مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

للرواية (١).

وروى كراهة التوشح للإمام (٢) وصلاته بغير رداء (٣) وانه إذا صلى عاريا بمئزر ونحوه يضع على منكبيه شيئا ولو كان تكة السراويل.

__________________

(١) الوسائل باب (١٩) من أبواب التعقيب حديث : ١ ـ ٢ وفيه (عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف الا بانصراف لعن بنى أمية) وفي أخر (قالا سمعنا أبا عبد الله عليه السلام وهو يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال وأربعا من النساء فلان وفلان وفلان ويسميهم ومعاوية وفلانة وفلانة وهند وأم الحكم أخت معاوية)

(٢) الوسائل باب (٢٤) من أبواب لباس المصلى ، فراجع

(٣) الوسائل باب (٥٣) من أبواب لباس المصلى ، فراجع

٣٤١

المقصد الثالث

في

صلاة الخوف

قوله : «المقصد الثالث ، في صلاة الخوف إلخ» هنا أبحاث.

الأول : في بيان الخوف الموجب للقصر : الذي يظهر من العبارات انه مطلق الخوف على النفس ، أو المال ، أو الأهل ، والظاهر ان المراد من الخوف على النفس هو الهلاك ، وعلى المال الضياع والتلف ، وعلى الأهل ، اما الهلاك أو البضع.

والظاهر ان سببه أعم من ان يكون عدوا أو سبعا ، أو لصا ، أو سيلا ، أو حريقا ، أو غيرها.

والظاهر انه موجب للقصر ، سواء كانت النجاة موقوفة على القصر أم لا ، لصدق الخوف ، وهو الموجب ، لظاهر آية ، (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١) (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ

__________________

(١) النساء : (١٠١)

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لَهُمُ الصَّلاةَ) (١)

ومعلوم ان السفر وحده كاف في القصر عند أصحابنا ، بالإجماع والخبر ، فكذلك الخوف ، والا يلزم ان يكون لغوا.

ومعلوم عدم القول بالاختصاص بالكفار ، بالإجماع ، فيكون للواقع والتمثيل.

ومعلوم أيضا عدم اختصاصه بكيفية صلاة الخوف المذكورة في الآية الثانية ، ولا به صلى الله عليه وآله ، فيعم للتأسي فتأمل فيهما.

ولصحيحة زرارة (في زيادات التهذيب والفقيه) عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟ قال : نعم ، وصلاة الخوف أحق ان تقصر من صلاة السفر لان فيها خوفا (٢) يعنى ان الخوف وحده ، أقوى من السفر وحده ، لإيجاب القصر : هذا هو الظاهر ، وهي أقوى الأدلة.

ويؤيده انه روى : اتحاد صلاة الخوف عن السبع واللص ، مع صلاة الخوف حين المسايفة والمطاردة ، مثل رواية زرارة (الصحيحة في الفقيه) عن أبي جعفر عليه السلام انه قال : الذي يخاف اللصوص يصلى إيماء على دابته (٣) وقد رخص في صلاة الخوف من السبع ، إذا خشيه الرجل على نفسه ، ان يكبر ولا يومي ، رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (٤).

وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام انه قال : الذي يخاف اللصوص والسبع يصلى صلاة المواقف إيماء على دابته ، قال : قلت أرأيت ان لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع ، ولا يقدر على النزول؟ قال : ليتيمم من لبد (دابته أو ـ فيه) سرجه ، أو (عرف خ ل) معرفة دابته ، فان فيها غبارا ، ويصلى ويجعل

__________________

(١) النساء : (١٠٢)

(٢) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ١

(٣) الوسائل باب (٣) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ٧

(٤) الوسائل باب (٣) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ٥ ولا يخفى ان من قوله : (وقد رخص إلخ) عين عبارة الفقيه ، فراجع باب صلاة الخوف ولكن في الوسائل نقله بتغيير ما فلاحظ

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

السجود اخفض من الركوع ، ولا يدور إلى القبلة ، ولكن أينما دارت (به ئل) دابة ، غير انه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه (١) وغير ذلك من الاخبار الصحيحة في ذلك.

قال المصنف في المنتهى : لو هرب من العدو أو من السبع ، أو من الحريق ، أو من السيل أو ما أشبهه ، بحيث لا يمكنه التخلص بدون الهرب ، فله ان يصلى صلاة شدة الخوف في حال هربه ، سواء خاف على نفسه أو أهله أو ماله.

ومعلوم ان صلاة شدة الخوف مقصورة ، على انه قال قبله : قال بعض علمائنا : التقصير في عدد الركعات انما يكون في صلاة الخوف من العدو ، أو السفر ، واما غير هما فلا ، فالخائف من السبع وشبهه يتيمم عنده ، وفيه تردد ، وفي الواقع موضع التردد ، لعدم دليل قوي إلا صحيحة زرارة ، مع عدم التصريح فيها بالعموم ، واحتمال كون المراد خوف العدو ، فإنه متعارف ومتداول : وعدم صراحة قوله (يصلى صلاة المواقفة) في تقصير العدد. والتردد ، في المال أكثر ، فإنه يبعد صيرورته سببا لذلك ، مع انه ما صرح به غير المصنف على ما رأيت مع تردده فيه ، وفي أعظم منه ، الا ان يقيد بالمال الذي يخاف بهلاكه هلاك النفس.

ونقل عن بعض الأصحاب لا قصر مع الخوف بدون السفر أصلا ، كأنه يجعله من خصائصه صلى الله عليه وآله ، هذا إذا لم يكن صلى الله عليه وآله حال نزولها مقصرا.

والبعض الأخر يقول : ان صليت جماعة قصرت ، والا فلا ، فنظر الى ان التأسي مخصوص بما فعله (ص) وما فعل القصر في الخوف إلا جماعة.

وقد عرفت دليل غيره ، وان خصوصية الجماعة غير معلوم المدخلية ، ولا يبعد كونه رخصة في الخوف فقط ، فيتخير ، فيمكن الاحتياط ، ولكن غير معلوم ان القائل به ، يقول به ، بل ظاهره انه عزيمة.

__________________

(١) الوسائل باب (٣) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ٨

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن ان يكون المراد بالخوف الموجب : انه مع الاشتغال بالصلاة على التمام. يخاف الهلاك من العدو وغيره ، كما يفهم من ظاهر الخوف ، وفعله (ص) وقول المصنف ، ما يتخلص الا بالهرب.

فالجالس في موضع خائفا من عدو ـ مع أمنه من الهجوم عليه لمانع ، كعدم علم العدو بموضع الخائف ، وغير ذلك ، وأمثاله ـ لا يكون داخلا تحته ، للأصل ، وعدم ذكر الأصحاب نحوه ، ولانه يلزم ذلك في أكثر المواضع المشتملة على خوف ما.

وبالجملة : الظاهر ان وجوب التمام ثابت ، حتى يثبت القصر ، ففي موضع ثبت انه موجب ، يجب والا فلا ، ولو كان موجبا في الواقع ، لكون الجهل عذرا ، خصوصا في التمام موضع القصر ، فإنه عذر إجماعا في الواضح ، فكيف في مثل الخفي ، فكأنه مخلص جيد.

الثاني : ان القصر مختص بحذف الأخيرتين من الرباعية ، وان دلت رواية صحيحة في التهذيب والفقيه على ان قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) الآية) في تقصير ثان من الركعتين إلى واحدة (١) ونقلها في الفقيه عن محمد بن الحسن كأنه ابن الوليد : يقول رويت انه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل ، (وَإِذا ضَرَبْتُمْ) الآية)؟ فقال : هذا تقصير ثان ، وهو ان يرد الرجل الركعتين إلى ركعة (٢)

ويمكن حملها على التقية ، لنقل الإجماع على عدمه عندنا ، ونقل الخلاف عن العامة في المنتهى ، وحملهما على انهما مع الإمام ركعة ، فإن كل طائفة يصلى معه ركعة ، فكأنهما مقصورتان.

والظاهر عدم الخلاف في الثلاثة ، وعدم تقصيرها كما.

الثالث : في كيفية صلاة الخوف :

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ٢

(٢) الفقيه باب (٣٥) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة والموافقة والمسايفة حديث : ٧ وفي الفقيه هكذا (وسمعت شيخنا محمد بن الحسن رض يقول : رويت إلخ) ثم قال : ورواه حريز عن أبي عبد الله عليه السلام.

٣٤٥

وشروط صلاة ذات الرقاع. كون الخصم في خلاف جهة القبلة ، وان يكون ذا قوة يخاف هجومه ، وان يكون في المسلمين كثرة يمكنهم الافتراق طائفتين يقاوم كل فرقة العدو ، وعدم احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين : وهي مقصورة سفرا وحضرا جماعة وفرادى : ويصلى الإمام بالطائفة الأولى ركعة والثانية تحرسهم عن العدو ، ثم يقوم إلى الثانية ، ويطول القراءة ، فيتم الجماعة ، و (ثم خ) يمضون الى موقف أصحابهم ، وتجي‌ء الطائفة الثانية فيكبرون للافتتاح ، ثم يركع بهم ويسجد ويطيل تشهده فيتمون ، ويسلم بهم : وفي الثلاثية يتخير بين ان يصلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ، وبالعكس : ويجب أخذ السلاح ، الا ان يمنع شيئا من الواجبات فيجوز مع الضرورة ، والنجاسة غير مانعة.

______________________________________________________

وهي قسمان : الأول صلاة الخوف مع الأمن في الجملة ، وهو ما لم يصل الى المطاردة والمسايفة ، والاضطرار ، وهي أنواع.

الأول : صلاة ذات الرقاع التي ذكرها المصنف هنا وغيره ، مع شروطها المشهورة الأربعة المذكورة في المتن.

والظاهر انها شروط لما كانت في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم وصلاها لا مطلقا ، إذ الظاهر جواز مثلها مع الأمن أيضا ، وبدون تلك الشرائط ، إذ لا مخالفة فيها الا بانفراد المأموم وقد مر جوازه ، وليس حكم الايتمام باقيا ، كيف ويقرؤن ، والظاهر انهم ينوون الانفراد ، إذ (أو خ ل) يلزمهم ، نعم انه باق صورة ، لأجل حصول الثواب عناية من الله تعالى حيث يفارقون الامام لخوف الاعداء ، ولحفظ بيضة الإسلام وبانتظار الإمام ، فإنه يطول في القراءة مثلا ليلحق ، الجماعة الثانية.

ولا اقتداء للقائم بالجالس في الطائفة الثانية حقيقة ، فإنه لم يبق الايتمام حقيقة على ما فهمت ، بل ينتظر الامام ليسلم معهم ، ليفوزوا بثواب الجماعة في الركعتين

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

معا ، كالأولى ، ولهذا قال في المنتهى لو صلى صلاة الخوف في الأمن ، قال في المبسوط صحت صلاة الامام والمأموم ، وان تركوا الأفضل ، من حيث فارقوا الامام ، سواء كان كصلاة ذات الرقاع ، أو صلاة عسفان ، أو بطن النخل إلى آخره.

واما دليلها ، فالاية والاخبار المعتبرة تركناها لطولها ، مع عدم الحاجة إليه.

ثم الظاهر وجوب أخذ السلاح على المصلية (١) لظاهر الأمر من غير معارض ، فغير المصلية بالطريق الأولى ، فتأمل. ويحتمل الاختصاص.

وانه لو خالف لم تبطل الصلاة ، وانه على تقدير منع الواجبات ، لا يجب ، بل لا يجوز على الظاهر الا مع الضرورة والاحتياج إلى أخذه ، فيجوز ، بل يجب.

وان النجاسة لا تمنع من الأخذ الا على القول بعدم العفو عما لا يتم مطلقا ، فإنه يحتمل عنده المنع من أخذ السلاح النجس.

فرع

قد اتفق علمائنا على التخيير للإمام ، بين ان يصلى في المغرب الركعتين بالأولى وواحدة بالثانية ، وبين العكس ، للإجماع ، فالروايتان المعتبرتان الصريحتان في كل واحدة (٢) حملتا على التخيير ، وهو جمع حسن.

الثاني : صلاة عسفان المشهورة ، قال في المنتهى ـ بعد نقل الاخبار عليها من طرقهم (٣) فقط ـ قال الشيخ : ولو صلى كما صلى النبي صلى الله عليه وآله بعسفان جاز ، ونحن نتوقف في ذلك ، لعدم ثبوت النقل عندنا عن أهل البيت عليهم السلام بذلك.

__________________

(١) اى على الطائفة المصلية

(٢) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤

(٣) سنن النسائي ج (٣) كتاب صلاة الخوف ، وسنن ابى داود ، ج (٢) حديث : ١٢٣٦ ولفظ الحديث (عن ابى عياش الزرقي ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر ، فقال المشركون لقد أصبنا غرة ، لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة فنزلت آية القصر الحديث)

٣٤٧

واما شدة الخوف ، بان ينتهى الحال إلى المسايفة ، أو المعانقة ، فيصلون فرادى كيف ما أمكنهم ، ويستقبلون مع المكنة ، والا فبالتكبيرة ، وإلا سقط ، ويجوز راكبا مع الضرورة ، ويسجد على قربوس سرجه ، ولو عجز صلى بالتسبيح عوض كل ركعة «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» وهو يجزى عن جميع الافعال والأذكار.

______________________________________________________

والتوقف في محله ، بل يمكن عدم التوقف في عدم الجواز مع الأمن ، ومع الخوف المقتضى فمحتمل ، ولا ينافي توقفه ما نقلنا ، عنه سابقا ، لانه منقول عن المبسوط من غير فتوى به.

الثالث : صلاة بطن النخل المعلوم جوازها خوفا وأمنا ، فإنها معادة له صلى الله عليه وآله لتحصيل الثواب للجماعة الثانية ويمكن الاستدلال بها على جواز الإعادة لمن صلى جماعة ، بأن يكون اماما كما مر (١).

الثاني : صلاة المطاردة والمسايفة ، وشدة الخوف : فإذا اشتد الخوف والتحم القتال ، وانتهى الحال إلى المسايفة ، ويصلى بحسب الإمكان قائما وماشيا وراكبا مستقبل القبلة ، ومستدبرها ، مع القراءة والركوع والسجود ان أمكن ، والا فبالإيماء إلى القبلة ان أمكن ولو بالتكبير ، والا سقط ذلك أيضا ، وبالجملة يراعى ما أمكن من الشروط والأفعال.

فان لم يتمكن الا من التكبرة ، فيفعل (مع خ) تلك عوضا عن كل ركعة ، صورتها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، مع القتل والقتال ، والا تؤخر الصلاة عن وقتها ، قال في المنتهى : ذهب إليه علمائنا اجمع ، وهو قول أكثر

__________________

(١) جامع احاديث الشيعة ، باب (٢) من أبواب صلاة الخوف رقم ١٣ ولفظه هكذا (المبسوط : وإذا كان بالمسلمين كثرة يمكن ان يفترقوا فرقتين وكل فرقة تقاوم العدو جاز ان يصلى بالفرقة الأولى ركعتين ويسلم بهم ، ثم يصلى بالطائفة الأخرى ويكون نفلا له ، وهي فرض للطائفة الثانية ويسلم بهم ، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وآله ببطن النخل وروى ذلك الحسن عن أبي بكرة ان النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم هكذا صلى)

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أهل العلم ، ويدل عليه آية (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) (١) ورجال جمع راجل ، كصاحب وصحاب ، والاخبار الكثيرة ، مثل صحيحة زرارة وفضيل ، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال : فإنه يصلى كل انسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه ، فإذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال ، فإن أمير المؤمنين عليه السلام ليلة صفين ، وهي ليلة الهرير ، لم تكن صلى بهم (صلاتهم كا) الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير (التكبير كا) والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة (٢)

لعل الأصحاب ، منها فهموا ان المراد كانوا ينوون ويكبرون ، ثم يقولون ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر بدل كل ركعة حتى التشهد والتسليم أيضا مع عدم الإمكان ، وفيه تأمل.

واما على تقدير الإمكان ، فلا بد من فعل ما أمكن من الواجبات ، ولا خصوصية بالتشهد والتسليم.

ويمكن فهم التسبيحات الأربع منها مع عدم الترتيب ، فكأنه مأخوذ من غيرها ، فتأمل.

واما النية : فكأنها مأخوذة من دليلها ، وانها لا معنى لسقوطها ، والظاهر انه إذا أمكن التسبيحات تكون النية وتكبيرة الإحرام كذلك وصحيحة الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صلاة الزحف على الظهر ، إيماء برأسك ، وتكبير ، والمسايفة تكبير مع إيماء ، والمطاردة إيماء ، يصلى كل رجل على حياله (٤) وفيها تأمل ، و

__________________

(١) البقرة : ٢٣٩

(٢) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ٨

(٣) عطف على قوله : قبل أسطر (مثل صحيحة زرارة) وكذا قوله فيما بعد (وحسنة محمد بن عذافر)

(٤) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ٢

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

في الفقيه ، والمسايفة تكبير بغير إيماء.

لعل المراد : لو لم يمكن الإيماء بالرأس ، فيكبر مع إيماء بالعين ، وليس إيماء بالرأس ، فكلاهما صحيحان ، واما كون المطاردة إيماء فقط ، لعل معناه : لو لم يقدر على التلفظ بالتكبير ورفع الصوت به فيكبر في نفسه ، ويومي إيماء ، وذلك يكفى ، وكل هذا كناية عن عدم السقوط ، وعدم جواز التأخير ، وانه لا بد من فعل ما أمكن على ما يقتضيه الحال ، فكان ذلك معنى قوله (يصلى كل رجل على حياله (حاله) إذ قد يكون احد قادرا على كثير من واجباتها دون صاحبه ، فكل يعمل ما يقدر عليه.

واما الدعاء في الخبر السابق : فلعله إشارة إلى مندوبات الصلاة ، مثل القنوت والدعاء على الأعداء في تلك الحالة ، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فتكون كناية عن التشهد.

وحسنة محمد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا جالت الخيل ، تضطرب (با ـ يب) السيوف أجزأه تكبيرتان ، فهذا تقصير آخر (١) لعل المراد : عن كل ركعة تكبيرة في الثنائية ، ويكون المراد بالتكبير هو : سبحان الله ، إلخ أو المراد بالتكبيرتين التكبير للإحرام ، والتكبير عوضا عن الركعة ، وهو : سبحان الله ، إلخ.

وكذا حسنة عبد الله بن المغيرة ، قال : سمعت بعض أصحابنا يذكر : ان أقل ما يجزى في حد المسايفة من التكبير ، تكبيرتان لكل صلاة إلا المغرب فان لها ثلاثا (٢) كذا في الكافي ، وهذه في الفقيه حسنة عن عبد الله ابن المغيرة بغير واسطة عن الصادق عليه السلام قال : وفي كتاب عبد الله بن المغيرة : ان الصادق عليه السلام قال : ما يجزى في حد المسايفة من التكبير إلخ (٣)

والحمل الذي ذكرناه بعيد ، فان فهم التسبيحات الأربع من التكبير بعيد

__________________

(١) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ٧

(٢) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الخوف ذيل حديث : ٣

(٣) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ٣

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

جدا ، فيمكن حمله على ظاهره بحيث لو آل الأمر الى عدم الإمكان إلا تكبيرة واحدة عن كل ركعة فيكون كافيا عنها ، ومسقطا للفرض والقضاء ، كما هو الظاهر ، الله يعلم.

والصحيحتان المتقدمتان (١) وصحيحة على بن جعفر ـ سأل أخاه موسى عن الرجل يلقاه السبع وقد حضرت الصلاة فلم يستطع المشي مخافة السبع؟ قال : يستقبل الأسد ويصلى ويومي برأسه إيماء وهو قائم ، وان كان الأسد على غير القبلة (٢) تدلان على ان الخوف من اللص والسبع مثله عن العدو في كيفية الصلاة.

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في صلاة الزحف؟ قال : يكبر ويهلل يقول : الله أكبر ، ويقول الله عز وجل (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) (٣) يدل أيضا على اجزاء التكبير والتهليل فقط ، وذلك غير بعيد لو لم يمكن الا ذلك ، وهو مؤيد لما قلناه من اجزاء التكبيرة الواحدة عن كل ركعة ، ويمكن حمله بعيدا على التسبيحات الأربع كما مر : على ان قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ) الى آخره إشارة إلى فعلها بحسب ما أمكن ، فلا يبعد ما قلناه أولا : فبالجملة فلا بد من الإتيان على ما أمكن. وانه يجزى عن الركعة ، بالتسبيحات الأربع على ما يفهم من كلامهم ، ويفهم من الروايات أقل من ذلك ، فتأمل ، والاحتياط يقتضي فعل ما أمكن ، ولو كان أقل من التسبيحات الأربع ، مع الإعادة ، ويمكن الجماعة ، وان كان القبلة غير متحدة ، لأن جهة كل واحد قبلة له.

واعلم ان المصنف ذكر مرة أخرى : جواز صلاة خوف العدو ، مع كل خوف ، قال في المنتهى : كل أسباب الخوف يجوز معه فعل صلاة الخوف ، وشدة الخوف ، سواء كان من لص أو سبع أو غرق أو حرق لقوله تعالى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ)

__________________

(١) الوسائل باب (٣) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ١ ـ ٢

(٢) الوسائل باب (٣) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ٣

(٣) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث : ١٤

٣٥١

ولو أمن في الأثناء ، أو خاف فيه انتقل في الحالين ،

ولو صلى لظن العدو فظهر الكذب ، أو الحائل اجزء

وخائف السبع والسيل يصلى صلاة شدة الخوف.

______________________________________________________

الآية ، فإنه يدل من حيث المنطوق على خوف العدو ، ومن حيث المفهوم على ما عداه من المخوفات وذكر الروايات المتقدمة وغيرها ، وتركته لعدم الصحة ، فتردده في قول من لا يجوز القصر الا مع خوف العدو كما مر ، مع التصريح بالجواز ، محل التردد ، ولعل مراده من التردد في كلامه ، ضعفه ، كأنه بمنزلة قوله ، فيه ضعف ونظر وتأمل ، فتأمل.

وأيضا ان صلاة ذات الرقاع وغيرها ، غير لازم ، بل فرد واحد منها اختير في تلك الحالة ، فليست بمتعينة مع الشرائط ، بل يجوز الانفراد ، ونوع أخر لو أمكن الحفظ عن العدو.

وانه يفهم كمال المبالغة في الجماعة حيث ما تركت في تلك الحالة ، مع ارتكاب بعض الأمور الغير المتعارفة خصوصا في الصلاة بعسفان.

واما الاهتمام بحال الصلاة فمعلوم ، بحيث لا يمكن المبالغة أكثر من ذلك ، ويعلم من حال المريض أيضا في الجملة.

قوله : «ولو أمن في الأثناء إلخ» دليله واضح ، وقد مر مثله في المريض.

قوله : «ولو صلى لظن العدو إلخ» دليل الاجزاء ، ان الإتيان بالمأمور به على وجه الأمر به ـ دليل الاجزاء ، وقد ثبت في الأصول ، ولا شك انه كان مأمورا بسبب ظنه بصلاة الخوف ، وقد صلى ، ولا يقاس بظن الطهارة ، فإنه ثبت شرطيتها مطلقا ، بدليل ، ولا فرق بين بقاء الوقت وعدمه ، ولا يبعد كون الإعادة أحوط.

قوله : «وخائف السبع إلخ»

قد مر شرحه ودليله ، وقد الحق بها جميع أنواع الخوف ، عي ما مرت إليه الإشارة في كلامه في المنتهى.

قال في الشرح : والحق بمن ذكر ، الأسير في أيدي المشركين الخائف لإظهار الصلاة : والمديون المعسر ، لو خاف الحبس وهرب مع عجزه عن إثبات الإعسار : و

٣٥٢

والموتحل والغريق يصليان بالإيماء مع العجز ، ولا يقصران إلا في سفر أو خوف.

______________________________________________________

المدافع عن ماله ، لاشتراك الجميع في الخوف والحكم في الآية ، وبعض الاخبار معلق عليه (١) على الظاهر على ما مر.

وفيه تأمل ، لأن الأصل عدم القصر وعلية الخوف مطلقا غير ظاهرة من الآية والاخبار ، نعم لا شك في قصر الكيفية ، فإنها تصلي حينئذ بحسب الإمكان.

قوله : «والموتحل والغريق إلخ» كونهما مكلفين بحسب الإمكان معلوم بالعقل والنقل ، ولكن ما نعلم الاكتفاء بأي شي‌ء ، هل يكفى لهما مثل ما يكفي للخائف عن العدو حين الاضطرار ، مثل انه كان يكفيه عن الركعة ، النية مع التكبير والتسبيحات الأربع ، فهل يكفى ذلك لهما ، أم يسقط الأداء حينئذ ، أو يكفي لهما أقل منه أيضا حتى النية والتكبير وبعض التسبيح كما مر في الخائف ، بل أدون (متابعة خ) منه أيضا حتى النية والتكبير ، أو يسقط ، وكذا الخائف.

وعلى تقدير الفعل ، هل يجب القضاء أم لا.

والظاهر الاكتفاء بما يكفي للخائف ، لأنه قد علم أنها صلاة في الجملة ، وهي لا تسقط مع الإمكان ، والفرض إمكانها ، واما الأقل ، فالظاهر العدم ، إذ لم يعلم كونه صلاة ، وتجب عليه الصلاة لا غير ، والظاهر القضاء حينئذ لصدق الفوت ، فتأمل ، فتجب القراءة والإيماء والصلاة تاما مع الإمكان ، والا تسقط الكيفية فيأتي بما يمكنه مما مر ، فلا يقصر ان في العدد ، الا مع خوف الهلاك مع إتمام الصلاة ، أو السفر ، إذ لا سبب للقصر إلا أحدهما.

والظاهر انه لا قضاء حينئذ لصدق الخوف الذي هو الموجب للقصر فرضا ، وكون الأمر موجبا للاجزاء وسقوط القضاء ، ولا شك انه اولى لهما مما مر من المعتبر وغيره ، والعجب من الشارح وغيره انه جوز لهما القصر مع الخوف ، وتردد في سقوط

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة فراجع.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

القضاء حينئذ مع عدمه (١) في المدافع عن المال ، والمديون المعسر وغيرهما ، مع ان الأمر بالقصر موجب للاجزاء على ما مر ، مع انه قال بعد ذلك.

والحاصل ان علّيّة مطلق الخوف ، توجب تطرق القصر الى كل خائف.

ووجهه غير واضح ، إذ لا دليل عليه ، والوقوف مع المنصوص عليه أوضح ، وبالجملة ينبغي التردد في القصر ، لا في سقوط القضاء بعد تجويز القصر.

وان جواز القصر للمديون المعسر الخائف عن الحبس ونحوه بعيد. إذ المتبادر من الخوف غير ذلك فتأمل.

وكذا دليله على جواز القصر لهما : وهو انه لا شك في سقوطها بالكلية إذا كانت النجاة موقوفة عليه ، فالقصر بالطريق الأولى إذا كانت النجاة موقوفة عليه.

ووجه التأمل ان جواز السقوط لا يستلزم القصر ، لأنها عبادة خاصة لا يلزم مشروعيتها من جواز سقوطها لعذر كما في عدم المطهر ، ولانه لا تجوز الثلاثة ولا واحدة مع السقوط عند خوف الهلاك.

وكذا عدم قصر الثلاثية والثنائية ، وهو ظاهر.

وكذا المريض لو لم يمكنه التمام لم يجز له القصر ، بل يصلى تماما ، ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله وقدرته باقيين في الجملة ، فلو لم يتمكن من القيام بالكلية يقعد ، ولو عجز عنه أيضا بالكلية يصلى مضطجعا على اليمين أو اليسار ومستلقيا على حسب الإمكان ورعاية الأولى ، فكذا في الكيفيات والافعال ، مثل الركوع والسجود ، وقد أشير إليها في الروايات ، قال عليه السلام : المريض يصلى قائما فان لم يقدر على ذلك صلى جالسا ، فان لم يقدر ان يصلى جالسا صلى مستلقيا يكبر ثم يقرء ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم سبح ، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد ان يسجد غمض عينيه ثم سبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون

__________________

(١) اى مع عدم القضاء

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف (١) وفيه دلالة على عدم وجوب السلام ، ويمكن أولوية الاضطجاع على الاستلقاء ، لخبر أبي حمزة كأنه الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ» (٢) قال : الصحيح يصلى قائما (وَقُعُوداً) المريض يصلى جالسا (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلى جالسا (٣) وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المريض إذا لم يقدر ان يصلى قاعدا كيف قدر صلى ، اما ان يوجه فيومئ إيماء ، وقال يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على (جانبه خ) جنبه الأيمن ثم يومي بالصلاة ، فان لم يقدران ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز ، وليستقبل بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء (٤)

فرعان : الأول : لو لم يتمكن المريض الأمن الركعتين فالظاهر السقوط ، لعدم الدليل على القصر ، وحصره في السفر والخوف : ولو فرض التمكن على صلاة شدة المطاردة فقط ، هل تسقط أم تجب تلك؟ وتسقط بها الفريضة ، ولا استبعد ذلك كما قلناه في الموتحل والغريق ، وما اذكر كلام الأصحاب في ذلك.

الثاني : لو لم يتمكن من القيام أو الجلوس الا بالاعتماد ، فالظاهر وجوبه ، وقالوا بعدم جوازه اختيارا ، وقد مرت أخبار كثيرة دالة على الجواز اختيارا ، وبعضها صحيحة ، وما يدل على عدمه إلا صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا تمسك بخمرك (٥) وأنت تصلى ، ولا تستند الى جدار الا ان تكون مريضا (٦)

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب القيام حديث : ٣ والحديث مروي عن الصادق عليه السلام

(٢) آل عمران : ١٩١

(٣) الوسائل باب (١) من أبواب القيام حديث : ١

(٤) الوسائل باب (١) من أبواب القيام حديث : ١٠

(٥) والخمر بالتحريك ما واراك من خزف أو جبل أو شجر ، ومنه قوله عليه السلام : لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ، أي لا تستند إليه في صلاتك مجمع البحرين

(٦) الوسائل باب (١٠) من أبواب القيام حديث : ٢

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وان قال العلامة في المنتهى انها صحيحة ، الا ان فيه النضر عن ابن سنان (١) ، فيحتمل غير ابن سويد ، وغير عبد الله ، وان كان الظاهر ذلك ، الا ان مثله موجب للنقص ، ولرجحان الغير عليه.

وظاهر أيضا في الكراهة ، لأن الإمساك غير حرام ، فيكون مكروها ، ففيها جمع بينها وبين غيرها من الروايات الكثيرة : مثل صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن الرجل هل يصلح له ان يستند الى حاء المسجد وهو يصلى ، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال : لا بأس (٢) وقول أبي عبد الله عليه السلام في أخرى : في التكائة في الصلاة على الحائط يمينا وشمالا؟ فقال : لا بأس (٣) وفي أخرى لا بأس بالتوكي على العصا والحائط فيها (٤) مؤيدا بالأصل ، وهو اولى من حمل الاستناد في تلك الاخبار على مجرد الاتصال من غير اتكاء ، لأن النهي للكراهة كثير جدا ، بخلاف الاتكاء بذلك المعنى ، وكذا حملها على النافلة لكثرتها مع موافقته للأصل ، والتصريح في البعض بالمفروضة ، الا ان الأحوط ذلك مع الشهرة العظيمة ، وقد مر أكثر هذه الأبحاث.

وقد مر رفع شي‌ء ليسجد عليه أيضا لو أمكن (٥) وغير ذلك لحصول الخفة والعكس.

ومعلوم أيضا حد المرض المانع من الأفعال التامة ، وانه منوط بعلم المريض و

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (احمد بن محمد ، عن النضر ، عن ابن سنان)

(٢) الوسائل باب (١٠) من أبواب القيام قطعة من حديث : ١

(٣) الوسائل باب (١٠) من أبواب القيام حديث : ٣

(٤) الوسائل باب (١٠) من أبواب القيام حديث : ٤ ولفظ الحديث عن ابى عبد الله عليه السلام ، قال سألته عن الرجل يصلى متوكئا على عصا ، أو على الحائط؟ (قال : عليه السلام لا بأس بالتوكأ على عصا والاتكاء على الحائط)

(٥) الوسائل راجع حديث : ١ من باب (١٥) من أبواب ما يسجد عليه ، وباب (١) من أبواب القيام حديث : ٦ وفيه (وان كان له من يرفع الخمرة فليسجد) وباب (٢٠) من أبواب السجود.

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قدرته ، كما قيل في غير هذه الحال مثل الصوم ، ودل عليه العقل والنقل (١) قيل :

يستحب إذا صلى جالسا ان يجلس متربعا كما مر في الخبر الدال على التربيع (٢) انه يفيد العموم.

وكذا جميع المضطرين يصلون على ما تمكنوا منها ، مثل الأسير في يد المشركين يصلى إيماء كما في الرواية (٣) ومن في السفينة ، فإنه لا بأس بالصلاة فيها إذا تمكن من الأفعال تامة ، فإنها مثل الأرض ، وإذا لم يتمكن منها ويكون مضطرا فيها يصلى على ما أمكن كما مر ودل عليه العقل والنقل (٤)

والبحث في اجزاء صلاة شدة الخوف مع عدم التمكن من غيرها بدونه مثل ما مر.

وانه قد دلت الروايات على عدم البأس بالصلاة جماعة في السفن (٥) وبعضها صحيحة ، ويدل على كمال الاهتمام بها ، ولكن لا بد من مراعاة شروطها : من عدم تقدم المأموم ، وبعده حينئذ.

قال في المنتهى يجوز له (اى للمريض) ان يصلى بالإيماء ، النوافل ، وان تمكن من الإتيان بكمال الركوع والسجود ، لان التشديد فيها ليس كالتشديد في الفرائض.

وهذا يدل على عدم اشتراط القيام واستيفاء سائر الأفعال فيها كما مرت إليه الإشارة ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب (٦) من أبواب القيام حديث : ١ ـ ٢

(٢) الوسائل باب (١١) من أبواب القيام حديث : ٢ ـ ٣ ـ ٤ وفيه (عن حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال : كان أبي إذا صلى جالسا تربع اه)

(٣) الوسائل باب (٥) من أبواب صلاة الخوف والمطاردة فراجع

(٤) الوسائل باب (١٤) من أبواب القيام فراجع

(٥) الوسائل باب (٧٣) من أبواب صلاة الجماعة فراجع

٣٥٧

المقصد الرابع : في صلاة السفر

يجب التقصير في الرباعية خاصة بستة شروط الأول المسافة : وهي ثمانية فراسخ ، أو أربعة لمن رجع من يومه.

______________________________________________________

قوله : «يجب التقصير في الرباعية إلخ» الظاهر انه لا خلاف في اختصاص القصر بالأخيرتين من الرباعية ، ويدل عليه أخبار كثيرة مثل صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الصلاة في السفر ركعتان ، ليس قبلهما ولا بعدهما شي‌ء إلا المغرب ثلاث (١)

وانما الخلاف في الشرائط.

الأول : في تعيين المسافة : ولا خلاف أيضا في وجوبه عينا في مسيرة يوم وثمانية فراسخ.

ويدل على تعيين المسافة صحيحة عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في التقصير في الصلاة؟ قال : بريد في بريد أربعة و

__________________

(١) الوسائل باب (٢١) من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٣ وأورده أيضا في باب (١٦) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عشرون ميلا (١) وصحيحة أبي أيوب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التقصير؟ قال : فقال : في بريدين أو بياض يوم (٢) وصحيحة على بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يخرج في سفره وهو في مسيرة يوم قال : يجب عليه التقصير في مسيرة يوم ، وان كان يدور في عمله (٣) وغيرها من الاخبار :

وهي تدل على الحتم ، وبعض الروايات أيضا مثل ما روى ، انه صدقة تصدق بها الله عليكم ، فاقبلوا صدقته (٤)

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم انهما قالا ، قلنا لأبي جعفر عليه السلام : ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ فقال : ان الله عز وجل يقول (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (٥) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر ، قالا : قلنا انما قال الله عز وجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ولم يقل : افعلوا ، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال عليه السلام أو ليس قد قال الله تعالى «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ. فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» (٦) الا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض ، لان الله عز وجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه عليه السلام ، وكذلك التقصير في السفر شي‌ء صنعه النبي صلى الله عليه وآله و

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر قطعة من حديث : ٣

(٢) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧

(٣) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٦

(٤) الوسائل باب (٢٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧ ولفظ الحديث (قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله عز وجل تصدق على مرضى أمتي ومسافر بها بالتقصير والإفطار ، أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة ان ترد عليه)

(٥) النساء : ١٠١

(٦) البقرة : ١٥٨

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكره الله تعالى ذكره ، في كتابه ، قالا : قلنا له : فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال : ان كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد ، وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه (١)

والصلاة كلها في السفر. الفريضة ركعتان كل صلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر والحضر ثلاث ركعات ، وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ذي خشب (٢) وهي مسيرة يوم من المدينة ، يكون إليها بريد ان أربعة وعشرون ميلا فقصر وأفطر فصارت سنة ، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوما صاموا حين أفطر العصاة ، قال : فهم العصاة إلى يوم القيامة ، وانا لنعرف أبنائهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا (٣).

وفيها أحكام كثيرة : مثل كون افعل للوجوب ، لفهم زرارة ومحمد وهما من أهل اللسان ، مع تقريره عليه السلام لهم ، ومعذورية الجاهل ، وحتمية القصر ، والسعي ، وغيرها ، فافهم.

وفي الآية أيضا دلالة على القصر في ثمانية فراسخ ، إذ يصدق على المسافر ثمانية فراسخ ، انه ضارب في الأرض ، وانه مسافر.

وانما الخلاف في ان المقدار المذكور : هل هو حد مسافة القصر ، أو يوجد فيما دونها أيضا إذا كان اربع فراسخ. وأكثر المتأخرين على ان الموجب هو الثمانية وبياض يوم ، أو الأربع أيضا على تقدير قصد الرجوع ليومه ، ولا يجوز في غيرهما ، وهو مذهب السيد وابن إدريس ، ونقل في المختلف عن الشيخ التخيير مع عدم قصد الرجوع في قصر الصلاة فقط ، وعن المفيد رحمه الله حينئذ التخيير فيها وفي الصوم أيضا ، وعن

__________________

(١) الوسائل باب (٢٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢ وأورد ذيله في باب (١٧) من هذا الأبواب حديث : ٤

(٢) النهاية لابن الأثير ، (باب الخاء مع الشين) قال (وفيه ذكر خشب ، بضمتين وهو واد على مسيرة ليلة من المدينة ، له ذكر كثير في الحديث والمغازي ويقال ذو خشب ، انتهى

(٣) الوسائل باب (٢٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥

٣٦٠