مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

أو لم يعلم ما نواه

______________________________________________________

لبطلانها مع الشك في الأولتين ، ويؤيد الأول ذكر الشيخ إياها في الشك بين الواحدة والثنتين ، والثلاث والأربع.

واما دليل البطلان فيما لم يعلم ما نوى ، فهو أيضا تعذر العمل بشي‌ء ، ولا أصل هنا ، ولا قرينة مرجحة.

قيل : لو علم ما قام له بنى عليه ، للقرينة الظاهرة ، والحكم عليه غالبا.

ويدل عليه الاخبار أيضا ، مثل حسنة عبد الله بن المغيرة. قال في كتاب حريز : انه قال : انى نسيت انى في صلاة فريضة حتى ركعت وانا أنويها تطوعا؟ قال : فقال : هي التي قمت فيها ، إذا كنت قمت وأنت تنوي فريضة ، ثم دخلك الشك ، فأنت في الفريضة ، وان كنت دخلت في نافلة ، فنويتها فريضة فأنت في النافلة ، وان كنت دخلت في فريضة ، ثم ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة (١) لعله عن الامام عليه السلام بما مر.

ورواية معاوية قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسهى فظن أنها نافلة ، أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة؟ قال : هي على ما افتتح الصلاة عليه (٢)

رواية عبد الله بن أبي يعفور عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو ينوي أنها نافلة؟ قال : هي التي قمت فيها ولها ، وقال : إذا قمت وأنت تنوي الفريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على الذي قمت له ، وان كنت دخلت فيها وأنت تنوي نافلة ثم انك تنويها بعد فريضة ، فأنت في النافلة ، وانما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدء في أول صلاته (٣)

وفي دلالة تلك الاخبار على المدعى تأمل ، وكذا في كفاية القرينة ، نعم لو

__________________

(١) الوسائل باب (٢) من أبواب النية حديث : ١

(٢) الوسائل باب (٢) من أبواب النية حديث : ٢

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب النية حديث : ٣

١٠١

ويكره العقص.

والالتفات يمينا وشمالا.

______________________________________________________

علم ما تعين عليه وقام له ، ثم عرضه الشك في نيته لما عين ، لا يبعد البناء عليه.

والاخبار انما تدل على انه لو نوى شيئا ثم نسي وقصد خلافه بنى على ما نوى ، ولم يضره ما فعله بقصد غيره.

قوله : «ويكره العقص» قال في القاموس ، عقص شعره ضفره (١) وفتله. قال دليله ما رواه في الصحيح عن مصادف عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل صلى بصلاة الفريضة وهو معقص الشعر؟ قال : يعيد صلاته (٢) وكأنه لعدم الصحة ـ لضعف مصادف ـ حمل على الكراهة ، ويمكن حملها على العقص المانع من وضع الجبهة على الأرض ، فيحرم ، من غير فرق بين الرجال والنساء ، لكن لا دليل حينئذ على الكراهة.

قوله : «والالتفات يمينا وشمالا» كأنه يريد الالتفات بيمين الوجه وشماله الى غير القبلة يمينا ويسارا ، أو الالتفات بالوجه الى يمينه وشماله ، وهو أظهر :

ودليل الجواز مع الكراهة رواية عبد الملك المتقدمة ، الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال : لا ، وما أحب ان يفعل (٣)

لكن ليست بصحيحة ، ولا صريحة ، لاحتمال كون الالتفات بغير اليمين والشمال ، سهوا ، وان كان ظاهر (ما أحب) العمد ، ولا يقطعها ، عام. ظاهرا. (٤)

ففي جواز الالتفات عمدا مطلقا ، ولو بالوجه الى اليمين واليسار بحيث يصير وجهه الى الشرق أو الغرب المحضين ، تأمل ، وقد مر إليه الإشارة.

ومما يدل على التحريم كما هو مذهب فخر المحققين ، ما مر من الاخبار مثل

__________________

(١) الضفيرة والضفر نسج الشعر وغيره عريضا والضفيرة أيضا العقيصة والضفيرة الذوابة والجمع الضفائر ـ مجمع البحرين

(٢) الوسائل باب (٣٦) من أبواب لباس المصلى حديث : ١

(٣) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥

(٤) اى قوله عليه السلام (لا) في جواب السائل ما يقطع الصلاة عام يشمل العمد والسهو.

١٠٢

والتثأب ، والتمطي ، والفرقعة ، والعبث ، ونفخ موضع السجود.

______________________________________________________

صحيحة محمد ، هل يلتفت الرجل في صلاته؟ فقال : لا ولا ينقض أصابعه (١) وحسنة زرارة (والظاهر انها صحيحة في الفقيه) ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك (٢) وغير ذلك مما مر من الأدلة.

وحملها على الالتفات الى ما ورائه ، أو الكراهة يحتاج الى دليل. على انه يأباه ، قوله عليه السلام (فان الله عز وجلّ يقول لنبيه إلخ (٣)) وما ذكروا دليلا غير ما مر ، والإجماع غير ظاهر.

نعم يدل على الجواز في الجملة صحيحة على بن جعفر المتقدمة عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن ان ثوبه قد انخرق ، أو اصابه شي‌ء ، هل يصلح له ان ينظر فيه ، أو يمسه؟ قال : ان كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس ، وان كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح (٤)

فيمكن حينئذ حمل جميع ما يدل على التحريم على الالتفات الى ما وراه وبكل البدن ، أو الكراهة في الجملة.

ويمكن حمل الدال على التحريم على الطول ، ومع فعل الصلاة ، كما مرت إليه الإشارة ، فتأمل ، فإن صحيحة علي ، ما تدل صريحا على جواز الالتفات يمينا وشمالا ، بل على النظر ، فتبقى أدلة التحريم الكثيرة ، قوية ، فذلك غير بعيد حتى يتحقق الإجماع : والآيتان الدالتان على وجوب التوجه بالوجه الى نحو المسجد (٥) مؤيدتان للتحريم بالوجه الى اليمين والشمال كما قاله المحقق المذكور ، فتأمل.

ويدل على كراهة بعض الباقي والزيادة ، صحيحة زرارة ، وحسنته ، قال : قال

__________________

(١) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٢) الوسائل باب (٩) من أبواب القبلة قطعة من حديث : ٣

(٣) الوسائل باب (٩) من أبواب القبلة قطعة من حديث : ٣

(٤) الوسائل باب (٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤

(٥) البقرة : ١٤٩ ـ ١٥٠

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أبو جعفر عليه السلام إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ، ولا تحدث نفسك ، ولا تتثاءب ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلثم ، ولا تحتفر ، ولا تفرج كما يتفرج البعير ، ولا تقع على قدميك ، ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك ، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ، ولا متثاقلا ، فإنها من خلال النفاق ، فان الله نهى المؤمنين ان يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى ، يعنى سكر النوم ، وقال للمنافقين (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلّا قَلِيلاً) (١)

ومن هذا ومثله قيل : لا ينبغي ان يقول المؤمن ، انا كسلان ، وقد صرح في بعض الاخبار بنهي المؤمن عن ذلك لأنه صفة المنافقين.

وفيها أحكام كثيرة ، منها كراهة التكفير ، لان قوله (فان ذلك كله نقصان) يدل على انها منقصة للثواب ، لا مبطلة ، ولا محرمة. ويؤيده مقرونيته بالمكروه في الخبر المتقدم فيحمل الخبر الأخر على الكراهة ، فتأمل ولا يترك الاحتياط في الجميع ، خصوصا المختلف فيه. ويدل على الخشوع أخبار كثيرة. (٢)

واستحبابه ـ وأفضليته ترك ما ينفيه. وكذا ما ينافي سائر المستحبات مثل النظر الى غير موضع السجود حال القيام ـ ظاهر.

وكذا كراهة النظر الى السماء لما مر في حسنة زرارة (ولا ترفعه الى السماء) والى غيره أيضا يفهم من قوله (وليكن حذاء وجهك في موضع سجودك). (٣)

ومعلوم ان المراد بكراهة التثأب والتمطي هو مع إمكان الدفع ، وفي الخبر انه من الشيطان ولن يملكه (٤)

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٥

(٢) راجع باب (٢ ـ ٣) من أبواب أفعال الصلاة

(٣) الوسائل باب (٩) من أبواب القبلة قطعة من حديث : ٣

(٤) الوسائل باب (١١) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣ ـ ٤

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل على كراهة البعث بالحصى. وعدم البأس إذا سوى موضع السجود ، ما روى عنه لا تعبث بالحصى وأنت تصلي الا ان تسوى حيث تسجد فلا بأس (١)

ويدل على جواز العبث أيضا صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة؟ قال : وماله فعل؟ قلت : عبث به حتى مسه بيده؟ فقال : لا بأس (٢) وفيها دلالة على المنع أيضا ، للاستفسار الإنكاري ، وعلى جواز مس الذكر وعدم البطلان ، وعدم نقض الوضوء به فتأمل.

وفي اللثام أخبار كثيرة دالة على المنع ، واخبار أخر دالة على الجواز (٣) جمع بينهما بالحمل على تحريم المانع من القراءة وجواز الغير ، لصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يقرء الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال : لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة (٤) وفيها دلالة ما ، على عدم وجوب إسماع نفسه مبينا في القراءة فتأمل ، وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له ، أيصلى الرجل وهو ملتثم؟ فقال : اما على الأرض فلا ، واما على الدابة فلا بأس (٥) فكأنها محمولة على شدة الكراهة على الأرض دون الدابة ، ويمكن حملها على ما يستر الجبهة فلا يجوز على الأرض ويجوز على الدابة ، وان روى في الصلاة على الدابة كشف موضع السجود ، وكأنه للاستحباب ، رواه على بن النعمان عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلى وهو يومي على دابته متعمما؟ قال : يكشف موضع السجود (٦)

__________________

(١) الوسائل باب (١٢) من أبواب قواطع الصلاة قطعة من حديث : ٧

(٢) الوسائل باب (٢٦) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٣) الوسائل باب (٣٥) من أبواب لباس المصلى ، فراجع

(٤) الوسائل باب (٣٥) من أبواب لباس المصلى حديث : ٣

(٥) الوسائل باب (٣٥) من أبواب لباس المصلى حديث : ١

(٦) الوسائل باب (٣٤) من أبواب لباس المصلى حديث : ١

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل على كراهة اللثام للرجل والنقاب للمرئة ، رواية سماعة قال : سألته عن الرجل يصلى فيتلو القرآن وهو ملتثم (متلثم خ)؟ فقال : لا بأس به وان يكشف عن فيه فهو أفضل ، قال : وسألته عن المرأة تصلي متنقبة؟ قال : إذا كشف عن موضع السجود فلا بأس به وان أسفرت فهو أفضل (١)

واما كراهة نفخ موضع السجود ، فيدل عليه الاخبار ، وقد قيد عدم الباس به إذا لم يؤذ أحدا ، في رواية أبي بكر الحضرمي (في الزيادات) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا (٢)

ولهذا اختار البعض الكراهة حين الاذاء فقط على ما نقل ، والظاهر حملها على شدة الكراهة حينئذ وخفتها بدونه ما لم يقصد الاذاء المحرم. للاخبار المطلقة ، وبعد حصول الاذاء بالنفخ.

وكذا روى النهي المسح عن موضع السجود في الصلاة ، فيكره ، واستحباب فعله وكراهة عدمه بعدها وعد من الجفاء في الخبر المروي عنه صلى الله عليه وآله في الشرح : النفخ في الصلاة ، ومسح الوجه قبل الانصراف ، والبول قائما ، وسماع المنادي مع عدم الإجابة (٣) والظاهر من بعض الاخبار جواز النفخ مطلقا (٤) وثبت الكراهة بالنهي في البعض الأخر ، (٥) وقيد بعدم حصول الحرفين فيحرم معه ويبطل ، وذلك غير واضح ، فإنه لا يقال له الكلام والتكلم ، فلا يضر ، فتأمل. وكذا الكلام في التنحنح وإخراج البصاق والتأوه ، والأنين ، الا ان فيه خبرا ، (٦) وقد تقدم

__________________

(١) الوسائل باب (٣٥) من أبواب لباس المصلى حديث : ٦

(٢) الوسائل باب (٧) من أبواب السجود حديث : ٢

(٣) روض الجنان ص ٣٣٧ وفي كنز العمال ج ٧ حديث ٢٠٠٤٧ ثلاث من الجفاء مسح الرجل التراب عن وجهه قبل فراغه من الصلاة ، ونفخة في الصلاة التراب لموضع وجهه ، وان يبول وهو قائم.

(٤) الوسائل باب (٧) من أبواب السجود حديث : ٣

(٥) الوسائل باب (٧) من أبواب السجود حديث : ١ ـ ٥

(٦) يدل على جواز التنحنح في الصلاة ما رواه في الوسائل باب (٩) من أبواب القواطع حديث : ٤

١٠٦

والتنخم والبصاق

والتأوه بحرف والأنين به

______________________________________________________

التحقيق بأنه إذا صدق عليه الكلام والتكلم مع حصول الحرفين فهو مبطل ، والا ، فلا.

واما ما يدل على كراهة التنخم والبصاق وغيرها : فهو رواية أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام إذا قمت في الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله فان كنت لا تراه فاعلم انه يراك ، فاقبل قبل صلاتك ، ولا تمتخظ ولا تبزق ، ولا تنقض أصابعك ، ولا تورك ، فان قوما قد عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة ، فإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك ، فإذا سجدت فافعل مثل ذلك وإذا كنت في الركعة الاولى والثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتم (فاستقم ـ خ ل) جالسا حتى ترجع مفاصلك فإذا نهضت فقل ، بحول الله وقوته أقوم واقعد ، فإن عليا عليه السلام هكذا كان يفعل (١) وهذا القول مروي في الصحيح أيضا.

وكأن التورك ونقض الأصابع اى تصويتها كان حراما ، ولعله أراد بالتورك غير المتعارف المندوب ، مثل الإقعاء أو الجلوس على اليمين ونحوه ، وهو في غير محله.

واما التأوه والأنين : فقال في الشرح وهما مثلان الا ان الثاني في المريض والأول أعم ، والمراد هنا النطق بصوت (أوّه) على وجه لا يظهر منه حرفان ، والا لبطل ، وقد عرفت عدم البطلان الا مع التسمية بالكلام ، لأنه في الدليل ، مع عدم صحة رواية طلحة كما تقدم (٢) ويؤيده الأصل وعدم إمكان النطق بأوّه مع عدم الحرفين ، وقد أخذه الشارح في تعريفهما ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٩

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤ ولفظ الحديث (عن على عليه السلام انه قال : من أن في صلاته فقد تكلم)

١٠٧

ومدافعة الأخبثين أو الريح

______________________________________________________

ومدح إبراهيم على نبينا وعليه السلام ـ بأنه أوّاه (١) بصيغة المبالغة ـ يشعر بمدحه وحسنه مطلقا ولو في الصلاة حتى يثبت المنع.

ولعل دليل الكراهة احتمال حصول الكلام المبطل ، ورواية طلحة المتقدمة في الأنين ، لعدم الصحة والدلالة على الشكاية والوجع ، والمنع عن الخضوع.

ولا يبعد جواز هما مع عدم الكراهة إذا كان خوفا من النار وإظهار التوجع والندامة عن إعماله الموجبة لها ، ويمكن حينئذ إدخالهما في المناجاة مع الله ، والظاهر جوازها بكل لفظ وبكل لسان للأخبار الصحيحة في ذلك (٢)

واما دليل كراهة المدافعة بالاخبثين : فكأنه سلب الخشوع المطلوب ، والاشتغال عنه فتقل الفضيلة ، وهو المراد بالكراهة ، وما مر في صحيحة زرارة ، لا تحتفز (٣)

ولصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة ، وهو بمنزلة من هو في ثوبه (٤) والمراد نفى الكمال ، لا الصحة ، لنقل الإجماع في المنتهى على الصحة والكراهة ، كأنهما الدافع والدافعة.

ورواية أبي بكر الحضرمي عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين (٥).

ويدل على الكراهة حال غلبة النوم ما مر من قوله ع (ولا متناعسا) و (سكارى) (٦) مع تفسيره بالنعاس.

__________________

(١) إشارة إلى الآية الشريفة ((إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ) ـ التوبة ـ ١١٤) والآية الشريفة ((إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ) ـ هود ـ ٧٥

(٢) الوسائل باب (١٣) من أبواب قواطع الصلاة فراجع

(٣) الوسائل باب (١) من أبواب أفعال الصلاة قطعة من حديث : ٥

(٤) الوسائل باب (٨) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢

(٥) الوسائل باب (٨) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣

(٦) الوسائل باب (١) من أبواب أفعال الصلاة قطعة من حديث : ٥ وفي الحديث تفسيره بالنوم

١٠٨

ويحرم قطع الصلاة اختيارا

______________________________________________________

والظاهر ان الكراهة مع حصولهما قبل الصلاة ، واما مع حصولهما فيها فقط فلا يجوز القطع ، فلا يكون مكروها ، كذا قيل : ويمكن كونها كذلك أيضا بمعنى قلة الثواب ، فتأمل.

وأيضا مع السعة ، فلو ضاق الوقت ، فالظاهر عدم جواز نقض الوضوء ، ثم الوضوء والصلاة خارج الوقت بتمامها أو بعضها على الظاهر.

والظاهر انه كذلك مع عدم الماء أيضا بحيث لو نقض يحتاج الى التيمم ، يدل عليه تحريم اهراق الماء في الوقت مع العلم بالعدم ونقض الوضوء على ما قيل فتأمل ، واما إذا حصل في الصلاة ، فالظاهر وجوب الصبر ، لتحريم قطع الصلاة اختيارا ، الا ان لا يقدر على الصبر ويؤدى الى استعجالها ، أو يحصل الضرر به ، فيقطع.

ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع ان يصبر عليه ، ا يصلى على تلك الحال ، أو لا يصلى؟ فقال : ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر. (١)

قوله : «ويحرم قطع الصلاة إلخ» كأنه إجماعي في الواجبة إلا فيما يستثنى ، مثل القطع لإدراك الجماعة بالنقل الى النفل ، ومطلقا إذا كان إمام الأصل ، وكناسي الأذان ، أو ناسي سورة الجمعة وغير ذلك على ما قيل وقد مر البعض وسيجي‌ء الباقي.

دون القطع في الناقلة ، بل مطلق العبادات المندوبة إلا الحج على ما قيل أيضا.

واستدل عليه المصنف بقوله تعالى ، «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (٢) فإن النهي

__________________

(١) الوسائل باب (٨) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٢) سورة محمد : ٣٣

١٠٩

ويجوز للضرورة.

______________________________________________________

للتحريم في مطلق العبادة وخرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي ، وفيه تأمل.

ويمكن الاستدلال ببعض الأخبار المتقدمة ، مثل صحيحة عبد الرحمن المتقدمة (١) حيث فهم منها عدم قطع الصلاة مع عدم إمكان الصبر وعدم خوف اعجالها ، فتدل على تحريم القطع ووجوب الإتمام ، فافهم.

ويجوز القطع للضرورة لهذه الصحيحة ، ولدليل الضرورة.

وكأن ضياع المال منها ، لرواية سماعة قال : سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه؟ قال : يقطع صلاته ويحرز متاعه ، ثم يستقبل الصلاة ، قلت : فيكون في الصلاة الفريضة أو فتغلب عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف ان يذهب ، أو يصيب منها عنت؟ فقال : لا بأس بأن يقطع صلاته (٢)

وما رواه حريز (في الصحيح عمن أخبره) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريما لك عليه مال ، أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام ، أو غريما لك واقتل الحية (٣)

الظاهر ان هذا مع عدم إمكان الجمع في الصلاة ، لما مر من جواز قتلها فيها ، وفي الصحيح عن النوفلي عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني عن جعفر عن أبيه عن على عليه السلام انه قال : في رجل يصلى ويرى الصبي يحبو الى النار ، أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشي‌ء قال : فلينصرف ، وليحرز ما يتخوف ، ويبنى على صلاته ما لم يتكلم (٤) وفي بعض هذه الاخبار إشارة الى عدم جواز قطع الفريضة إلا بسبب ، وجواز قطع النافلة مطلقا.

وكذا ورد في جواز إيقاظ النائم بضرب الحائط ، وانه عبادة إذا كان لإيقاظ

__________________

(١) الوسائل باب (٨) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٢ ـ ٣) الوسائل باب (٢١) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢ ـ ١

(٤) الوسائل باب (٢١) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الغلام للتطحين بالرحاء ، والإيماء والإشارة بالرأس واليد والتسبيح والتصفيق ليعلم ان أحدا بالباب ، أو إظهار حاجة أخرى وغير ذلك كما في الاخبار الكثيرة (١) حيث ما جوز القطع لهذه الأمور ، فتأمل ، فإنها مؤيدات لا أدلة.

قال الشارح : واعلم ان القطع يجي‌ء فيه الأحكام الخمسة ، فيجب لحفظ النفس والمال المحترمين حيث يتعين عليه ، فان استمر حينئذ بطلت صلاته ، للنهى المفسد لها.

ويستحب كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة ، وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة وقد تقدما. وللايتمام بإمام الأصل وغيره كما سيأتي.

ويباح لإحراز المال اليسير الذي لا يضر فواته ، وقتل الحية التي لا يظن أذاها.

ويكره لإحراز المال الذي لا يبالي بفواته ، قاله في الذكرى واحتمل التحريم ، وقد سبق تحريمه في غير ذلك.

قال في الذكرى : وإذا أراد القطع ، فالأجود التحلّل بالتسليم ، لعموم (وتحليلها التسليم) ولو ضاق الحال عنه سقط ، ولو لم يأت به وفعل منافيا أخر فالأقرب عدم الإثم ، لأن القطع سائغ ، والتسليم انما يجب التحلّل به في الصلاة التامة (٢)

واعلم ان قيد التعيين للوجوب العيني ، والا يمكن كونه واجبا عليه مخيرا مع عدم التعيين ، ويحتمل عدم الوجوب حينئذ أصلا ، بل عدم الجواز ، للأصل ، وعدم الضرورة ، مع تحريم القطع ، فكأنه الأولى الا ان يحتمل عنده عدم مباشرة الغير.

وان في المال الموجب ، إجمالا ، والمعلوم ، والوجوب لو كان الحياة موقوفة عليه ، أو النفقة الواجبة عليه ، ويفهم وجوبه إذا كان كثيرا أيضا من بعض العبارات ، فكأنه مفهوم من تحريم الإسراف ، وهو غير واضح ، والظاهر لا نزاع في الجواز له.

__________________

(١) الوسائل باب (٩) من أبواب قواطع الصلاة فراجع

(٢) الى هنا كلام الشارح في روض الجنان

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وان حكمه هنا ببطلان الصلاة ينافي ما ذهب اليه وحققه مرارا من ان الأمر بالشي‌ء لا يستلزم النهي عن الضد الخاص ، وان النهي لا يدل على الفساد ، وما قاله هنا صحيح ، فتأمل.

ويمكن جمع ما ذهب اليه هنا ، مع ما مر ذكره في الأول : بأن يقال : المراد من النهي (لا يستمر) (١) وهو مستفاد مما في الرواية مثل ، فاقطع ، ولينصرف ، وهو ضد العام.

ثم اعلم ان في هذه الاخبار الدالة على وجوب قطع الصلاة : دلالة على ان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن الضد ، حيث أوجب القطع وصرح به ، مع انه ليس المقصود إلا إنقاذ النفس وحرز المال كما هو الظاهر ، ومصرح في بعض الاخبار أيضا ، فلو لم يكن الأمر مستلزما للنهى ولم تفسد العبادة ، لا وجب القتل الحفظ ، دون القطع ، فتأمل.

وانه فيما سبق جوز القطع في العصر أيضا (٢) وتركه هنا وهو الظهر ، وفي الظهر أيضا تأمل وقد مر التحقيق.

وان إباحته للمال اليسير وقتل الحية التي لا يظن أذاها غير ظاهرة ، فإنه يبعد من الشارع تجويز قطع الصلاة المنهي بالقرآن والإجماع والاخبار ، لمثل قتل الحية بمجرد الإباحة ، فلو لم يكن مستحبا لما جوز ، وما ذكره أيضا محتمل ، مع احتمال الوجوب والتحريم.

وان الفرق بينه وبين المال الذي لا يبالي بفواته غير واضح ، لعل المقصود قلته قدرا بحيث لا يبالي بفوت مثله عرفا ، فيشكل القطع بمثله وكأنه لهذا احتمل التحريم في الذكرى.

__________________

(١) قوله : (لا يستمر) خبر ، لقوله : (المراد) اى لا يجوز له الاستمرار على الصلاة.

(٢) حيث قال الشارح : ويستحب ، كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة ، وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة

١١٢

والدعاء بالمباح في الدين والدنيا لا المحرم.

______________________________________________________

وان الذي أظن ، عدم القطع الا بالفعل المجوز له القطع في الدليل ، لوجود الرخصة فيه حينئذ وثبوت التحريم في غيره ، ولانه قد لا يقع بعد القطع ، الفعل المطلوب فيلزم القطع المنهي ، مع عدمه.

وانه يدل على عدم التحلل بالتسليم مطلقا ، ما قاله أخيرا (١) ويؤيده خلو الأخبار الدالة على المسئلة عنه ، وكونها ظاهرة في حصول القطع بمثل قتل الحية وإنقاذ الصبي وكذا كلام الأصحاب الذي رأيته ، فتأمل.

قوله : «والدعاء إلخ» قال في المنتهى يجوز الدعاء في أحوال الصلاة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا ومتشهدا وفي جميع أحوالها بما هو مباح للدنيا والآخرة بغير خلاف بين علمائنا ، لعموم (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٢)) وغيره من الآيات الدالة على تعلق غرض الشارع بالدعاء مطلقا وما مر من الاخبار : مثل : كل ما كلمت الله به في صلاة الفريضة فلا بأس به (٣) وليس بكلام

وروى الشيخ عن أبي جرير (حريز ـ خ) الرواسي قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام وهو يقول : اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب ، يرددها (٤) وعن عبد الرحمن بن سيابة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدعو وانا ساجد؟ فقال : نعم ، فادع للدنيا والآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة (٥)

وبالجملة لا شك في جواز الدعاء في أثنائها ولكن لي تأمل في جوازه في أثناء القراءة مطلقا من غير ان يكون سؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة عند آيتهما ،

__________________

(١) وهو قوله : والتسليم انما يجب التحلل به في الصلاة التامة

(٢) سورة غافر : (٦٠) وغيره من الايات ، مثل ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) ـ الأعراف : ٥٥) و ((ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) ـ الأعراف (٥٦) و ((وَلِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) ـ الأعراف : ١٨٠) و ((فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ـ غافر : ١٤) وغير ذلك.

(٣) الوسائل باب (١٣) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣

(٤) الكافي باب السجود والتسبيح إلخ حديث : ١٠

(٥) الوسائل باب (١٧) من أبواب السجود حديث : ٢

١١٣

ورد السلام بالمثل.

______________________________________________________

والاحتياط يقتضي العدم.

واعلم ان تجويز الدعاء للدنيا ـ مع انه كلام وهو منهي عنه صريحا في الاخبار ـ يشعر بجواز البكاء للميت خصوصا من غير صوت وحرف ، بل للدنيا أيضا فتأمل.

وكأن دليل عدم جواز الدعاء بالمحرم ، ان المطلوب محرم وقبيح فطلبه كذلك فتأمل ، ثم طلبه من الله يشعر باعتقاد تجويز إعطائه له ، وذلك أيضا غير جائز.

وعلى تقدير الفعل والتحريم فالظاهر بطلان الصلاة به حينئذ لأنه كلام منهي ـ عنه ، ومبطل ، لدليل البطلان بالكلام.

ولو جهل التحريم ، فالظاهر عدم البطلان ، وكونه معذورا ، لعدم وصول النهي إليه ، قال الشارح : واختار في الذكرى الصحة ، وقطع المصنف بعدم العذر ، والظاهر ، ان الجاهل بكون طلب الحرام مبطلا ، مع علمه بالتحريم ، لا يعذر ، لأنه منهي عنه ، فكلامه داخل تحت المبطلات ، ولا دخل لعلمه ، وهو ظاهر.

وقال أيضا وكذا الكلام في سائر المنافيات ، فان الجهل بالحكم لا يخرجها عن كونها منافية ، وهو ظاهر في الثاني دون الأول ، وقال : يظهر من الشيخ في التهذيب : ان الجهل بالحكم عذر ، لعله يريد الأول دون الثاني ، وظاهر كلامه انه عذر في الثاني أيضا ، فتأمل.

قوله : «ورد السلام بالمثل» قال المصنف في المنتهى : ويجوز له ان يرد السلام إذا سلم عليه نطقا ، ذهب إليه علمائنا اجمع ، لعل مراد المصنف بجواز الرد نفى التحريم ردا على العامة.

وكأنه على تقدير الجواز يجب ، كما يفهم من عباراتهم ، والأدلة ، وهي عموم قوله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) (١) ولا شك في شموله للمصلي ، ولا مخصص ، إذ لا منافاة بين (رد ـ خ) السلام والصلاة مع انه دعاء ، وهو

__________________

(١) النساء : (٨٦)

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

جائز للمسلّم ، فيها ، على الظاهر ، وانه قرآن أيضا في الجملة ، ولا قائل بالفصل.

ولو لا منعهم عنه في غير ما نحن فيه ، (لانه محلل ، فيلحق بكلام الآدميين) لكان القول لجوازه للمؤمن في جميع أحوالها جيدا ، ولهذا يجوز التسليم على الأنبياء والأئمة في القنوت والتشهد.

ورواية عثمان بن عيسى عن سماعة (الواقفي) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يسلّم عليه في الصلاة؟ قال : يرد ، يقول سلام عليكم ، ولا يقول وعليكم السلام ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان قائما يصلى فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه عمار ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله هكذا (١)

وصحيحة محمد بن مسلم قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة ، فقلت : السلام عليك ، فقال : السلام عليك فقلت : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلما انصرف قلت له : أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال : نعم ، مثل ما قيل له (٢) لعل السؤال للاطمئنان ، وفهم الجواز مطلقا وصريحا ، وزيادة فائدة من شرط المثل ، وانه واجب أم لا ، فتأمل.

ورواية البزنطي في جامعه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ان عمار أسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فرد (٣) والرواية الاولى في التهذيب عن عثمان بن عيسى كما مر ، وفي الكافي عنه عن سماعة.

والإجماع أيضا على الظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب (١٦) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (١٦) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١

(٣) الوسائل باب (١٧) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣ والحديث (روى البزنطي عن الباقر عليه السلام قال : إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم ، وإذا سلم عليك فاردد ، فإني افعله ، وان عمار بن ياسر مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلى ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه السلام ولكن ليس في الوسائل ولا في الذكرى (عن محمد بن مسلم)

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فروع

الأول : ظاهر بعض العبارات اشتراط الرد بمثل ما قيل له كما يدل عليه الصحيحة المتقدمة ، وانه لا يجوز ب (عليكم السلام) لرواية عثمان ، ولا يبعد الجواز ب (عليكم السلام) لمن قاله ، لصدق المثل المأمور في الآية ، ولما في الصحيحة ، (مثل ما قيل) ويمكن حمل الرواية على من قال : السلام عليكم ، بل لا يبعد عدم اشتراط المثل مطلقا ، بمعنى عدم الحصر فيه ، بل يكون به وبالأحسن أيضا جائزا ، كما هو ظاهر الآية ، ومتفق عليه في غير الصلاة ، فلا يشترط المثل ، ولا سلام عليكم بخصوصه ، لانه قرآن ، لان الراد انما يجوز ويجب بالقرآن ، وبالصحيحة ، وهما يدلان على المطلق من غير اشتراط شي‌ء ، وليس لكونه قرآنا على الظاهر ، بل ولا لكونه دعاء أيضا ، بل لمحض النص. وتأويل الرواية على تقدير التسليم ظاهر ، وهو تخصيصها بصورة ، يكون الجواب أدون ، مع انه لا ينبغي ترك ظاهرهما بها.

وأيضا الظاهر : انه لا يقدح في المثل تغيير ما ، مثل ، عليك ب (عليكم) بل هو اولى ، وفي العكس تأمل والظاهر انه كذلك ، الا ان يقصد الأول التعظيم دون الراد.

والظاهر انه كذلك في السلام عليكم في جواب عليكم السلام ، وفي العكس تأمل ، خصوصا في عرف البعض فإنه يدل على عدم التعظيم ، وقد لا يرضى به المسلم ، حيث يجاب به في صورة لإيراد بها التعظيم ، بل عدمه عرفا ، فينبغي حينئذ العدم في الصلاة وغيرها.

وبالجملة لا ينبغي الفرق في الصلاة وخارجها ، فتأمل ، فقول ابن إدريس ـ بعدم اشتراط المثل ، عملا بعموم الآية ، مع عدم المنافي في الاخبار ـ جيد ، لعله يريد بعدم الاشتراط ، الإتيان بالمثل أو الأحسن المراد في الآية كما يدل عليه دليله ، ويكون المراد بقوله عليه السلام (نعم ، مثل ما قيل له) انه لا يجوز الأنقص منه ، بل

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا بد من المثل بالمعنى الذي في الآية ، لا في اللفظ والصورة ، فالأحسن يجوز بالطريق الاولى وقد مر تأويل الرواية.

الثاني : لو سلم عليه بغير لفظ سلام عليكم من صيغ السلام : هل يجب الرد أم لا ، الظاهر ذلك لصدق التحية والمثل في الآية والخبر الصحيح ، ومنه يعلم وجوب الجواب عن السلام عليكم ونحوه ، والعجب ان المصنف تردد في المنتهى في وجوب الجواب عن غير سلام عليكم من الصيغ الأخر المشتملة على السلام ، مع انه قال : لو حياه بغير السلام ، فعندي فيه التردد ، وأقر به جواز رده لعموم الآية.

تذنيب

لو قال : الله يصبحكم بالخير ، أو قال صباحك ومسائك ونحو ذلك ـ فيما إذا كان عادة في التحية ويصدق عليه ذلك ـ يمكن وجوب الرد بالمثل ، أو بالأحسن ، لعموم التحية في الآية.

ولكن التحية في الآية فسرت بالسلام وكذا في اللغة ، قال : في مجمع البيان :اللغة : التحية السلام ، يقال : حيي يحيي تحية إذا سلم ، ونقل شعرا وقال : المعنى : (إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) ، أمر الله تعالى المسلمين برد السلام على المسلّم ، وفي القاموس التحية السلام ، الا ان التحية في اللغة مشتقة من الحياة ، في القاموس حياك الله أبقاك ، وإذا كان مثل صباحك ومساك يعد في عرف تحية ، لا يبعد دخوله تحت الآية كما نقلناه من المنتهى.

ولا ينافي كونه بمعنى السلام أيضا ، لعله المراد في مجمع البيان ، تأمل ، ولا يبعد كون الاولى ، الدعاء له في الصلاة مع استحقاقه له بعبارة صريحة فيه ومتداولة في لسان أهل الشرع مع قصد الرد ، ولا يخرج بذلك عن كونه دعاء كما قال في المنتهى : ان سلام عليكم ، لا يخرج عن كونه قرآنا بقصد الرد ، وان من منع الجواز

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عن سلام عليكم ، جوز الجواب به بقصد الدعاء له ان كان مستحقا له ، ويدل على عدم الوجوب سكوته عليه السلام بعد قوله (السلام عليك) ، بعدم جوابه لقوله (كيف أصبحت) ، لعدم صدق التحية عليه حينئذ بحسب اللفظ والمعنى ، بل هو تلطف وسؤال عن حال ، لا دعاء وتحية ، خصوصا حين وقوعه بعد التحية فهو زيادة غير منقولة في التحية فلا يجاب.

الثالث : انه على تقدير رد الغير ذلك : هل يجزى عن المصلى أم لا؟ ، وعلى تقديره : هل يجزى من الصبي المميز ذلك أم لا؟ ، وعلى تقدير حصول الجواب وسقوطه عن المصلى هل يشرع له بعد مرة أخرى أم لا؟ :

الظاهر الاجزاء على تقدير كون الراد أيضا مقصودا بالسلام ، واما على تقدير اختصاص المصلى به. فليس بظاهر ، لأنه عبادة واجبة عليه ، ولا يعلم السقوط عنه برد شخص آخر ، خصوصا مع عدم الاذن ، ولا يقاس بالدين لانه ليس بعبادة.

لا يقال : انه إذا أجيب به حصل الغرض ، إذ ليس بمعلوم كونه واجبا كفائيا حينئذ ، إذ قد يكون الغرض متعلقا بجوابه ، ولظاهر هما أيضا.

وعلى تقدير الاجزاء فالظاهر انه لا فرق بين البالغ والمميز ، وان لم نقل ان عبادته شرعية : بل تمرينية ، مع ان ظني انها شرعية ، وتحقيقها في الأصول ، لأن الظاهر على تقدير الواجب الكفائي : لا فرق بل الظاهر كون دعائه أقرب الى الإجابة ، لعدم ذنبه ، ويشعر به بعض الاخبار ، ولا ينافيه عدم شرعية فعله بمعنى عدم استحقاقه للثواب والمدح من الشارع.

ولو جعل فعله غير شرعي ، بمعنى عدم طلب الشارع منه بوجه ، فلا يكون داخلا في الفرد الكفائي ، فلا يبرأ به ، فيكون براءة الذمة حينئذ مبنيا على ذلك وعدمه ، والظاهر انه شرعي فيجزي.

واما على تقدير الاجزاء والسقوط ، فالظاهر عدم الجواز لغير الراد (١) كما هو

__________________

(١) المراد بقوله : لغير المراد هو المصلى

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر عباراتهم ، لانه محلل ، الا فيما اخرج بدليل ، مثل الرد والسلام على الأنبياء ، لأن المجوز كان ، وجوبه وكونه مخاطبا بمثل حيوا وقد سقط ذلك ، ولا نعلم خطابا آخر لا وجوبا ولا استحبابا ، اما الوجوب فظاهر بسقوطه وعدم أمر أخر واما الاستحباب ، فلعدمه أولا ، فيستصحب ، وللأصل ، لأن الكلام ، مع عدم وجود أمر آخر دال عليه.

ومعلوم عدم استلزام رفع الوجوب ، ثبوت الاستحباب والجواز أيضا ، وهو ظاهر.

نعم لو ثبت كون كل واجب كفائي مستحبا عينيا بعد فعله أيضا ، ثبت الاستحباب هنا ، وليس ذلك بظاهر الدليل ، ولى تأمل في غير السلام في الصلاة أيضا من الواجبات الكفائية بعد الفعل ، وقد مر مثله في الصلاة على الميت بعد فعلها ، ومعلوم عدم جواز فعله (غسله ـ خ) مرة أخرى ، فتأمل ، نعم لو قيل بجواز الدعاء بالسلام ، للمسلم مع استحقاقه فيجوز من ذلك الباب ، وذلك غير بعيد ، لما مر من جواز الدعاء بكل لفظ ، وان كل ما كلمت به الرب فليس بكلام مبطل ، الا ان الظاهر ان الترك هنا أولى ، لصورة التحليل والمنع منه ، فهو أحوط.

الرابع : هل يجب الاسماع تحقيقا أو تقديرا ، أم لا ، والأول هو المفهوم من كلام المصنف في المنتهى وغيره كأنه المشهور ، لعل دليله انه المتبادر من الجواب ، وان مقصود الشارع جبر خاطره والعوض له : وانه قصد المسلم ، وهو انما يتم مع الاسماع ، وهو معذور مع العذر فيكتفى بالتقدير ، فلا يعذر بدونه ، والأصل يدل على العدم.

وقد يمنع التبادر والقصد فإنه غير ظاهر ، لاحتمال قصده دعاء وتحية ، والوجوب انما يكون لدليل شرعي ، لا ، لأن مقصود المسلم العوض ، ولصدق الرد المفهوم من الآية والاخبار لغة وعرفا ، وما نعرف له شرعا معنى يكون الاسماع داخلا فيه ، والأصل ينفيه ، وعدم الأمر به في الآية والخبر كذلك.

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيده رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن السلام على المصلى؟ فقال : إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك (١) كأن النهي للجواز ونفى الوجوب.

وكذا صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا سلم عليك الرجل وأنت تصلي؟ ترد عليه خفيا كما قال (٢) وحملتا في المنتهى وغيره على التقية ، مع عدم ذكر دليل يدل على وجوب الاسماع جزما حتى يحتاج الى هذا التأويل ، لعل عندهم دليلا ما رأيناه ، من إجماع ونحوه.

الخامس والسادس : عدم الفرق بين المسلم والمسلم عليه في كونهما مميزين ، أو بالغين ، رجلين ، أو امرأتين ، أو مختلفين ، وان قيل بتحريم سلامها على الأجنبي ، لأن إسماع صوتها حرام وان صوتها عورة ، وذلك لا يظهر عندي دليله ، بل المفهوم من الأصل ، وبعض الاخبار ـ مثل تكلم فاطمة عليها السلام مع أصحابه مثل سلمان وغيره (٣) وكذا عدم نهى النبي صلى الله عليه وآله النوحة إذا سمعها (٤) وغيرهما ـ يدل على الجواز ، الّا ان المفهوم من كثير من عبارات الأصحاب ذلك ، وسيجي‌ء تحقيقه.

نعم روى في بحث النكاح ما يدل على كراهة تسليم أمير المؤمنين عليه السلام على الشابة خوفا ان يدخل عليه من الإثم أكثر مما طلب من الأجر (٥)

__________________

(١) الوسائل باب (١٦) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤

(٢) الوسائل باب (١٦) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣

(٣) راجع كتب السير والتواريخ

(٤) جامع احاديث الشيعة باب (٦) البكاء على الميت تجد أخبارا دالة على عدم نهى النبي صلى الله عليه وآله النياحة في النائحات ، ففي حديث : ٢٦ من ذلك الباب انه لما رجع (ص) من احد وسمع البكاء من دور بنى عبد الأشهل ، بكى وقال : لكن حمزة لا بواكي عليه فأمر سعد بن معاذ وأسيد بن حضير نساء بنى عبد الأشهل ان يذهبن ويبكين على عم رسول الله (ص) فلما سمع رسول الله بكائهن قال ارجعن يرحمكن الله فقد واسيتن بأنفسكن الحديث)

(٥) الوسائل باب (١٣١) من كتاب النكاح أبواب مقدماته وآدابه حديث : ٣ ولفظ الحديث (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسلم على النساء ويرددن عليه ، وكان أمير المؤمنين

١٢٠