مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

صحيحة زرارة حيث قال : ان الله تعالى يقول : للمؤمنين ، وإذا قرء القرآن ، يعني في الفريضة خلف الامام (١) حيث أطلق الفريضة ولم يخصصها بالجهرية ، فتخصيص الإنصات بالأولين ، لعدم تعين القراءة في الأخيرتين ، فإنه قد يسبح فيهما ، بل الأولى للإمام والمأموم ذلك في الفقيه. لكنه يا باه ظاهر بعض الاخبار المتقدمة مثل صحيحة الحلبي وعبد الرحمن (٢) فيمكن حمل النهي فيهما على عدم الرجحان ، يعنى لا رجحان للقراءة فيما لا يجهر مطلقا ، ويؤيده حمل الأمر فيهما على الاستحباب ، وما تقدم في صحيحة ابن سنان في الجملة.

فالقول بالتسوية في مطلق الصلاة ، والفرق بالسماع وعدمه ، والحكم بالتحريم والاستحباب ـ لا يخلو عن قرب.

والتعميم ـ في إدخال الهمهمة في السماع على ما اقتضاه رواية عبيد بن زرارة وحسنة قتيبة ـ مؤيد له : لوجوده في الإخفاتية كثيرا خصوصا مع القرب ، وان النكتة في السماع هو التفكر في القراءة وهو حاصل ، الا انه ما أجد قولا صريحا في ذلك ، مع تكلف في الاخبار الصحيحة بالتصرف فيها من غير معارض ظاهر ، فيمكن التحريم في الأولتين من الإخفاتية مطلقا ، وصب بعض الاخبار عليه ، والتخيير بين قراءة الحمد والتسبيح في الأخيرتين منها ، لصحيحة ابن سنان على ما تقدم ، والظاهر ان ذلك مذهب السيد المرتضى والمصنف في المنتهى.

وبالجملة أجد ان اختيار ترك القراءة في الإخفاتية أولى ، بل في الجهرية أيضا مطلقا ، إذ بعض الأدلة يدل على وجوب الترك مطلقا ، والبعض مع السماع في الجهرية ، مع وجود الصحيح الدال على التخيير مع عدم السماع ، فالأحوط في الجملة في العمل هو ترك القراءة ، للإجماع المفهوم من المنتهى على عدم وجوب القراءة ، وصحيحة على بن يقطين في التخيير : مع إطلاق الروايات في التحريم.

__________________

(١) الوسائل باب (٣١) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣

(٢) الوسائل باب (٣١) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١ ـ ٥

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يبعد استحباب اختيار التسبيح خصوصا في الإخفاتية ، ومع عدم السماع ، للجمع بين الاخبار : إذ لا منافاة بين ترك القراءة واستماعها والإنصات ، وبين التسبيح في النفس يعني خفية ، مثل حديث النفس لما مر في حسنة زرارة (فأنصت وسبح في نفسك) (١) ولصحيحة ابن سنان (٢) ، ولما روى في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : انى اكره للمرء (للمؤمن يب) ان يصلى خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار ، قال قلت جعلت فداك ، فيصنع ماذا؟ قال : يسبح (٣)

وانما قلنا في الصحيح ، لان طريق الشيخ الى الصدوق صحيح وكذا طريقه الى بكر بن محمد صحيح ، على ان الطريق الواصل إليه في التهذيب أيضا صحيح.

والظاهر انه ثقة ، لأن الظاهر : انه بكر بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي الكوفي الثقة ، لأنه هو من رجال الصادق عليه السلام في كتاب رجال الشيخ رحمه الله وغيره غير معلوم كونه راويا من الامام.

على ان في الغير نقل في الخلاصة عن محمد بن عيسى : ان بكر بن محمد الأزدي خيّر فاضل ، وقال : الا ان في الطريق ، محمد بن عيسى وعندي فيه توقف.

ولا ينبغي التوقف كما يظهر من النظر الى كتاب النجاشي وغيره. وأيضا قال المصنف في الخلاصة عند ذكر اسمه : الاولى عند قبول رواية ، وسمى أخبار كثيرة بالصحة ، مع وجوده في الطريق.

وبالجملة : الظاهر ان بكر بن محمد ممن يقبل قوله ، ويؤيده تسمية هذا الخبر وخبر آخر في الوقت في المنتهى عنه بذلك : حيث قال : في الصحيح عن بكر بن

__________________

(١) الوسائل باب (٣١) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦

(٢) الوسائل باب (٣١) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٩

(٣) الوسائل باب (٣١) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

محمد ، فتأمل.

وظاهرها : ان التسبيح مخصوص بالإخفاتية ، وظاهر حسنة زرارة في الجهرية (١) فيمكن التعميم ، أو تخصيص الاولى به (٢) وهو اولى ، لوجود ما يدل على ترك القراءة والإنصات المحض في الجهرية ، وإمكان حمل حسنة زرارة على الإخفاتية ، فتأمل.

وانه يمكن الجمع بوجه آخر : بان تحمل اخبار ترك القراءة في الإخفاتية على الكراهة ، لما في صحيحة سليمان من لفظة (لا ينبغي) الظاهرة فيها ، وصرف الآية إلى الجهرية ، لظاهر صحيحة زرارة في الفقيه ، وكذا بعض الاخبار كما هو الظاهر ، فيمكن القول : بسقوط القراءة في الإخفاتية ، وباستحباب التسبيح خصوصا مع عدم السماع ، فحينئذ ما أجد عليه غبارا من الاخبار بوجه أصلا.

هذا حال الأخبار المعتبرة :

واما الأقوال فكثيرة (٣) مع عدم ظهور أدلتها عندي ، وكذا الأخبار الضعيفة ، فلأجل ذلك تركت نقلهما.

فقد عرفت ان هذه المسئلة وان كانت لا تخلو عن اشكال من جهة كثرة

__________________

(١) الوسائل باب (٣١) من أبواب الجماعة حديث : ٦

(٢) وحاصل المراد ان الروايتين أحدهما خاصة بالإخفاتية ، وهي صحيحة بكر بن محمد ، والأخرى مطلقة في الإخفاتية والجهرية ، وهي حسنة زرارة ، فيمكن الجمع بينهما بأحد الوجهين ، اما الحكم بتعميم التسبيح في الإخفاتية والجهرية ، أو اختصاص الإخفاتية بالتسبيح.

(٣) قال في روض الجنان ص ٣٧٣ ما هذا نص عبارته : واما الجهرية في أخيرتيها ، ففيها أقوال : أحدها وجوب القراءة مخيرا بينها وبين التسبيح ، كما لو كان منفردا ، وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة ، والثاني استحباب قراءة الحمد وحدها ، وهو قول الشيخ : الثالث التخيير بين قراءة الحمد والتسبيح استحبابا ، وهو ظاهر جماعة منهم المصنف في المختلف ، وان كانت إخفاتية ، ففيها أقوال : أحدها استحباب القراءة فيها مطلقا ، وهو الظاهر من كلام المصنف هنا. وثانيها استحباب قراءة الحمد وحدها ، وهو اختياره في القواعد ، والشيخ رحمه الله. وثالثها سقوط القراءة في الأوليين ووجوبها في الأخيرتين ، مخيرا بين الحمد والتسبيح ، وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة كما مر. ورابعها استحباب التسبيح في نفسه وحمد الله ، أو قراءة الحمد مطلقا ، وهو قول نجيب الدين يحيى بن سعيد ، ولكل واحد من هذه الأقوال شاهد من الاخبار. وما تقدم طريق الجمع بينها وبين الصحيح منها. ولم أقف في الفقه على خلاف في مسألة تبلغ هذا القدر من الاخبار ، انتهى

٣٠٣

إلا إذا لم يسمع ولو همهمة ، فتستحب على رأى.

______________________________________________________

الأقوال ، لكنه ليس الاشكال فيها من جهة الأدلة ، خصوصا في الجهرية ، وبالنسبة إلى العمل ، وان كانت من جهة الفتوى لا يخلو عن إشكال في الإخفاتية ، فتأمل.

واما المتن : فالظاهر منه اختيار الكراهة ، واستحباب القراءة ، إذا لم يسمع ولو همهمة مطلقا من غير فرق بين الجهرية والإخفاتية ، ولا ضرورة إلى حمله على الجهرية فقط بقرينة (إذا لم يسمع) إذ القراءة في الإخفاتية أيضا قد تسمع كما مر.

واما دليله فليس بواضح ، وكأنه حمل النهي على الكراهة مع السماع ولو همهمة للفظة (لا ينبغي) في صحيحة سليمان والأمر بها في بعض الاخبار على تقدير عدم السماع ، على الاستحباب ، للأصل ، وللنهي في البعض مطلقا المحمول على عدم الوجوب.

وفيه تأمل يظهر بالنظر في الأخبار مع تذكر بعض القوانين ، واختيار المختلف اولى منه : حيث قال بعد نقل الأخبار المعتبرة : والأقرب في الجمع بين الاخبار ، استحباب القراءة في الجهرية ، لا الوجوب ، إذا لم يسمع قراءة ولو همهمة ، وتحريم القراءة فيها مع السماع لقراءة الامام ، والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين من الإخفاتية.

وجه التحريم ظاهر ، ووجه الاستحباب ما تقدم ، من حمل الأمر على الاستحباب ، لصحيحة على بن يقطين (١)

وحمل النهي المطلق على التحريم ، مع السماع ـ مع تأمل في الجهرية (فيه ـ خ) مع عدم ظهور وجه ترك حال الأولتين في الإخفاتية ، والتخيير المذكور المحتمل للوجوب والاستحباب (وظاهره الأول كما ترى) ـ لا يخلو عن وجه ، لما مر في صحيحة ابن سنان (٢) وتخصيص الاستحباب بالجهرية ، يشعر ، بكون المقصود في المتن أيضا ذلك : وإطلاقه ـ بحيث يشمل الأخيرتين من الجهرية ـ مؤيد لما قلناه ،

__________________

(١) الوسائل باب (٣١) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١١

(٢) الوسائل باب (٣١) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٩

٣٠٤

وتجب التبعية.

______________________________________________________

من جريان التفصيل في الإخفاتية أيضا ، وكذا ظاهر المتن هنا.

فقول الشارح : ـ ان استحباب التخيير بين قراءة الحمد والتسبيح في الأخيرتين من الجهرية مذهب المصنف في المختلف ـ غير واضح ، إذ ليس التخيير في الجهرية فيه وانما التخيير في الأخيرتين من الإخفاتية مع الظهور في الوجوب كما ترى.

وكذا قوله : ان مذهبه هنا استحبابها في الإخفاتية مطلقا ، لان الظاهر منه ان مذهبه كراهة القراءة مطلقا مع السماع ، واستحبابها كذلك مع عدمه.

وبالجملة ما فرق هنا بين الجهرية والإخفاتية ، ولا بين الأولتين والأخيرتين ، بل انما فرق بالسماع وعدمه ، فحكم بالكراهة على الأول ، وبالاستحباب على الثاني ، على الظاهر ، وهو بعينه ما قررناه من عدم الفرق الا به ، وعدمه ، فكان الشارح أخذه من ان الإخفاتية لم تسمع ولو همهمة ، أو انه لا اعتبار بها فيها ، وذلك غير واضح ، مع انه قال : الهمهمة هو الصوت الخفي من غير تفصيل حروفه ، وما مر في تحقيق الجهر والإخفات ، صريح في كون الهمهمة إخفاتا.

قوله : «وتجب التبعية» الظاهر ان وجوب المتابعة في الأفعال في الجملة ـ لعله بمعنى عدم جواز سبقه على الإمام في الفعل ـ مما لا نزاع فيه ، وقد نقل الإجماع على ذلك في الشرح ، قال في المنتهى : متابعة الإمام واجبة ، وهو قول أهل العلم ، قال عليه السلام : انما جعل الامام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا (١) واما المساوقة (المساواة خ) فالظاهر الجواز ، قال في المنتهى : فيه نظر ، أقربه الجواز ، عملا بالأصل ، إلا في تكبيرة الإحرام عند الشافعي ودليله قوله عليه السلام في الحديث السابق ، (فإذا كبر فكبروا) والفاء تدل على التعقيب ، وان الاقتداء انما يصلح بالمصلي ، ولا مصلى قبله ، وأجاب : بأن الفاء قد تكون للقران كما في هذا الحديث (فإذا قرء فأنصتوا) وبان الاقتداء انما يتحقق بعد تمام التكبير وهو مصلى حينئذ.

__________________

(١) جامع احاديث الشيعة (٥٣) باب وجوب متابعة المأموم للإمام.) حديث : ٧ ـ ٨

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن ان يقال : أصل الفاء التعقيب ، وغيره خلاف الظاهر فلا يصار اليه الا لدليل.

وأيضا الظاهر من الاقتداء والايتمام بشخص ، كونه مصليا حين الشروع في النية مقتديا به ، وذلك هو المفهوم ، ففي بعض اجزاء النية ينوي صلاة ، مقتديا ، مع عدم التحقق ، بل يتحقق بعد ذلك ، وذلك بعيد.

ولان وجوب القراءة ثابتة ، وقد تحقق سقوطه مع التقدم ، ولا يتحقق بدونه ، لاحتمال اشتراط التقدم ، وان كان الأصل ـ وظهور صدق الصلاة جماعة ـ مؤيد للعدم : ولكن في الصدق تأمل ونزاع ، فالوجوب محتمل ، وفيه الاحتياط.

واما في الأقوال : مثل التشهد وذكر الركوع فهل يجب فيها المتابعة بالمعنى المذكور ، فقال الشارح لا خلاف في الوجوب في تكبيرة الإحرام ، واما غيره ففيه الخلاف ، واختار الشهيد الوجوب ، والمصنف الندب وهو الأظهر ، للأصل ، ولصدق الجماعة ظاهرا ، ولانه لو اشترط لوجوب على الامام الجهر حتى يعلم المقتدى ، مع انهم قالوا بالاستحباب ، ويمكن ان يقيد الوجوب بالسماع ، وهو غير بعيد ، والظاهر انه مراد القائل ، وان عدم وجوب الجهر في الأذكار على الامام ، لا يدل على عدم الوجوب ، فإنه يمكن ان يقال : إذا علم عدم قوله ، يجب ان لا يقول ، أو يجب التأخير بالظن ، يعنى ما دام لم يظن قوله ، لا يقول.

وكذا جواز التقديم في السلام ، سواء قيد بالعذر أم لا ، أو يقصد الانفراد أم لا ، مع ان جماعة قيدوه بأحدهما ، لان السلام جزء أخير ، فيمكن التقدم فيه ، على ان بعض الاخبار مشعر بالعذر.

وان جماعة قالوا باستحبابه ، فيجوز التقدم حينئذ مطلقا على الظاهر ، وبالجملة على تقدير جوازه ـ مع وجوبه ، ووجوب المتابعة ، وعدم العذر ـ يكون مستثنى بدليله.

وكذا لا دلالة في عدم اشتراط علم المأموم بانتقالات الامام ، على عدم وجوب

٣٠٦

فان قدم عامدا استمر حتى يلحقه الامام وإلا رجع وأعاد مع الإمام.

______________________________________________________

المتابعة ، لما مر ، نعم الأولان (١) دليلان ، خصوصا الأصل ، فيحتاج الى دليل مخرج ، وليس بظاهر ، ووجوب التبعية في جميع الأمور غير مسلم ، وكونه اماما ، لا يدل عليه ، ولهذا ما ذكر في الحديث المتقدم عن النبي صلى الله عليه وآله من الأقوال غير التكبير ، فلو وجب كان ينبغي ذكره.

وكذلك كان ينبغي وجوده في اخبار الأصحاب ، مع انه مشقة : ويشكل العلم ، وكثيرا ما (يفعل) ولا يحصل له الظن ، فقد يؤل الى ترك المتابعة : وبالجملة ذلك بعيد ، منفي لبعده ، والأصل ، وعموم أدلة الجماعة.

ويدل على عدم جواز التقدم ، وجواز المساوقة الافعال ، وفضيلة التأخر : ما نقله في الشرح عن الصدوق ، قال رحمه الله : ان من المأمومين من لا صلاة له ، وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه ، ومنهم من له صلاة واحدة ، وهو المقارن له في ذلك ، ومنهم من له اربع وعشرون ركعة ، وهو الذي يتبع الإمام في كل شي‌ء فيركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده ، ومنهم من له ثمان وأربعون ركعة ، وهو الذي يجد في الصف الأول ضيقا فيتأخر إلى الصف الثاني (٢)

وكأنه يكون رواية لعدم مثله عن مثله من عند نفسه ، وفيه دلالة ما على عدم الاعتداد بشأن الذكر ، حتى التأخر في الفضيلة أيضا حيث قال (في كل شي‌ء) وما بعده الذي يشعر بالتفسير ، دل على غيره ، حيث ما ذكر غير الفعل ، وكذا التخصيص بالفعل في التقدم والمقارنة أيضا. وبالجملة يفهم جواز المساوقة فيه ، وفضيلة التأخير فيه بالطريق الاولى ، دون وجوب التقديم ، لقيده بالركوع والسجود والرفع.

قوله : (فان قدم إلخ) قد علم مما سبق انه لا يجوز التقديم فلو فعله عامدا ينبغي البطلان ، سواء كان في الركوع والسجود أو رفعهما ، لانه لا شك انها أفعال واجبة من

__________________

(١) وهما الأصل وصدق الجماعة

(٢) روض الجنان ص ٣٧٣ نقلا عن الصدوق قدس سره.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة ومنهية والنهي في العبادة وجزئها يدل على الفساد ، ففسد ذلك الجزء ، فيلزم منه بطلان الصلاة ، لأنه ان اكتفى به فظاهر ، وان تداركه لزم تكرار فعل واجب عمدا : والأصحاب كالمتفق في البطلان به مطلقا ، خصوصا الركن ، الا ان يقال هذا التكرار مستثنى لدليل كما سيجي‌ء ، ولكن لي تأمل فيما إذا لم يكن مما يعد فعلا كثيرا عادة.

وهذا في العامد العالم.

وأظن كون الجهل عذرا في أمثاله ، وعدم البطلان منه لما مر ، ولعدم توجه النهي إليه ، فتأمل ، فالمناسب فيه هو الاستمرار حتى يلحق الإمام ، لأنه فعل فعلا مشروعا بظنه ، مع انه فعل الصلاة ، فما نقص من الصلاة إلا المتابعة ، وهي غير معلوم الوجوب في حقه ، ويمكن دلالة بعض الاخبار الاتية عليه.

واما الناسي : فالذي يقتضيه الأصل والتأمل في الأصول ، الصحة ، والاستمرار ، وعدم وجوب العود ، لرفع القلم. وفعل ما يجب ، مع عدم وجوب شي‌ء آخر عليه حينئذ إلا ذلك ، فتوجه الأمر الدال على الاجزاء والصحة إليه كالجاهل ، وإيجاب غير الاستمرار يحتاج الى دليل : هذا مقتضى النظر.

واما الاخبار : فهي موثقة غياث بن إبراهيم (لنفسه ، لانه قيل بترى ثقة) قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام؟ أيعود فيركع إذا إبطاء الامام ويرفع رأسه معه؟ قال : لا (١) وهذه في الكافي والتهذيب والاستبصار ، ويمكن حملها على الناسي. أو الظان رفع الإمام ، أو الجاهل ، فهو مؤيد لما مر ، وعلى العامد العالم أيضا ، فإنه إذا أبطل الصلاة لا يفعل ذلك أيضا لكنه بعيد.

ورواية محمّد بن سهل الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن عليه السلام قال :

__________________

(١) الوسائل باب (٤٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

سألته عمن يركع مع امام يقتدى به ثم رفع رأسه قبل الامام؟ قال : يعيد ركوعه معه (١) وهذه مذكورة في التهذيب والاستبصار والفقيه أيضا ، ولكن محمد مجهول ، ذكر في كتاب ابن داود من غير مدح ولا ذمّ ، ويمكن حملها على غير العالم العامد مع القول بالتحريم (التخيير خ) لما مر ، والجمع بين الاخبار : ويمكن طرح رواية البتري ، وحمل هذه على العامد العالم : فإنه ما فعل عمدا الا الرفع ، وكونه مبطلا غير معلوم ، والركوع الذي يفعله ثانيا يكون مستثنى من دليل البطلان بالزيادة ، وقد حملها الشيخ على العامد ، أو من لا يقتدى ، فان كلا منهما لا يجوز لهما العود ، بل قد يستمر ، والأخير جيد ، وفي الأول تأمل مر وجهه ، الا ان لا يكون عالما بل جاهلا ، فجيد أيضا لما مر.

ورواية الفضيل بن يسار (مع أخر فيه اشتباه) عن أبي عبد الله عليه السلام قالا : سألناه عن رجل صلى مع إمام يأتم به فرفع رأسه من السجود قبل ان يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال : فليسجد (٢)

وفي سندها اشتباه ، لانه قال في التهذيب سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد عن محمد بن سنان عن حماد بن عثمان وخلف بن حماد عن ربعي بن عبد الله بن الجارود والفضيل بن يسار ، فعطف خلف غير ظاهر ، وكذا الفضيل ، فلو كان الأول معطوفا على حماد ، والثاني على ربعي كما هو ظاهر العرف ، يكون محمد بن سنان في الطريق فتكون ضعيفة ، لضعف محمد بن سنان ، وان كان الأول معطوفا على محمد بن سنان كما هو الظاهر ، فالخبر صحيح ، وقال في المنتهى ، رواه محمد بن سنان والفضيل فتكون صحيحة ، ولكنه بعيد ، بناء على ما في التهذيب بواسطة حماد بن عثمان بين محمد وبين الامام وعدم نقل محمد عنه عليه السلام على ما في

__________________

(١) الوسائل باب (٤٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٤٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كتاب ابن داود فكأن في العبارة غلطا ، وهذه مروية عن الفضيل بن يسار في الفقيه ، ولكن في طريقه اليه على بن الحسين السعدآبادي (١) وهو غير معلوم ، فان كان الهمداني فهو ثقة والخبر صحيح.

ويحتمل كونها في الناسي على التخيير ، أو الجاهل ، أو العامد العالم أيضا لما مر فتأمل.

وصحيحة على بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الامام؟ قال : يعيد ركوعه معه (٢) فيمكن حملها على العامد العالم بناء على عدم بطلان الصلاة ، بل الجزء فقط ، لانه ليس بفعل كثير ، وزيادة الركوع ليست مبطلة هنا بهذه الصحيحة ، مع انه ما تعمد في الركوع. بل في الرفع ، وعلى العامد الجاهل من غير اشكال ، وعلى الناسي.

والظاهر ان رفع الامام كذلك ، ولكن في الإيجاب عليهم تأملا (تأمل ظ) ، ويمكن القول به لصحة الرواية ، لكنها ليست بصريحة فيه.

ويدل على جواز العود وعدم البطلان بتكرار الركن حينئذ ، موثقة حسن بن على بن فضال (لأجله) قال : كتبت الى أبي الحسن الرضا عليه السلام في رجل كان خلف إمام يأتم به فركع (فيركع خ) قبل ان يركع الامام وهو يظن ان الامام قد ركع فلما رآه لم يركع رفع رأسه ، ثم أعاد الركوع مع الامام ، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب : تتم صلاته ولا تفسد ما صنع صلاته ، (٣) وليس في السند من فيه شي‌ء غيره ، وهو ممن لا بأس به ، وقيل فطحي.

فهذه تدل على ان تقديم الرفع لا يضر بصلاته ، لو كان ظانا ان الامام قد رفع ،

__________________

(١) طريق الصدوق اليه كما في المشيخة هكذا (وما كان فيه عن الفضيل بن يسار ، فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل رضى الله عنه ، عن على بن الحسين السعدآبادي ، عن احمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن الفضيل بن يسار)

(٢) الوسائل باب (٤٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣

(٣) الوسائل باب (٤٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بالطريق الأولى ، لأنه إذا لم يضر تقديم الركوع ، فالظاهر ان تقديم الرفع ، بل السجدة أيضا ، كذلك : مؤيدا بالروايات الأخر المتقدمات.

ويمكن كون الناسي والجاهل كذلك : واما العامد العالم فلا يتعدى الحكم اليه.

ورواية محمد بن على بن فضال عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له اسجد مع الامام فارفع رأسي قبله ، أعيد؟ قال : أعد واسجد (١) فالذي يظهر من الروايات عدم الفرق بين العامد وغيره في العود ، إذا رفع عن الركوع أو السجود قبله ، وليس ما يدل على العدم إلا رواية البتري (٢) وحملها المصنف في المنتهى على العامد ، وغيرها على الناسي كالشيخ ، مع زيادة حملها على غير المقتدى ، وليس في الاخبار شاهد له.

ويمكن التخيير كما عرفت ، لعدم الصحة والصراحة في الوجوب (٣) وحمل الأمر على الندب في غير العامد العالم. وكأنه الى ذلك نظر في التذكرة ، حيث جوز العود في الناسي ولم يوجبه على ما نقله في الشرح.

وينبغي البطلان فيه على تقدير عدم إيجاب العود له لما مر. وكذا في غيره لو ترك العود على تقدير إيجابه عليه ، لان ما وجب عليه لم يفعله ، وما فعله غير محسوب جزء ، ولهذا وجب العود عليه ، إذ الظاهر من إيجاب العود : هو تحصيل الجزء الصحيح ، لا مجرد التبعية ، وأيضا يصدق عليه انه ترك واجبا في الصلاة عمدا فتبطل لما مر ، فقول الشارح بالصحة غير ظاهر هذا مع بقاء القدوة.

ولو استمر وقصد الانفراد صح على تقدير جواز الانفراد ، أو الصحة بعده ، فيمكن حمل رواية البتري على من لا يقتدى كما فعله الشيخ ، وطرحها أيضا ، له وإيجاب العود مطلقا ، لأن الأخبار ظاهرة في العموم ، حيث ترك التفصيل ، ولوجود ، من في

__________________

(١) الوسائل باب (٤٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥

(٢) الوسائل باب (٤٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦

(٣) قوله : وحمل الأمر عطف على قوله : ويمكن التخيير

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

البعض ، مع الصحة في البعض ، المؤيد بغيره ، ويكون ما فعل أولا باطلا ، ولا يبطل به الصلاة لإمكان التدارك (بالعود خ) للنص ، خصوصا الصحيح المؤيد بغيره ، مع عدم ظهور كون التكرار مبطلا ، خصوصا في باب الجماعة.

ولا أجد لعدم عود العامد العالم خبرا أصلا ، إلا احتمال رواية البتري ، مع احتمال الغير المقتدى ، والضعف كما مر.

واما حكم التقديم بالركوع والسجود مثلا ، فليس في الروايات ما يدل عليه صريحا. واختار المصنف في المنتهى الاستمرار ، وعدم العود ، عمدا ونسيانا : لعدم الدليل ، ولانه فعل فعلا في محله ، والزيادة منهية ، وانما صرنا إليها في الرفع للنص ، هذا في النسيان جيد ، واما في العمد ففيه تأمل ، بل الظاهر البطلان لما مر ، ثم قال : لو قلنا بقول الشافعي ، وهو انه ينبغي العود على ما نقل عنه في النسيان ، لكان قويا ، لموثقة ابن فضال ، وذكر موثقة الحسن بن على بن فضال المتقدمة.

وأنت تعلم انه لا دلالة فيها على وجوب العود ، واستحبابه ، بل جوازه أيضا ، مع ان في الحسن قولا ، بأنه فطحي ، ولهذا قال ، موثقة.

نعم تدل على عدم الإفساد لو عاد الظان لركوع الامام ، فيمكن حمل الناسي أيضا ، عليه ، وذلك غير بعيد. وكذا الجاهل : وانه لو فعل غير العامد ذلك في السجود أيضا يكون صحيحا ، وكذا لو فعل في الرفع يكون صحيحا بالطريق الاولى.

وبالجملة الظاهر البطلان ، مع احتمال الصحة ، إذا تقدم في الركوع والسجود عالما عامدا لما مر ، وعدم وجوب العود في غيره ، ولو فعل يمكن الصحة ، والإعادة بعد الفعل أحوط ، لعدم صحة الرواية ، واحتمال كونها للرخصة ، والفرق بين التقدم في الرفع والهوى ظاهر ، لان الركوع ركن ، والشروع في السجود ، شروع في الركن بالاتفاق ، وعند البعض ركن ، والرفع ليس كذلك ، بل ليس مقصودا بالذات ، ولهذا ما أوجبه بعض العامة ، فحمل قوله (١) (فان قدم) على

__________________

(١) اى في قول المصنف في المتن

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التعميم ـ من الرفع والركوع والسجود ، مع فرقه في المنتهى كما فعله الشارح ـ محل التأمل : إذ يمكن كون المراد البعض ، لانه متن مختصر ، يحتاج الى القيود ، وهي كثيرة ، مثل قوله قبيل هذا (يجب التبعية) فإنه بظاهره يدل على وجوب التأخير مطلقا فعلا وقولا ، مع انه غير ظاهر ، بل يحتمل ظاهرا ان المراد ، الفعل بمعنى عدم السبق كما ذكره الشارح ، وكأنه المشهور ، نظرا الى ظهوره فيه ، مع الشهرة على ما نقله : فحمله عليها ، ولهذا اختارها أيضا على الظاهر.

واعلم انه على تقدير القول بوجوب العود الى الركوع مثلا ، وان المحسوب جزء هو الثاني : يجب بعده واجب الركوع ، مثل الذكر ، وان كان قد فعل أولا ، فلو ترك ، فهو مثل الترك أولا ، فحينئذ لو فعله أولا ، يمكن البطلان لو كان عمدا عالما ، وان لم يكن باطلا بنفس الركوع ، لان الذكر حينئذ كلام أجنبي فيكون مبطلا ، فتأمل.

وان المصنف قال في المنتهى : لو سهى الامام فقعد في موضع قيام ، أو بالعكس لم يتابعه المأموم ، لأن المتابعة انما تجب في أفعال الصلاة ، وما فعله الامام هنا ليس من أفعالها.

هذا إذا كان المتروك واجبا ، اما لو كان مستحبا كما لو نهض قائما من السجدة الثانية قبل ان يجلس ، فالأقرب وجوب المتابعة ، لأنها واجبة ، فلا يشتغل عنها بسنة.

فيه تأمل إذ الظاهر ، ان التبعية واجبة في الواجبات ، بمعنى عدم التقدم والتأخر بحيث تفوت المتابعة ، والتأخر في الجملة خصوصا مع الاشتغال بالسنة ليس بمعلوم تحريمه ، للأصل ، ولعدم ثبوت الوجوب مطلقا بحيث يشمله ، ولعموم دليل استحباب الجلوس للاستراحة ، فعلى تقدير التحريم يمكن البطلان ، لانه فعل خارج ، فتأمل. ويمكن انسحاب ما ذكره ، في التأخر في السجود مثلا ، بالاشتغال بزيادة الذكر ، أو عبثا وكذا في الركوع والجلوس في التشهد لمندوباته ، وبعد الرفع لقول ، سمع الله لمن حمده والحمد لله رب العالمين أهل الجود إلخ وغير ذلك ، وهو بعيد.

٣١٣

ولا يجوز للمأموم المسافر المتابعة للحاضر ، بل يسلم إذا فرغ قبل الامام.

______________________________________________________

والبطلان مع انضمام الذكر أظهر ، لزيادة الكلام المنهي ، من دون اشتراط الكثرة المبطلة ، وهذا وجه التأمل فيما تقدم.

وبالجملة أظن صحتها واستحبابه ، (وانسحابه خ ل) والمصنف اعرف بما قال ، فلا ينبغي ترك الاحتياط مهما أمكن.

وقال أيضا : لو نسيا معا التشهد الأول معا فقاما ، وسبق المأموم بالركوع متعمدا ثم ذكر ، وذكر الإمام أيضا قبل الركوع ، قعد الامام للتشهد وهل يتابعه المأموم ، الوجه عدم المتابعة ، لأنه ذكره بعد فوات محله.

ولو سبق ناسيا ففيه تردد ، ينشأ من مساواة الرفع ، للركوع ، وعدمها :

كأنه يوجب الاستمرار في العمد واحتسابه من الواجب دون النسيان ، فإنه يحتمل إيجاب العود وعدم الاحتساب مثل الرفع فيعود ، لانه ما فعل الركوع المجزي ، وعدمهما لما عرفت من الفرق بين الركوع والرفع ، مع عدم النص فيه دونه ، والظاهر البطلان في الأول لما عرفت ، والاستمرار في الثاني والاحتساب ، لعدم دليل العود ، وفعل الواجب ، وعذر النسيان ، فتأمل.

قوله : «ولا يجوز للمأموم المسافر إلخ» عدم جواز تبعيته للإمام في باقي صلاته ـ بان يجعله تتمة للفريضة الاولى ـ معلوم ، لأن فرضه القصر ، فيجب عليه القطع ، وتفسد صلاته بالزيادة.

نعم ورد في رواية الفضل بن عبد الملك : إذا كان صلاة الإمام ظهرا ، يجعل المأموم الأولتين ظهرا والأخيرتين عصرا (١) فمعناه التسليم بعد الأولتين ، واستيناف العصر مقتديا به في أخيرتيه ، ففيها دلالة على جواز الاقتداء في العصر بمن يصلى الظهر ، وسندها جيد في الجملة ، إذ ليس فيه من فيه ، الا داود بن الحصين (٢) ونقل

__________________

(١) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجماعة قطعة من حديث : ٦ ولفظ الحديث (وان صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر)

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن احمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن الحصين ، عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك)

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الشيخ وابن عقدة انهما قالا : واقفي ، وعن النجاشي : انه ثقة ، مع انه موافق للأصل والقوانين.

ويدل عليه أيضا ما روى في الصحيح عن حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن رجل أمام قوم فيصلي العصر وهي لهم الظهر؟ قال : اجزئت عنه واجزئت عنهم (١) لان الظاهر عدم الفرق في الاقتداء مع اختلاف الفرضين مع التوافق في النظم.

وقال الصدوق في الفقيه روى داود بن الحصين عنه عليه السلام انه قال : لا يؤم الحضري المسافر ولا يؤم المسافر الحضري فإن ابتلى الرجل بشي‌ء من ذلك فأم قوما حاضرين ، فإذا أتم الركعتين سلم ، تم أخذ بيد أحدهم فقدمه ، فأمهم ، وإذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم (٢) وقد روى انه ان خاف على نفسه من أجل من يصلى معه ، صلى الركعتين الأخيرتين وجعلهما تطوعا (٣) وقد روى انه ان كان في صلاة العصر جعل الأولتين نافلة والأخيرتين فريضة (٤) وقد روى انه ان كان في صلاة الظهر جعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر (٥) وهذا الاخبار ليست بمختلفة ، والمصلى فيها بالخيار بأيها أخذ جاز ، وهذه الرواية الأخيرة كأنها هي رواية الفضل بن عبد الملك ، وهي صريحة في جواز الاقتداء في العصر بالظهر ، وكذا كلام الصدوق أبي جعفر حيث قال : وهذه الاخبار ـ الى أخره (٦) : فمنعه عن ذلك (٧) ـ على ما حكى عنه المصنف في المختلف ـ ليس بقوي ، مع دعوى الإجماع في العكس في المنتهى ، والخبر الصحيح.

__________________

(١) الوسائل باب (٥٣) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٢) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجماعة قطعة من حديث : ٦

(٣ ـ ٤ ـ ٥) الوسائل باب (٥٣) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧ وقطعة من حديث : ٨ وحديث : ٩

(٦) قال الصدوق في الفقيه (وهذه الاخبار ليست بمختلفة والمصلى فيها بالخيار بأيها أخذ جاز)

(٧) حق العبارة ان يقال : (فنسبة المنع الى الصدوق على ما في المختلف إلخ)

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم أقف له أيضا على دليل الا ما مر في المحاذاة بين الرجل والمرأة من الخبر الصحيح عن على بن جعفر سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن امام كان في صلاة الظهر فقامت امرأة (ئته خ ل) بحياله تصلى معه ، وهي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم؟ وقد كانت صلت الظهر ، قال : لا يفسد ذلك على القوم ، وتعيد المرأة صلاتها (١) ويمكن فيه التأويلات التي مرت ، وتأويل الشيخ أيضا ، مع عدم الصراحة ، فإنه يحتمل كون سبب الإعادة شيئا آخر ، وهو المحاذاة بين الرجل والمرأة ، والاستحباب أيضا ، وقد مرت هذه الصحيحة عن على بن جعفر مرارا.

والأصل ، وعموم أدلة الجماعة أيضا مؤيد للجواز.

وأيضا يمكن ضم صلاة أخرى في الأخيرتين حتى يخلص معه ، ولو كانت قضاء أو نافلة ، خصوصا مع التقية كما دل عليه قول الصدوق : (وقد روى انه ان كان خاف إلخ). قال في الشرح : الأفضل الانتظار بعد التشهد حتى يسلم مع الامام ، ودليله غير ظاهر.

وكذا دليل قوله : ان الأفضل للإمام الانتظار حتى يفرغ المأموم ويسلم معه ، في العكس ، وان المأموم بعد إتمام التشهد مخير بين ان يقوم ويتمم صلاته أو يصبر حتى يسلم الامام ، والصبر أفضل.

ونقل عن السيد : انه يجب على الإمام بقائه في محله حتى يتمم من وراه ، الظاهر انه أعم من المقيم مع المسافر وغيره ، مثل المسبوق ، وما نسب الشارح اليه الا الأول ، وأظنه عاما كما يدل عليه دليله ، وهو صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال سمعته يقول : لا ينبغي للإمام ان يقوم إذا صلى حتى يقضى كل من خلفه ما فاته من صلاة (٢) بل هي ظاهرة في الأخير ، ولا يخفى عدم دلالتها على الوجوب ، بل

__________________

(١) الوسائل باب (٥٣) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٥١) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

٣١٦

ونية الايتمام للمعين.

______________________________________________________

ظاهرة في الاستحباب ، للفظة (لا ينبغي) : مع الإضمار.

ويدل عليه أيضا رواية عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلى ، بقوم فيدخل قوم في صلاته بقدر ما قد صلى ركعة أو أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته وسلم ، أيجوز له وهو إمام أن يقوم من موضعه قبل ان يفرغ من دخل في صلاته؟ قال : نعم (١) والأصل كذلك ولعل له دليل غيرها.

قوله : «ونية الايتمام للمعين» الظاهر انه يجب على المأموم نية الايتمام ، وهي شرط أيضا لصحة صلاته ، قال المصنف في المنتهى : ونية الاقتداء شرط ، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم ، فلو تركها لم يتحقق القدوة والجماعة فيكون منفردا ، فان اتى بجميع ما يجب عليه مع المتابعة صورة ، فصحت صلاته مع فوت ثواب الجماعة ، ويمكن حصوله أيضا للجاهل ، وبطلت على تقدير الإخلال والإتيان بما يبطله.

واما كونه بالمعين ـ بمعنى انه لا يقتدى بأحدهما لا بعينه ، أو بهما معا ، إذ قد يختلفان فلا يعرف ما يفعله ، ويكفى احتمال الاختلاف ، وان وقع الاتفاق ـ فكأنه إجماع أيضا ، نعم يمكن الاكتفاء في التعيين بالإشارة والوصف المختص والاسم كذلك.

وأمانيه الإمامة : فقيل لا تجب ولا تشترط ، كأنه موضع إجماع : إلا ما نقل في المنتهى عن أبي حنيفة إذا أم النساء ، النساء (٢)

وقد استثنى الجماعة الواجبة بدليل وجوب النية : وقيل : ان الثواب في غيرها

__________________

(١) الوسائل باب (٢) من أبواب التعقيب حديث : ٧

(٢) عبارة المنتهى ، ص ٣٦٧ هكذا (مسئلة. ولا يشترط فيها نية الإمام ، الإمامة ، سواء كان المأموم رجلا أو امرأة وبه قال الشافعي : وقال الأوزاعي : عليه ان ينوي إمامة من يأتم به ، رجلا كان أو امرأة ، وهو قول احمد ، وقال أبو حنيفة : يشترط لو أمّ النساء) ولا يخفى عدم استفادة ما نسبه الشارح قدس سره الى أبي حنيفة من هذه العبارة.

٣١٧

ولو نوى كل منهما الإمامة صحت صلاتهما ، وتبطل لو نوى كل منهما انه مأموم ، أو الايتمام بغير المعين ، ولا يشترط نية الإمامة.

______________________________________________________

أيضا موقوف عليها ، وليس بواضح ، إذ قد تكفي نية الصلاة ، عن بعض التوابع ، مثل سائر نوافل الصلاة مع انها أفعال لا بد منها ، وليس في الإمامة شي‌ء زائد على حال الانفراد حتى ينوى ذلك الشي‌ء إلا بعض الخصائص ، مثل رفع الصوت ببعض الأذكار.

فالظاهر انه إذا نوى ولم يقصد الانفراد ، ولا الجماعة ، يحصل له الثواب لو حصلت الجماعة ، بل ولو لم يشعر بها في غير الواجبة ، وقد أشار إليه في الشرح.

وفي الجماعة الواجبة أيضا يكفيه قصد صلاة الجمعة (الجماعة خ ل) مثلا ، مع عدم (١) العلم بكونه اماما ، وعدم الانفراد ، والمأمومية ، فينصرف إلى الإمامة : ولا شك أنها أحوط ، والحق الشارح الإعادة أيضا ، فهي كالملحق بها ، بل اخفى ، فتأمل.

وأطلق المصنف في المنتهى القول بعدم الوجوب في بحث الجماعة ، واستدل بالخبر من طرقهم (٢) وبأنه لا يختلف فعله حالتي الإمامة والانفراد فلا فائدة في نيتها.

وهو يفيد العموم ، نعم يمكن بالنسبة مثل رفع الصوت بالأذكار ، وقصد بعض الخصائص ، فتأمل.

قوله : «ولو نوى إلخ» دليل الصحة الأصل ، وعدم الإخلال بشي‌ء يوجب البطلان ، وقصد الصلاة على انه امام مع ظنه ذلك ليس بمفسد ، بل مطلقا ، إذ لا يترتب على ذلك القصد شي‌ء غير رفع الصوت في بعض الأذكار ، وذلك لا يضر.

ودليل عدم الصحة في نية المأمومية : كأنه ترك الواجبات ، مثل القراءة ، فان الظاهر انه يتركها ، ولو فرض القراءة ، فيمكن انه يقرءها على قصد الاستحباب مع

__________________

(١) وفي بعض النسخ المخطوطة (مع العلم بكونه اماما) بحذف كلمة (عدم)

(٢) قال في المنتهى : ص ٣٦٧ ما هذا لفظه (لنا ما رواه الجمهور عن ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة ، فتوضأ رسول الله (ص) ووقف يصلى فتوضأت ثم جئت فوقفت على يساره فأخذ بيدي فأدارني من وراءه الى يمينه)

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجوب عليه ، ولو قصد الوجوب فيكون جهلا.

وفي البطلان في الأخيرتين تأمل ، فالعمدة في التعميم ظاهر النص ، وكلام الأصحاب ، مع عدم ظهور الخلاف ، وانجبار ضعف النص بذلك : ولكن ادعى المصنف الإجماع على الأول دون الثاني : واستدل عليه بترك القراءة ، فهو مشعر بالبطلان على ذلك التقدير فقط ، فتأمل ، والنص ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام (ورواه ابن بابويه أيضا في كتابه الفقيه المضمون) ان عليا عليه السلام قال في رجلين اختلفا ، فقال أحدهما كنت امامك ، وقال الأخر (انا خ) كنت امامك؟ فقال : صلاتهما تامة ، قلت فان قال كل واحد منهما كنت ائتم بك ، وقال الأخر كنت ائتم بك قال : صلاتهما فاسدة فليستأنفا (١) ودعوى الإجماع ـ في أحدهما ، مع عدم ظهور الخلاف في الأخرى مع قبول الأصحاب ـ مؤيد لحجيته ، وهو مؤيد لتحريم القراءة على المأموم في الجملة ، فتأمل ، فإذا كانت العمدة في المسئلة ، النص ـ مع الجبر والقبول ، بل الإجماع ـ فلا يرد الاشكال ، بلزوم بطلان صلاة كل واحد بقول الأخر ، مع انه غير مقبول في حق الغير ، وصرحوا بعدم القبول إذا أخبر بحدث نفسه ، أو عدم قرائته ، أو ترك شرط آخر وغير ذلك على انه يمكن الفرق ، فافهم ، وأيضا : انه لا يحتاج الى التقييد بكونهما ، كانا متساويين في الموقف ، كما قيده الشارح ، لاحتمال الجهل والنسيان والغلط.

والظاهر انه على تقدير دعوى الإمامة ، يمكن ان ينال ثواب الجماعة ، لأنهما فعلا شيئا مع الظن ولكل امرء ما نوى (٢) وقد يثاب الإنسان بمحض النية ، لقوله (ص)

__________________

(١) الوسائل باب (٢٩) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١ وفي الفقيه هكذا (قال أحدهما كنت أئتم بك وقال الأخر كنت ائتم بك فصلاتهما إلخ)

(٢) الوسائل باب (٥) من أبواب مقدمة العبادات حديث :

٣١٩

ويجوز اقتداء المفترض بمثله وان اختلفا.

الا مع تغير الهيئة

______________________________________________________

نية المؤمن خير من عمله (١) وقد اجتمع معها فعله (فعل خ ل) غاية الأمر انه ما كان الشرط حاصلا ، فلا يبعد ذلك من كرم الله ، بل يبعد عدم النيل عن كرمه ، فقول الشارح ، وان لم ينالا فضيلة الجماعة ، محل التأمل. وقد رد دليل قوله (أو الايتمام إلخ).

قوله : «ويجوز اقتداء المفترض بمثله إلخ» في جواز اقتداء المفترض بالمفترض مع اتحاد الكيفية والكمية لا نزاع ، الا للصدوق ، في اقتداء العصر بالظهر ، وقد ادعى المصنف إجماع الأصحاب في جواز اقتداء الظهر بالعصر.

واما مع اتحاد الكيفية واختلاف الكمية مثل الظهر والصبح ، فقد مر في اقتداء الحاضر بالمسافر وبالعكس ما يفيد ذلك ، والأصل ، والعمومات دليل ، مع عدم ظهور المانع.

فشرط الصدوق ، اشتراط الاتحاد في الكمية ، على ما نقله في الشرح ، حيث قال : خلافا للصدوق حيث اشترط اتحاد الكمية ، غير ظاهر الدليل ، مع انه صرح في الفقيه : بجواز اقتداء المسافر بالحاضر ، وبالعكس ، كما نقلنا عنه في مسئلة ايتمام المسافر بالحاضر وبالعكس.

واما العكس : فالظاهر أيضا عدم الجواز من غير النزاع ، ولعدم إمكان المتابعة ، كما في الصبح والكسوف.

واما المتنفل بمثله : فيتصور في الاستسقاء ، وفي العيدين ، مع عدم شرائط الوجوب وفي الغدير على الخلاف ، وفي صلاة الصبيان جماعة ، وفي المعادة : إذا صلى كل واحد من المأموم والامام ، منفردا من غير نزاع ، وجماعة ، مع التأمل الذي مر.

__________________

(١) الوسائل باب (٦) من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣ ولفظ الحديث (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله ، وكل عامل يعمل على نيته)

٣٢٠