنّه قد يحصل الضرر على المولى لأنّ المملوك قد يكون ذا كسب وصنعة وله نماء كثير.

فإذا قطع أنفه فإن أعطاه يلزمه الضرر العظيم بأن يفوته كسبه ، إذ قد يحصل أشياء كثيرة وان لم يعط يلزم ان يذهب عنه قيمة أنف عبده الذي مساو لقيمته ، وقد يحصل للجاني نفع كثير بأن يعطى قيمة (مثل ـ خ) هذا المملوك ، ويحصل له هذا المملوك في زمان قليل أضعاف قيمته وان لم يأخذ يلزم ان يكون الجناية هدرا ، فيحصل له الجرأة على الجناية على مثل هذه المماليك بأمثال هذه الجناية ، وهو بعيد عن حكمة الشارع.

وأيضا عموم أدلة قصاص الجناية والديات يدلّ على أخذها بدون الدفع.

ولكن الحكم هكذا مشهور ، بل لا نعلم الخلاف.

وسنده رواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في أنف العبد أو ذكره أو شي‌ء يحيط بقيمته ، أنّه يؤدّى إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد (١).

وسندها ضعيف (٢) بابن الفضّال ، عن يونس بن يعقوب ، وبعدم صراحة توثيق إبراهيم بن هاشم ، واشتراك أبي مريم ، لعلّه الأنصاري مع عدم عمومها في المماليك.

ويحتمل ان يكون في قضايا مخصوصة ، وان كانت ظاهرة في العموم ، ولعلّ الشهرة جبرت ضعفها.

واستثنى منه المملوك المغصوب ، فإنّه يأخذ المالك قيمته مع العين ، لأخذه

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب ديات الشجاج والجراح الرواية ٣ ج ١٩ ص ٢٩٨.

(٢) سندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : على عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي مريم.

١٣٨

تتمة في العفو

ويصحّ من المستحق قبل الثبوت عند الحاكم وبعده لا قبل الاستحقاق ، ومن وليّه مع الغبطة ـ إمّا بعوض أو مجانا ـ ومن الوارث.

______________________________________________________

على أشقّ الأحوال ، هكذا قيل ، الله يعلم.

قوله : «ويصح من المستحق إلخ». أي يصحّ للمجنى عليه المستحق القصاص أو الدية ، العفو عنهما فيسقطان فلا يبقى له المطالبة ولا لوارثه بعده ، بعد ان ثبت موجب الجناية ، سواء كان ثابتا عند الحاكم أم لا.

ولا يحتاج إلى الشهود ولا إلى الحاكم ، لعموم حسن العفو والترغيب والتحريص عليه في الكتاب والسنة (١) والإجماع.

ولا يصح قبل ثبوت الاستحقاق فإنّه عفو عمّا لم يستحق ولا يجب ، وعفو عما لم يكن ، فلا معنى لإسقاطه شيئا ولا شي‌ء (٢).

ويصح العفو من ولي المستحق أيضا مع المصلحة له في ذلك إمّا بعوض أو مجانا.

وهي في العوض ظاهرة وفي غيره محلّ التأمّل.

فيمكن ان يفرض حصول نفع له بسبب ذلك مثل ان يكون صاحب القصاص ذا جاه ويحصل له بسبب العفو عنه منزلة عنده بحيث يراعيه الحكام ولا يأخذون من ماله شيئا ويتوجّهون إليه بالتربية.

وأنّه لو اقتصّ يضرّه في نفسه أو ماله أو والده وامّه وسائر أقربائه ونحو

__________________

(١) امّا الكتاب فقوله تعالى «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى» ، البقرة : ٢٣٧ وقوله تعالى «وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ» آل عمران : ١٣٤ وغيرهما من الآيات وامّا السنّة فراجع الوسائل الباب ١١٢ من أبواب أحكام العشرة ج ٨ ص ٥١٨.

(٢) الواو في قوله قدّس سرّه حالية أي لا معنى لإسقاطه شيئا ويكون شي‌ء.

١٣٩

فان استحق الطرف والنفس فعفا عن أحدهما لم يسقط الآخر.

ولو عفا مقطوع الإصبع قبل الاندمال عن الجناية صحّ ولا دية فلو (ولو ـ خ ل) سرت إلى الكفّ فله دية الكفّ وسقطت جناية الإصبع ولو سرت الى النفس فلوليه القصاص فيها بعد ردّ دية الإصبع.

______________________________________________________

ذلك ، مع أنّه لا نفع له في القصاص أصلا.

ومع العفو عن شي‌ء يسقط ذلك الشي‌ء لا غير.

فإذا استحق في شخص واحد قصاص طرف ونفس بأن قطع يده مثلا وقتل مورّثه أو قطع يده ثم قتله بعد اندماله فعفي عن القصاص في اليد لم يسقط القصاص في النفس وبالعكس أو استحقّهما في شخصين فعفي عن أحدهما لم يسقط الآخر عن الآخر ، وهذا أظهر.

قوله : «ولو عفى مقطوع الإصبع إلخ». إذا عفى المجني عليه بقطع إصبعه قبل الاندمال عن الجناية ، مثل ان يقول : عفوت عن هذه الجناية أو عن موجبها واندمل ، صحّ هذا العفو وسقط القصاص ولا دية أيضا ، إذ الموجب هو القصاص وقد سقط ، والدية انما تجب بالتراضي وليس ، وهو ظاهر.

وكأنّه إشارة إلى خلاف بعض أنّه قال : عليه الدية ، إذ لا يصحّ العفو قبل الاندمال لعدم الاستقرار لاحتمال السراية ، وضعفه ظاهر.

ولو سرت بعد العفو إلى عضو آخر مثل ان سرى قطع الإصبع بعد عفوه إلى كفّه فاندمل فسقط قصاص الإصبع وأرشه لا الكفّ فله أرش الكف بعد إسقاط الإصبع أي دية كفّه بغير إصبع لأنّه عفا عنه وسقط فلا يعود ، وله عوض الكفّ ، لانّه عفا عنه والعفو عن الجناية لا يستلزم العفو عن الكفّ ، فإنّه إنّما عفا عن الواقع وهو الإصبع واستحقاق عوضه لا عمّا يترتّب عليه ، وليس له قصاص الكف وردّ دية

١٤٠