مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وروى الشيخ أبو محمد جعفر بن أحمد القمي نزيل الري في كتاب الامام والمأموم بإسناده المتصل الى أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر ، فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام ، واهدى إليك هديتين لم يهدهما إلى نبي قبلك قلت : ما الهديتان؟ قال : الوتر ثلاث ركعات ، والصلوات الخمس في جماعة ، قلت يا جبرئيل وما لأمتي في الجماعة؟ قال : يا محمد إذا كانا اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكل (واحد منهم بكل ركعة) ستمائة صلاة ، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل واحد (منهم ـ خ) بكل ركعة ألفا ومأتي صلاة ، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل (واحد منهم بكل) ركعة ألفين وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة ، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة ، وإذا كانوا ثمانية كتب الله تعالى لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألفا ومأتي صلاة ، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة (ستة) (ثمانية خ ل روض الجنان) وثلاثين ألفا وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا عشرة كتب الله تعالى لكل واحد بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة صلاة ، فإن زادوا على العشرة ، فلو صارت ابحار (١) السماوات والأرض كلها مدادا والأشجار أقلاما ، والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا ان يكتبوا ثواب ركعة واحدة ، يا محمد : تكبيرة يدركها المؤمن مع الامام خير له من ستين ألف حجة وعمرة ، وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرة وركعة يصليها المؤمن مع الامام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة (٢)

__________________

(١) وفي العروة الوثقى كذلك (فلو صارت السماوات كلها قرطاسا والبحار مدادا والأشجار أقلاما)

(٢) جامع احاديث الشيعة باب (١) من أبواب صلاة الجماعة وأحكامها حديث : ١١ ورواه في المستدرك

٢٤١

ولا تصح في النوافل والاستسقاء والعيدين مع عدم الشرائط.

______________________________________________________

وفيه دلالة على كون الوتر ثلاثا كما أظن وأشرت إليه مرارا ، فتذكر.

والظاهر ان المراد بإدراك التكبيرة ، تكبيرة الإحرام مع تمام الصلاة ، والا يلزم زيادة ثوابه على إدراك ركعة تامة.

ولا يتعجب من الثواب المنقول ، فإنه بالنسبة إلى كرم الله ليس بكثير ، وأمثالها في الاخبار كثيرة. ولا بد من الاعتقاد لوقوع أمثالها ، والا ليضر في الاعتقاد. ولكن مع صحة الصلاة والإخلاص ونقلت ، من (وما روى عنه) إلى أخر هذا الخبر عن شرح (١) الشهيد الثاني رحمه الله.

قوله : «ولا تصح في النوافل إلخ» قال المصنف في المنتهى : ولا جماعة في النوافل الا ما استثنى ، ذهب إليه علمائنا اجمع. فدليله الإجماع.

فكان في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل المتقدمة (٢) ـ المنع عن الجماعة في نافلة شهر رمضان ، وكذا نهى أمير المؤمنين عليه السلام وامره الحسن عليه السلام ، بأن ينادى في الكوفة : الا ان نافلة شهر رمضان جماعة بدعة ، حتى قال أهلها : واعمراه (٣) ـ إشارة إلى منع الجماعة في كل النوافل.

وما روى إسحاق بن عمار (٤) عن الرضا عليه السلام عن رسول الله صلى الله

__________________

باب (١) من أبواب الجماعة حديث : ٣

(١) راجع روض الجنان ص ٣٦٢

(٢) الوسائل باب (١٠) من أبواب نافلة شهر رمضان حديث : ١

(٣) الوسائل باب (١٠) من أبواب نافلة شهر رمضان حديث : ٢

(٤) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (على بن حاتم ، عن احمد بن على ، قال : حدثني محمد بن أبي الصهبان ، عن محمد بن سليمان ، قال : ان عدة من أصحابنا اجتمعوا على هذا الحديث ، منهم : يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام. وصباح الحذاء ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن عليه السلام. وسماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال محمد بن سليمان : وسألت الرضا عليه السلام عن هذا الحديث فأخبرني به ، وقال هؤلاء جميعا : سألنا عن الصلاة في شهر رمضان كيف هي؟ وكيف فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ، الى ان قال : فاصطف الناس خلفه ، فانصرف إليهم فقال : ايها الناس إلخ. فعلم من ذلك ان قوله قدس سره : (إسحاق بن عمار عن الرضا عليه السلام) غير سديد.

٢٤٢

وتنعقد باثنين فصاعدا

______________________________________________________

عليه وآله وسلم انه قال : ولا يجمّع لنافلة (١) ولكن سنده غير واضح كان الإجماع يجبره ، وهو يكفى لو كان.

واما استثناء الاستسقاء والعيدين فقد مضى.

والمعادة تجي‌ء ، مع انه لا يحتاج ، لأنها الفريضة.

واما الغدير : فقد استثناه أبو الصلاح على ما قال في الشرح : وتبعه بعض ، وليس ببعيد ، لعموم أدلة الجماعة وفضلها ، وكون الاجتماع في مثل ذلك اليوم مطلوبا : وحصول ثواب صلاته لمن لا يعرف قرائتها ، مع عدم وضوح دليل المنع إلا الإجماع ، وفيما نحن فيه غير ظاهر ، بل الخلاف موجود ، مع الأصل ، وما في الإجماع ، والاحتياط معلوم.

والظاهر على تقدير عدم انعقاد الجماعة ، ان تكون حراما.

قوله : «وتنعقد باثنين فصاعدا» المراد في غير الجماعة الواجبة ، بل الجماعة من حيث هي مع قطع النظر عن أمر آخر من موجب وغيره.

ويدل عليه ما مر في الحسنة (٢) وقال في الفقيه قال عليه السلام : الاثنان جماعة (٣) وسأل الحسن الصيقل أبا عبد الله عليه السلام عن أقل ما تكون الجماعة؟ قال : رجل وامرأة (٤)

وإذا لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة ، لأنه متى اذّن واقام صلى خلفه صفان من الملائكة ، ومتى اقام ولم يؤذن صلى خلفه صف واحد وقد قال النبي صلى الله عليه وآله المؤمن وحده حجة والمؤمن وحده جماعة (٥)

__________________

(١) الوسائل باب (٧) من أبواب نافلة شهر رمضان ، حديث : ٦

(٢) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٣) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤

(٤) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧

(٥) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

٢٤٣

ويجب في الإمام التكليف.

______________________________________________________

وما روى في خبر الجهني : إني أكون في البادية ومعي أهلي ، إلى قوله ، وانهم يتفرقون في الماشية فأبقى انا وأهلي فأؤذن وأقيم وأصلي بهم ، أفجماعة نحن؟ فقال : نعم ، فقال يا رسول الله ان المرأة تذهب في مصلحتها وأبقى أنا وحدي ، فأؤذن وأقيم وأصلي أفجماعة انا؟ فقال : نعم ، المؤمن وحده جماعة (١)

لعل المراد بكون المؤمن وحده جماعة : ان حكمه حكم الجماعة في الفضيلة حيث يريد الجماعة ولم يتمكن منها ، فكأنه نوى عملا وحصل المنع من غيره ، فيؤجر على ذلك.

والظاهر حصول الجماعة بالصبي المميز الذي كلف بالصلاة تمرينا ، وان قلنا بعدم كون عبادته شرعية ، لصدق ظاهر الاخبار عليه ، والتخصيص خلاف الأصل ، مع ظهور خبر الجهني في ذلك ، وقال الشارح به ، مع قوله بأنها ليست بشرعية ، وانه مؤيد لما نقول من كونها شرعية ، لأنه لا بد ان يكون داخلا في الخبر ، والداخل يكون صلاته مطلوبة للشارع ، وهو المراد بالشرعية ، فتأمل.

ويدل عليه أيضا ما روى في التهذيب مسندا الى على عليه السلام قال : الصبي عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصف ، جماعة (٢)

قوله : «ويجب في الإمام التكليف إلخ» كونه مميزا شرط بغير خلاف ووجهه ظاهر. واما المميز الذي يصلى تمرينا ففيه الخلاف : الظاهر ان الأكثر على العدم ، لعدم كون عبادته شرعية ، فكيف تبنى عليها العبادة الشرعية ، ولأنه حينئذ ما توجه اليه تكليف الشارع ، فلا يكون داخلا في الإمام المكلف بها.

وأيضا إذا علم عدم عقابه ، فلا يؤمن من الإخلال بشرط أو فعل.

وأيضا ما مر في رواية إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام : انه قال : لا بأس ان يؤذن الغلام قبل ان يحتلم ، ولا يؤم حتى يحتلم ، فإذا أم

__________________

(١) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٨

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه (١)

ونقل عن الشيخ وبعض الأصحاب القول به للحديث الدال على فعلها مثل (مروهم) (٢) فالظاهر كونها شرعية ، فتدخل تحت التكليف ، والغرض الاعتماد عليه ، بحيث يحصل الظن الذي يحصل في غيره من العدول ، بعدم ترك شي‌ء أو الزيادة. والرواية غير صحيحة : لغياث بن كلوب ، وإسحاق (٣)

ويمكن حملها على الكراهة بالنسبة ، ويؤيده (لا بأس ان يؤذن) فيدل على ان في إمامته بأسا.

وانها معارضة برواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وان يؤم (٤) وحسنة غياث بن إبراهيم في الكافي لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم ان يؤم القوم وان يؤذن (٥) : ولكن قيل ان غياث بن إبراهيم بترى (٦) ثقة ، ولا يمكن تأويل الشيخ هنا : بأنه بلغ ولكن لم يحتلم (٧) فيحمل الاولى (٨) على الكراهة ، أو على غير من يصلح لذلك للجمع.

__________________

(١) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧

(٢) الوسائل باب (٣) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٥ ولفظ الحديث (عن ابى عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال : انا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بنى خمس سنين ، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بنى سبع سنين الحديث)

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (محمد بن احمد بن يحيى ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن غياث بن كلوب ، عن إسحاق بن عمار)

(٤) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٨

(٥) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣

(٦) قال العلامة الممقاني في (مقباس الهداية في علم الدراية) عند شرحه للمذاهب الفاسدة (ومنها البترية بضم الباء الموحدة وقيل : بكسرها ، ثم سكون التاء المثناة من فوق ، فرق من الزيدية ، إلى قوله : وثانيهما انه بتقديم التاء المثناة من فوق على الباء الموحدة ، وهو الذي اختاره الفاضل الكاظمي في تكملة النقد.)

(٧) وذلك لانه عليه السلام عبر في رواية طلحة بقوله : (لم يحتلم) وعدم الاحتلام لا ينافي البلوغ ، بخلاف رواية غياث فإنه عبر فيها بقوله : (لم يبلغ الحلم) فإنه ظاهر في عدم البلوغ كما لا يخفى.

(٨) المراد بالأولى هي رواية إسحاق المتقدمة.

٢٤٥

والايمان

______________________________________________________

وللرواية عن العامة (١) ولتجويز إمامته لأمثاله ، وفي مثل الاستسقاء حتى جوزه بعض المانعين أيضا.

ويؤيده في تحقق الجماعة بمأموميته ، فإنه فرع صحته شرعا ، فإنه مؤيد لكون عبادته شرعية كما تقدم.

وبالجملة أظن كون عبادته شرعية مثل غيره ، فإذا حصل الاعتماد بعدالته ، مع الأمن من ان يعتمد على عدم العقاب ويترك (٢) يمكن ان يصح إمامته لكل ، والا فلا.

والأحوط المنع ، وهو مذهب الأكثر حتى الشيخ في كتابي الاخبار ، ويؤيده حديث الضمان (٣) وكذا المجنون الذي قد يفيق ، في وقت إفاقته (إمامته خ ل) مع حصول الشرائط.

واما حال الجنون : فمعلوم عدم الجواز ، فيبعد منع البعض مطلقا.

واما اشتراط الايمان : فقد مر دليله وهو الإجماع ، على ما في المنتهى ، والاخبار ، في بحث الجمعة ، وقد استدل : بان غير المؤمن فاسق ظالم ، والاقتداء به ركون اليه ، وهو منهي بقوله تعالى «وَلا تَرْكَنُوا» (٤)

وفي الدلالة خفاء ما ، وعدم الجواز مجزوم به ، للأدلة الكثيرة ، منها الإجماع.

والاخبار في الجواز مع التقية كثيرة ، ويؤيده صحيحة إسماعيل الجعفي (الثقة) قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل يجب أمير المؤمنين عليه السلام ولا يتبرء من عدوه ، ويقول هو أحب الى ممن خالفه؟ فقال : هذا مخلط ، وهو عدو ، فلا تصل

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٣ ص ٩١ باب إمامة الصبي الذي لم يبلغ ، وفيه (فقدموني بين أيديهم وانا ابن سبع سنين أو ست سنين الحديث)

(٢) اى يترك بعض اجزاء الصلاة ، أو بعض شرائطها.

(٣) الوسائل باب (٣٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣ ولفظ الحديث (ان الامام ضامن للقراءة)

(٤) هود : ١١٣.

٢٤٦

والعدالة

______________________________________________________

خلفه ، ولا كرامة ، الا ان تتقيه (١)

لعله يريد ، من يعرف انه عدوه عليه السلام ولم يبرء ، ولا شك ان ذلك عدو مثله ، ويحتمل مطلقا ، الله يعلم.

وصحيحة ثعلبة بن ميمون عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصلاة خلف المخالفين؟ فقال : ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر (٢) ولا يضر وجود ابن مسكان في طريق الأولى (٣) فإن الظاهر انه عبد الله الثقة عند الشيخ ، لنقل الحلبي عنه ، مع انها صحيحة في الفقيه.

وكذا صحيحة أبي عبد الله البرقي (الثقة عند الشيخ) قال كتبت الى أبي جعفر الثاني عليه السلام ، أتجوز (جعلت فداك يب خ) الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدك صلوات الله عليهما؟ فأجاب : لا تصل ورائه (٤) فإذا لم يجز لمثل هذا فلا يجوز لغيره ، والاخبار في ذلك كثيرة جدا. واما العدالة : فقد مر تحقيقها ودليلها ، فتذكر.

والظاهر العمل بما قلناه : من الاعتماد على من يوثق بدينه وأمانته كما نقلناه عن الفقيه ، فتذكر.

ومن الأدلة إجماع هل البيت عليهم السلام المنقول في المنتهى ، ونقله السيد (٥) أيضا عن بعض العامة ، وقوله بحجيته أيضا ، وانه اختار الاشتراط بها ، لإجماعهم و

__________________

(١) الوسائل باب (١٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣

(٢) الوسائل باب (١٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن إسماعيل الجعفي)

(٤) الوسائل باب (١٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث ـ ٥

(٥) قال في المنتهى : العدالة شرط في الإمام ، ذهب إليه علمائنا اجمع ، وبه قال مالك واحمد : في إحدى الروايتين. ونقله السيد المرتضى عن أبي عبد الله البصري ، محتجا بإجماع أهل البيت عليهم السلام ، وكان يقول : ان إجماعهم حجة.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

رواياتهم عليهم السلام ، مثل : لا تصل الا خلف من تثق بدينه وأمانته (١)

وما روى في الحسن عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ان أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليه السلام انه صلى اربع ركعات بعد الجمعة لم يفصل بينهن بتسليم ، فقال : يا زرارة ان أمير المؤمنين صلى خلف فاسق (٢)

فدل على عدم الصحة خلف الفاسق ، فالفسق مانع وعدمه شرط ، فما لم يعلم الشرط ، وعدم المانع لم يتحقق المشروط.

ولا يكفي الأصل ، لما مر مفصلة ، لأن عدم الفسق لا بد فيه من أمور وجودية مثل فعل العبادات ، فلا يمكن القول ، بأن الأصل عدم المانع.

والظاهر انه لا يكفى : ان الظاهر من حال المسلم عدم ذلك كله ، لأنا نجد وجود ذلك كثيرا ، فما بقي الظاهر الدال ، على ظهوره.

ويؤيده نهى الصلاة خلف المجهول ، في الرواية.

ولكن لا ينبغي التفتيش كثيرا والدقة ، بل الاكتفاء بما قلنا ، لظهور الاكتفاء بمثله من عمل الطائفة والتداول بينهم ، مثل صلاة بعض الصحابة خلف البعض ، وكذا أصحاب الأئمة. وأمرهم بذلك ، مثل قوله عليه السلام «من يتصدق عليه» (٣) في الأمر بالإمامة له ، وليؤم بعضهم لبعض (٤) في رواية أخرى.

__________________

(١) الوسائل باب (١١) من أبواب صلاة الجماعة ، حديث : ٨

(٢) الوسائل باب (٢٩) من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ، حديث : ٤ وتمام الحديث (فلما سلم وانصرف قام أمير المؤمنين عليه السلام فصلى اربع ركعات لم يفصل بينهن بتسليم ، فقال له رجل الى جنبه ، يا أبا الحسن صليت اربع ركعات لم تفصل بينهن؟ فقال : اما انها اربع ركعات مشبهات ، وسكت ، فو الله ما عقل ما قال له :)

(٣) سنن أبي داود ، ج ١ كتاب الصلاة ، باب الجمع في المسجد مرتين ، حديث : ٥٧٤ ولفظ الحديث (عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه (وإله) وسلم أبصر رجلا يصلى وحده ، فقال : الا رجل يتصدق على هذا فيصلي مع)

(٤) سنن أبي داود ج ١ باب امامة الزائر حديث : ٥٩٦ ولفظ الحديث (وليؤمهم رجل منهم)

٢٤٨

وطهارة المولد

وان لا يكون قاعدا بقائم

______________________________________________________

وان كلما كانوا يجدون جماعة كانوا يصلون جماعة من غير تفتيش وغير ذلك كما مر. فإنه على ما يظهر لي ليس الأمر صعبا ، والشريعة السهلة دالة عليه مع توقف الأمور الكثيرة على العدالة والثواب العظيم ، وقد مر ، فلا ينبغي حملها بحيث لا يوجد أو يندر ، أو فوت هذه السعادة عن هذه الطائفة الناجية.

واما اشتراط طهارة المولد : فكأنه إجماع عندهم لعدم نقل الخلاف فيه في المنتهى الا عن العامة.

واستدل أيضا بأنه شر الثلاثة في الخبر (١) عن طريق العامة ، فيدل على انه شر من والديه ، ولا شك في كون الزنا كبيرة مانعة وبأنه لا يسمع شهادته.

وبصحيحة أبي بصير المتقدمة قال خمسة لا يؤمون الناس على كل حال وعد منهم ولد الزنا (٢) ومثلها في الحسن عن زرارة (٣)

ولا شك ان المراد من تحقق شرعا فيه ذلك ، ولو كان عند المأموم خاصة.

واما عدم النقص بالنسبة إلى المأموم ، الذي هو شرط خاص بان لا يكون الامام قاعدا والمأموم قائما ، فللنقص الظاهري.

ويدل عليه أيضا ما روى في الفقيه : فلما فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا يؤمن أحدكم بعدي جالسا (٤) وهو من طرقهم أيضا منقول (٥)

__________________

(١) مسند احمد بن حنبل ج ٢ ص ٣١١ ولفظ الحديث (عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وإله) وسلم : ولد الزنا اشر الثلاثة)

(٢) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٣) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

(٤) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٥) سنن الكبرى للبيهقي ج ١ ص ٨٠ باب ما روى في النهي عن الإمامة جالسا ، وبيان ضعفه ، وفيه (لا يؤمن أحد بعدي جالسا)

٢٤٩

ولا أميا بقارئ

ولا يجوز امامة اللاحن والمبدل ، بالمتقن ولا المرأة برجل ولا خنثى ، ولا خنثى بمثله

وصاحب المنزل والمسجد والامارة

______________________________________________________

ولقول على عليه السلام لا يؤم المقيد المطلقين (١)

ولان القيام ركن ، فلا ينبغي لمن وجب عليه ذلك فعل صلاته وراء عادمة ، ولو عجز.

والظاهر ان الحال كذلك في باقي المراتب : مثل القاعد بالمضطجع ، وكذا الأمي بالقارى : لعل المراد بالأمي من لا يقدر على أقل الواجب من القراءة كلا أو بعضا ، لعل وجهه النقص ، ولعله يجوز للامى بمثله إذا كانا مساويين في الأمية أو يكون الإمام أعلى قراءة ، وعجزا عن التعلم.

وكذا عدم جواز امامة اللاحن سواء كان مغيرا للمعنى أو لا : وكذا المبدّل ، وانه يجوز لمثلهم مع تعذر التعلم.

واما دليل عدم إمامة المرأة للرجل فهو الإجماع المنقول ، والاخبار (٢)

ولا للخنثى ، لاحتمال كونها رجلا وفي حكمها الخنثى ، لعدم تحقق العلم بالشرط ، فلا يجوز إمامتها لمثلها أيضا ، لاحتمال التعاكس وعدم العلم بحصول الشرطية.

قوله : «وصاحب المنزل إلخ» لعله لا خلاف فيها كما قال في المنتهى ، ويدل عليه أيضا ما روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم : لا يؤمن الرجل في بيته ولا في

__________________

(١) الوسائل باب (٢٢) من أبواب صلاة الجماعة قطعة من حديث : ١

(٢) جامع احاديث الشيعة ، باب (٢٣) من أبواب صلاة الجماعة ، حديث : ٢ ولفظ الحديث (عن الدعائم عن جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال : لا تؤم المرأة الرجال) وراجع الوسائل ، باب (٢٠) من أبواب صلاة الجماعة ، فإن أخبار الباب تدل بمفهومها على المقصود. ومن طريق العامة ما رواه ابن ماجة في سننه ج ١ كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (٧٨) باب في فرض الجمعة ، وفيه (الا ، لا تؤمن امرأة رجلا)

٢٥٠

والهاشمي أولى مع الشرائط

وامام الأصل أولى

______________________________________________________

سلطانه (١) وهو من طرقهم ، ومن طرقنا أيضا في الكافي (٢)

وقوله عليه السلام : أيضا ، ومن زار قوما فلا يؤمهم (٣) من طرقهم فقط :

وقد جعلوا صاحب المسجد الذي هو الامام الراتب فيه مثل صاحب المنزل والمزور ، واستدل أيضا باحتمال حصول التنافر والوحشة ولا ينبغي ذلك ، فافهم ، والمصنف في المنتهى صرح بعدم الفرق في تقديم هؤلاء ، بين من وجد فيهم أفضل منهم ، أولا.

ولعل لا دليل لهم على الهاشمي بخصوصه الا الخبر المشهور المذكور في صلاة الجنازة (٤) وكأنه مكرمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والاكتفاء بمثله في مثله مشكل ، الا ان يكون إجماعيا ، والمصنف ما ذكره في المنتهى في هذا المحل.

وأولوية إمام الأصل ظاهر ، بل ليس أولويته مثل أولوية غيره ، فإنه لا يجوز التقدم عليه ولا تأخره ، لا في منزله ولا في غيره ، فإنه حاكم على نفس صاحب المنزل ، والحكم له ، وانه قبيح عقلا ، إلا تقية وضرورة.

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٥٣) باب من أحق بالإمامة حديث : ٢٩٠ و ٢٩١ ولفظ الحديث (ولا يؤمن الرجل ، الرجل في سلطانه) وفي أخر (ولا تؤمن الرجل في اهله ولا في سلطانه)

(٢) الوسائل باب (٢٨) من أبواب صلاة الجماعة ، قطعة من حديث : ١

(٣) سنن أبي داود ، ج ١ كتاب الصلاة ، باب امامة الزائر حديث : ٥٩٦ ولفظ الحديث (سمعت رسول الله صلى الله عليه (وإله) وسلم يقول : من زار قوما فلا يؤمهم الحديث)

(٤) قال الشهيد قدس سره في روض الجنان ص ٣٦٥ ما هذا لفظه (وأولوية الهاشمي مشهورة بين المتأخرين ، وأكثر المتقدمين لم يذكروه ، قال في الذكرى : ولم نره مذكورا في الاخبار الا ما روى مرسلا ، أو مسند بطريق غير معلوم من قول النبي صلى الله عليه وآله : قدموا قريشا ولا تقدموها ، وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدعى ، نعم هو مشهور في التقديم في صلاة الجنازة من غير رواية تدل عليه انتهى وفي جامع احاديث الشيعة ، باب (٥) من أبواب الصلاة على الميت ، حديث : ٢ ما هذا لفظه (واستدل عليها أيضا بما في فقه الرضا عليه السلام. واعلم ان اولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من قدمه الولي. فإن كان في القوم رجل من بنى هاشم فهو أحق بالصلاة إذا قدمه الولي اه)

٢٥١

ويقدم الاقرأ مع التشاح ، فالأفقه فالأقدم هجرة

______________________________________________________

والظاهر ان واحدا من الثلاثة ، لو اذن لشخص ، لا ينبغي التقدم عليه أيضا ، وهو أولى ، لأنه أعطاه صاحب الحق له ، قال في المنتهى : ولا نعرف فيه خلافا.

والظاهر أيضا عدم الفرق بين مالك الدار ومستعيرها ومستأجرها وغيرهم.

والظاهر انه على تقدير الاجتماع ، يكون المنتفع به الان ، اولى ، والمستأجر والمستعير اولى من المالك ، والشارح جعل المالك اولى من المستعير ، ومالك المنفعة أولى عنه.

قوله : «ويقدم الاقرء إلخ» معلوم ان المراد مع عدم حصول المرجح مما تقدم ، ودليله الرواية من العامة ، قال : يؤم القوم اقرئهم لكتاب الله ، فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا (١).

ومن طريق الخاصة ما روي عن الصادق عليه السلام ان النبي صلى الله عليه وآله قال : يتقدم القوم اقرئهم للقرآن ، فان كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا فان كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة وافقههم في الدين ، ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ، ولا صاحب سلطان في سلطانه (٢) كذا في الكافي.

وذهب بعض الأصحاب إلى تقديم الأفقه ، لما روى عنه صلى الله عليه وآله من أم قوما وفيهم من هو اعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال الى يوم القيامة (٣)

ولأن الحاجة الى الفقه ، في تمام الصلاة بخلاف القراءة.

ويحتمل حمل الرواية الأولى على الأعلم أيضا ـ لأن المتعارف كان في زمانه

__________________

(١) سنن أبي داود ج ١ كتاب الصلاة باب من أحق بالإمامة ، حديث : ٥٨٢ وسنن ابن ماجة ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (٤٦) باب من أحق بالإمامة ، حديث : ٩٨٠ ورواه البخاري والترمذي والنسائي ، فراجع.

(٢) الوسائل باب (٢٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٣) الوسائل باب (٢٦) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٢٥٢

فالأسن

فالأصبح

______________________________________________________

ص) ان القارئ لا بد ان يعرف الاحكام المستفاد من القرآن ـ للجمع بين الروايات.

فلا يرد ان العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب حتى يخصص بمن حاله ذلك كالصحابة. ولان النص أرجح ، الا ان تقديم الاقرء أشهر.

لكنه بعيد ، لما مر ، وكون الرواية من العامة ، وروايتنا تدل على تأخير الأفقه عن الكل ، وكأنهم لا يقولون به ، والمفروض علم القاري بما يجب من الفقه واتصافه بجودة القراءة ، أداء وإتقانا للقراءة ، ومعرفة ، وعملا بمحاسنها المدونة في علمها ، وان لم يكن حافظا ، مع اشتراك الغير معه في العلم بواجبات القراءة وعملها.

فلا يبعد تقديم الأعلم ، لما مر ، ولشرف العلم وعلو رتبته عند الله ، فيكون صاحبه أقرب الى القبول عند الله والى استحباب دعائه ، لا من يزيد في القراءة حسنا ، ومندوباتها ، مع انه قد لا يكون عارفا بمندوبات الصلاة ومكروهاتها والمسائل الخلافية التي قد يؤدى تركها الى البطلان عند البعض أو نقص الثواب.

فيقدم الا فقه في أحكام الصلاة ، ومع التساوي فالأفقه في غيره ، كما اختاره الشارح لما مر.

ولعل المراد بالأقدم هجرة ، من تقدم هجرته من دار الحرب الى دار الإسلام ، وقيل المراد في زماننا من هاجر من البدو والقرى إلى الأمصار ، لتعلم العلوم ومحاسن الإسلام وأحكام الشرع ، ونقل عن المصنف : أو يكون أولاد من تقدم هجرته ، وليس ببعيد.

وان المراد بالأسن : هو الأسن في الإسلام ، لا مطلقا.

واما الأصبح : فالظاهر منه الأصبح وجها.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قال في الشرح : نقله المرتضى رواية (١) وعللوه بدلالته على مزيد عناية الله به : ونفاه المحقق في المعتبر ، إذ لا مدخل له في شرف الرجال ، والمراد به صباحة الوجه لما ذكر في التعليل من مزيد العناية ، وقد نجد حسن الصورة وصباحة الوجه في غير المسلم أيضا ، قال : وربما فسر بحسن الذكر بين الناس ، لدلالته أيضا على حسن الحال عند الله ، وقد روى ان الله إذا أحب عبدا جعل له صيتا حسنا بين الناس وفي كلام على عليه السلام ، انما يستدل على الصالحين بما يجرى الله لهم على السنة عباده (٢) انتهى ، وهذا لا بأس به ، ولا ينافيه ما ورد في وصف الخمول ، فافهم.

وان في هذه الاخبار دلالة على ثبوت العدالة بالاستفاضة والشهرة ، فافهم.

قال في الشرح : وعلى تقدير التساوي في أوصاف المرجحة ، هل يقدم الأتقى والأورع؟ قيل نعم ، واختاره المصنف في التذكرة ، لأنه أشرف في الدين وأكرم على الله ، لقوله تعالى ، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٣) بل قوى تقديمه على الأشرف ، لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا.

وما اعرف القصد بشرف الدنيا الذي فضل عليه شرف الآخرة ، ثم قال : وحينئذ يمكن اعتبار ذلك في كل مرتبة ، ومما يرجح اعتباره في الجملة أن الصباحة قدم بها لكونها من علاماتها ، فأولى أن يترجح بذاتها.

والمراد بالاورع : الأقوى التزاما واتصافا بصفة الورع ، وهو العفة وحسن

__________________

(١) الوسائل باب (٢٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢ ولفظ الحديث (قال : وفي حديث أخر ، فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها) وفي رواية العلل قوله (فان كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها) وعن السيد المرتضى في كتاب جمل العلم (وقد روى إذا تساووا فأصبحهم وجها) وفي رواية فقه الرضا (فان كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها) راجع جامع احاديث الشيعة باب (٢٥) في صلاة الجماعة حديث : ٧ و ٨ و ٩

(٢) قطعة مما كتبه صلوات الله عليه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر واعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن ابى بكر : فراجع رقم (٥٣) من أبواب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين على عليه السلام في نهج البلاغة.

(٣) الحجرات : ى ١٣

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

السيرة ، وهو مرتبة وراء العدالة ، تبعث على ترك المكروهات ، والتجنب عن الشبهات والرخص.

وقيل : ان التقوى : هو التجنب عن الشبهات لئلا يقع في المحرمات ، والورع : هو التجنب عن المباحات لئلا يقع في الشبهات.

والظاهر ان هذه الأمور معتبرة في الفرد الأقوى ، إذ الظاهر : ان العدل متق ، بل أقل منه أيضا : فإن الرغبة والرهبة ، والعمل بسببهما ، تركا وفعلا ، مكروها ومندوبا ، واجبا وحراما ، تقبل الشدة والضعف ، والكثرة والقلة ، ولها مراتب بعضها فوق بعض ، فالمتصف بالأكثر منها اتقى وأعلى مرتبة في التقرب ، فهو أكرم : لان من يترك كثيرا ، ـ من التي هي عمدة في التقرب ـ مثل تحصيل العلوم ، والعبادات الشاقة الكثيرة ، وقضاء حوائج المؤمنين ، مع انه يتجنب الشبهات ويتورع عن المباحات ـ يكون اتقى وأكرم على الله؟! ، بل الأمر بالعكس : لان الظاهر : ان الأكرمية باعتبار الاتصاف بالأوصاف المقربة ، فمن اتصف بالأكثر والأعلى ، فهو الأكرم عند الله.

ففي التعريفين المنقولين (١) تأمل ، فتأمل ، وتؤل ، فإنه غير بعيد ، والمقصود ظاهر.

فحينئذ ينبغي تقديم من فيه الوصف أظهر ، وظن التقرب الإلهي أكثر.

وانى أظن انه مقدم في جميع المراتب ، لان الظاهر ان الغرض من الاجتماع ، وتقديم من فيه زيادة وصف حسن ، هو زيادة التقرب الى الله. فكل من يكون اتصافه بالوصف المقرب أكثر ، يكون تقديمه اولى ، ولا شي‌ء أقرب من التقوى اليه ، لقوله تعالى «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ» (٢) وهو ظاهر.

ولعل السكوت عنه لظهوره ، وتقديم الأقرء والأفقه وغيرهما لمظنة ذلك ، والله يعلم.

__________________

(١) المراد بالتعريفين ، أحدهما قوله (الأقوى التزاما إلخ) وثانيهما قوله (وقيل ان التقوى إلخ)

(٢) الحجرات : ١٣

٢٥٥

ويجوز ان تؤم المرأة النساء.

______________________________________________________

ثم على تقدير التساوي ، لا يبعد العمل بالقرعة : وان وجد صفة مرجحة غير المذكور ، فلا يبعد التقديم بسببها أيضا ، مثل ما قيل في تقديم أولاد من تقدم هجرة أبويه.

واما تقديم العربي على العجمي والقرشي على سائر العرب فما اعرف وجهه ، نعم يمكن تقديم من هو من بيت علم وتقوى وبالجملة : الضابط معلوم.

قوله : «ويجوز ان تؤم المرأة النساء» دليله ، الأصل ، وعموم أدلة الترغيب في الجماعة ، ومثل : يؤمكم أقرؤكم (١)

وصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال : قدر ما تسمع (٢)

ومثلها صحيحة على بن يقطين عن ابى الحسن الماضي عليه السلام (٣) وان كان في الطريق محمد بن عيسى العبيدي (٤) فانى اعتقد انه ثقة كما قيل ، قال في المنتهى انهما صحيحتان.

ويؤيده موثقة سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال : لا بأس به (٥) وكذا موثقة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه السلام في

__________________

(١) الوسائل باب (٢٨) من أبواب صلاة الجماعة ، قطعة من حديث : ١ وفيه (ان رسول الله صلى الله عليه وإله قال : يتقدم القوم أقرأهم للقران) وعن الفقيه (قال : على (ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يؤمكم اقرئكم ويؤذن لكم خياركم ، وفي حديث أخر أفصحكم) راجع جامع احاديث الشيعة باب (٢٥) في صلاة الجماعة حديث : ١٦

(٢) الوسائل باب (٢٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧

(٣) الوسائل باب (٢٠) من أبواب صلاة الجماعة ذيل حديث : ٧

(٤) سنده كما في التهذيب (محمد بن على بن محبوب ، عن محمد بن عيسى العبيدي ، عن الحسين بن على بن يقطين ، عن أبيه على بن يقطين)

(٥) الوسائل باب (٢٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١١

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الرجل تؤم المرأة؟ قال : نعم ، تكون خلفه ، وعن المرأة تؤم النساء؟ فقال : نعم ، تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن (١) وغيرها أيضا من الاخبار في الكافي ، والجواز هو المشهور.

وقد منع البعض مثل المصنف في المختلف ، لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال : تؤم المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطا بينهن (منهن يب) ويقمن عن يمينها وشمالها ، تؤمهن في النافلة ، ولا تؤمهن في المكتوبة (٢) وفي صحتها تأمل ـ وان قال في المختلف والمنتهى بها ، وكذا في الشرح ـ لوجود محمد بن عبد الحميد (٣) في طريق التهذيب والاستبصار ، وفي توثيقه اشتباه ، والعجب من الشارح انه قال : صحيحة : مع انه قال في بعض حواشيه بخطه على الخلاصة : ان الثقة أبوه لا هو.

وابن مسكان ، وان كان الظاهر انه عبد الله الثقة ، لنقله عن الحلبي.

وصحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال : قلت له المرأة تؤم النساء؟ قال : لا ، إلّا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطا (وسطهن ـ فقيه) معهن في الصف فتكبر ويكبرن (٤)

وفي صحتها أيضا تأمل ، وان قال بها في المنتهى والمختلف والشرح ، لانه نقل فيهما (٥) عن محمد بن مسعود عن أبي العباس بن المغيرة ، وليس بمعلوم ملاقاته له ،

__________________

(١) الوسائل باب (٢٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٠ وأورد صدر الحديث في باب (١٩) من تلك الأبواب حديث : ٤

(٢) الوسائل باب (٢٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٩

(٣) سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن على بن محبوب ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن الحسن بن جهم ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي)

(٤) الوسائل باب (٢٠) من أبواب صلاة الجماعة ، حديث : ٣

(٥) اى نقل الشيخ في الكتابين ، التهذيب والاستبصار.

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والطريق اليه غير معلوم ، مع عدم ظهور ابى العباس (١) كأن المصنف والشارح يعرفانه ولهذا سمياها صحيحة ، وصحيحة سليمان بن خالد (٢) مثل الاولى ، وما رأيت غيرها.

فقول الشارح ـ ومثلها أخبار أخرى صحيحة : بعد نقل الأولتين ـ ما أعرفه ، وهو اعرف.

على ان في سليمان أيضا قولا ، وفي الطريق في الاستبصار : ابن سنان عن ابن مسكان عن سليمان ، كأنهما (٣) يعرفانهم ثقات ، وليس في التهذيب والكافي ابن مسكان ، بل في الاستبصار فقط.

فمنها يعلم عدم جواز إمامتها إلا في النافلة ، وصلاة الميت ، فعلى تقدير الصحة : يجب حمل الأول المطلقة والمجملة على هذه المقيدات والمفصلات ، لما ثبت في الأصول من وجوب حملها عليهما مع المنافاة : لكن في الصحة لنا تأمل.

مع ان الإمامة في النافلة نادرة عند الأصحاب ، فحمل الكل عليها وعلى صلاة الميت لا يخلو عن بعد.

ويمكن حمل المفصلات على الكراهة بمعنى عدم الكراهة في النافلة وصلاة الميت ، ووجودها في الفرائض.

ويؤيده الشهرة ، ونقل الشارح عن التذكرة الإجماع ، فهو أقوى تأييدا ، وعموم الأخبار الدالة على الجماعة ، بحيث تكون شاملة لهن أيضا.

وعلى التي لا تصلح لذلك أيضا ، لان من تصلح لذلك من النساء قليلة جدا على ما نجد ، فتأمل ولا شك ان المنع أحوط.

__________________

(١) نقلها الشيخ في التهذيب في موضعين ، أحدهما في أواخر باب الزيادات ، وفيه (العباس) كما في الوسائل باب (٢٠) من أبواب صلاة الجماعة ذيل حديث : ٣ وباب (٢٥) من أبواب صلاة الجنازة ، حديث : ١ وثانيهما في باب فضل المساجد وفضل الجماعة ، وفيه (أبي العباس) وكذا في الاستبصار ، باب المرأة تؤم النساء حديث : ٥

(٢) الوسائل باب (٢٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٢

(٣) يعنى المصنف والشارح

٢٥٨

ويستنيب المأمومون لو مات الإمام أو أغمي عليه.

______________________________________________________

والعجب من المصنف انه اختار المنع في المختلف ، وقال في المنتهى ـ بعد نقل احتجاج السيد على المنع بالروايتين الصحيحتين ـ والجواب انهما نادرتان لم يعمل بهما احد من علمائنا.

قوله : «ويستنيب المأمومون إلخ» الظاهر عدم الخلاف في (جواز) استخلافهم لو لم يستخلف الامام ، واستخلافه أيضا لو أحدث ، أو ظهر كونه محدثا أو جنبا ، وعدم اشتراط ذلك ، فيجوز لهم الاستخلاف مطلقا ، بل قصد مأمومية شخص وان لم يعرف ذلك الشخص ، بل التبعيض أيضا.

والقصد ثانيا الى الامام الثاني لو كان خليفة الإمام ، أولى ، لو علم به ، ويجوز انفرادهم أيضا ، لعدم وجوب أصل الجماعة.

وما يدل على المنع كأنه محمول على الكراهة ، مثل صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام انه سأله أيضا عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ، ما حال القوم؟ قال : لا صلاة لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم. (١)

وسيجي‌ء ، ما يدل على جواز الانفراد في الأثناء ، فهنا كذلك بالطريق الاولى ، فيحمل.

قوله : «لا صلاة لهم إلا بإمام» على نفى الكمال ، فتأمل.

والظاهر ان الامام الثاني حينئذ يعتد بما فعله الإمام الأول ، ولو كان في أثناء القراءة ، فيتم ما أبقاه ، الّا ان لا يكون ما قرأه بحيث يسمى قرآنا فينبغي الإعادة ، وكذا يفعل الخليفة.

والذي يدل على صحة ما فعله ، كأنه الإجماع ، والاخبار الدالة على تكميل ما بقي ، فإنها تدل على صحة ما فعله مطلقا.

__________________

(١) الوسائل باب (٧٢) من أبواب الجماعة حديث : ١

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر جواز استنابة المسبوق ، وان كان الاولى غيره ، لما روى (في الحسن) عن سليمان بن خالد ، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ قال : لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه. (١)

والظاهر انه ليس للتحريم ، بل للكراهة ، لصحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون ادنى القوم اليه فيقدمه؟ فقال : يتم الصلاة القوم ، ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال ، فكأن الذي أومأ إليهم بيده ، التسليم ، وانقضاء صلاتهم ، وأتم هو ما كان فاته أو بقي عليه (٢) وهذه أصح وأدل ، فالجمع بالكراهة والاولى ، جيد.

لعل فيها دلالة ما ، على عدم وجوب السلام.

ورواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهم السلام قال سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين ، فقدم رجلا ممن قد فاتته ركعة أو ركعتان؟ قال : يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم ويقوم هو فيتم بقيّة صلوته (٣)

وهذه تدل أيضا على جواز استنابة شخص الأخر في التسليم.

ويمكن أيضا ان يتمّوا جالسين حتى يفرغ الامام ويسلم بهم كما في صلاة الخوف قاله في المنتهى ، وقد عرفت مما مر دليل الاستخلاف.

ويدل عليه أيضا رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام انّه سئل عن رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات؟ قال يقدمون رجلا أخر ويعتدون بالركعة (٤)

__________________

(١) الوسائل باب (٤١) من أبواب الجماعة حديث : ١

(٢) الوسائل باب (٤٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣

(٣) الوسائل باب (٤٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥

(٤) الوسائل باب (٤٣) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

٢٦٠