مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

ويكره ان يأتم حاضر بمسافر

______________________________________________________

وما روى في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ما كان من امام تقدم في الصلاة وهو جنب ناسيا ، أو أحدث حدثا ، أو رعف رعافا ، أو أذى في بطنه ، فليجعل ثوبه على انفه ثم لينصرف ، وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه ثم ليتوضأ وليتم ما سبقه به من الصلاة ، وان كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها (١)

فيه دلالة على نجاسة دم الرعاف ومانعيته عن الصلاة وغير ذلك ، فافهم.

قال في المنتهى : يستحب ان يستنيب الامام من شهد الإقامة ، لما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إذا أحدث الامام وهو في الصلاة لم ينبغ ان يقدّم الا من شهدا لإقامة (٢).

قوله : «ويكره ان يأتم حاضر بمسافر إلخ» ودليلها رواية الفضل ، وستأتي.

وكذا يكره ان يأتم مسافر بحاضر ، ودليلها صحيحة أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام لا يصلى المسافر مع المقيم ، فان صلى فلينصرف في الركعتين (٣)

ودليل الجواز فقط صحيحة حماد بن عثمان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسافر يصلى خلف المقيم؟ قال : يصلى ركعتين ويمضى حيث شاء (٤)

ورواية محمد بن على (كأنه الحلبي) أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين؟ قال : فليصل صلاته ثم يسلم ، وليجعل الأخيرتين سبحة (٥)

لعل المراد ان يصلى الركعتين الأخيرتين مع الامام على الظاهر ، ويقرء لنفسه بنية الندب.

__________________

(١) الوسائل باب (٧٢) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٤١) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

(٣) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣

(٤) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

(٥) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وسندها لا بأس به ، لان الظاهر ان ليس فيه من فيه قول ، الا الحسن بن على بن فضال. (١)

ويدل على الكراهة من الجانبين ، رواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يؤم الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلى بشي‌ء من ذلك فأم قوما حضريين فإذا أتم الركعتين سلم ، ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم ، وإذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم ، وان صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر (٢)

وسنده ليس فيه من فيه ، الا داود بن الحصين ، (٣) وثقة النجاشي ، وقال الشيخ انه واقفي ، فكأنه واقفي ثقة ، فهي موثقة على هذا.

وفيها دلالة على جواز الاقتداء في العصر بالظهر ، لان معنى قوله : يجعل (الأخيرتين عصرا) انه سلم بعد الركعتين الأولتين ويستأنف آخرتين ، مقتديا بها للعصر.

وان الكراهة منسوبة الى الامام ، مع كون الجماعة حضورا. وبالعكس ، فليس بمعلوم تعديتها الى الغير ، وظاهر المتن كون الكراهة للمأموم ، وكلام الأصحاب أيضا يفيده ، وليس ببعيد.

وفي صحيحة عبد الله بن مسكان ومحمد بن نعمان الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا دخل المسافر مع اقوام حاضرين في صلاتهم ، فان كانت الاولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين ، وان كانت العصر فليجعل الأولتين

__________________

(١) وسنده كما في التهذيب (سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن الحسن بن على بن فضال ، عن أبي المعزى حميد بن المثنى ، عن عمران عن محمد بن على)

(٢) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦

(٣) سنده كما في التهذيب (سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن احمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن الحصين ، عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك)

٢٦٢

واستنابة المسبوق

وامامة الأجذم والأبرص

والمحدود بعد توبته

______________________________________________________

نافلة والأخيرتين فريضة (١) لعل السر في ذلك جواز جعل الأخيرتين عصرا أو نافلة في الصلاة الاولى وعدم حسن ذلك في العصر ، لانه يلزم جعل الأخيرتين نافلة ، وقد تكره النافلة بعد العصر ، قد أشار إليه الشيخ في التهذيب (٢) فتأمل.

وقد مر دليل كراهة استنابة المسبوق.

وكذا الكلام في الأجذم والأبرص في صلاة الجمعة.

ويدل على الجواز رواية عبد الله بن يزيد (المجهول) قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين؟ قال : نعم ، قلت : وهل يبتلى الله بهما المؤمن؟ قال : نعم ، وهل كتب الله البلاء الا على المؤمن (٣)

وعموم أخبار الجماعة ، والشرائط يدل على الجواز مع الأصل ، فتأمل ، وقد منع منها في حسنتي زرارة وأبي بصير (٤) وقد تقدمتا ، وكان الثانية صحيحة كما قال في المنتهى ، فتأمل.

واما كراهة إمامة المحدود بعد التوبة (وفيه إشارة إلى عود العدالة بمجردها) فقيل للنهى عن ذلك في الخبر (٥) الدال على النهي عن امامة المحدود ، وظاهره التحريم ، فلا يبعد كون المراد قبل التوبة ، فتبقى الكراهة بلا دليل.

__________________

(١) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤

(٢) قال الشيخ رحمه الله في التهذيب ما هذا لفظه : وفقه هذا الحديث انه انما قال : ان كانت الظهر فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين ، لأنه متى فعل ذلك جاز له ان يجعل الركعتين الأخيرتين صلاة العصر وإذا كانت صلاة العصر انما يجعل الركعتين الأخيرتين صلاته ، لانه يكره الصلاة بعد صلاة العصر الا على جهة القضاء ومن صلى على ما قلناه لم يبق عليه شي‌ء ويحتسب به من النوافل.

(٣) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٤) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦ ـ ٥

(٥) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣

٢٦٣

والأغلف.

ومن يكرهه المأموم.

______________________________________________________

وسقوط محله عن القلوب.

وظاهر الخبر اختصاص الكراهة بالإمامة ، ولا يبعد كون المأمومية كذلك.

واما الأغلف ـ والظاهر ان المراد مع عدم وجوب الختان عليه ، بان يكون متعذرا ، ويستضر به ـ فكان دليلها النقص الموجود ، فتأمل ، فإنه لا يدل عليها شرعا.

واما الرواية : فالظاهر انها فيمن ترك مع الوجوب مع ضعف السند وهي في التهذيب مسندا عن على عليه السلام قال : الأغلف لا يؤم القوم وان كان اقرءهم ، لانه ضيع من السنة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلى عليه الا ان يكون ترك ذلك خوفا على نفسه (١)

فالكراهة غير واضحة الدليل ، والاجتناب أحوط ، وفي الخبر مبالغة زائدة ، فكأنه محمول على المستحل ، مع ثبوت كونه من الدين ضرورة.

وقال الشارح : ولو قدر وأهمل فهو فاسق ولا تصح صلاته بدونه ، وان كان منفردا.

لعل عدم الصحة للإجماع ، ويبعد كونه لنجاسة الجلدة ، لأنها في حكم المنفصل لوجوب قطعها ، أو عدم طهارتها مما يصل إليها من البول : لان وجوب القطع ، يقطعها ، ولا ينجس حتى يقطع ، وعدم الطهارة غير معلوم.

واما من يكرهه المأمومون : فدليل كراهة إمامته : الرواية : بأن ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم ، وعد منهم : من أم قوما وهم له كارهون (٢)

__________________

(١) الوسائل باب (١٣) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٢) سنن الترمذي ، أبواب الصلاة (٢٦٦) باب ما جاء فيمن أم قوما وهم له كارهون ، حديث (٣٦٠) ولفظ الحديث (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة لا تجاوز صلاتهم أذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وامام قوم وهم له كارهون) وفي معناه ما رواه في الوسائل ، باب (٢٧) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦

٢٦٤

والأعرابي بالمهاجرين

______________________________________________________

كأنها محمولة على الكراهة للضعف ، أو الإجماع.

ويحتمل المخالف : نقل في الشرح عن المصنف في التذكرة ، والأقرب انه ان كان ذا دين يكرهه القوم بذلك ، لم تكره إمامته ، والإثم على من كرهه ، والا كرهت.

واحتمل الكراهة في الأول أيضا حيث يكرهونه ، فلا يفعل لهم الإمامة لعموم الخبر ، ولهذا قيل : خيرة المأمومين مقدم على جميع المرجحات : وفي الخبر المتقدم اشارة اليه.

وقال في المنتهى : ولا يكره امامة من يكرهه المأمومون ، أو أكثرهم ، إذا كان بشرائط الإمامة ، خلافا لبعض العامة ، لنا : يؤمكم اقرئكم : والا ثم انما يتعلق بمن كرهه ، فتأمل.

واما دليل كراهة إمامة الأعرابي للمهاجرين : فلو رود النهي في الخبر الذي فيه النهي عن الأبرص والمجذوم وولد الزنا والمحدود (١) وفي خبر آخر زاد خمسة ، بدل المحدود المجنون (٢) قال في الشرح : واعلم ان الأعرابي هو المنسوب إلى الاعراب وهم سكان البادية كأنه مع كون لسانه عربيا ، على الظاهر ، ويحتمل العموم.

ويحتمل التحريم والكراهة لمقارنته بالنهي المحتمل لهما. ولعل الكراهة أوضح للأصل ، والعموم مع عدم القصور إذا اشتمل على الشرائط.

واختصاص الكراهة بالمهاجرين مذكور في حسنة زرارة (٣) قيل المراد بالمهاجرين في زماننا ، من يسكن الأمصار ، بحيث يكون أقرب الى تحصيل شرائط الإمامة والكمال فيها ، والأعرابي بخلافه فافهم ، فكأنه استخراج معنى مناسب للأصل. فلا تبعد الكراهة في الكل الا ولد الزنا ، فان الظاهر عدم الخلاف فيه ، مع

__________________

(١) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة ، حديث : ٣

(٢) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة ، حديث : ٥

(٣) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦ وفيه (والأعرابي لا يؤم المهاجرين)

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم المعارض ، ولأنه في الخبر ، انه شر الثلاثة (١) وان كان هو أيضا واقعا في حسنة زرارة (٢) ورواية محمد بن مسلم في الفقيه (٣) ورواية أبي بصير (٤)

قال في المنتهى صحيحة أبي بصير ، وكذا في الشرح ، وفيه تأمل ، لوجود ابن مسكان عن أبي بصير في الطريق (٥) الدالة (٦) على النهي عن امامة الأبرص والمجذوم والمجنون وولد الزنا والأعرابي ، ولا يقتضي ذلك حملها على التحريم ، لجواز حملها على عدم الرجحان المطلق ، فيكون النهي للكراهة في غيره ، لما مر ، وعدم ظهور الصحة ، وكون النهي للكراهة كثيرا ، واشتمالهم على الشرائط ، وكونها للكراهة في الأعرابي والمحدود ، وان أمكن فيهما أيضا التحريم ، للحمل على قبل التوبة ، وعدم الصلاحية ولكن يلغوا قوله : (المهاجرين) في حسنة زرارة ، وهي مروية عن أمير المؤمنين عليه السلام في الفقيه مرسلا ، فتأمل.

وكذا يحمل ما رواه في الزيادات مسندا الى أبي الحسن عليه السلام قال : لا يصلى بالناس من في وجهه آثار (٧) وبالجملة أخبار المنع كثيرة واضح سندا ، ومعه الاحتياط.

ويؤيده ان وجوب القراءة بنفسه ثابت حتى يثبت المجوز والمسقط.

مع ان روايات المنع مشتملة على النهي لأمامة ولد الزنا وهو للتحريم ، فتأمل ، ولا يترك الاحتياط.

__________________

(١) مسند احمد بن حنبل ج ٢ ص ٣١١ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وإله) وسلم ولد الزنا اشر الثلاثة)

(٢) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦

(٣) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣

(٤) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥

(٥) سند الحديث كما في الكافي (جماعة ، عن احمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن ابى بصير)

(٦) قوله : (الدالة) صفة للروايات الثلاثة

(٧) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

٢٦٦

والمتيمم بالمتوضئين.

______________________________________________________

مع ان رواية الجواز واحدة وفيه عبد الله بن يزيد ، وهو مجهول لعله غير مذكور في الرجال.

قوله : «والمتيمم بالمتوضئين» دليل الجواز أخبار كثيرة : منها صحيحة محمد بن حمران وجميل في التهذيب ومحمد بن حمران النهدي وجميل بن دراج في الفقيه (والكافي) قالا : قلنا لأبي عبد الله عليه السلام امام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ، أيتوضأ بعضهم ويصلى بهم؟ فقال : لا ، ولكن يتيمم الجنب ويصلى بهم ، فان الله عز وجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (١)

وهذه تكفى ، لأنها صحيحة : مع التعليل الذي موجود في اخبار كثيرة صحيحة ، المفيد عدم الفرق بين الماء والتراب بعد تعذره.

وظاهر رواية جميل عدم الكراهة أيضا ، حتى انه رجح إمامته على امامة المتوضي ، حتى قال : (لا) ، ليظهر الجواز على وجه أحسن ، ولاتصافه بمزيد وصف مرجح لإمامته وكونه اماما لهم.

ففيها دلالة أيضا على عدم التقدم على الامام الراتب وان كان هو متصفا بنقص ما ، مثل كونه متيمما.

واما ما يدل على المنع : فهو خبر عباد بن صهيب (البتري الثقة) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا يصلى المتيمم بقوم متوضئين (٢) ورواية السكوني عن أبي جعفر (٣) عن أبيه عليهم السلام قال : لا يؤم صاحب التيمم المتوضئين (٤) وفي

__________________

(١) الوسائل باب (٢٤) من أبواب التيمم حديث : ٢ مع اختلاف في الألفاظ بين الكتب الثلاثة

(٢) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦

(٣) وفي النسخة التي عندنا من التهذيب ونقله في الوسائل أيضا (عن جعفر عن أبيه) بإسقاط لفظة (أبي) فراجع وعليه فلا إشكال

(٤) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥ ـ ٧

٢٦٧

ولو علم المأموم فسق الإمام أو كفره أو حدثه ، بعد الصلاة ، لم يعد.

______________________________________________________

الكافي روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام (١) وكأنها الاولى ، ولعله حذف في التهذيب والاستبصار ، لأن المتعارف في رواية السكوني ، ما في الكافي.

وحملنا هما على الكراهة مع عدم صحة السند ، فالمصير الى التحريم ـ كما نقله الشارح عن بعض الأصحاب ـ بعيد : ويؤيده ما قال في المنتهى : وما نعرف في الكراهة خلافا ، الا ما حكى عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك :

بل يمكن ان يقال بعدم الكراهة أيضا ، لما مر ، مع عدم صحة ما يدل على المنع ، وأظن ان العمل بالأولى (٢) أولى ، لما عرفت من الاخبار الكثيرة ، ولعله مؤيد بعموم أدلة الجماعة والشرائط ، فلا ينبغي الترك.

نعم لو لم يكن المتيمم راجحا ، ينبغي اختيار المتوضي ، عليه ، للروايتين ، وأولوية الطهارة المائية على الظاهر ، ويحتمل ان يكون مراد المصنف (بالمتوضئين) المتطهرين بالماء مطلقا ، أو ان الغاسل من الجنابة مثلا يقال له المتوضي وان الوضوء حاصل في ضمن الغسل : ولهذا نقل عن بعض الأصحاب جواز التجديد بعد غسل الجنابة ، لأن في ضمنه وضوء ، والتجديد أعم من ان يكون للضمنى وغيره ، أو اختاره : لأنه الأكثر والأغلب ، وهذه الوجوه محتملة في الروايات أيضا ، أو انه يتبع الرواية ، ويحتمل ان يكون له توقفا في كراهة غير ذلك : لاختصاص الدليل به ، والطريق الاولى (٣) غير ظاهرة ، وبالجملة ما أحسن اختيار هذه العبارة ، لما في الرواية.

قوله : «ولو علم المأموم إلخ» اعلم ان أحكام الشرع أكثرها مبنية على الظن ، خصوصا بالنسبة إلى حقوق الله تعالى ، لتعذر العلم ، أو تعسره ، المنفي بعدم

__________________

(١) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥ ـ ٧

(٢) اى الاخبار المجوزة

(٣) أي الحكم بالطريق الاولى في إمامة المتيمم بالمغتسل من تلك الأدلة غير ظاهرة

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ارادة الله تعالى إياه : والحرج والضيق المنفيين عقلا ونقلا.

فلو ظن عدالة امامه على الوجه المعتبر ، وكذا طهارته ـ ولو بمجرد انه يصلى ، والظاهر من حال المؤمن العدل ، انه لا يصلى الا مع الطهارة ، والأصل عدم النسيان ، والظاهر انه لا خلاف في ذلك كله ـ صلى خلفه.

فلو ظهر عدم العدالة بالفسق أو الكفر ، بعد الصلاة ، فالظاهر عدم الإعادة مطلقا ، لأن الأمر الدال على فعلها ، يدل على الاجزاء والصحة ، المسقطين للإعادة ، الا ان يكون هناك دليل ، وللأصل ، ولانه قد يؤدى الى كثرة الإعادة وهي مشقة ، ولانه قد يؤل الى التنفر عن الجماعة ، ولان المعتبر هو العدالة على الظاهر ، لعدم إمكان التكليف بغيرها ، لما مر فيخرج عن العهدة ، ولانه ما ترك من الصلاة ركنا ، بل واجبا أيضا عمدا.

ولما روى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا (به خ) عن أبي عبد الله عليه السلام في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل ، فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي؟ قال : لا يعيدون (١)

وهذه وان كانت مرسلة ، الا انها مرسلة ابن أبي عمير ، وهي في حكم المسند ، خصوصا إذا كانت مؤيدة بما مر ، فالظاهر انها لا ترد حينئذ نعم قد ردها المصنف في موضع المنتهى : لعدم موافقتها للأصل.

قال في الفقيه : وفي كتاب زياد بن مروان القندي ، وفي نوادر محمد بن أبي عمير ان الصادق عليه السلام قال في رجل صلى بقوم من حين خرجوا من خراسان حتى قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني؟ قال : ليس عليهم اعادة (٢)

فالظاهر انه مسند وطريق الفقيه الى محمد بن أبي عمير صحيح.

__________________

(١) الوسائل باب (٣٧) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٢) الوسائل باب (٣٧) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وللشهرة ، حتى ان الظاهر ان ليس المخالف فيه الا السيد.

ويؤيده أيضا عدم الإعادة في الجنب والمحدث ، وفاقد بعض الشرائط الأخر ، مع موافقة السيد فيهما على ما صرح به في المنتهى ، للأخبار الصحيحة ، مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر ، فلا يعلم حتى تنقضي صلاته؟ فقال : يعيد ولا يعيد من صلى خلفه ، وان أعلمهم انه كان على غير طهر (١)

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قوم صلى بهم امامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال (ع) : لا اعادة عليهم تمت صلاتهم ، وعليه هو الإعادة ، وليس عليه ان يعلمهم ، هذا عنه موضوع (٢)

وموثقة عبد الله بن بكير ، قال : سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أمنّا في السفر وهو جنب ، وقد علم ونحن لا نعلم؟ قال : لا بأس (٣) وكونها موثقه ، لعبد الله ، مع انه قد ادعى فيه الإجماع.

ورواية عبد الله بن أبي يعفور ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل أم قوما وهو على غير وضوء؟ فقال : ليس عليهم اعادة ، وعليه هو ان يعيد (٤)

وصحيحة عبيد الله بن على الحلبي في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : في رجل يصلى بالقوم ثم انه يعلم انه قد صلى بهم الى غير القبلة؟ فقال : ليس عليهم إعادة شي‌ء (٥)

وحسنته في الكافي عنه عليه السلام أيضا في الأعمى يؤم القوم وهو على غير

__________________

(١) الوسائل باب (٣٦) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤

(٢) الوسائل باب (٣٦) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥

(٣) الوسائل باب (٣٦) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٨

(٤) الوسائل باب (٣٦) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧

(٥) الوسائل باب (٣٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

٢٧٠

وفي الأثناء يعدل الى الانفراد

وفي الابتداء يعيد صلاته

______________________________________________________

القبلة؟ قال : يعيد ولا يعيدون فإنهم قد تحروا (١).

ولا يبعد كون عدم الإعادة للرخصة ، وانه تجوز الإعادة احتياطا.

وظاهر انه لو ظهرت هذه الأمور في الأثناء يبنى على ما فعل وينفرد.

وانه لو علم المأموم عدمها ، لا يجوز له ان يصلى معه ، ولو كان هو عدلا بحكم الشارع.

ويمكن عدم وجوب الإظهار عليه ، الا مع السؤال والاستشهاد ، فيشهد ما هو يعلم.

وان في بعض هذه الاخبار ، دلالة على التحري في القبلة ، واشتراط الطهارة في الصلاة مطلقا ، وسهولة الأمر في العدالة في الجملة فافهم.

وان لا دلالة هنا على عدم الحكم بالإسلام بالصلاة ، بل الظاهر الحكم حينئذ به ، خصوصا مع سماع التشهد ، الا ان يعلم ما ينافيه ، لقوله (ص) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ، لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا من (منى خ) دمائهم وأموالهم إلا بحقها (٢)

واعلم انه لا دليل يعتد به للسيد على الإعادة سوى ما نقل : انها صلاة تبين فسادها ، وانها منهية خلف الكافر والفاسق.

والمنع ظاهر ، فان الفساد أول المسئلة ، وان النهي مخصوص بالعالم ، قاله في الشرح أيضا ، أو بالمقصر ، وهو ظاهر.

نعم روى ـ رواية مخالفة لأصل المذهب ، مع عدم صحة السند ـ ان عليا عليه

__________________

(١) الوسائل باب (٣٨) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

(٢) صحيح مسلم باب (٨) من كتاب الايمان حديث ٣٢ ـ ٣٨ ولفظ بعضها (عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه (وإله) وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ثم قرء (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام صلى بالناس على غير طهر ، وكانت الظهر ، ثم دخل فخرج مناديه ، ان أمير المؤمنين صلى على غير طهر ، فأعيدوا ، وليبلغ الشاهد الغائب (١) قال الشيخ في التهذيب ، هذا خبر شاذ مخالف للاخبار كلها وما هذا حكمه لا يجوز العمل به ، على ان فيه ما يبطله ، وهو ان أمير المؤمنين عليه السلام أدى فريضة على غير طهر ، ناسيا ، (ساهيا خ ل) عن ذلك وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته عليه السلام ، فتأمل فيه.

وقال أيضا : وذكر (٢) محمد بن على بن الحسين (يريد به الصدوق) في الفقيه ، قال : سمعت جماعة من مشايخنا يقولون : ليس عليهم إعادة شي‌ء مما جهر فيه وعليهم اعادة ما صلى بهم مما لم (لا خ) يجهر فيه.

والظاهر عدم ثبوت ذلك ، مع عدم الدليل ، وانه لا فائدة في قراءة الكافر والفاسق والمحدث الذين صلاتهم باطلة ، وانما يقوم قرائتهم مقام قراءة المأمومين مع صحة صلاتهم ، فلو منع عدم صحة صلاتهم ، صحة صلاة المأمومين ، لمنعه مطلقا ، والا فلا ، فتأمل.

ومعلوم وجوب الإعادة لو صلى مقتديا بفاقد الشرائط المذكورة ، مع علمه بحاله في ابتداء الصلاة ، ولعل مراد المصنف مع الفعل ، فالعبارة جيدة ، لانه ذكر عدم الإعادة بعد الشروع فيها إذا كان جاهلا وعلم في الأثناء أو بعدها ، ثم ذكر الإعادة إذا كان عالما في ابتداء الصلاة ، ومنه يعلم عدم جواز الشروع معه حينئذ.

واعلم ان الشارح قال : ولا يقدح في العدالة ، مخالفة الإمام للمأموم ، في الفروع الشرعية ، إذا لم يخرق إجماعا.

ينبغي ، إذا لم يخالف دليلا قطعيا ، فإن مخالفة الدليل القطعي مطلقا يقدح ، و

__________________

(١) الوسائل باب (٣٦) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٩

(٢) لا يخفى ان الصدوق قدس سره في الفقيه ذكر هذه العبارة عقيب مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة ، الواردة في الصلاة خلف اليهودي.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مخالفة الإجماع ما لم يكن قطعيا لم يقدح ، فإنه يجوز مخالفة الإجماع المنقول بخبر واحد ، لدليل أقوى منه ، كالخبر فان نقله الإجماع ليس بأقوى من نقله خبرا عنه صلى الله عليه وآله ، أو عن الأئمة عليهم السلام مشافهة ، بل الأمر بالعكس فافهم ، فان الناس يغلطون فيه كثيرا بمجرد سماعهم انه لا يجوز خلاف الإجماع ، ولا يحتاج الى القيد لان الكلام في المجتهد العدل ، وهو ما دام كذلك لم يفعل ذلك ، كما قال المصنف في المنتهى ، الصلاة خلف المخالف في الفروع من المجتهدين جائزة ، لأنه إنما صار الى ما اعتقده من الحكم لدليل عنده ، وذلك هو المأخوذ عليه ، فلم يكن بذلك فاسقا فهو يشبه المصيب اما لو كان ترك شيئا في الصلاة يعتقده المأموم واجبا ، كالجهر أو الإخفات مثلا ، لأجل شبهة أو دليل ، فالأقرب انه لا يجوز له ان يأتم به ، لارتكابه ما يعتقده المأموم مفسدا للصلاة ، فكان كما لو خالفه في القبلة ، حالة الاجتهاد ، ولو فعل الامام ما يعتقد تحريمه من المختلف فيه ، فان كان يترك شرطا للصلاة ، أو واجبا فيها ، فصلاته فاسدة ، وصلاة المؤتم به كذلك ، وان اعتقد خطائه في الاعتقاد ، لانه ترك واجبا بالنسبة اليه ، وان كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة ، كاستباحة الوطي بلفظ التحليل مثلا ، فان كان صغيرة لم يخرج بذلك عن العدالة ما لم يداوم الفعل ، وان كان كبيرة كان فاسقا ، ولو كان عاميا فاستفتي المجتهد وأخطأ المجتهد في اجتهاده ، لم يخرج العامي عن العدالة وجازت الصلاة خلفه ، إذ فرضه سؤال العلماء وقد امتثل (١)

وفي قوله (ما لم يداوم) دلالة على عدم الإصرار إلا بتكرر الفعل ، فلا يحصل بمجرد الفعل مع قصد العود ، وفيه تأمل ، وأيضا ظاهر الكلام ، ان مجرد فعل الامام ما يعتقده المأموم واجبا يكفي لصحة الاقتداء به ولو كان بنية الندب كما هو معتقده ، وان ذلك غير بعيد خصوصا في السلام ، والشارح حكم بالبطلان حينئذ أيضا.

__________________

(١) الى هنا كلام المنتهى

٢٧٣

ويدرك الركعة بإدراك الإمام راكعا.

______________________________________________________

والظاهر ان نظره الى ان ذلك ترك الواجب في الحقيقة عنده ، بل ترك واجب وفعل حرام ، ولي في الكل تأمل ، خصوصا مع الفعل متقربا ، لما مر في النية وفي المنافيات أيضا.

وانه إذا كان الامام مجتهدا وعدلا ، وترك ما يعتقد المأموم وجوبه ، مع اعتقاده جواز ذلك ، لم يخرج عن العدالة بذلك كما صرحا به ، لكون ذلك حكمه في نفس الأمر بالنسبة إليه الآن ، بحيث لو فعل خلاف ذلك ، لحكم المجتهد ـ الذي فعل الفعل موافقا لرأيه ـ بتحريمه عليه ، وبطلان صلاته به ، فما نجد ما يمنع الاقتداء به.

وبالجملة ، ان صلاة الإمام صحيحة في نفس الأمر عنده وعند سائر المجتهدين الذين خالفوه فيه ، فوجد جميع الشرائط فيها ، فلو لم يحكم بجواز الاقتداء به في مثله ، واعتقاد المأموم انه لو فعل ذلك هو لم يصح صلاته ، لا يقدح في صحة صلاة الإمام التي انما يشترط صحتها عنده ، فالظاهر انه لا يقدح في الاقتداء به أيضا ، وبالجملة ليست هنا شرط أخر سوى اعتقاد المأموم وحكمه بصحة صلاة امامه وهو موجود ، فينبغي الصحة مطلقا حتى في مخالف القبلة لو لم يؤد الى الإخلال بشرط أخر ولم يكن مجمعا عليه.

وكأن قول المصنف ره (فالأقرب انه لا يجوز إلخ) إشارة الى ما قلناه ، فتأمل ، واما الاحتياط فواضح ، ولكن مستلزم بعض الأوقات ، لفوت مثل هذا الثواب العظيم.

والظاهر كون الحكم في المقلدين ، للمجتهدين المختلفين ، كذلك ، فان الظاهر انه إذا لم يحكم بصحة صلاته خلفه لأجل تركه ما يعتقد وجوبه ، فكذلك لم يحكم لمقلده الذي بنى الأمر على تقليده ، فتأمل فإن ذلك هنا أبعد.

قوله : «ويدرك إلخ» قد مر الخلاف في ذلك مع أدلة الطرفين (١) والجمع بين

__________________

(١) قد مر في صلاة الجمعة عند قول المصنف (وتدرك الجمعة بإدراك الإمام راكعا في الثانية)

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الاخبار ، والتأييد بانتظار الإمام في الركوع ، بل يرفع الخلاف بقول الشيخ أيضا. فتذكر ، وبافتتاح الصلاة قبل الوصول إلى الجماعة إذا دخل المسجد والامام راكع ثم المشي حتى يصل ، (والظاهر خ) وأيضا التأييد باجزاء تكبيرة الافتتاح عن تكبير الركوع إذا خاف الفوت ، وقد نقلنا الأخبار الدالة على ذلك كله ، وان الدالة على هذا المطلوب فيها ظاهرة ، وبالجملة الاخبار في ذلك كثيرة ، ولا يكتفى بما نقلوه في هذا المقام من الخبرين ، بل اطلبها فيما أشرت اليه (١) أو ارجع الى ما نقلتها فيه من باب الجمعة ، فإن الأخبار الصحيحة كثيرة فيه (٢)

واما ما نقل الشارح هنا (٣) من حمل التكبير ، على الركوع ـ في صحيحة محمد بن مسلم ، قال : قال لي : (ان خ) إذا لم تدرك القوم قبل ان يكبر الإمام للركعة ، فلا تدخل ، معهم في تلك الركعة (٤) ـ فبعيد جدا.

كيف يحمل التكبير للركوع على الركوع ، وعدم ادراك ذلك على عدم إدراكه راكعا أيضا ، بل بعد الرفع ، وقد عرفت الحمل الصحيح والجواب الكافي هناك

__________________

(١) الوسائل باب (٤٥) و (٤٦) من أبواب صلاة الجماعة فراجع

(٢) الوسائل باب (٢٦) من أبواب صلاة الجمعة : وعنوان الباب (باب وجوب صلاة الجمعة على من لم يدرك الخطبة واجزائها له وكذا من فاته ركعة منها وأدرك ركعة ولو بإدراك الركوع في الثانية إلخ)

(٣) نقل الشارح في روض الجنان ٣٦٩ عن الشيخ ره ما هذا لفظه : وذهب الشيخ ره الى اشتراط إدراك المأموم تكبيرة ركوع الإمام في إدراك الركعة لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام ، قال : قال لي : ان لم تدرك القوم قبل ان يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة.

وحمل على ان المراد بالتكبير نفس الركوع.

ويمكن الجواب بمنع دلالته على عدم إدراك الركعة لو دخل حينئذ ، بل على انه لا يدخل معهم ، وجاز ان يكون تركه أفضل ، مع انه يدرك الركعة لو خالف ، ونحن نقول بذلك فان ترك الدخول ح معهم اولى خروجا من خلاف الشيخ والاخبار الصحيحة ، ولكن ان خالف ودخل أدرك الركعة للخبرين السابقين ، فإنهما صريحان في ذلك مع ان فيه جمعا بين الاخبار ، بخلاف ما لو عمل بالأخبار الثانية على الوجه الذي ذكره الشيخ فإنه يلزم منه اطراح الاولى ، وجمع الشيخ بينهما بحمل إدراك الإمام في الركوع على إدراكه والمأموم قد صار في الصف الذي لا ينبغي التأخر عنه مع الإمكان مع كونه قد أدرك تكبيرة الركوع قبل ذلك وما ذكرناه اولى وأوفق للظاهر.

(٤) الوسائل باب (٤٤) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فتذكر.

وكذا قوله : ويمكن الجواب بمنع دلالتها على عدم إدراك الركعة لو دخل حينئذ ، بل على انه لا يدخل معهم ، وجاز ان يكون تركه أفضل ، مع انه يدرك الركعة لو خالف ، ونحن نقول بذلك ، فان ترك الدخول حينئذ معهم اولى ، خروجا من خلاف الشيخ ، والاخبار الصحيحة ، ولكن ان خالف ودخل أدرك الركعة ، للخبرين السابقين فإنهما صريحان في ذلك مع ان فيه جمعا بين الاخبار ، بخلاف ما لو عمل بالأخبار الثانية على الوجه الذي ذكره الشيخ ، فإنه يلزم منه اطراح الاولى وجمع الشيخ بينهما ونقل ما مر من تأويله ، انتهى.

لأن الدلالة على عدم الإدراك واضحة ، إذ الظاهر من النهي هو التحريم ، وهنا عن الصلاة من غير نزاع ، فيدل على الفساد ، على انه يبقى النزاع : في انه يجوز الدخول مع الإمام حينئذ أم لا.

وان أراد الجواب بحمل النهي على الكراهة ، فهو الذي ذكر غيره أيضا على الظاهر فلا يحتاج الى هذا التطويل ، ومنع الدلالة.

على ان ظاهر كلامه انه ما قاله غيره ، وانه لا كراهة في الصلاة حينئذ ، ولا في تلك الركعة ، بل الكراهة في الدخول ، وهو لا ينافي الإدراك. وقد ظهر لك لزومها ، إذ يلزم توجه النهي الذي للكراهة ، إلى تلك الصلاة أو تلك الركعة فقط ، وعدها من الصلاة والاعتداد بها ، فلا بد من القول بها.

وأيضا دليله محل التأمل ، إذا لخروج عن الخلاف الذي علم ضعفه ، ليس بمعلوم كونه اولى من ترك الجماعة التي قد عرفت ثوابها ، وكذا عن خلاف الاخبار بعد الحكم بعدم المنافاة.

على انك قد عرفت في باب الجمعة : ان في الحقيقة ليس الا خبرا واحدا ، فأين الأخبار الصحيحة ، وقد عرفت أيضا ، انه جمع الشيخ أيضا بينها ، فكيف تقول : انه يلزم اطراح الأول ، مع انه صرح متصلا به : ان الشيخ جمع أيضا ، فكأنه إشارة الى

٢٧٦

ولا تصح مع حائل بين الامام والمأموم الرجل ، يمنع المشاهدة.

______________________________________________________

بعد الجمع ، فالعبارة غير جيدة.

قوله : «ولا يصح مع حائل إلخ» اعلم ان الظاهر : انه لا يقال للظلمة حائل ، ولا للجرم الذي يمكن رؤيته من ورائه ، فلا يحتاج الى تقييد الحائل بالجسم ، والمانع عن المشاهدة إلا للوضوح والبيان.

وانه يفهم من قيد الرجل : انه يصح الحائل لو كان المأموم امرأة في الجملة ، ومعلوم انه انما يكون مع كون الامام رجلا ، ويؤيده تقييد المأموم بالرجل ، إذ لا يكون الامام له الا الرجل ، فتقدير الكلام : ولا يصح الايتمام للرجل مع الحائل بينه وبين امامه ، ويصح بين المرأة وبين ذلك الامام.

واما دليل عدم الصحة مع الحائل (المذكور خ) فالظاهر أنه الإجماع كما يفهم من المنتهى.

وإمكان المشاهدة في بعض الأوقات ـ ولو كان (كانت خ ل) لمن يشاهد الإمام بواسطة أو وسائط ـ كاف ، لعموم أدلة الجماعة ، مع الأصل ، والإتيان بالمأمور به المستلزم للاجزاء ، وعدم المانع.

وحسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : (إذا ـ يب خ) ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى ، فليس ذلك الامام لهم بإمام ، واى صف كان اهله يصلون بصلاة الإمام (إمام كا يب) وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم (قدر ـ كا يب) ما لا يتخطى ، فليس تلك لهم بصلاة (فإن كان بينهم سترة أو جدار ، فليس تلك لهم بصلاة كا يب) الا من كان بحيال الباب (١) قال : وقال : هذه المقاصير (٢) لم تكن في زمن احد من الناس ، وانما أحدثها الجبارون. ليست لمن صلى

__________________

(١) ما كان من حيال ـ كا

(٢) المقصورة الدار الواسعة والمحصنة. أو هي أصغر من الدار ، كالقصارة بالضم. فلا يدخلها الا صاحبها ، والجمع المقاصير ، مجمع البحرين.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة (١) قال : وقال أبو جعفر عليه السلام : ينبغي ان تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض ، لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط جسدا لإنسان (٢) ومثلها عن زرارة في الفقيه في الصحيح وزاد بعد إنسان (إذا سجد).

والظاهر ان المراد بما لا يتخطى ، هذا المقدار عرفا من البعد والمسافة ، وان المراد هو الكراهة دون التحريم ، للأصل ، وعموم الأوامر ، وصدق الخروج عن عهدة الأمر في الجملة ، ولقوله (ع) (ينبغي).

وأيضا الظاهر تحريم البعد الكثير العرفي ، لا ما لا يتخطى ، عند أكثر الأصحاب إلا بالصلاح ، فإنه نقل التحريم عنه في المختلف ، وما نقل في المنتهى عن السيد في المصباح ، قال : ينبغي ان يكون بين كل صفين قدر مسقط الجسد فان تجاوز ذلك الى القدر الذي لا يتخطى ، لم يجز ، ويمكن ان يكون مستنده حسنة زرارة ، وقد عرفت عدم صراحتها في التحريم ، وكأنه لذلك قال السيد (ينبغي).

ويكون الحائل المانع من المشاهدة ، حراما ، ومانعا ، من صحة الايتمام للإجماع ، ولقوله ، فان كان بينهم سترة أو جدار (٣) وقوله ليست لمن صلى خلفها إلخ (٤) وأيضا الظاهر : الصحة في المقاصير المخرمة الغير المانعة في الجملة لما مر ، ولعدم الإجماع ، وعدم ظهور صدق السترة والجدار مع المشاهدة ، والشهرة أيضا يؤيدها.

والظاهر ان ليس القائل بالمنع الا الشيخ في الخلاف ، مع تجويزه في المبسوط ، على ما نقل في المنتهى.

وأيضا الظاهر جواز الحائل بالستر في الجملة : بأن يكون مانعا حال الجلوس دون القيام

__________________

(١) الوسائل باب (٦٢) من أبواب صلاة الجماعة ، حديث : ٢ وباب (٥٩) من تلك الأبواب حديث : ١

(٢) الوسائل الباب (٦٢) من أبواب صلاة الجماعة ، حديث : ١

(٤ ـ ٣) الوسائل باب (٥٩) من أبواب صلاة الجماعة قطعة من حديث : ١

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا الظاهر ان النهر غير مانع لما مر ، وان ليس القائل بالمنع حينئذ إلا أبو الصلاح على ما نقل في المنتهى والاحتياط ظاهر.

واما إذا كان الحائط أو الستر بين الامام الرجل ، والمرأة ، فهل يجوز ذلك أم لا؟ والمصنف جوزه واستدل برواية عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلى بالقوم وخلفه دار وفيها نساء هل يجوز لهن ان يصلين خلفه؟ قال : نعم ، ان كان الإمام أسفل منهن ، قلت : فان بينهن وبينه حائطا أو طريقا؟ فقال : لا بأس (١) فيختص ما تقدم بالرجل.

ولكن قال في الفقيه في أخر صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر عليه السلام قال : وقال : أيما امرأة صلت خلف امام وبينها وبينه ما لا يتخطى ، فليس لها تلك بصلاة (٢)

ويمكن حملها على البعد المفرط ، أو الارتفاع (الحائل ـ خ) أو الكراهة ، كأمر.

ويؤيد جواز الحائل ان المرأة عورة (٣) فناسبها الحائل ، والشهرة أيضا ، فإن المخالف هو ابن إدريس على ما نقله في الشرح ، قال : عملا بعموم المنع ، والنص حجة عليه : وكأنه يريد به خبر عمار مع عدم صحة السند ، لعله يقول منجبر بالشهرة.

ويؤيد الجواز أيضا صحيحة هشام في الفقيه ، قال : صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار (٤)

__________________

(١) الوسائل باب (٦٠) من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١

(٢) الوسائل باب (٦٢) من أبواب صلاة الجماعة قطعة من حديث : ٢

(٣) لعله اقتباس عن الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله : النساء عي وعورات فداووا عيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت : راجع الوسائل باب (٢٤) من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، قطعة من حديث : ٦

(٤) الوسائل باب (٣٠) من أبواب أحكام المساجد حديث : ١

٢٧٩

ولا مع علو الامام ولا تباعده بغير صفوف بالمعتد به فيهما

______________________________________________________

فتأمل.

واما البعد الذي اشترط عدمه : فقد أحالوه إلى العرف ، قال في المنتهى : فلو تباعد المأموم عن الامام بما لم تجر العادة ، فلا صلاة له الا مع اتصال الصفوف ، وكذا فيما بينها.

وما وجدت له دليلا سوى رواية زرارة المتقدمة ، وقد عرفت انها محمولة على الكراهة ، وانها ان كانت دليلا ، فيكون دليلا على القدر المذكور فيها أيضا ، ولكن الظاهر انه لا قائل به الا ما نقل عن أبي الصلاح والسيد كما مر فيشكل جعلها دليلا على التحريم في أصل البعد المفرط ، والكراهة فيما لا يتخطى كما يفهم من المنتهى ، فتأمل.

قيل المراد بالعرف ، هو الذي تقتضيه العادة ، وفعلهم عليهم السلام ، فإذا كانت بحيث لا يسمى ان هذا مقتد به لا يصح ، والأصح ، ولكن فيه خفاء.

واما عدم علو الامام بالمعتد به : فدليله رواية عمار الساباطي (في الكافي والتهذيب والفقيه كأنها موثقة وقوية) عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلى بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلى فيه؟ فقال : ان كان الامام على شبه الدكان ، أو على موضع ارفع من موضعهم ، لم تجز صلاتهم فان كان ارفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل (١) (٢) فان كان أرضا مبسوطة أو كان (٣) في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلّا انهم (٤) في موضع منحدر؟ قال فلا

__________________

(١) منهم بقدر شبر (يسيرا خ ل) يب

(٢) بقطع سيل (سبيل خ ل) فقيه

(٣) وكان ـ يب فقيه

(٤) انها ـ فقيه

٢٨٠