مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

وصلاة الأعرابي.

______________________________________________________

الا انه مقتضى كلام الأصحاب فلو نذر غير العارف بالوتر فيشكل امره من الأدلة وكلام الأصحاب ، فينبغي التأمل.

واما صلاة الأعرابي ، فرواه الشيخ مرسلا في المصباح عن زيد بن ثابت قال : اتى رجل من الاعراب الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله انا نكون في هذه البادية بعيدا عن المدينة فلا نقدر أن نأتيك في كل جمعة فدلني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة إذا رجعت الى أهلي أخبرتهم به ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا كان ارتفاع النهار فصل ركعتين ، تقرأ في أول ركعة الحمد مرة وقل أعوذ برب الفلق سبع مرات ، واقرء في الثانية الحمد مرة وقل أعوذ برب الناس سبع مرات ، فإذا سلمت فاقرأ آية الكرسي سبع مرات ، ثم قم فصل ثماني ركعات بتسليمتين واقرء في كل ركعة منها الحمد مرة ، وإذا جاء نصر الله والفتح مرة ، وقل هو الله احد خمسا وعشرين مرة ، فإذا فرغت من صلاتك فقل : سبحان (الله خ) رب العرش العظيم (الكريم خ) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم سبعين مرة ، قال : والذي اصطفاني بالنبوة ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلى هذا الصلاة يوم الجمعة كما أقول الا وانا ضامن له الجنة ولا يقوم من مقامه حتى يغفر له ذنوبه ولأبويه ذنوبهما. تمام الخبر (١) واعلم انه لا يضر في أمثال هذه الصلاة الإرسال وعدم صحة الاسناد وكونها من العامة ، لما نقل الإجماع من الأمة والاخبار المعتبرة من العامة والخاصة على ان من بلغه شي‌ء من اعمال الخير فعمل به أعطاه الله تعالى ذلك وان لم يكن كما نقل (٢) وما قاله عليه وآله السلام.

فهذه أربعة بتسليمة ، والوتر واحدة بتسليمة ، وهما مستثنيان من القاعدة ولا شك في استثنائهما ، وانما الكلام في ان غير هما أيضا مستثناة ، وهي كثيرة

__________________

(١) الوسائل باب (٣٩) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ٣

(٢) الوسائل باب (١٨) من أبواب مقدمة العبادات : فراجع

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

مذكورة في الشرح (١) نقلها عن المصباح وتتمته لابن طاوس :

ويمكن ان يكون المراد ما هو المشهور ، والمستثنيات الغير المذكورة من غير المشهور ، والأمر في ذلك هين ان كان دليل المسئلة ظاهرا.

وبالجملة : المدعى والدليل كلاهما غير ظاهرين ، لانه يحتمل ان يكون المراد : عدم جواز صلاة نافلة بركعة وأربعة أو عدم وجدانها ، الّا هما ، ودليله أيضا غير ظاهر لي ، وما رأيت دليلا صحيحا صريحا على ذلك نعم مذكور في كلام الأصحاب ، بل يذكرون هذه الجملة ، والحكم به مشكل ، لعموم مشروعية الصلاة وصدق التعريف المشهور على غيرهما أيضا من الواحدة والأربع ، ولهذا جوز وانذرهما مع القيد اتفاقا على الظاهر في غيرهما وتردد في كونهما فردي المنذورة المطلقة أم لا ، ولو كان ذلك حقا لما كان لقولهم هذا معنى ، ويؤيده صلاة الاحتياط ، فإنه قد تقع ندبا مع الوحدة وقد يكون واجبة.

ويحتمل ان يكون المراد الأفضل والاولى ان يكون كل النوافل إلى أخره ، قال المصنف في المنتهى في أوائل كتاب الصلاة ، والأفضل في النوافل ان يصلى كل ركعتين بتشهد واحد وتسليم بعده ، ليلا كان أو نهارا ، إلا في الوتر وصلاة الأعرابي ، ولكن يفهم من دليله المنع (٢) فتأمل.

ويحتمل ان يكون المراد الموجود غالبا ، وما وجد في المنقول والمشهور ،

__________________

(١) نقل الشارح قدس سره في روض الجنان ص ٣٢٨ صلوات أخر في ذلك ، ـ الأول ـ ما رواه عن الشيخ في المصباح في عمل ليلة الجمعة صلاة اثنى عشر ركعة تسليمة واحدة ، ورواه في الوسائل باب (٤٥) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ٩ الثاني ، ما رواه عن على عليه السلام في عمل ليلة الجمعة صلاة أربع ركعات لا يفرق بينهن ، ورواه في الوسائل باب (٤٥) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ٥ الثالث ، ما رواه عن ابن طاوس عن النبي صلّى الله عليه وآله في عمل أول يوم من رجب صلاة أربع ركعات بتسليمة ، ورواه في الوسائل. في باب (٥) من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث : ٨

(٢) راجع المنتهى ص ١٩٦

٤٢

وقائما أفضل.

______________________________________________________

المتعارف ، وورد به النص صريحا ووقع التعبد به في الشرع ، فيكون صحيحا ، والدليل هو التتبع والاستقراء ، ويقبل منهم لأنهم يخبرون عن فعلهم ، ويؤيده ما نقلنا قبيل هذا عن المصنف في المنتهى ، فلا يمنع حينئذ من فعل الصلاة ركعة واحدة وأربعا مطلقا ، فتأمل.

قوله : «وقائما أفضل» قال الشارح وهو إجماع كما ذكره في المعتبر ، وكأنه لم يلتفت الى خلاف ابن إدريس حيث منع من صلاة النافلة جالسا مع الاختيار إلا في الوتيرة ، لشذوذه.

ويؤيده الأخبار ، منها ما رواه بإسناده في التهذيب عن حنان بن سدير عن أبيه قال : قلت ، لأبي جعفر عليه السلام : أتصلي النوافل وأنت قاعد؟ فقال ما صليتها إلا وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم وبلغت هذا السن (١) فإنه ظاهر الدلالة ، ونقل الشارح : انه روى عن النبي صلّى الله عليه وآله قال : من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم. (٢)

وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا؟ قال : يضعف ركعتين بركعة (٣) وما رواه فيه أيضا عن الحسن بن زياد الصيقل ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : إذا صلى الرجل جالسا وهو يستطيع القيام فليضعف. (٤)

وكأنه في الصحيح في التهذيب عن الكافي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له الرجل يصلى وهو قاعد فيقرء السورة فإذا أراد أن يختمها قام

__________________

(١) الوسائل باب (٤) من أبواب القيام حديث : ١

(٢) ابن ماجه (١٤١) باب صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم حديث : ١٢٣١ ولفظ الحديث (عن عمران بن حصين انه سال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلم عن الرجل يصلى قاعدا قال : من صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد)

(٣) الوسائل باب (٥) من أبواب القيام حديث ٣

(٤) الوسائل باب (٥) من أبواب القيام حديث ٤

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فيركع بآخرها؟ قال : صلاته صلاة القائم (١) ولا يضر وجود أبان بالصحة (٢)

وفيه في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الرجل يصلى وهو جالس؟ فقال : إذا أردت ان تصلى وأنت جالس وتكتب لك بصلاة القائم ، فاقرأ وأنت جالس ، فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمها واركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم (٣)

وفي الصحيح أيضا عن حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام قد اشتد على القيام في الصلاة؟ فقال : إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا بقي من السورة آيتان فقم فأتم ما بقي واركع واسجد فذلك صلاة القائم (٤) وروى أيضا فيه عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : انا نتحدث ، نقول : من صلى وهو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة وسجدتين بسجدة؟ فقال : ليس هو هكذا ، هي تامة لكم (٥) ودلالة هذه الاخبار كلها ظاهرة ، على الجواز. وعلى كون القيام أفضل ، وعلى ان أتعذر ، أو القيام للركوع مع آية من آخر السورة مساو للقيام.

وينبغي اختيار التربيع : وفسر بالجلوس على الأربع ، مثل ما مر في جلوس المرأة للتشهد ، لأنه أقرب الى القيام.

ولما روى في التهذيب في الصحيح عن حمران بن أعين (الممدوح المشكور المعظم) عن أحدهما عليهما السلام قال : كان أبي إذا صلى جالسا تربع ، فإذا ركع ثنى رجليه (٦) وفسر التربيع بما مر ، واما ثني الرجلين ، فكأنه عبارة عن جمعهما ووضعهما مجتمعا

__________________

(١ و ٣) الوسائل باب (٩) من أبواب القيام حديث : ١ ـ ٣

(٢) سنده كما في الكافي هكذا (الحسين بن محمد ، عن عبد الله بن عامر ، عن على بن مهزيار ، عن فضالة ، عن ابان ، عن زرارة)

(٤) الوسائل باب (٩) من أبواب القيام حديث : ٢

(٥) الوسائل باب (٥) من أبواب القيام حديث : ١

(٦) الوسائل باب (١١) من أبواب القيام حديث : ٤

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

على الأرض ، وقيل لا بد حينئذ من رفع الأليتين وما يليهما من الساقين والاعتماد في الجلوس على صدري القدمين ، ودليله غير واضح ، نعم ينبغي من الانحناء في الجملة.

وكونه أيضا بحيث يساوى ويحاذي وجهه رأس الركبة ، أو محل السجدة كما قيل أيضا غير ظاهر الدليل. ولا يبعد كون كل ذلك أحوط.

وظاهر الخبر يدل على كون ذلك عادة له عليه السلام في جميع الصلوات حال الجلوس ، فلا يختص بالنافلة أو الفريضة :

ويدل على عدم وجوب التربيع في الصلاة جالسا مع الإمكان أيضا ، ما رواه فيه في الصحيح عن معاوية بن ميسرة انه سأل أبا عبد الله عليه السلام : أيصلى الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلين؟ فقال لا بأس بذلك (١) لكن معاوية ممن ليس تصريح بتوثيقه مع الذكر في القسم الأول (٢) قال الشارح : (هل يجوز فعلها اختيارا في باقي الحالات الاضطرارية ، كالاضطجاع والاستلقاء؟ جوزها المصنف في الجميع حتى اكتفى باجزاء القراءة والأذكار على القلب دون اللسان ، لانه من جملة مراتب الفجر ، واستحب تضعيف العدد في الحالة التي صلى عليها على حسب مرتبتها من القيام ، فكما يحتسب الجالس. ركعتين بركعة ، يحتسب المضطجع على الأيمن أربعا بركعة ، وعلى الأيسر ثمان ، والمستلقي ستة عشر ، ومنع الشهيد رحمه الله جميع ذلك وهو اولى ، اقتصارا في مخالفة الأصل على المنصوص المتقن ويمكن دخول العمل بما اختاره المصنف في عموم حديث (من بلغه شي‌ء من اعمال الخير فعمل به أعطاه الله ذلك (٣) الله اعلم انتهى)

لعل المصنف قاسها على الجلوس ، كما يشعر به قوله في باقي الحالات ، وهو

__________________

(١) الوسائل باب (١١) من أبواب القيام حديث : ٣

(٢) يعنى مع ذكر العلامة معاوية بن ميسرة في رجاله في الثقات

(٣) الوسائل باب (١٨) من أبواب مقدمة العبادات ، فراجع

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بعيد ، أو مأخوذ من المساهلة في النافلة : حيث ورد أنها مثل الهدية متى اتى بها قبلت (١) وكذا أيّ شي‌ء كانت الهدية قبلت : وظاهر صدق الصلاة ، فتأمل :

والظاهر توقف التعبد بمثلها على دليل أقوى منها ، فمنع الشهيد غير بعيد.

واما الإمكان الذي ذكره الشارح ، فالظاهر انه بعيد ، إذ ما ورد في ذلك حديث بعينه غير صحيح ، وعمل به لذلك وشمول الحديث المطلق الدال على الترغيب في صلاة خاصة أو عامة لها ، غير ظاهر ، ولو سلم فلا يحتاج الى حديث (من بلغ) وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب (٣٧) من أبواب المواقيت حديث : ٣ ـ ٧ ـ ٨

٤٦

(النظر الثالث : في اللواحق)

وفيه مقاصد الأول في الخلل ، وفيه مطلبان الأول في مبطلات الصلاة :

كل من أخل بواجب عمدا أو جهلا من اجزاء الصلاة ، أو صفاتها أو شرائطها ، أو تروكها الواجبة ، أبطل (بطلت خ) صلاته.

الا الجهر والإخفات فقد عذر الجاهل فيهما.

______________________________________________________

قوله : «كل من أخل إلخ» دليل البطلان بترك الجزء مطلقا ، عدم الإتيان بالمأمور به على الجهة المبرئة للذمة. وكذا ترك صفاتها. أي كيفية اجزائها المعتبرة في تحقق الاجزاء ، وكذا ترك الشرط ، فإنه مستلزم لعدم تحقق المشروط الذي هو المأمور به ، فما تحققت الصحة التي هي الإتيان بالمأمور به على وجه المسقط للقضاء والموجب لبراءة الذمة فبقي في عهدة التكليف وهو المراد بالبطلان ، وهو مع العمد ظاهر.

واما مع الجهل : فهو كذلك لو ثبت الجزئية والشرطية مطلقا ، والظاهر كونهما في الصلاة كذلك لانه المفهوم من الجزئية والشرطية ، والأصل عدم القيد ، وكأنه لا خلاف فيهما. واما عدم بطلانها بترك الجزء الغير الركن ، وبعض الشروط نسيانا فلدليل خاص.

واما دليل الاستثناء فهو إجماع منقول في المنتهى ، مع ما رواه الشيخ في صحيحة

٤٧

ويعذر جاهل غصبية الثوب ، أو المكان ، أو نجاستهما ، أو نجاسة البدن ، أو موضع السجود أو غصبية الماء ، أو موت الجلد المأخوذ من مسلم.

وتبطل بفعل كل ما يبطل الطهارة عمدا وسهوا.

______________________________________________________

زرارة (١) وقد عرفت عدم ظهور صحتها في رواية الشيخ وصحتها في الفقيه فالاستثناء جيد.

وكذا كل ما ثبت كون الجاهل معذورا فيه.

واما البطلان بالإخلال بتروكها ، اى الفعل المنهي عنه ، مثل التكلم بحرفين ، والفعل الكثير ، وقول آمين ، فيحتاج الى دليل غير النهي ، ولو في الفعل الكثير المؤذن بالاعراض عنها وقطعها ، وبالجملة مجرد النهي لا يكفي ، فإنه لا بد من دليل على البطلان ، لانه ليس في العبادة بحيث يؤدى الى البطلان وقد مر تحقيقه مرارا ، فلينظر في الكل بخصوصه وليتأمل فإن ظهر الدليل قيل به ، والا فلا ، لعله سيجي‌ء تفصيلها إنشاء الله وقد مر البحث في البعض في الجملة مثل قول آمين.

قوله : «ويعذر جاهل غصبية الثوب إلخ» قد مر دليله ، وانه الحق في النجاسة أيضا كما قاله المصنف للأصل : وعدم تكليف الغافل ، وعدم ثبوت الاشتراط مطلقا لا عموما ولا خصوصا ، ولو كان عام ، لخص بالدليل المتقدم : وبالجملة قد مرت المسئلة بدليلها.

قوله : «وتبطل بفعل كلما يبطل الطهارة إلخ» دليله الإجماع مطلقا فيما إذا صلى بالمائية ، وبعض الاخبار مثل خبر الحسن بن الجهم (٢) قال سألت يعني ، أبا الحسن عليه السلام عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة؟ فقال : ان كان قال اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله فلا يعد ، وان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد وفيها دلالة على عدم وجوب الصلوات وبعض

__________________

(١) الوسائل باب (٢٦) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١ ـ ٢

(٢) الوسائل باب (١) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦

٤٨

وبترك الطهارة كذلك

______________________________________________________

التشهد أيضا ، الا ان يؤل الخبر وغيره وقد مر ، فلا يحتاج إلى الإعادة مع عدم الخلاف في المسئلة واما إذا صلى بالترابية فإن كان الحدث عمدا ، فقيل ان البطلان حينئذ أيضا إجماعي.

واما ان كان نسيانا فنقل عن الشيخين والمعتبر القول بالصحة ، والطهارة ، والبناء ، على ما فعل ، ما لم يستدبر ويتكلم ، وبالجملة ما لم يحدث منافيا آخر ، والدليل ما مر من صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم (١) وان كانت الروايتان عامتين في العامد والناسي ، لكن خصتا بالأخير ، للإجماع على الأول ، وهو مناسب لعقوبة العامد بالقضاء.

ولا استبعاد في البناء لما مر من الروايات الصحيحة في المبطون ، مع القائل : وبالجملة انه حكم شرعي ليس العقل مستقلا به ، بل معزول ، ما لم يك خلاف البديهة والبرهان. ولو لا نقل الإجماع ، لأمكن القول بالبناء في المائية مطلقا ، لبعض الاخبار (٢) لكن منع الإجماع ، من القول به مطلقا ، مع عدم صراحة العموم فيهما ، نعم يمكن تخصيص الإجماع بالعمد لو نقل في الترابية أيضا عموما ، فتأمل ، فإن القول به غير بعيد ، بل قيل بعدم البطلان في المائية أيضا إذا كان الحدث سهوا كما نقل في المنتهى ، ودل عليه بعض الاخبار (٣)

ولكنه قاصر الدلالة عن المطلوب بالخصوص ، فترك لذلك وعدم القول بمضمونه صريحا.

واما البطلان بترك الطهارة مطلقا عمدا وسهوا عالما وجاهلا ، فكأنه موضع وفاق كما ذكره الشارح ، وأيضا لما في الصحيحتين لا صلاة إلا بطهور (٤) وان الصلاة

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١٠

(٢) الوسائل باب (١) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١١

(٣) الوسائل باب (١) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٩ ـ ١١

(٤) الوسائل باب (١) من أبواب الوضوء حديث : ٦

٤٩

وبتعمد التكفير.

______________________________________________________

ثلاثة أثلاث ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود (١) وهذه حسنة لإبراهيم (٢) وما في الصحيح الأخر انه قال : إذا أدخل الوقت وجب الطهور والصلاة ولا صلاة إلا بطهور (٣) واعلم انه يفهم البطلان بترك الطهارة مما سبق من الإخلال بالشرط ، كأنه ذكره ثانيا للاهتمام به ودفع توهم الخلاف الواقع في الحدث في الأثناء ، ولتبعية ما سبق.

قوله : «وبتعمد التكفير» قال الشارح : وهو لغة الخضوع ، ووضع اليد على الصدر متطامنا (٤) وشرعا ، وضع احدى اليدين على الأخرى سواء كان بينهما حائل أم لا وسواء وضعهما مع ذلك فوق السرة كما يفعله العامة أم تحتها ، وسواء وضع اليمين على الشمال واحدى الكفين على الأخرى أم لا ، حتى لو وضع الكف على الزند ونحوه بطلت ، قال المصنف في المنتهى : هو وضع اليمين على الشمال حال القراءة : فلو فعله بطلت صلاته عند أكثر علمائنا.

اعلم انه ظاهر ان ليس المراد المعنى اللغوي ، وما وصل إلينا من الشارع ما ذكراه ، بل ما يدل عليه الصحيحة الاتية ، وأظن ان ما ذكره المصنف مأخوذ من فعل العامة واصطلاحهم ، وما أعرف مأخذ كلام الشارح ، والظاهر عدم الاشتراط عندهم فوق السرة كما يفهم من كلامه ، فيجب ان يقال بمقتضى الدليل.

والذي ظهر لي الان تحريم وضع اليمين على الشمال فقط مطلقا ، فوق السرة وتحتها حال القراءة وغيرها.

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب الوضوء حديث : ٨ وباب (٩) من أبواب الركوع حديث : ١ وباب (٢٨) من أبواب السجود حديث : ٢

(٢) سند الحديث كما في الكافي هكذا (على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي)

(٣) الوسائل باب (٤) من أبواب الوضوء حديث : ١

(٤) طأمن الرجل ظهره ، بالهمزة على فاعل ، ويجوز تسهيل الهمزة. اى حناه وحفظه. (مجمع البحرين)

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والذي يدل عليه هو صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ، قال قلت له الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى؟ فقال : ذلك التكفير فلا تفعل (١) وظاهر النهي هو التحريم ، ويؤيده مرسلة حريز عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا تكفر انما يصنع ذلك المجوس (٢) وهذه مع إرسالها مشتملة على المكروهات : فان بعده ، ولا تلثم ، ولا تختفز (٣) ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك (٤)

فقد علم تحريم وضع اليمين على الشمال مطلقا ، وكونه تكفيرا ، وقد صرح المصنف في المنتهى على عدم الفرق في التحريم بين وضع الكف على الكف ، وعلى الذراع ، وبين معتقد الاستحباب وغيره ، وبين فوق السرة وتحتها ، وحال القراءة وغيرها ، مع قيده في التعريف حال القراءة ، فتأمل ، لعموم صحيحة محمد المتقدمة :

ثم قال أيضا قال الشيخ في الخلاف : يحرم وضع الشمال على اليمين حال القراءة وعندي فيه تردد ، إذ رواية محمد بن مسلم تضمنت العكس ، ورواية حريز تدل على المنع من التكفير ، وفي رواية محمد بن مسلم ان التكفير هو وضع اليمين على الشمال فحسب (٥) فيطالب الشيخ بالمستند ، ففهم المصنف قدس الله سره من رواية محمد ، الحصر ، وهو بحسب الظاهر كذلك.

واما البطلان فالظاهر هو العدم للأصل ، والاستصحاب ، وعدم دليل البطلان ، فإن النهي لا يدل عليه ، وهو ظاهر.

بل قد يستدل بالرواية الدالة على النهي على الصحة حيث ترك الأمر بالإعادة

__________________

(١) الوسائل باب (١٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٢ و ٤) الوسائل باب (١٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣ وتمام الحديث في باب (٢) من أبواب القيام حديث : ٣

(٣) بالحاء المهملة والزاء المعجمة ، وفي مجمع البحرين اى لا تتضام في سجودك ، بل يتخوى كما يتخوى البعير الضامر. وفي التهذيب (ولا تختفر) وفي الكافي (ولا تحتفر)

(٥) الوسائل باب (١٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١ ولفظ الحديث (عن محمد بن مسلم عن أحدهما

٥١

والكلام بحرفين مما ليس بقرآن ولا دعاء.

______________________________________________________

والبطلان ، مع عدم جواز التأخير ، فتأمل. والإجماع المنقول عن السيد والشيخ مع وجود الخلاف غير ظاهر ، ويحتمل ارادة معنى آخر.

ولا يفيد القول : بأن القائل نادر ، أو معلوم النسب ، أو ان كل من قال بالتحريم قال بالبطلان ، فان الندرة تضر ، وكذا المعلوم ، للحمل على الصحة ، والإجماع المركب غير ظاهر. ولهذا يفهم من المصنف القول بالتحريم مطلقا والبطلان حال القراءة :

وكذا الاستدلال بالاحتياط غير تام مع انه قد لا يحصل فيما إذا فعل عمدا وضاق الوقت.

وكذا الاستدلال بأنه فعل كثير ، وهو ضعيف جدا يعلم من تفسير الفعل الكثير ، وعدم القول بالبطلان بفعل مثله أو أكثر منه ، ومثل هذا الدليل يذكره المصنف للمناسبة ، لا للاعتقاد بأنه دليل تام ، ودأبه رحمه الله انه يذكر كلما يمكن ان يذكر من المناسبات ويفهم ذلك من تتبع كلامه ره.

وعلى تقدير القول بالبطلان والتحريم : لا شك في استثناء صورة التقية ، وانه يجب حينئذ ذلك والظاهر عدم البطلان على تقدير تركها ، لان التكفير ليس بشرط ولا جزء للصلاة حتى يفسد بتركه ، بخلاف ترك ، مثل غسل الرجل حال التقية بالكلية ، فتأمل في الفرق فإنه ظاهر.

قوله : «والكلام بحرفين إلخ» قال المصنف في المنتهى : ويجب عليه ترك الكلام في الصلاة ، فلو نطق بحرفين فصاعدا عمدا بطلت صلاته ، لا سهوا وقد أجمع أهل العلم كافة على ان من تكلم في الصلاة ـ عالما انه فيها ، وانه محرم عليه ، لغير مصلحة الصلاة ، ولا لأمر يوجب الكلام ، ولا داعيا ، تبطل صلاته :

فدليل المسئلة هو الإجماع ، وقد استدل بمفهوم ما رواه الصدوق عن الصادق عليه

__________________

عليها السلام قال : قلت له الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى؟ فقال : ذلك التكفير. لا يفعل)

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام ، كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام (١) اى كلام مبطل ، فما لم يناج يكون كلا ما مبطلا.

وروى أيضا عن أبي جعفر الثاني عليه السلام لا بأس ان يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه عز وجل (٢) ومثله صحيحة في التهذيب ، واستدل بهما على جواز الدعاء بكل لسان :

وما روى في التهذيب (في الحسن لإبراهيم) عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة؟ فقال ان قدر على ماء عنده يمينا وشمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ، ثم ليصلي ما بقي من صلاته ، وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه ، أو يتكلم فقد قطع صلاته (٣)

فيه دلالة على بطلان الصلاة بصرف الوجه عن القبلة ، وبالتكلم ، ونجاسة دم الرعاف ومنعه الصلاة ، ووجوب الإزالة بالماء ، ولكن أظن عدم عملهم به.

والظاهر ان المراد من التكلم في الرواية ما يقال عرفا انه تكلم ، فكان مطلق التنطق يقال له التكلم عرفا حرفا أو أزيد مهملا وغيره ، ولهذا يصح تقسيمه إليها.

ولعلهم اخرجوا الحرف الواحد الذي هو غير المفهم مثل (ق) بالإجماع فبقي الباقي ، ويحتمل ان يراد منه (الكلام المفهم) بقرينة ان المراد السؤال عن الماء وتحصيل العلم به فيختص البطلان به ، لكن ما نقل من الإجماع في البطلان بالحرفين مطلقا ، يدل على الأول.

ويؤيده أيضا ما رواه الجمهور عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : ان هذه

__________________

(١) الوسائل باب (١٩) من أبواب القنوت حديث : ٤

(٢) الوسائل باب (١٩) من أبواب القنوت حديث : ٢

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الناس انما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن (١) وما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام قال : من أنّ في صلاته فقد تكلم (٢) وحملتا على التكلم بالحرفين بالإجماع ، وفي دلالتهما على البطلان تأمل خصوصا الأول.

وتدل أيضا على ان الكلام مبطل صحيحة محمد بن مسلم في الكافي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يأخذه الرعاف والقي‌ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال ينفتل فيغسل انفه ويعود في صلاته وان تكلم فليعد صلاته وليس عليه وضوء (٣) ففيه دلالة على عدم نقض الوضوء بهما ، وهذه أدل مما مر ، وأمثالها موجودة ، فتأمل.

وبالجملة ليس هنا دليل يصلح على المدعى ، والاستثناء صريحا ، الا قولهم ، ونقل الإجماع ، وهم اعرف.

والظاهر ان لا خلاف في استثناء الذكر والدعاء وقراءة القرآن في الجملة.

واما قراءة القرآن في خلال القراءة ومحل القرآن ، بل الذكر والدعاء بالرحمة ، والاستعاذة عن النقمة عند غير آيتيهما أيضا ، غير معلوم استثنائهما في خلالها وقد مر البحث فيهما في الجملة ، وكلامهم مجمل خال عن ذلك.

ويفهم من المنتهى بطلان صلاة الجاهل أيضا عند الأصحاب ، بالإجماع ، لأنه ما نقل الخلاف الا عن الشافعي ، قال : لو تكلم في الصلاة جاهلا بتحريم الكلام في الصلاة بطلت صلاته ، خلافا للشافعي ، ولعل الأدلة المتقدمة تشمله ، ويحتمل كونه معذورا ، بأدلة كون الجهل عذرا ، وقد مرت ، ويؤيده عدم البطلان في الناسي ، ولو لم يكن فيه إجماع ، لأمكن القول به ، وليس بواضح ، والاحتياط

__________________

(١) النسائي ، ج ٣ باب (الكلام في الصلاة) ص ١٤ ولفظ الحديث (قال : ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الناس ، انما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن)

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يقتضي البطلان ، والأصل العدم.

والظاهر عدم الفرق بين كلام يكون لمصلحة الصلاة أم لا. ويفهم من المنتهى عدم الخلاف عندنا فيه

وكذا يفهم الإجماع على البطلان به لو كان لمصلحة غير الصلاة أيضا ، مثل ما يدل على إنقاذ ضرير أو صبي من التردي في البئر أو النار أو الماء. وكذا النائم والغافل.

وكذا لو تكلم مجيبا للنبي (ص) وان كان واجبا ، ونقل في الكل الخلاف عن بعض العامة ، وفي وجوب جوابه (ص) تأمل ، إذ دلالة قوله تعالى ـ (اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ). (١)) ـ على وجوب جوابه (ص) بما يبطلها بحيث يشمل كون المدعو في الصلاة خصوصا مع عدم علمه (ص) بذلك غير ظاهر ، بعد ثبوت تحريم قطع الصلاة ، والتزام البطلان به بعد ندائه (ص) مطلقا.

وقال أيضا فيه : لو تكلم مكرها ، ففي الإبطال به تردد ، ينشأ من كون النبي (ص) جمع بينه وبين الناسي في العفو (٢) والأقرب البطلان بالإكراه بالأدلة السابقة : وان الإكراه لا يخرج الكلام عن العمد ، ووصف الابطال كما في غيره من المبطلات مثل زيادة الركوع.

وفيه تأمل ، للأصل ، ولحديث ، عما استكرهوا (٣) ولان الظاهر انه أقرب الى الصحة من النسيان ، فالإكراه يخرجه عن التعمد ، فكأنه صار من غير قصده بفعله ، فهو كلا فعله. وأيضا يلزم المحذور إذ قد يفعل به مرارا فيشق العود : وبالجملة عمدة الأدلة هو الإجماع ولا إجماع هنا ولعل ما قاله أحوط في الجملة.

وقد ادعى في المنتهى إجماع علمائنا على عدم البطلان في الناسي ، ويدل عليه أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

__________________

(١) الأنفال : (٢٤)

(٢) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢

(٣) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة ، يقول أقيموا صفوفكم؟ قال : يتم صلاته ، ثم يسجد سجدتين ، فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أم بعد؟ قال : بعد (١) فيها وجوب وسجدتي السهو لمثل هذا الكلام وكونها بعد التسليم مطلقا.

ولو ظن تمام الصلاة وتكلم ثم ظهر خلافه فالظاهر ان حكمه حكم السهو ، فلا تبطل الصلاة : يدل عليه ما رواه في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ فقال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه (٢)

وما رواه أيضا فيه (في الصحيح) عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى انه قد أتم الصلاة ، وتكلم ثم ذكر انه لم يصل غير ركعتين؟ فقال يتم ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه (٣)

وما رواه في الكافي عن سعيد الأعرج (الثقة) قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله ثم سلم في ركعتين! فسأله من خلفه يا رسول الله صلى الله عليه وآله حدث في الصلاة شي‌ء؟ قال : وما ذلك؟ قال انما صليت ركعتين! فقال أكذلك يا ذا اليدين وكان يدعى ذو الشمالين؟ فقال : نعم ، فبنى على صلاته ، فأتم الصلاة أربعا ، وقال ان الله هو الذي أنساه رحمة للأمة ، ا لا ترى لو أن رجلا صنع هذا ، لعيّر ، وقيل ما تقبل صلاتك فمن دخل عليه اليوم ذاك قال قد سنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وصارت أسوة ، وسجد سجدتين لمكان الكلام (٤) وهذه مذكورة بطرق شتى ، وما رواه أيضا في الصحيح في

__________________

(١) الوسائل باب (٤) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١ وباب (٥) حديث : ١

(٢) الوسائل باب (٣) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٥

(٣) الوسائل باب (٣) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٩

(٤) الوسائل باب (٣) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١٦ أقوال أحاديث الباب مشحونة من حدوث السهو له عليه السلام فراجع ، ولكنهم قدس الله أسرارهم حملوها على التقية وبرهنوا بالأدلة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه صلّى الله عليه وآله وصنفوا على ذلك رسائل شتى.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التهذيب عن على بن النعمان الرازي ، قال كنت مع أصحاب لي في السفر وانا إمامهم فصليت به المغرب فسلمت في الركعتين الأوليتين؟ فقال أصحابي : إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم وكلموني فقالوا اما نحن فنعيد ، فقلت : ولكني لا أعيد وأتم بركعة ، فأتممت بركعة ، ثم سرنا فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فذكرت له الذي كان من أمرنا ، فقال لي أنت كنت أصوب منهم فعلا ، انما يعيد من لا يدرى ما صلى (١) فالتكلم هنا بناء على اعتقاده التمام.

وهذه تدل على عدم وجوب الإتمام بل التخيير بينه وبين الإعادة فالحكم رخصة فاضلة ، فيحتمل مثله فيما يوجب الاحتياط وغيره.

ويدل أيضا على عدم الاحتياج الى النقل ، بل يكفي مصادفة الحق اتفاقا ، فتأمل : ومنها علم ان السلام في غير المحل ناسيا أو ظانا إتمامها ليس بمبطل وانه كلام مثل سائر الكلمات.

وقد ادعى الإجماع في المنتهى على عدم البطلان بحرف واحد ، لو لم يكن مثل (ق) حال ارادة معناه كما مر.

وقال انه لو نفح موضع السجود تبطل مع حصول الحرفين ، ونقل الخلاف عن بعض العامة ، وهو أيضا يشعر بإجماعنا ، وأدلة ابطال الكلام تساعده.

وفيه تأمل ، فإن العمدة هو الإجماع ، وهو غير واضح ، مع ان في العرف لا يقال على النفح التكلم ، ويؤيده تجويز التنحنح مطلقا في الخبر للتنبيه من غير قيد بحرف ، رواه عمار عن الصادق عليه السلام وقد سأله عن الرجل يسمع صوتا في الباب وهو في الصلاة فيتنحنح ليسمع الجارية ، إلى قوله. لا بأس (٢)

__________________

(١) الوسائل باب (٣) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، حديث : ٣

(٢) الوسائل باب (٩) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤ ولفظ الحديث (عن عمار بن موسى انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو فقال لا بأس به الحديث)

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر ان الأنين كذلك

وكذا الحرف مع المدة ، وان كان رواية طلحة بن زيد (١) يدل على البطلان : مع ان الروايتين غير صحيحتين ، والأصل مؤيد للصحة ، والاحتياط يقتضي البطلان في الجملة ، والظاهر عدم الإجماع لما نقل الخلاف ، بل نقل القول بالصحة من المصنف في التذكرة خصوصا إذا توقف القراءة على التنحنح ، وقد يفرق بينه وبين الأنين فيعمل بالرواية وان لم تكن صحيحة للتأييد بالعمل وغيره ، وقد حملت على ما يشتمل على الحرفين ، وفي المنتهى على وجه ، كأنه لا نزاع حينئذ.

ويؤيد الصحة في التنحنح ان المصنف قال في المنتهى بعد حكم البطلان مرتين : انه لو تنحنح بحرفين وسمى كلا ما أبطل الصلاة ، والّا فلا ، فالظاهر هو الضابطة في الأنين والنفح والتأوه وغيرها ، فتأمل.

وقد نقلنا الاخبار فيما تقدم على عدم البطلان بما يناجي الرب ، فالدعاء بأيّ لسان كان مستثنى ، وكذا الذكر والقرآن بقصده ، واما بغيره مع قصد غيره أولا ، لا يبعد الصحة خصوصا في الثاني بشرط كونه مما يسمى قرآنا ، لان القرآن مستثنى والمبطل هو كلام الإنسان ، وليس هو كذلك والعمدة فيه الإجماع ، والظاهر عدم ثبوته في الأول.

فالذي يتشخص في هذه المسألة : ان التكلم بما يسمى تكلما عرفا مبطل مطلقا ، الا بحرف واحد غير مفهم ، للإجماع ، وكذا الثلاثة المذكورة ، والاخبار على ذلك كثيرة ، مثل ما في صحيحة الفضيل ، ما لم تنقض الصلاة بالكلام (٢) ورواية أبي بصير ، ان تكلمت فأعد (٣) الخبر في الفقيه.

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤ ولفظ الحديث (عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام انه قال : من ان في صلاته فقد تكلم)

(٢) الوسائل باب (١) من أبواب قواطع الصلاة قطعة من حديث : ٩

(٣) الوسائل باب (٢٥) من أبواب قواطع الصلاة قطعة من حديث : ١ ولفظ الحديث (عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة)

٥٨

والالتفات الى ما ورائه.

______________________________________________________

قوله : «والالتفات إلخ» كأنه يريد الالتفات بكله أو بوجهه بحيث يرى ما ورائه ، وهو ممكن ، فان المراد به عدم كونه بكله ، لان الظاهر عدم البطلان والتحريم بالالتفات بالوجه يمينا وشمالا بل هو مكروه عنده وعند أكثر الأصحاب.

قال في المنتهى ، ويكره الالتفات يمينا وشمالا ، وقال بعض الحنفية بالتحريم ، ونقل في الشرح البطلان عن ولد المصنف ، قال : وهو ضعيف لما عرفت من ان الاخبار اما مطلقة في عدم الإبطال أو مقيدة بالالتفات بكله ، أو بالفاحش ولا يتحقق بذلك نعم هو مذهب بعض العامة إلخ

اما الاخبار فصحيحة زرارة أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول : الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله (١)

وهذه بمنطوقها تدلّ على الابطال به بكله على اىّ وجه كان ، وبمفهومها على عدمه كذلك ومفهوم الشرط حجة كما هو رأي الأكثر. ويؤيد ذلك المفهوم ، الوسعة في أمر القبلة.

ورواية عبد الملك قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال : لا ، وما أحب ان يفعل (٢) فتحمل هذه على عدم الالتفات بكله ، للجمع ، والإجماع على البطلان بالأول على الظاهر ، فلا يمكن حمل الاولى على الكراهة ، مع ان القيد يصير لغوا لعموم الكراهة ، الا ان يقال ، يكون للشدة فيحتاج الى تكلف آخر ، على ان في الرواية عبد الحميد وهو مشترك مع عبد الملك (٣) وحسنة الحلبي (لإبراهيم المذكورة في الكافي) عن أبي عبد الله عليه

__________________

(١) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣

(٢) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥

(٣) سنده كما في التهذيب هكذا (سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الحميد ، عن عبد الملك)

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام قال : سألته عن الرجل أيقطع صلاته شي‌ء مما يمر بين يديه؟ فقال : لا يقطع صلاة المسلم شي‌ء ، ولكن ادرأ ما استطعت ، قال : وسألته عن رجل رعف فلم يرق رعافه حتى دخل وقت الصلاة؟ قال : يحشو أنفه بشي‌ء ثم يصلى ، ولا يطيل إن خشي ان يسبقه الدم ، قال : وقال : إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا ، وان كنت قد تشهدت فلا تعد (١)

وهذه تدل على أحكام أخر ، مثل عدم وجوب السلام ، وعدم الصلاة مع الرعاف وعدم الرقاء ، والمنع عن خروجه إن أمكن ، ثم الصلاة والصلاة معه. وعدم التطويل ان خشي. وجواز الصلاة في أول الوقت مع العذر في الجملة ، حيث عمم وما قيد بآخر الوقت. وأمثالها كثيرة.

وعلى البطلان بالالتفات بشرط الفحش بمنطوقها ، وبمفهومها على العدم مع عدمه ، ويمكن ان يراد بالفحش الالتفات بكله فيطابق الأول مفهوما ومنطوقا. وان يراد الى ما ورائه مطلقا فيلزم تخصيص مفهوم الاولى بمنطوق هذه ، مع عدم ظهور العموم في المفهوم. وكأنه اولى ، للجمع ، وبقاء الفحش على معناه المتبادر ،

ويؤيده عموم اشتراط القبلة : وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته يلتفت الرجل في الصلاة؟ قال : لا ، ولا ينقض أصابعه (٢)

وحسنة زرارة (لإبراهيم) عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فان الله تعالى قال لنبيه في الفريضة : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (٣)) واخشع ببصرك ولا ترفعه الى السماء وليكن حذاء وجهك في موضع سجودك و

__________________

(١) الوسائل أورد قطعة منه في باب (٧) من نواقض الوضوء حديث : ٢ وقطعة منه في باب (١١) من أبواب مكان المصلى حديث : ٨ وقطعة منه في باب (٢) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١٠ وقطعة منه في باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٣) البقرة : (١٥٠)

٦٠