مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

أظن انها مروية في الفقيه أيضا عن زرارة (١) فاذن صحيحة ، لأنه قال فيه بعد حديث زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وقال في حديث أخر ذكره له ، أي أبو جعفر عليه السلام ذكر الحديث لزرارة على الظاهر ، ونقل هذا الحديث بعينه ، فتأمل.

وما مر في الاخبار الدالة على بطلان التكلم من قوله عليه السلام حتى ينصرف لوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته (٢) ومثل ما في صحيحة عمر بن أذينة عنه عليه السلام حتى يلتفت فليعد (٣) وفي رواية أبي بصير عنه عليه السلام ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة (٤)

وهذه الاخبار ظاهرة في التحريم والبطلان ، وان قارن النهي الواقع في بعضها بالمكروهات : للإجماع ، فإن ذلك لا يدل على كون ما يقارنه أيضا كذلك ، لعدم الدليل ، وظهور النهي للتحريم والبطلان هنا ، إذ الظاهر ان الغرض من النهي هنا شرطية الاستقبال لها ، والظاهر عدم الخلاف أيضا في ذلك وللتصريح في البعض بقوله (ولا تفسد) مع التعليل الدال على الاشتراط والبطلان بدونه.

ولا يضر وقوع إبراهيم في السند ، لما مر مرارا من انه مقبول ، وقد سمى الاخبار الواقع هو فيها بالصحة ، وكذا الطريق في التهذيب والفقيه ، ولكن يبقى المنافاة بينها وبين مفهومي المتقدمين فقاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي تخصيصها وحملها عليها.

__________________

(١) الوسائل باب (٩) من أبواب القبلة حديث : ٣ ولفظ الحديث : (ثم استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب لوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فان الله عز وجل يقول لنبيه في الفريضة ، (فَوَلِّ وَجْهَكَ). وقم منتصبا فان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له ، واخشع ببصرك لله عز وجل ولا ترفعه الى السماء وليكن حذاء وجهك في موضع سجودك) هكذا مروية في الفقيه

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب قواطع الصلاة قطعة من حديث : ٦

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب قواطع الصلاة قطعة من حديث : ١

(٤) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيده رواية عبد الملك المتقدمة ، والشهرة ، حتى يفهم الإجماع من ظاهر المنتهى كما مر.

ويمكن القول بالبطلان بالالتفات يمينا وشمالا كما قاله ولد المصنف بحمل الفحش على اليمين والشمال والخلف ، وتخصيص مفهوم (بكله) بما بين المشرق والقبلة وبما بين المغرب والقبلة فيصير المعنى : ان الالتفات إذا كان بكله يقطع الصلاة مطلقا ، وليس الالتفات بالبعض كذلك بل يبطل إذا كان على اليمين والشمال والخلف بالوجه ، ولا تبطل فيما إذا كان بينهما وبين القبلة ، وإذا كان بالوجه فاحشا يعنى منقلبا عن القبلة بالكلية ، وهو متحقق في اليمين واليسار والخلف ، دون ما بين اليمين واليسار والقبلة ، ويؤيده دليل الاشتراط من الايات والاخبار ، وقول بعض الأصحاب. قال في الذكرى : ويحرم الالتفات ولو يسيرا ، واشترط البعض القائمة (١) ويمكن حمل رواية عبد الملك أيضا على عدم الانحراف الى اليمين والشمال والخلف ، دون الخلف فقط ، كما حملها الشيخ عليه.

وظهر من هذا كله ان مذهب ولد المصنف لا يخلو عن قوة ، وان له دليلا وموافقا ، وان الاخبار ليست منحصرة في عدم البطلان مطلقا ، أو البطلان مع الكل ، أو الفحش ، ولا ان ليس له دليل إلّا رواية العامة مع ضعفها عندهم كما يظهر من كلام الشارح (٢) وان فيه الاحتياط في الجملة ظاهرا ، وكذا كلام الأصحاب في الاشتراط يؤيده ، فيمكن حمل المتن عليه ، الّا انه بعيد وخلاف المشهور.

قال في المنتهى : الالتفات يمينا وشمالا ينقص ثواب الصلاة ولا يبطلها ، وعليه جمهور العلماء ، ويدل عليه أيضا صحيحة على بن جعفر في زيادات التهذيب (قبل

__________________

(١) في هامش بعض النسخ الخطية التي عندنا ما هذا لفظه (إشارة الى ما قاله المحقق الثاني أعني الشيخ على ره : انه لا بد من توجه المصلى بحيث يحصل من الخط الخارج عنه الواصل إلى خطا السمت زاويتان قائمتان)

(٢) قال الشارح في روض الجنان : نعم هو مذهب بعض العامة محتجا لقول النبي صلى الله عليه وآله لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت والرواية ضعيفة عندهم لان راويها عبد الله بن سلام وهو ضعيف

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السهو بورقتين) عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن ان ثوبه قد انخرق ، أو اصابه شي‌ء هل يصلح له ان ينظر فيه ، أو يمسه؟ قال : ان كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس ، وان كان في مؤخره فلا يلتفت ، فإنه لا يصلح. (١)

فالمشهور غير بعيد ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، والجمع بالكراهة في اليمين والشمال والتحريم في الخلف ممكن ، فتأمل.

هذا كله في العمد والاختيار والعلم ، واما مع النسيان فالظاهر الصحة ، والاولى منه المكره ، لظهور كونهما عذرا ، ولعموم الخبر المشهور المقبول عندهم وهو رفع القلم والعفو عما استكرهوا (٢) وللزوم التكليف الكثير الشاق في بعض الأوقات : ولتوجه الخطاب بالنهي ، إلى العالم الذاكر المختار فقط ، ولصحة الصلاة الى غير القبلة في الجملة : وللأصل ، وعموم الأوامر.

واما الجاهل المقصر ، فهو يلحق بالعامد.

ويمكن الصحة في الكل مطلقا ، لقوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ). (٣)

ويحتمل التفصيل بالعلم بها ، وزوال الإكراه ، قبل خروج الوقت وبعده ، فتبطل ، ويعيد في الأول دون الثاني ، لبقاء الوقت ، مع فوت الشرط ، وإمكان الاستدراك ، مع عدم المحذور : ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك انك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وان فاتك الوقت فلا تعد. (٤)

ولو صلى ناسيا الى غير القبلة ، فيمكن الحاقه بمن صلى باجتهاده ، فظهر الغلط ،

__________________

(١) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤

(٢) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢

(٣) البقرة : (١١٥)

(٤) الوسائل باب (١١) من أبواب القبلة حديث : ١

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والبطلان مطلقا : والظاهر التفصيل المقدم في صحيحة عبد الرحمن ، وأينما تولوا فثم وجه الله ، دليل الصحة في الجميع ، فتأمل :

وبالجملة الذي يقتضيه النظر : الصحة في المكره ، وعدمها في غيره مع إيقاع فعلها الى غير ما بين المشرق والمغرب والقبلة ، مع بقاء الوقت ، والصحة بدونهما

واعلم ان ظاهر قول المصنف (والالتفات الى ما ورائه) انه عطف على التكفير وأخواته ، فتقدير الكلام ، وبتعمد الالتفات الى خلفه ، يعنى تعمد الاستدبار أيضا مبطل ، وقوله بعد هذا ، ولا يبطل جميع ذلك سهوا أيضا يقيد تقييد البطلان بالعمد ، وصرح بذلك في المنتهى أيضا ، قال في الفصل الثالث في التروك لو التفت الى ما وراه ناسيا لم يعد صلاته إلخ فعلم من هذا ان الاستدبار ليس مما ينافي الصلاة عمدا وسهوا ، بل عمدا فقط فهو مثل الكلام والحال انهم جعلوه من المنافي مطلقا ، والمصنف أيضا جعله كذلك في بحث الخلل الواقع في الصلاة ، حيث قال في المنتهى : ولو سلم ثم تيقن النقيصة ، كمن سلم في الأولين من الثلاثيات أو الرباعيات ، أو صلى ركعة من الغداة وسلم ساهيا اتى بما نقص وتشهد وسلم وسجد سجدتي السهو ، الا ان يفعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا كالحدث والالتفات الى ما ورائه ، فإنه يبطل صلاته حينئذ ، وان فعل ما يبطل الصلاة عمد الا سهوا كالكلام ففيه خلاف ، الى قوله الأقرب الثاني ، أي الصحة :

فالمنافاة بين ما هنا وبين ما ذكره بل بين كلاميه في المنتهى ، ظاهرة :

وأيضا ان قيد ب (ما ورائه) يشعر بأنه إذا التفت ببدنه كله عمدا الى غير الاستدبار ـ وكذا بوجهه أيضا ان كان ذلك أيضا مراده كما يفهم من المنتهى ، والا مطلقا ، على ما فهمه الشارح ، حيث قيده بقوله ، ان كان بكله فقط ـ لم يبطل صلاته : فيلزم جواز الالتفات بالبدن والوجه عمدا الى جميع الجهات غير الخلف ، وهو مناف لاشتراط القبلة ، وعدم جواز الانحراف عنه عمدا ولو يسيرا كما هو مصرح في موضعه ، كيف وهم يوجبون الإعادة في الوقت لو وقعت الصلاة الى اليمين واليسار :

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعضهم مطلقا إذا وقعت الى الاستدبار ان كان سهوا ، وان كان عمدا يعيد مطلقا.

وبالجملة ما يدل على عدم جواز الانحراف عمدا كثير في كلامهم ، وكذا على الإعادة عمدا لو كان مستدبرا ، فالقيد مضر كثيرا.

والتفصيل ان الالتفات : اما بالبدن ، أو الوجه فقط ، اما عمدا أو سهوا ، فهو اربع : ومع الطول والقصر يصير ثمانية ، ومع وقوع بعض أفعال الصلاة حينئذ وعدمه ستة عشر ، وهي في سبع (١) جهات تبلغ مائة واثنتي عشر صورة ، وهي في التذكر في الوقت وخارجه يصير مائتين وأربعا وعشرين.

والذي يفهم من المتن بطلان اربع على ما فهمه الشارح ، وثمان على ما فهمنا وصحة البواقي وهو مشكل : بل ينبغي البطلان في العمد بالبدن مطلقا لما مر ، وفي السهو به مع خمس. الخلف ، واليمين واليسار ، وما بينهن مع بقاء الوقت دون خارجه ، والصحة في البواقي ، ودليله الأخبار الدالة على ان من صلى مع ظن القبلة ثم بان أنها الى غير القبلة يعيد في الوقت دون خارجه ما لم يكن ما بين المشرق والمغرب لان ما بينهما قبلة للخبر الصحيح (٢) مع عموم ما في الصحيحة المتقدمة : من ان الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله (٣)

خرجنا منه ما بين المشرق والمغرب سهوا مطلقا ، لما تقدم من الاخبار.

والخمس الباقية أيضا سهوا مع خروج الوقت ، للاخبار ، فيبقى الباقي تحت البطلان.

ويحتمل الصحة مطلقا الا مع الإتيان بفعلها الى غير القبلة وتخصيص

__________________

(١) توضيح المراد من السبع هي اليمين واليسار والخلف والزوايا الأربع.

(٢) الوسائل باب (٩) من أبواب القبلة حديث : ٢ ولفظ الحديث (عن أبي جعفر عليه السلام انه قال : لا صلاة الا الى القبلة : قال : قلت اين حد القبلة؟ قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة كله ، اه)

(٣) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الصحيحة المتقدمة واخبار الإعادة بما إذا فعلها الى غير القبلة ، ولو لا عموم تلك ، لكان القول بها جيدا. لكن الظاهر انها عامة ، مع عدم الظفر بالفتوى بالتفصيل ، فلا يبعد عموما ، القول به لما مر ،

والاحتمال المذكور هنا يجري في الوجه بالطريق الاولى.

والسهو اولى من العمد في البدن.

ويحتمل البطلان في الاستدبار مطلقا كما قيل في الصلاة ساهيا وفي الالتفات بالوجه مع العمد في الثلاث الأول قطعا ، وفي الأخيرين على الاحتمال لما مر في الصحيح من قوله عليه السلام.

(قال : لا) (١) وفي أخرى ولا تقلب وجهك الخبر (٢) وفي أخرى ولا يعيد حتى ينصرف بوجهه (٣) وفي أخرى إذا كان الالتفات بالوجه فاحشا (٤) ولا شك في كونه فاحشا في الأول ، وفي الأخيرين أيضا بالنسبة الى ما بينهما والقبلة ، فيصدق عليه الفحش في الجملة ، ويحمل غيرها عليه ولكن في صحيحة على بن جعفر دلالة على الجواز في الأخيرين أيضا (٥) لمصلحة مع عدم الصراحة ، فلا يبعد القول به. وحمل الشهرة والإجماع المفهوم ، عليه. أو حمل قول ولدا المصنف على غيره ، فبقي قوله (جيدا خ) حينئذ في الجملة ، بل في الالتفات الى ما بينهما أيضا مع فعلها حينئذ لا يبعد بطلانها ، ولهذا ورد في الاخبار ، إذا علم في الأثناء تحول وجهه إلى القبلة إذا كان

__________________

(١) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١ ولفظ الحديث (عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الرجل يلتفت في صلاته؟ قال : لا : الحديث)

(٢) الوسائل باب (٩) من أبواب القبلة قطعة من حديث : ٣

(٣) لم أجد حديثا بهذا المضمون ولكن في الوسائل باب (٦) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١ ـ ٢ ما يدل على المقصود فراجع.

(٤) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة قطعة من حديث : ٢

(٥) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤

٦٦

والقهقهة.

______________________________________________________

ما بين المشرق والمغرب ، وليقطع إذا استدبر (١) فتأمل. فإن الظاهر انه بالبدن.

وبالجملة الاحتياط يقتضي عدم ذلك ، لقوله في صحيحة محمد بن مسلم : (لا) ، اى لا يلتفت (٢) فتأمل فإن المسئلة من مشكلات الفن ولهذا طولنا فيها الكلام.

ويحتمل مع النسيان الصحة فيها مطلقا ، ومع العمد في البواقي الصحة مطلقا ، لعدم الدليل ، ولكون ما بينهما قبلة ، وكون النسيان عذرا للخبر (٣) والعقل.

ويمكن الجمع بين كلامي المصنف بالتخصيص بالبعض دون البعض فيهما ، فتأمل.

واعلم ان هذا كله بناء على ما فهم من كلامهم من التضييق في أمر القبلة ، واما على ما تقدم في بحث القبلة في الوسع فيها ، فلا.

قوله : «والقهقهة» قال في الشرح : وهي لغة الترجيع في الضحك أو شدته ، والمراد هنا مطلق الضحك كما صرح به المصنف في غير هذا الكتاب.

قال في المنتهى : يجب عليه ترك الضحك في الصلاة لا التبسم ، فلو قهقه عمد أبطلت صلاته سواء بان حرفان ، أولا ، وهو مذهب أهل العلم كافة. وكذا الاتفاق على ان التبسم لا يبطل الصلاة عمدا وسهوا.

كأن الشارح فهم مراد المصنف : من وضع الضحك موضع القهقهة في المنتهى ، ولا يبعد ان يكون مراده بالضحك المذكور ، هو القهقهة لأنها الواقع في الأدلة والظاهر ان القهقهة في العرف أيضا أخص من الضحك كما في اللغة وبالجملة الواقعة

__________________

(١) الوسائل باب (١٠) من أبواب القبلة حديث : ٤ ولفظ الحديث (عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل ان يفرغ من صلاته قال ان كان متوجها فيهما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم ، وان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتح الصلاة)

(٢) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٣) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

في الأدلة المعتبرة هو القهقهة : فكل ضحك يصدق عليه ذلك عرفا ـ لو كان ، والّا لغة ، إذ لا شرع لها ـ فهو مبطل ، والّا فلا ، للأصل.

واما الدليل فهو الإجماع المنقول ، لعله في القهقهة ، لأنها الواقعة في الاخبار (١) ولقوله (فلو قهقهة) ولأنه إذا خرج التبسم بالإجماع ، فما بقي إلا كون المراد به الضحك الكثير ، أو الذي معه الصوت حتى يخرج عن كونه تبسما ، ولعله المراد بالقهقهة ، ولكنه خلاف المعنى المنقول فتأمل ورواية الجمهور عنه صلى الله عليه وآله من قهقه فليعد صلاته (٢) واخرى القهقهة تنقض الصلاة ، ولا تنقض الوضوء.

ومن طريق الخاصة موثقة سماعة (لكونه واقفيا ، ثقة ، وفي أخرى زرعة أيضا مع كونه مثله) قال سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال : اما التبسم فلا يقطع الصلاة ، واما القهقهة فهي تقطع الصلاة (٣) وهذه المضمرة تدل على البطلان بالقهقهة وعدمه بالتبسم وكونه ضحكا أيضا مع حصره فيهما ، فافهم.

ولا يضر الإضمار ، ولا التوثيق ، للعمل ، وعدم الخلاف. والتأييد بغيرها وهي حسنة زرارة (لإبراهيم) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة (٤)

وظاهر الرواية البطلان بالنسيان أيضا ، لكن خصص بالخبر ، والإجماع الذي نقله في الشرح ، ويؤيده الأصل ، وعدم صحة الروايات وصراحتها.

وكذا ظاهرها يعم الاضطرار برؤية المضحك من الملاعب وغيره ، ولا يبعد التخصيص أيضا بالخبر مع عدم صحة الروايات وعدم التصريح بالعموم فيها ،

__________________

(١) الوسائل باب (٧) من أبواب قواطع الصلاة ، فلاحظ

(٢) قال في المنتهى : في قواطع الصلاة ص ٣١٠ روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال : من قهقه فليعد صلاته ، وعن جابر بن عبد الله ان النبي صلى الله عليه وآله قال : القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء ، رواه الدارقطنى.

(٣) الوسائل باب (٧) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢

(٤) الوسائل باب (٧) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

٦٨

والفعل الكثير الذي ليس من الصلاة.

______________________________________________________

فافهم ، وما نقل هنا الإجماع ، بل القول بالبطلان مع احتمال القول بعدم البطلان ، قال في الشرح : ولو وقعت على وجه لا يمكن دفعه لمقابلة ملاعب ونحوه ، فقد ستقرب في الذكرى ، البطلان ، وان لم يأثم ، لعموم الخبر. وقد عرفت عدم صحته وعمومه صريحا.

قوله : «والفعل الكثير إلخ» كان دليله الإجماع : والعقل (والفعل ـ خ ل) الدال على ان في الصلاة إذا اشتغل بفعل ، يخرجه في العرف عن كونه مصليا ولا يقال معه انه مصل يبطلها ، وقد قيل لمثله في القراءة والسكوت ورفع الصوت وغيرها.

قال في المنتهى : ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصلاة ، فلو فعله عامدا بطلت صلاته. وهو قول أهل العلم كافة لأنه يخرجه عن كونه مصليا. والقليل لا يبطل الصلاة بالإجماع ، قال : ولم يحد الشارع القلة والكثرة فالمرجع في ذلك الى العادة ، وكل ما ثبت ان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام فعلوه في الصلاة أو أمروا به ، فهو من جنس القليل كقتل البرغوث والحية والعقرب.

والظاهر ان مثله وأقل منه وتقريرهم عليهم السلام أيضا كذلك ، والظاهر ان المحتاج إلى الحوالة على العرف. ما يخرج به عن كونه مصليا. لانه المبطل عقلا ، وهو ما يخرج به عن كونه مصليا عرفا ، وعدمه في العرف ، معرضا عنها ، غير مصل ، إذ ما وقع الكثرة ، مبطلة في الشرع حتى يحتاج الى تحديده عرفا أو شرعا أو لغة ، الّا ان يقال : وقع تلك الكثرة في الإجماع فلا بد من التحديد ، لكنه غير معلوم ،

وبالجملة ليس المبطل الا ما تحقق عرفا منافاته للصلاة وعدم الاجتماع معها ، بحيث كل من يراه بهذه الحالة من العقلاء العارفين يقول : انه ليس بمصل. وهو المجمع عليه.

والظاهر انه مع الاختلاف يرجع الى الأكثر.

وقد ثبت في الشرع جواز أفعال فيها ، لو لا وقوع ذلك فيه ، لكان من المخرج على ما أظن.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا بد من الاطلاع على تلك أيضا ، حتى يصح حكم من يحكم بالكثرة المخرجة.

وذلك في الاخبار من طرقهم ، مثل قتل العقرب ، والأمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب (١)

ومن طرقنا ما روى في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء (المختلف فيه) قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلى المكتوبة؟ قال : يقتلهما (٢) وفي صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون في الصلاة فيرى الحية والعقرب ، يقتلهما ان آذياه؟ قال : نعم (٣) وفي الحسن عن الحلبي ، وهو صحيح في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يقتل البقة والبرغوث والقملة والذباب وهو في الصلاة ، أينقض ذلك صلاته ووضوئه؟ قال : لا (٤)

وهذه تدل على طهارة دماء هذه الأشياء وميتتها وجواز قتلها.

وفي الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس ان تحمل المرأة صبيها وهي تصلي ، أو ترضعه (وترضعه خ ل) وهي تتشهد (٥) وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله ، يجوز له ان يتناولها فيقتلها؟ فقال : ان كان بينه وبينها خطوة واحدة

__________________

(١) سنن ابن ماجه ، (١٤٦) باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة ، ولفظ الخبر (عن أبي هريرة ، ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة : العقرب والحية) وفي خبر آخر «عن ابن أبي رافع عن أبيه ، عن جده ، ان النبي (ص) قتل عقربا وهو في الصلاة» ونقل الحديث الأول في الوسائل باب (١٩) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥ ولفظ الحديث (عن أبي هريرة ان نبي الله صلى الله عليه وآله أمر بقتل الأسودين في الصلاة ، قال معمر قلت ليحيى : وما معنى الأسودين؟ قال : الحية والعقرب)

(٢ و ٣) الوسائل باب (١٩) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣ ـ ٢

(٤) الوسائل باب (٢٠) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٥) الوسائل باب (٢٤) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فليخط وليقتلها ، والا فلا (١) وعن زكريا الأعور.

قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلى قائما والى جانبه رجل كبير يريد ان يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها ، فانحط أبو الحسن عليه السلام وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد الى صلاته (٢) وما روى انه صلى الله عليه وآله رفع امامة بنت أبي العاص ، وهي ابنة ابنته ، وكان يضعها إذا سجد ويرفعها إذا قام (٣) وصحيحة الحلبي سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحتك وهو في الصلاة؟ قال : لا بأس وسأله عن الرجل يقتل البقة والبرغوث والقملة والذباب في الصلاة ، أينقض ذلك صلاته ووضوئه؟ قال : لا (٤) ورأيت خبرا ان الحسين بن على عليهما السلام كان يصلى وعلى عاتقه شي‌ء وكان كلما يركع ويسجد يقع من كتفه ثم يضعه عليه حتى أكمل الصلاة (٥) وغيرها من الافعال مثل المشي في الصلاة حتى لحق الصف (٦)

ففي النظر الى ما تقدم ، يظهر قلة وجود الفعل الكثير المبطل ، وعدم مدخلية الكثرة وان بعض الأبحاث في هذه المسئلة لا يخلو عن شي‌ء مثل هل يشترط في الكثرة التوالي أم لا ، وان المرجع في الكثرة والقلة إلى العادة وانه لا عبرة بالعدد فقد

__________________

(١) الوسائل باب (١٩) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤

(٢) الوسائل باب (١٢) من أبواب القيام حديث : ١

(٣) مسند احمد بن حنبل ج ٥ ص ٣٠٤ ولفظ الخبر (عن عمرو بن سليم الزرقي انه سمع أبا قتادة يقول : ان النبي (ص) صلى وامامه بنت زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي ابنة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى على رقبته فإذا ركع وضعها وإذا قام من سجوده أخذها فأعادها على رقبته الحديث)

(٤) الوسائل باب (٢٨) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١ وأورد ذيله في باب (٢٠) حديث : ١

(٥) الوسائل باب (٢٢) من أبواب لباس المصلى حديث : ١٠ ولفظ الحديث (عن أبي بصير انه قال لا أبي عبد الله عليه السلام ما يجزى الرجل من الثياب ان يصلى فيه؟ فقال : صلى الحسين بن على عليهما السلام في ثوب قد قلص عن نصف ساقه وقارب ركبتيه ليس على منكبه منه الا قدر جناحي الخطاف وكان إذا ركع سقط عن منكبيه وكلما سجد يناله عنقه فرده على منكبيه بيده فلم يزل ذلك دأبه ومشتغلا به حتى انصرف)

(٦) الوسائل باب (٤٦) من أبواب صلاة الجماعة : فراجع

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون الكثير قليلا كحركة الأصابع والقليل كثيرا مثل الطفرة الفاحشة.

ثم اعلم ان ظاهر المتن ان مثله يبطل على تقدير العمد ، وهو صريح في المنتهى كما مر ، فلا يبعد عدمه على تقدير النسيان ، بل الاضطرار أيضا لما مر ، والجاهل المكلف كالعامد.

قال الشارح : ويشكل ذلك في الكثير الذي يوجب انمحاء صورة الصلاة ، ويمكن ان يقال : الكثير المبحوث عنه هو ذلك ، وان أراد زيادة الانمحاء والخروج فيمكن ارتكاب البطلان حينئذ ، ولكن الأصل دليل. مع قوله عليه السلام الصلاة على ما افتتحت عليه (١) وعذر النسيان ، فيمكن الصحة لعدم دليل البطلان ، فان الظاهر انما الدليل المعتبر هو الإجماع ، وهو في غير العمد غير ظاهر ، تأمل فيه واحتط.

ويظهر أيضا جواز عد الركعات ، والتسبيح ، والاستغفار بالإصبع والخاتم والحصى وغير ذلك بالطريق الاولى ، وادعى عليه الإجماع في المنتهى.

ويؤيده ما رواه ابن بابويه في الحسن عن عبد الله بن المغيرة عنه عليه السلام انه قال : لا بأس ان يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده ، فيعد به. (٢)

وفي استغفار الوتر : روى في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال : استغفر الله في الوتر سبعين مرة ، تنصب يدك اليسرى وتعد باليمنى الاستغفار (٣) ورأيت في رواية اخرى انه كان عليه السلام يعد التسبيح بالإصبع ويحركه قليلا. (٤)

ويمكن ان يقال : الذي يعده العرف مخرجا ومعرضا ، يكون مبطلا مطلقا ، وان

__________________

(١) عوالي اللئالى ، فراجع

(٢) الوسائل باب (٢٨) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣

(٣) الوسائل باب (١١) من القنوت حديث : ١

(٤) الوسائل باب (٢١) من أبواب السجود حديث : ١

٧٢

والبكاء للدنيوية.

______________________________________________________

كان أخف أو مساويا ، لما في الروايات المتقدمة ، ويكون المذكور في الروايات خارجا عن القاعدة بنص وإجماع مثل قتل الحية.

ولا يبعد كون هذه الأشياء في الصلاة مستحبة ، لوقوعها ، مع الأمر بها ، على انها تمنع التوجه ، فالكراهة ومجرد الإباحة بعيدة ، فتأمل.

قوله : «والبكاء للدنيوية» قال الشارح : كذهاب مال ، وفقد محبوب.

دليله ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي حنيفة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البكاء في الصلاة. أيقطع الصلاة؟ فقال : ان بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الاعمال في الصلاة ، وان كان ذكر ميتا له فصلاته فاسدة (١)

وقول الأصحاب : حيث ما رأيت الخلاف ، فكأنه إجماع عندهم ، مع انه أمر دنيوي ينافي الأمر الأخروي المهتم به.

وفيه تأمل ، إذ الخبر غير صحيح ، والإجماع مخفي ، والمنافاة أخفى.

قال في الشرح : واعلم ان البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت ، لا مجرد خروج الدمع ، مع احتمال الاكتفاء به في البطلان ، ووجه الاحتمالين اختلاف معنى البكاء لغة مقصورا وممدودا ، والشك في إرادة أيهما من الاخبار ، قال الجوهري : البكاء يمد ويقصر ، فإذا مددت. أردت الصوت الذي يكون مع البكاء ، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها.

واعلم ان الظاهر صدق البكاء على مجرد الدمع من غير اشتراط الصوت لغة وعرفا ، وان كان لغة له معنى أخر أيضا. وان الأصل عدم الزيادة في اللفظ والمعنى. وأنّ ، (بكى) في الخبر مشتق من المقصور ، وصادق على ساكب الدمع ، وكذا البكاء في كلام الأصحاب. على ان الواقع في الخبر هو الفعل ، ولا شك انه متحقق بمجرد سكب الدمع. وأيضا لا يعقل معنى يوجب الفساد في الذي مع الصوت

__________________

(١) الوسائل باب (٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا بدونه (١) الا مع ارادة الحرفين المبطلين ، لكنه حينئذ من باب الكلام بحرفين والظاهر عدم اشتراط ذلك ، بل قال الشارح : وإذا اشتمل البكاء للاخرة على ذلك فهو مبطل أيضا ، وإذا حصل الحرفان ولا يسمى كلاما فهو مثل التنحنح ، وقطع المصنف هنا أيضا بعدم البطلان.

نعم يمكن ان يقال الذي معلوم البطلان بالإجماع ونحوه ، هو مع الصوت ، لمعلومية إرادته في الخبر والإجماع ، والمجرد عنه غير معلوم ، لاحتمال الحصر فيه ، وبقي غيره على أصل الجواز والصحة فتأمل ، فانا نظن الإرادة في الخبر والإجماع. واللفظ محمول عليه ، ولكن ما نعلم الإجماع ولا صحة الخبر والأصل أمر واضح ، مع ان الظاهر ان البكاء لفقد الميت. لا يطلق عليه الأمر الدنيوي ، الا ان يضم إليه شي‌ء ، ويبعد كونه مطلقا كذلك ، فإنه نقل عنه صلى الله عليه وآله البكاء على إبراهيم (٢) وكذلك عن الأئمة عليهم السلام (٣) ويبعد ارتكابهم عليهم السلام أمر أيكون محض دنيوي ، ولا يحصل عليه الثواب ، مع انا نجد أنّ الاخبار دالة على حصول الثواب للبكاء والألم ، بفقد المحبوب خصوصا الولد. فكونه مجرد أمر دنيوي مستبعد ، نعم لو ضم إليه أمر دنيوي كما يوجد في كثير من الناس ، انه ما بقي له احد يعينه في أموره ويعاونه ، فلا يبعد ذلك ، الله يعلم. واعلم أيضا انه يفهم من الترغيب على البكاء لأمور الآخرة ـ بالاية العامة ، والاخبار كذلك ـ عدم البطلان به ، ولو كان مع صدور الحرفين ويسمى كلاما أيضا ، والا ينبغي الإشعار في الاخبار ، مع ان ظاهر الاخبار هو العموم ، وانه مطلوب على اى وجه كان.

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا (وأيضا لا يعقل معنى في البطلان الذي مع الصوت آه)

(٢) الوسائل باب (٨٧) من أبواب الدفن حديث : ٣ ـ ٤ (عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله هملت عين رسول الله (ص) بالدموع ، ثم قال رسول الله علي وإله (تدمع العين) ويحزن القلب (ولا نقول ما) يسخط الرب ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، الى غير ذلك من الروايات في ذلك).

(٣) الوسائل باب (٨٧) و (٨٨) من أبواب الدفن تجده مشحونا من بكاء المعصومين عليهم السلام على ذلك فراجع.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا نقل عن اللغة ، انه قد يكون مع الصوت ولا شك انه أيضا مراد والتخصيص في الصوت غير ظاهر ، مع ان أدلة البطلان به كانت مجملة لا عامة بحيث يظن الشمول لما نحن فيه ، والعمدة الإجماع وهو غير ظاهر فيما نحن فيه لا بالعموم ولا بالخصوص ، فقول الشارح : ـ هذا إذا لم يشتمل على كلام ليس بقرآن ولا دعاء ولا ذكر ، والا لا بطل أيضا إلخ ـ غير ظاهر الدليل ، فكأنه خصص هذه الأدلة بتلك ، فيقال على تقدير التساوي ، فهو ليس بأولى من العكس ، بل الأصل يرجحه.

واما الأدلة : فذكر المصنف رحمه الله قوله تعالى : كأنها في وصف المؤمنين ، (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) ، (١) ومن الروايات : رواية الجمهور عن مطرف عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وبصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء (٢) قال أبو عبيدة ، الأزيز بالزائين غليان الصدر وحركته بالبكاء ، وفيه اشعار بصدور الحركة.

ومن طريق الخاصة : ما مر ، وما رواه الصدوق في الفقيه ، قال الصادق عليه السلام كلما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام (٣) ولا شك ان البكاء مع اى كلام كان فهو أفضل المناجاة.

وما رواه أيضا بقوله وسأله (أي الصادق عليه ـ خ) منصور بن يونس بزرج (٤) عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي؟ فقال : قرة عين والله ،

__________________

(١) سورة مريم : (٥٨)

(٢) مسند احمد بن حنبل ج ٤ ص ٢٥ وص ٢٦ ولفظ الحديث (عن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ، قال عبد الله لم يقل (من البكاء) الا يزيد بن هارون) وفي حديث أخر (انتهيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ولصدره آه)

(٣) جامع احاديث الشيعة باب (١٥) في القواطع حديث : ٣ والوسائل باب (١٩) من أبواب القنوت حديث : ٤

(٤) بضم اوله وثانيه ، ويفتح اوله ، علم ، معرب بزرك اى الكبير تاج العروس فصل الباء ، باب الجيم

٧٥

والأكل والشرب.

______________________________________________________

فقال : إذا كان ذلك فاذكرني عنده (١) وفيه مبالغة زائدة.

والغالب في التباكي حصول الصوت والحرف ، مع انه أعم ، وروى ان البكاء على الميت يقطع الصلاة والبكاء لذكر الجنة والنار من أفضل الاعمال في الصلاة (٢) كأنه إشارة إلى الرواية المتقدمة عن أبي حنيفة.

وروى انه ما من شي‌ء الأولة كيل أو وزن الا البكاء من خشية الله عز وجل فإن القطرة منه تطفئ بحارا من النيران ، ولو ان باكيا بكى في أمة لرحموا وكل عين باكية يوم القيامة الا ثلاثة أعين عين بكت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله وعين باتت ساهرة في سبيل الله (٣)

وأيضا يدل على عدم كون البكاء لفقد المحبوب من الأمور الدنيوية ، ما ذكر من الثواب للبكاء على رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته سيما على الحسين عليه السلام مع عدم النظر إلى الأمور الأخروية ، بل لمجرد الفقد ، شفقة ومحبة لهم عليهم السلام ، فتأمل.

قوله : «والأكل والشرب» قال في المنتهى وهما يفسد ان الصلاة وهو مذهب الجمهور كافة ، واحتج الشيخ عليه بالإجماع ، وهو عندي مشكل ، والاولى ان مطلق الأكل غير مبطل ما لم يتطاول بحيث يدخل تحت الفعل الكثير فيكون إبطاله مستندا إلى الكثرة ، لا الى كونه أكلا وشربا. كأنه لا دليل عنده ، وما ثبت نقل إجماع الشيخ في الأكل (الكل ـ خ ل) بحيث يشمل المسمى ، أو وجد الخلاف المعتبر ، فما اعتبر الإجماع في الكل ، بل فيما تحقق. أو أوله بمثل ما قلناه مرارا ، وللجمهور أدلة لا تنهض حجة.

ولكن ، جعل الأصحاب (هذه ـ ظ) مسئلة على حده بخصوصها ـ من دون

__________________

(١) الوسائل باب (٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٢) الوسائل باب (٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢ ـ ٤

(٣) الوسائل باب (٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر الأخر ، مع دخول كثرتهما تحت الفعل الكثير ـ يدل على ان مرادهم الأعم من ذلك.

ولكن مثله ليس بحجة ، والأصل دليل قوى ، مع موافقة الأوامر التي هي للاجزاء ، وحصر المبطل في بعض الاخبار ، مثل ما رواه محمد بن يعقوب في الكافي عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام انهما كانا يقولان : لا يقطع الصلاة إلا أربعة الخلاء والبول والريح والصوت (١) فكلما ثبت بدليل يدخل ، والّا يخرج عنه بالأصل ، وبهذا الخبر.

واعلم ان مقتضى المتن هنا ، عدم البطلان بالأكل والشرب ناسيا ، وان كان فعلا كثيرا ، وصرح به في المنتهى ، وادعى عليه الإجماع ، قال : لو أكل أو شرب في الفريضة ناسيا لم تبطل صلاته عندنا قولا واحدا ، لنا عموم رفع أحكام النسيان : احتج بأنه فعل مبطل من غير جنس الصلاة فاستوى عمده وسهوه كالفعل الكثير ، والجواب المنع من ثبوت الحكم في الأصل ، أي البطلان في الفعل الكثير سهوا ، وقد صرح في بحثه بذلك أيضا. (للفعل ـ خ)

والظاهر ان المكره كذلك للخبر (٢) بل بالطريق الاولى ، للعقل أيضا

اما الجاهل فمثل ما مرّ

وان الظاهر من المنتهى ، ان عدم البطلان ـ بتذويب السكر ، وابتلاع ما بقي تحت الأسنان ـ إجماعي عندنا ، والأخير عند العامة أيضا ، حيث قال : لو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر فذاب وابتلعه لم يفسد صلاته عندنا ، وعند الجمهور يفسد. لانه لا يسمى أكلا ، اما لو بقي بين أسنانه شي‌ء من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم يفسد صلاته قولا واحدا ، لانه لا يمكن التحرز عنه ، وكذا لو كان في فيه لقمة ولم يبتلعها إلا في الصلاة لأنه فعل قليل. والظاهر من الدليل ان الأخير ليس بإجماعي ، بل متفرع على مذهبه من كون المدار ، على الفعل الكثير بخلاف الأولين.

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فجعل الشارح عدم البطلان بالأولين من التفريع محل التأمل ، لأنه قال : (١) فقيل : كونه أكلا وشربا فيكفي فيه مسماهما واختاره الشيخ وفيه نظر ، لعدم الدليل الدال على ذلك.

فيه نظر ، لان دليله الإجماع كأنه يدخل فيه كما مر.

ثم قال : وقيل لكونه فعلا كثيرا فيتقيدان بالكثرة ، فلا يبطل اذدراد ما بين الأسنان ولا تذويب سكرة وضعها في فمه ونحوهما وهو أجود ، فلا خصوصية حينئذ للأكل والشرب بل للفعل الكثير ، ثم قال : ولو وضع في فمه لقمة ومضغها وابتلعها أو تناول قلة وشرب منها ، فقد قال المصنف في التذكرة والنهاية : انه مبطل أيضا ، لأن التناول والمضغ والابتلاع أفعال كثيرة ، وكذا المشروب ، والاولى اعتبار الكثرة عرفا (٢)

والاولى اعتبار العرف في أنها تسمى معرضا وخارجا عن الصلاة أولا كما مر وليس للكثرة باعتبار أنها ثلاثة أو أربعة عرفا اثر ، انما الاعتبار بما قلنا ، وعلى ما فهمناه من الاخبار لا يسمى مثل هذه الافعال مخرجا ومانعا الّا ان تكثر بحيث يعد مخرجا.

وبالجملة ، لو كان سبب البطلان هو الفعل الكثير كما مر ، فقليلا ما ، يتحقق البطلان بهما ، كما بسائر الأفعال ، على ما دلت عليه الاخبار المتقدمة.

ويدل عليه أيضا رواية عن أبي عبد الله عليه السلام عن على عليه السلام ان وجدت قملة وأنت في الصلاة تصلى فادفنها في الحصى (٣) فان بلع لقمة أو مضغها أو

__________________

(١) قال الشارح قبل هذا الكلام (اختلاف في السبب الموجب للبطلان فقيل ، إلخ)

(٢) إلى هنا كلام الشارح

(٣) الوسائل باب (٢٠) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥ و ٧ ولفظ الحديث (عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يقوم في الصلاة فيرى القملة ، قال : فليدفنها في الحصى ، فان عليا عليه السلام كان يقول : إذا رأيتها فادفنها في البطحاء)

٧٨

إلّا في الوتر لصائم أصابه عطش.

______________________________________________________

شرب الماء ليس بأعلى منه ، وغيرها من الاخبار ، مثل انحط أبو الحسن عليه السلام وهو قائم وتناول العصا للشيخ ثم يرجع الى موضعه (١) وقتل الحية مع الخطوة (٢) وغير ذلك.

قوله : «الّا في الوتر إلخ» قال في الشرح : هذا الحكم ثابت في جميع الصلوات فرضها ونفلها الّا المستثنى ، وهو ظاهر المتن.

ودليله الإباحة الأصلية ، وأصل الصحة ، واجزاء الأمر ، وعدم الدليل حتى الإجماع ، بل الإجماع على خلافه.

ورواية سعيد الأعرج ، قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انى أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن اقطع الدعاء واشرب ، واكره ان أصبح وانا عطشان ، وامامى قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة؟ قال : تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء (٣) قال في المنتهى : الأقرب عندي مراعاة القلة فتصح الصلاة معها وتبطل بدونها ، ورواية سعيد محمولة عليه : على انها وردت في واقعة مقيدة بقيود ، ارادة الصوم ، وخوف العطش ، وكونه في دعاء الوتر ، ومع ذلك فهي واردة في صلاة الوتر خاصة.

فيفهم من كلامه عدم الخروج من تلك القاعدة ، وتعميمها النافلة والفريضة وحمل الرواية عليها ، وفيه تأمل ، وانه على تقدير خروج الرواية عنها تكون مخصوصة فيما وقعت فيه ، اى الوتر مع القيود ، فلا يتعدى الى غيره. وقال في الشرح : واشترط بعض الأصحاب مع ذلك. ان لا يفعل ما ينافي الصلاة غير الشرب ، اختصارا في الرخصة على موردها ، فلا يستدبر ، ولا يفعل فعلا كثيرا غير الشرب ، ولا يحمل نجاسة

__________________

(١) الوسائل باب (١٢) من أبواب القيام حديث : ١ ولفظ الحديث (ثم عاد الى صلاته) بدل (ثم يرجع الى موضعه)

(٢) الوسائل باب (١٩) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤

(٣) الوسائل باب (٢٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١ ـ ٢

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

غير معفو عنها الى غير ذلك ، وأكثره مستفاد من الرواية ، لكن تجويزه ثلاث خطوات قد ينافي منع الفعل الكثير الحاصل منها ، فان المصنف في كتبه عدها كثيرة فإن سلم ذلك كان أيضا مستثنى للرواية.

ولا فرق في الوتر بين الواجب بنذر وشبهه ، والمندوب. ولا في الصوم بين كونه واجبا أو مندوبا ، لأن الاستفصال في الرواية يوجب العموم : والشيخ جعل مورد الرخصة مطلق النافلة ، واستدل بالرواية ، وقد عرفت انها مخصوصة بالقيود المذكورة ، فتعديتها الى مطلق النافلة غير واضح ، لكن يبقى للشيخ على الجماعة ، تعديتهم لها إلى صلاة الوتر مع تقييده في الرواية بكونه في دعائه ، ومن ثم قصرها بعض الأصحاب على موردها لا غير وهو حسن ، انتهى.

واعلم ان الذي أفهمه : انه على تقدير عدم صدق الفعل الكثير على الأكل والشرب ، لا تبطل بهما النافلة وانهما جائزان فيها : إذ لا دليل عليه الا الإجماع المنقول عن الشيخ ، وقد عرفت عدم قبول المصنف إياه ، وهو جوزهما فيها مطلقا على الظاهر ، قال في المنتهى : قال الشيخ : لا بأس بشرب الماء في النافلة ، وبه قال ابن طاوس ، وذكر جماعة من العامة القائلين بالإبطال مطلقا من غير قيد الكثرة ، إلى قوله : واحتج الشيخ بالإباحة الأصلية ، وبرواية سعيد إلخ. ثم قال على تقدير صدق الكثرة أيضا كون الفعل الكثير مبطلا في النافلة أيضا غير ظاهر ، إذا الإجماع على إبطال النافلة بالفعل الكثير غير معلوم ، مع تجويز المساهلة من الشارع فيها ، مثل فعلها جالسا وماشيا وراكبا ، والى غير القبلة ، ومع الفاتحة ، ومن غير وقت ، وانها هدية تقبل متى جي‌ء بها.

ويدل عليه أيضا رواية حسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلى الركعتين من الوتر ، يقوم فينسى التشهد حتى يركع فيذكر وهو راكع؟ قال : يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم ، قال : قلت أليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعد ما يركع مضى ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال : ليس

٨٠