مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ديته ، فيأخذ من أبيه الدية.

وكذا لا يرث الحدّ الذي لزم أباه ، مثل ان قذف امّه بما يوجبه.

نعم يرث القصاص والحدّ تامّا ، لو كان وارث آخر غيره مثل أخي ولد للأب القاتل له من امّه ، لا من أبيه.

ولكن إنّما يقتص بعد ردّ الفاضل من حظّه في القصاص ، فلو كان الوارث منحصرا فيه وفي أخيه يردّ نصف الدية إلى القاتل فيقتله ويأخذ الولد نصف الدية من أبيه القاتل الذي يقتل قصاصا.

لعلّ دليل عدم إرثه القصاص والحدّ أنّه لو قتله أبوه أو قذفه بما يوجبهما لم يلزمه القصاص به ولا الحدّ له فلا يستحق الولد القصاص والحدّ من أبيه سواء كان هو المقتول والمقذوف أو كان حقّه ذلك.

وقد يمنع ذلك ويقال : إنّ الذي ثبت بالنصّ والإجماع المخصّصين لعموم أدلة القصاص والحدّ هو إذا كان الأب قاتلا لابنه وقاذفا له لا ان يكون قاتلا وقاذفا لغيره ويكون الحق له ويرجع إليه ، ودعوى الطريق الاولى والمساواة الموجبة للاتّحاد مشكل.

نعم لو كان دليل عدم القصاص والحدّ المتعلق به هو العقوق والحقوق الثابتة له عليه ـ ومثل قوله تعالى «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ» (١) «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ» (٢) «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» (٣) وخرج الام بالنصّ والإجماع بقي الأب ـ لصح ذلك.

ولكن هذا مشكل لأنّها عمومات معارضة بعمومات أدلّة القصاص ، بل

__________________

(١) الإسراء : ٢٣.

(٢) الإسراء : ٢٤.

(٣) البقرة : ٨٣ ، والنساء : ٣٦.

٢١

ولو قتل أحد الأخوين أباه والآخر امّه فلكلّ القصاص على صاحبه ويقرع في التقديم ، ولو سبق أحدهما فلورثة الآخر القصاص منه.

الرابع : التساوي في الدّين

فلا يقتل مسلم وان كان عبدا بكافر وان كان ذمّيا حرّا بل يعزّر ويغرم دية الذمي وإن اعتاد قتل الذمي قيل : يقتل بعد رد فاضل دية المسلم.

______________________________________________________

الظاهر أنّها أخصّ ، فيقدّم ، ويجعل مخصّصة ، تأمّل ، فإنّ الحكم مشكل.

قوله : «ولو قتل أحد الأخوين إلخ». إذا قتل أحد الأخوين أباهما والآخر أمّهما ، فلكلّ واحد من الأخوين القصاص من الآخر ، فيقتل قاتل الام قاتل أبيه قصاصا لأبيه ، ويقتل قاتل الأب قاتل امّه ، فيجوز ان يقتلا معا ، فإن أراد أحدهما السبق ، فإن رضي الآخر فعل ، فلورثة المقتول حينئذ القصاص من القاتل ، ولو لم يرض يقرع ، فيقدّم ، ويقتصّ ، ثم يقتصّ ورثة الآخر منه ولو سبق أحدهما من دون القرعة والإذن ، وقع القصاص في محلّه ، وأمكن ان يكون مأثوما بالتقدم ، ويقتصّ منه ورثة المقتول ، والكلّ واضح.

قوله : «التّساوي في الدين إلخ». رابع الشروط ، التّساوي في الإسلام ، بمعنى أنّ شرط القصاص من المسلم كون المقتول مسلما ، فيقتل بالمسلم والكافر أيضا ، ولا يقتل المسلم سواء كان حرّا أو عبدا بكافر أصليّ أو ذمّي حرّ أو عبد ، بل يعزّر المسلم بقتله الكافر ويؤخذ منه الدية ، إن كان ذميّا غير خارق الذمّة (للذمة ـ خ).

دليله الإجماع المدّعى في شرح الشرائع ، والآية مثل «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (١) فتأمّل.

__________________

(١) النساء : ١٤١.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والاخبار من طرق العامة ، مثل لا يقتل مسلم بكافر (١) العامّ الشامل لمطلق الكفار.

ومن طرق الخاصة ، مثل رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم (٢).

قال في شرح الشرائع : هي كثيرة ، وهو اعرف.

وقد ورد في بعض الاخبار بجواز قتل المسلم بالذمّي مثل صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا قتل المسلم النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه ، وأدّوا فضل ما بين الديتين (٣).

وقريب منه رواية زرعة عن سماعة (٤).

وصحيحة ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا قتل المسلم يهوديّا أو نصرانيّا أو مجوسيّا ، فأرادوا أن يقيدوا ، ردّوا فضل دية المسلم وأقادوه (٥).

وجمع الشيخ بينهما بحمل هذه الاخبار على من اعتاد قتل الذمّي فيجوز قتله بعد ردّ فاضل ديته عن دية الذمّي لورود بعض الاخبار بهذا التفصيل ، مع دعوى الإجماع على عدمه مطلقا ، ووجوب حمل المجمل على المفصّل.

وهي رواية إسماعيل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن دماء المجوس واليهود والنصارى ـ إلى قوله ـ قال : وسألته عن المسلم هل يقتل

__________________

(١) كنز العمّال ج ١٥ ص ٦ تحت رقم ٣٩٨١٨ وفيه أيضا لا يقتل مؤمن بكافر تحت رقم ٣٩٨١٧.

(٢) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٥ ج ١٩ ص ٨٠.

(٣) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٤ ج ١٩ ص ٨٠.

(٤) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٣ ص ٧٩.

(٥) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٢ ص ٧٩.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بأهل الذمّة ، وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال : لا ، الا ان يكون متعوّدا (معتادا ـ ئل) لذلك لا يدع قتلهم فيقتل وهو صاغر (١).

وفي رواية أخرى عنه عليه السّلام ، قال : قلت : رجل قتل رجلا من أهل الذمّة؟ قال : لا يقتل به ، إلّا ان يكون متعوّدا للقتل (٢).

ورواية محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه السّلام مثله (٣).

والمراد بالرجل القاتل هو المسلم ، وإلّا فلا معنى لنفي القتل ، وهو ظاهر.

وصرح في الكافي بالمسلم ، (قال إسماعيل المذكور بهذا الاسناد) (٤).

على أنّه قد يناقش في صحة رواية أبي بصير لاشتراكه ، وفي صحة خبر ابن مسكان أيضا ، لأنّه روى في التهذيب مقطوعا ، عن يونس (٥) فتأمّل ، فإنّ الظاهر أنّه يونس بن عبد الرّحمن ، والطريق إليه صحيح (٦).

والظاهر من الكافي ذلك (٧) أنه ابن عبد الرحمن ، والطريق إليه حسن ، وفيه محمّد بن عيسى (٨) ولا بأس به.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ ص ٧٩.

(٢) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٧ ص ٨٠.

(٣) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس مثل الرواية ٧ بالسند الثاني ص ٧٩.

(٤) لم نفهم المراد من هذه الجملة فتدبر لعلك تفهم ما أراد قدّس سرّه.

(٥) والسند في التهذيب هكذا : يونس عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام.

(٦) طريق الشيخ رحمه الله إلى يونس بن عبد الرحمن كما في مشيخة التهذيبين هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب عن يونس بن عبد الرحمن ، فقد أخبرني به الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله والحميري وعلي بن إبراهيم بن هاشم (عن أبيه ـ ظ) عن إسماعيل بن مرار وصالح بن السندي ، عن يونس.

(٧) هكذا في النسخ كلها ولكن الظاهر ان لفظة (ذلك) زائدة.

(٨) والسند في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وانّ ابن مسكان هو عبد الله ، وأنّ أبا بصير هو المشهور ، أي الليث المرادي.

ويمكن المناقشة أيضا في صحة خبر محمّد بن قيس (١) باشتراكه ولكن أظن كونه الثقة سيما في الفقيه ، فعلى تقدير هذا فهو صحيح.

وكذا في الخبر العامّي ، وفي صراحة الآية ، بل الظهور.

إلّا ان يقال : الإجماع كاف ، وخبر إسماعيل ضعيف (٢) ، وكذا خبر محمّد (٣) لأنّ الراوي عن الرّضا عليه السّلام ضعيف كالرّاوي عن أبيه عليه السّلام ، وعن جدّه ثقة (بعد ـ خ).

على أنّ في التهذيب مقطوعا عن يونس ، وغاية ما يكون (عبد الرحمن) ، وفي الطريق محمّد بن عيسى ، ولهم فيه كلام (٤) وكثيرا يردّ الخبر لذلك خصوصا في شرح الشرائع.

ومع ذلك قال : هنا صحيحة ، وادّعى أخبارا كثيرة ، وما نقل غير ما رأيناه ونقلناه ، فتأمّل.

نعم هي صحيحة في الكافي (٥) ، لو قيل بتوثيق محمّد بن عيسى ، ويونس بن عبد الرّحمن ، ومحمّد بن الفضيل الذي ضعّفه في الخلاصة وغيرها ، فتأمّل.

قال في الشرح بعد أن ذكر أنّ هذا هو مذهب الأكثر (أكثر الفقهاء ـ خ) وعدّهم حتّى المصنف مع أنّه قد يفهم من المتن تردّده ، حيث قال : وإن اعتاد قتل الذمّي قيل : يقتل بعد ردّ فاضل ديته عنها ، وسكت ، بل يظهر من قوله : (فلا يقتل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٥ ج ١٩ ص ٨٠.

(٢) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ ص ٧٩.

(٣) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ بالسند الثاني ص ٧٩.

(٤) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ بالسند الثاني ص ٧٩.

(٥) والسند في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن الفضيل.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ الى قوله ـ : بل يعزر ويغرم دية الذمي) قوله : بعدم القتل مع اعتياده أيضا ، فتأمّل.

والحقّ أنّ هذه المسألة إجماعية ، وأنّه لم يخالف فيها أحد منا سوى ابن إدريس ، وقد سبقه الإجماع ، ولو كان هذا الخلاف مؤثّرا في الإجماع لم يوجد إجماع أصلا.

واحتج بالقرآن بنفي السبيل في الآية (١) وبالإجماع على عدم قتل المسلم بالكافر (٢)

وهو استدلال في مقابلة الإجماع مع ضعفه ، فإنّ نفي السبيل غايته العموم ، ودلالته ظاهرة ، فلا تعارض القطعية ، والإجماع على عدم قتل المسلم مختصّ بغير المعتاد.

واحتج له في المختلف برواية محمّد بن قيس ، عن الباقر عليه السّلام ، قال : لا يقاد مسلم بذمي (٣) ، وأجاب بأنّه مطلق فيحمل على المفصّل.

وفيه نظر ، لأنّه نكرة في سياق النهي (النفي ـ خ) ، فيعمّ عند المصنف ، وهو نزاع لفظي ، ومراده بأنّ دلالته ظاهرة انّ دلالته ظنيّة ، فيمكن تأويله لمعارضة القطعيّة ، وكلامه يدلّ على أنّ الإجماع هنا وحده قطعيّ ، إلّا ان يريد بانضمام الأخبار ما يكون كذلك حيث قال قبيله : ودلّت عليه الروايات المتظافرة المشتهرة ، منها رواية إسماعيل بن الفضل (٤) ، ونقل روايته التي نقلناها.

ومراد المختلف بالمطلق غير المقيّد فيشمل العام ، فيجب حمله على الخاصّ ، وكان ينبغي ان يقول : العامّ والخاصّ.

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» النساء : ١٤١.

(٢) الظاهر أنّه إلى هنا قول الشارح رحمه الله.

(٣) تقدم ذكرها.

(٤) تقدم ذكرها.

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكأنّه لذلك قال في الشرح : وهو نزاع لفظي ، أي النظر الذي في كلام المختلف مناقشة لفظيّة معه لا معنوية.

ثم اعلم أنّ الذي رأيته في الأخبار ما ذكرته ، وليست متظافرة على ما ذكره الشارح ، والإجماع القطعي خصوصا على ردّ الفاضل من ديته وأنّه يقتل قصاصا ، كما هو ظاهر الروايات ، وردّ الفاضل عليه غير ظاهر ولهذا نقل الخلاف بينهم في ذلك ولا كثرة على ما ذكره في شرح الشرائع ، ومنع عدم وجدان إجماع أصلا لو أثر خلاف ابن إدريس والإجماع الذي ادعاه ظاهر.

والذي يقتضيه عموم الكتاب هو عدم القصاص بالذمّي مطلقا ، مؤيّدا برواية محمّد بن قيس المتقدمة (١) ، وإجماع ابن إدريس ، فكان عدم قتل المسلم بالذمّي ممّا لا كلام فيه عندهم إذا لم يكن ذلك عادة ، ومعها لا يبعد القتل حدّا ، ودفعا للفساد ، من غير ردّ (٢) كما هو ظاهر الروايات وردّ الفاضل عليه غير ظاهر فإنّ المقتولين كثيرون فمن يقتل ومن يردّ.

ولكن إن نظر إلى الروايات فأكثرها وأصحها تدلّ على الاختصاص والردّ من دون العادة ، ولكنّ القائل به ، غير ظاهر.

ويفهم من الشّارح أنّه الصدوق ، ومن كتابه الفقيه يظهر أنّه مع العادة يقتل ، حيث روى صحيحة أبي بصير ورواية إسماعيل المتقدمتين (٣) وان نقل رواية محمّد بن قيس المتقدمة أيضا الدالّة على عدم القود ولكن يفهم حملها على ذمّي حرّ فلازمه أو (٤) يحمل على ذي العادة ، فلا بد من تخصيص الثانية بالأولى ، الله يعلم

__________________

(١) تقدم ذكرها.

(٢) في بعض النسخ المطبوعة بعد قوله : (من غير ردّ) لا قصاصا معه فان المقتولين إلخ.

(٣) تقدم ذكرهما.

(٤) وبالجملة الذي في الفقيه إمّا عدم قتل المسلم بالذمي كما يفهم من الأدلّة حيث نقل رواية محمّد

٢٧

ويقتل الذمي بمثله وبالذمية بعد ردّ فاضل ديته عنها والذمية بمثلها وبالذمي ولا رجوع.

ولو أسلم فلا قود.

ويقتل الذمي بالمرتد وبالعكس على إشكال.

______________________________________________________

قوله : «ويقتل الذمّي إلخ». لا شك في قتل الذمي بمثله ، وبالذمّية ، ولكن بعد ردّ فاضل دية الذمّي عن دية الذمّية ، وهو نصفها إلى الذمّي ، كما مرّ في المسلمة.

وكذا في قتل الذمّية بمثلها ، وبالذمّي من غير رجوع إلى زيادة ديته على ديتها ، لما مرّ في المسلمة من أنّ الإنسان لا يجني أزيد من نفسه.

دليل أصل المسألة عموم الكتاب والسنة والإجماع.

قوله : «ولو أسلم فلا قود». لو أسلم ذمي أو ذمية بعد قتله ذميا أو ذمية قتلا موجبا للقود ، لا قود عليه ، بل يسقط بواسطة الإسلام ، فإنّه لا يمكن قتل مسلم بكافر ، وإن وجد سببه الموجب حال كفره ، لعموم الأدلّة فينتقل إلى ديته فيجب ديته ، كما إذا قتل مسلما لئلا يبطل دم محقون الدم.

قوله : «ويقتل الذمي بالمرتدّ إلخ». دليل قتل الذمي قصاصا إذا قتل مرتدّا ، هو عموم الأدلّة من غير مخصّص.

وأمّا الإشكال في العكس فمنشأه العموم ، وأنّ الكفر ملة واحدة ، فلا مزيّة لأحدهما على الآخر ، فيجوز قتل المرتدّ بالذمي كالعكس ، وانّه واجب القتل في الجملة لكفره فهو أخسّ حالا من الذمي ، فإنّه غير واجب القتل.

ويمكن إخراج الحربيّ الذي لم يجب قتله لو سلم عدم قتله به ، بإجماع

__________________

بن قيس واما المذهب المشهور كما هو مفهوم رواية أبي بصير وصرّح به ، لا انه يقتل المسلم بالذمي مطلقا كما يفهم من الشرح منه ـ رحمه الله ـ كذا في هامش بعض النسخ.

٢٨

الّا ان يرجع.

______________________________________________________

ونحوه ، وحرمة أصل الإسلام في المرتدّ دون الذمي ، ولهذا لم يجز للذمي نكاح المرتدّة ، ولا يرث المرتدّ ورثته الذميّون ، بل يرثه المسلم ، ففيه حكم الإسلام في الجملة ، فكما لا يقتل المسلم الحقيقي ، فكذا الحكمي.

والأوّل اختيار المبسوط والخلاف ، وحكى في الشرائع الوجهين ، ورجّح الأوّل ، وهو مرجّح التحرير أيضا ، هكذا في الشرح.

ويمكن ان يقال : كون الكفر ملة واحدة ، غير ظاهر ، وعلى تقدير تسليمه لا يقتضي قتل أحدهما بالآخر (وـ خ) المساواة في ذلك ، وهو ظاهر.

نعم يمكن أن يرجح بأنّ عموم أدلة القصاص يقتضي قصاص النفس بالنفس مطلقا إلّا ما أخرجه الدليل ، ولا دليل هنا ، إذ ليس هنا نصّ على الظاهر ، ولهذا ما ذكروه (ذكره ـ خ) ومجرّد وجود بعض أحكام المسلمين فيه لنصّ خاصّ ، لا يقتضي هذا الحكم.

وهذا واضح في المرتدّ الفطري ، فإنّه أسوأ حالا بكثير من الذمي ، فإنّ إسلامه غير مقبول ، وليس بقابل للتملّك والنكاح عندهم.

نعم يمكن عدم قتل المرتدّ الملّي لرجاء توبته ، فأمّا ان يصبر حتّى يتبيّن حاله من وجوب قتله وعدمه ، فيقتل أو يؤدّى الدية ، أو يؤخذ منه الدية ابتداء ، ويحتمل كون هذا مع التراضي ، فتأمّل.

قوله : «الّا ان يرجع» يدلّ على أنّ البحث والاشكال في مطلق المرتدّ أو الملّي فقط ، يعني في قتل الذمي (بالذمي ـ خ) (قتل المرتد بالذمي ـ خ) بالمرتدّ إشكال ، إلّا إذا رجع المرتد عن الارتداد وأسلم ، فيدلّ على قبول إسلامه فيكون الاستيفاء مخصوصا بالمرتدّ الملّي لعدم قبول إسلام الفطري عندهم.

إلّا ان يقال : مجرد الإسلام الظاهري وان لم يكن مقبولا ، مانع عن قتله بالذمي.

٢٩

واليهودي بالنصراني والحربي (وبالحربي ـ خ ل) وبالعكس وولد الرشدة بالزنية.

ولو قتل الذمّي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى ورثة المسلم

______________________________________________________

أو يقال : أنّه مقبول في نفس الأمر وبينه وبين الله ، ولكن لم يقبل بحسب الظاهر ، بمعنى أنّه لا يسقط عنه تلك الاحكام.

أو يقال : انّه مقبول في الظاهر أيضا بمعنى أنّه يصير بحكم المسلم ، الّا انه لا يسقط عنه وجوب القتل ، فيكون مسلما واجب القتل كالمسلم الزاني المحصن والقاتل عمدا ، فتأمّل.

قوله : «واليهودي إلخ». دليل قتل أقسام الكفّار بعضهم ببعض من غير فرق بين الكتابي والحربي ، هو عموم الأدلة من غير رجحان ، فزيادة الكفر وخفّته ليس بفارق ، كزيادة الإيمان والتقوى وعدمهما ، وهو ظاهر مكشوف.

وتؤيّده رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ، كان يقول : يقتصّ للنصارى واليهود والمجوس بعضهم من بعض ، ويقتل بعضهم ببعض (يقتل بعضهم بعضا ـ ئل) إذا قتلوا عمدا (١).

وكذا دليل قتل ولد الرشدة ـ أي ولد الحلال ـ بولد الزنية أو ولد الزّنا ، هو عموم الأدلة من غير مخصص.

قوله : «ولو قتل الذمي مسلما إلخ». دفع الذمي القاتل عمدا وماله إلى ورثة المسلم المقتول المسلم ، وتخييرهم بين قتله واسترقاقه ، هو المشهور بين الأصحاب.

لعلّ دليله حسنة ضريس الكناسي في الكافي ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، في نصراني قتل مسلما فلمّا أخذ أسلم ، قال : اقتله به ، قيل : فإن لم يسلم؟ قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٨ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ ج ١٩ ص ٨١.

٣٠

ويتخيّرون بين قتله واسترقاقه ، قال الشيخ : ويدفع ولده الصغار أيضا ويسترقّون ، وفيه نظر ، فإن أسلم قبل الاسترقاق فالقود خاصّة.

______________________________________________________

يدفع إلى أولياء المقتول هو وماله (١).

وهي صحيحة في التهذيب ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، وعبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، في نصراني قتل مسلما ، فلمّا أخذ أسلم ، قال : اقتله به ، قيل : فإن لم يسلم ، قال : يدفع إلى أولياء المقتول فان شاؤوا قتلوا ، وان شاؤوا عفوا ، وان شاؤوا استرقوا ، قيل : وان كان معه عين (مال ـ خ ل ئل) ، قال : دفع إلى أولياء المقتول هو وماله (٢).

لعلّه سقط عن الكافي ، وهي مذكورة في الفقيه أيضا مثل التهذيب بتغيير ما ، مثل حذف (قال) بعد قوله : (أسلم) وزيادته مع (نعم) بعد قوله : (به) وزيادة (مال) أيضا بعد (عين) و (له) وحذف (قال) أيضا بعد قوله (عين) وهو أولى ، فإنّه لا يحتاج إلى تقدير (قبل) قبل قوله (وان كان إلخ).

ثم اعلم أنّ صريح هذه الرواية ان قتل الذمّي بالمسلم ، للقصاص ، وأنّه مع ماله عوض قتل المسلم ، سواء كان المال زائدا عن دية المسلم أو ناقصا أو مساويا لها ، لأنّه قال عليه السّلام : يدفع الذمّي إلى أولياء الدم ، فان شاؤوا إلخ. وكذا قال : (ويدفع ماله) ، وكذا ظاهر كلامهم ، فلا بعد في ذلك بعد وجود النّص والفتوى.

وأمّا دفع أولاده الصغار إليه ليكونوا ارقآء لهم فليس بظاهر (بذلك ـ خ) الدليل ، سواء استرقّوا أباهم القاتل أو قتلوه ، إذ لا يلزم من استرقاق من استحق ذلك بسبب قتله عمدا ، استرقاق أولاده ، وهو ظاهر ، ومن قتله بالطريق الاولى ، ولا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ ج ١٩ ص ٨١.

(٢) الوسائل الباب ٤٩ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ بالسند الثاني ج ١٩ ص ٨١.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

نصّ في ذلك على ما يظهر الآن ، بل أنكر في الشرح كونه قولا للشيخ.

وقال : نقله المصنف عنه ، وكذا نقل عميد الدين شيخنا أنّه قوله في الفقيه ، وما رأيته ، وهما اعرف بما قالا.

ونقل الشارح أنّه قول للمفيد ، وقال : يبعد أن يكون مراد المصنف الشيخ المفيد ، فإنّه ليس عادته ذلك.

وأيضا يبعد قول ابن إدريس بمنع أخذ المال ان قتله أو عفا عنه ، وجواز أخذه لو استرقّه ، إذ ما نظر إلى قول الأصحاب ودليلهم.

دليله غير ظاهر وكذا مذهب التّقي وابن زهرة والكيدري أنّه يقتل بخرقة الذمّة ثمّ يؤخذ من ماله ، دية المسلم تامّة ، إذ قتله لخرق الذمّة ، ليس لأولياء الدم بل للإمام ومن يأذن له ، وهو ظاهر.

وفي الرواية (١) (أنّه يدفع إلى أولياء المقتول إن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا عفوا ، وإن شاؤوا استرقوا ، ويدفع إليهم هو وماله) ، وليس مخصوصا بمقدار الدية ، فهم أيضا تركوا هذه الرواية ، وما اعرف لهم دليلا ، وهم أعرف.

وكذا قول الصدوق : يقتصّ للمسلم من الذمّي في النفس والأطراف ، ويؤخذ من ماله أو من مال أوليائه فضل ما بين ديتي المسلم والذمّي وفي هذا المذهب أيضا ، الرواية متروكة ، وما نعرف له دليلا ، مع أنّه إنّما ذكر في كتابه الفقيه رواية ضريس الكناسي (٢) فتأمّل.

وذكر الشارح هذه المذاهب ، ثمّ قال : (ومبنى هذه الأقوال ، على أنّ قتله هل هو قودا أو لخرقه (بخرقة ـ خ) الذمّة ، وعلى أنّ أخذ ماله هل هو لتكملة دية

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ ج ١٩ ص ٨١.

(٢) تقدم ذكر موضعها آنفا.

٣٢

ويشترط التكافؤ حال الجناية فلو قطع مسلم يد ذمّي فأسلم ثم سرت ، أو حرّ يد عبد فأعتق ثم سرت أو صبيّ يد بالغ ثم بلغ ثم سرت ، فلا قود ولا قصاص بل دية النفس.

______________________________________________________

المسلم أو لاسترقاقه أو بمجرد جنايته).

وأنت تعلم أنّ هذا كلّه خروج عن الأدلّة ، وليس هذه الأمور مبنى هذه الأقوال كلّها.

مع أنّه لا يخرج عن الجهالة ولم يرجح مبنى مذهب حتّى يتحقّق ، فلا ثمرة لذلك ، فتأمّل.

ثم نقل في آخر القول ما يدلّ على أنّ مضمون الرواية ، كأنّه مجمع عليه ، حيث قال :

قال المحقق في النكت : وعلى ذلك عمل الأصحاب ، إشارة إلى ما تضمّنته الرواية من جواز قتله والعفو والاسترقاق له وأخذ ماله.

وأمّا وجه سقوط الاسترقاق لو أسلم قبل القتل والاسترقاق ، فهو أنّ المسلم لا يسترقّ فيسقط الاسترقاق ، وان كان جائزا قبل الإسلام فانحصر ما يلزمه في القود خاصّة.

وكذا يمكن سقوط أخذ ماله على القول به ، إذ لا يحلّ مال امرئ مسلم بغير وجه مقرّر عندهم.

نعم يجوز له العفو أيضا ، وهو ظاهر.

قوله : «ويشترط التكافؤ إلخ». أي التساوي في الإسلام والحريّة والتكليف الذي هو شرط للقصاص ، وقد ذكر الأوّل والثالث ، وسيذكر الثاني.

المراد إنّما شرط التكافؤ حال الجناية الموجبة للقصاص لا حال السراية ، فلو قطع مسلم يد ذمّي عمدا عدوانا فأسلم فسرت جراحة يده فمات بها فلا قود في

٣٣

ولو قطع يد مرتد أو حربيّ فسرت بعد إسلامه فلا شي‌ء.

______________________________________________________

النفس ولا قصاص في الطرف للذمّي ، لما ثبت من عدم القصاص للذمّي من المسلم لشرط التساوي في الإسلام حال الجرح ، ولم يكن وإن وجد حال السراية.

وذلك هنا غير بعيد ، فإنّه لا يقال عرفا ولا لغة ولا شرعا أنّه قطع يد مسلم أو قتل مسلما بل قطع يد ذمّي أو قتل ذمّيا ، فلا يلزمه وزر قتل المسلم ولا قطع يده ولا كفارته ، فعليه دية الذمّي حيث سرت جراحة يده.

وكذا لو قطع حرّ يد عبد فأعتق فسرت الجراحة ومات بها ، لا قود في النفس ولا قصاص للعبد من الحرّ ، بل عليه دية العبد للمولى ، فإن كان العتق باختيار المولى ، يحتمل أن يكون له دية اليد فقط ، وهو النّصف ، والباقي لورثة المجني عليه لما مرّ ، فتأمّل.

وكذا لو قطع غير مكلّف كالصبيّ يد بالغ عاقل ، ثم بلغ الجاني فسرت الجناية حتّى مات المجني عليه بالسراية ، فلا قود ولا قصاص هنا أيضا على الصبي ، بناء على ما تقدم من اشتراط بلوغ القاتل في القصاص ، وأنّه لا قصاص في النفس ، ولا في الطرف على غير البالغ ، إذ يقال : أنّه قتله الصبيّ ، ولم يقل انه قتله البالغ ، وهو ظاهر ، فعلى عاقلته دية نفس المجني عليه ، إذ يدخل الطرف فيها ، لما تقرر أنّ عمد الصبي خطأ (١) ، فتأمّل.

قوله : «ولو قطع يد مرتدّ إلخ». أي ولو قطع مسلم يد مرتدّ أو حربي فسرت جنايتهما حتّى ماتا بعد إسلام كلّ واحد منهما ، فلا شي‌ء على المسلم الجاني ، فإنّ المرتدّ والحربي دمهما هدر ، وكذا قطع أطرافهما ، ولا عوض لهما بالنسبة إلى المسلم ، وان لم يكن جائزا له ذلك ، وموجب لتعزيره ، حيث اشتراط في ذلك اذن الامام عليه السّلام ، وان كان معصوم الدم بالنسبة إلى الكفار ، فيقتل الكافر

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١١ من أبواب العاقلة الرواية ٢ ـ ٣ ـ ٥ ج ١٩ ص ٣٠٧.

٣٤

ولو أسلم الذمي أو الحربي أو المرتد بعد الرّمي قبل الإصابة فالدّية كملا وكذا العبد لو اصابه السهم حرّا.

ولو قطع يد مسلم مثله فسرت مرتدّا اقتصّ وليه المسلم أو الإمام في اليد خاصّة.

______________________________________________________

بالمرتدّ ، كما مرّ.

وفيه تأمّل ، لأنّ المراد بالمرتدّ ان كان مليا فقبل عرض التوبة عليه وإنكاره كونه غير معصوم الدم ـ ولو بالنسبة إلى المسلم ـ غير ظاهر فيحتمل أن يؤخذ له الدية.

وان كان فطريا ، فلا معنى لقوله : (بعد الإسلام) فإنّ وجوده وعدمه سواء.

إلّا ان يكون عدم الدية في الأوّل إجماعيّا ، كعدم القصاص ، أو الإسلام يكون مقبولا بالنسبة إلى بعض الاحكام في الثاني.

قوله : «ولو أسلم الذمّي إلخ». إذا رمى حرّ مسلم بسهم ذمّيا أو حربيّا أو عبدا ، فأسلما وأعتق قبل ان يصل السهم إليهم ، ثم وصل إليهم حال الإسلام والعتق فماتوا به حينئذ ، فالذي يلزم الرامي هو دية كاملة ، أي دية الحرّ المسلم ، لا القصاص ، لأنّه ما تعمّد قتل مسلم حرّ ، فلم يوجد شرط القصاص ولا دية الذمّي والعبد ، لأنّ المقتول حرّ مسلم من غير قصد قتله ، فهو شبيه بالعمد ، فلا يبعد ان يكون في ماله.

ويحتمل ان يكون لزمه دية الذمّي ، ولا يكون للحربي شي‌ء ، وقيمة العبد ، لأنّه قصد قتل الذمّي والحربي والعبد وأوجد سببه ، ثم قتل المسلم الحرّ من غير قصده واختياره فهو مثل السراية.

ويحتمل القصاص أيضا لصدق أنّه قتل عمدا عدوانا ، مسلما حرّا ، فهو كفر ، واشتراط قصد قتل المسلم الحرّ وعلمه بأنّه يقتل مسلما حرا ، غير ظاهر ، وإلّا فيتعذر قتله لإمكان إسقاط القصاص ، بان يقول ظننته عبدا أو ذميا أو حربيا ، فتأمل.

قوله : «ولو قطع يد مسلم إلخ». إذا قطع مسلم يد مسلم عمدا عدوانا ،

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فارتدّ ، فسرت جنايته حتّى مات مرتدّا ، فمذهب المصنف والجماعة أنّ لورثة المسلم ، القصاص في يد الجاني لا في نفسه ، ان كان له وارث ، وان لم يكن له وارث ، فالقصاص في اليد الى الامام عليه السّلام ، لأنّه وجد شرائطه وهو قطع يد مكاف.

وليس له القصاص في النفس ، لعدم الكفاءة المشترطة في القصاص ، فإنّ المقتول كافر ، إذ لا يقال عرفا ولا لغة ولا شرعا أنّه قتل مسلما ، بل إنّما قطع يد مسلم ، وقتل كافرا ، فلا يقتصّ له من المسلم.

فيه تأمّل بناء على ما مهد من أنّ شرط الكفاءة إنّما يعتبر حال الإصابة والجرح لا حال السراية ، فتأمّل.

وقال الشيخ : لا قصاص في اليد أيضا لأنّ جناية الطرف تدخل في جناية النفس ، ولا قصاص في النفس ، فلا قصاص أيضا في اليد.

فيه تأمّل ، إذ الطرف إنّما يدخل في النفس إذا كان في النفس قصاص أو دية ولا قصاص ولا دية ، وأمّا مع عدم شي‌ء منهما فليس الدخول بمعلوم.

وبالجملة قد استقرّ القصاص في اليد بأدلّته مثل «والجروح قصاص» (١) وسقوطه بالسراية في النفس المهدورة (المهدّرة ـ خ) ، غير ظاهر.

وأنّه مستلزم لقطع يد مسلم حرّ ، عمدا عدوانا بلا عوض.

نعم يرد عليه ما ذكرناه ، فتأمّل.

ولو عاد هذا المرتدّ إلى الإسلام بالتوبة ومات قبل ان يحصل سراية أصلا ، إمّا لعوده سريعا ، أو تخلّل زمان ، ولكن ما حصل فيه سراية وأثر وزيادة أصلا ، حتّى أسلم و (ثم ـ خ) سرى ، ومات بأثر الجرح السابق ، وكان مليا يقبل توبته وإسلامه ، اقتصّ له في نفس جناية (جانيه ـ خ) المسلم ، لحصول الشرائط ، لأنّه قتل

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

٣٦

وقال الشيخ : لا قصاص فيها لدخوله في قصاص النفس ولو عاد عن غير فطرة قبل حصول السراية (سراية ـ خ ل) اقتصّ في النفس ، وكذا بعده على رأي ولو كانت خطأ فالدية كملا.

______________________________________________________

عمدا عدوانا مسلما حرّا.

ولا يضر اعتراض الكفر ، فإنّه ليس في حال الجناية ولا في حال السراية واستقرار الجناية ، وهو ظاهر.

ويحتمل كون الفطري كذلك مع القول بقبول التوبة المسقطة لمقتضى الارتداد حتّى القتل ، ولكن القول غير ظاهر.

ويحتمل مع القول بالقبول في نفس الأمر وعدم سقوط القتل.

وهذا وإن كان أضعف من الاحتمال الأوّل ، إلّا أنّه يمكن القول به ، فتأمّل.

ولو أسلم بعد السراية في الجملة ، بمعنى أنّه تحقق الزيادة وسرت في البدن وزادت ، ولكن ما كملت السراية بعد وما مات فأسلم ، ثم كملت السراية فمات بها ، فرأي المصنف أنّه يقتصّ له منه لحصول الموجب ، وهو قتل العمد العدوان ، لأنّه المفروض وحصول التكافؤ حال الجناية وحال الاستقرار والسراية ، ولا اعتبار بتخلّل الكفر بين الحالتين.

ونقل عن الشيخ ومن تابعه القول بعدم القصاص ، لأنّ الفرض حصول السراية حال الارتداد في الجملة ، وذلك مؤثّر في الموت وغير مضمون ، ولهذا لو مات مرتدّا ، لم يكن مضمونا ، فكان السبب مركّبا منه ومن المضمونة ، وهذه شبهة دارئة للقتل.

ويمكن ترجيح الأوّل بأنّ موت المسلم مستند إليه ابتداء وانتهاء والتأثير المتخلّل أيضا منه ولم يكن أقلّ من ان جرح حيوان شخصا كالسبع ثم قتله انسان

٣٧

ولو جرح مسلم ذمّيا ثم سرت بعد الردّة فدية الذمّي.

______________________________________________________

عمدا ، وذلك موجب للقصاص ، وهنا بالطريق الأولى ، لأنّ الشركة هنا أصله منه ، وهناك من السبع مستقلا.

ويمكن أن يفرّق بأنّ ارتداده أسقط الضمان ، بخلاف صورة السبع فإنّه كان جرحه قاتلا ، سواء كان معه جرح السبع أم لا ، فالقصاص لذلك بغير ردّ ، وإلّا فيمكن القول بعدم القصاص أو به مع ردّ النصف أو بالنسبة.

ومنه يحصل احتمال ثالث ، وهو ردّ نصف الدية أو بالنسبة ثم القصاص.

وقيل أنّه لا بد من الكفّارة والدية كملا ، وأنّه لا كلام فيه ، وإنّما البحث في القصاص ، قاله في الشرح.

والظاهر أنّ المراد ان لم نقل بالقصاص ، أو يكون خطأ لئلا يلزم هدر دم امرئ مسلم ، فتأمّل.

ويحتمل القول بالتبعيض بناء على الاحتمال ، فتأمّل فيه.

وأمّا لزوم الدية كملا على هذا الجاني على المسلم الذي ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام سواء كان قبل السراية أو بعده (وـ خ) ان كان خطأ ، فهو ظاهر بناء على القول بالقصاص لو كان عمدا.

ويمكن فهم عدم النزاع أصلا من الشرح والمتن ، ويحتمل الكفّارة أيضا ، فافهم.

قوله : «ولو جرح مسلم إلخ». إذا جرح مسلم ذمّيا ثمّ ارتدّ الجاني فسرت جنايته حتّى مات الذمّي حين ارتداد الجاني ، فلزمه دية الذمّي لا القصاص ، كما لو لم يرتدّ ، سواء كان ارتداده فطريّا أم لا.

أمّا عدم القصاص فهو بناء على ما تقدم من عدم قصاص المرتدّ بالذمّي ، ظاهر.

وأمّا بناء على غيره فهو مبنى على ما تقدم من الاعتبار بحال الجناية لا

٣٨

ولو قتل المسلم مرتدّا ، فلا قصاص ولا دية ، ولو قتله ذمّي فالقود.

______________________________________________________

السراية ، وحينئذ كان مسلما ، فلا يقتص منه له.

وفيه بحث ، فإنّ كليّة ذلك غير ظاهر ، ولا نصّ ولا إجماع معلومين.

وقد يناقش هنا في عدم القصاص ، فإنّه لو قتل هذا المرتد بالذمي لم يصدق أنّه قتل المسلم بالكافر ، وهو الممنوع إجماعا ونصّا ، بل قتل الكافر بالكافر نعم ذلك صحيح (كان ذلك صحيحا ـ خ) في بعض الأمثلة المتقدمة ، فتأمّل.

قوله : «ولو قتل المسلم إلخ». وجه عدم القصاص وعدم الدية على مسلم إذا قتل مرتدّا ان كان فطريّا ، هو أنّ دمه هدر غير معصوم بالنسبة إلى المسلم ، وليس له حرمة ، بل يجب قتله ، إلّا أنّ قتله انّما يكون بإذن الإمام عليه السّلام ، فلو قتله مسلم بغير إذنه لم يكن له عوض عليه ، لا قودا ولا دية ، نعم فعل حراما وينبغي عدم النزاع فيه.

ويفهم من الشيخ ، النزاع فيه من شرح الشرائع ، وتعزيره حينئذ إذا قيل به في كلّ محرّم ، كما يفهم من كلامهم ، وقد تقدم.

هذا بناء على عدم سقوط القتل عن الفطري بالتوبة وكان ذلك لا نزاع فيه ، غير بعيد ، كما إذا قتل من وجب قتله بالزنا بخلاف من وجب قتله قصاصا ، فإنّه معصوم الدم إلّا بالنسبة إلى ولي الدم ، فلو قتله غيره يقتصّ وليّه منه ويعطى الدية إلى ولي المقتول الأوّل ، هذا في الفطري.

وأمّا الملّي فالظاهر عدم سقوط الدية ، فإنّه غير واجب القتل فليس دمه هدرا لا عوض له ، فإنّه يرجى ان يسلم.

نعم يمكن عدم القصاص له من المسلم ، لعموم عدم قتل المسلم بالكافر الثابت عنده بالنصّ (١) والإجماع.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٤٧ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٧٩.

٣٩

الخامس : التساوي في الحرّية

فلا يقتل حرّ بعبد.

______________________________________________________

فيحتمل ان يكون عليه دية الذمّي ، فإنّه أقلّ دية حر ، وأنّ المرتدّ فيه حرمة الإسلام في الجملة ، فلا يكون أقلّ منه ، والدية التامّة إنما تثبت في المسلم لا المرتدّ.

ويحتمل التام لبقاء حرمة الإسلام ورجائه ، فتأمّل.

ويظهر من المتن وغيره ـ حيث ما قيّد المرتدّ ـ عدم الدية في المرتدّ الملّي أيضا ، وفيه تأمّل.

هذا إذا قتله مسلم ، وإذا قتله ذمّي فلزمه قصاصه به لأنّه غير معصوم الدم بالنسبة إلى المسلمين ، لا بالنسبة إلى الكفّار ، ولعموم أدلة القصاص ، ولا دليل يخرج هذا.

ويظهر هنا أيضا عدم الفرق بين المرتدّ الفطري والملّي ، وهو محتمل ، الله يعلم.

قوله : «التساوي في الحرّية إلخ». خامس الشروط التساوي في الحرّية والرقّية أيضا ، بمعنى أنّه لا بدّ حينئذ من كون المقتول حرّا لقصاص القاتل الحرّ ، فلا يقتصّ الحرّ إلّا للحرّ ، ويقتصّ للحرّ من الحرّ والمملوك ، فيقتل المملوك بالمملوك وبالحرّ أيضا ، بخلاف المملوك ، فإنّه لا يقتصّ له إلّا من المملوك ، هذا مثل التساوي في الإسلام ، وبالجملة المقصود واضح ، وان كانت العبارة غير واضحة ، والأمر في ذلك هيّن.

ولا بدّ من بيان دليله ، وهو مفهوم آية «الْحُرُّ بِالْحُرِّ» (١) ولو لم يعتبر هذا المفهوم لزم التكرار ، لفهم منطوقه من قوله «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» (٢) وترك مفهوم

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

(٢) البقرة : ١٧٨.

٤٠