مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

ابن براج انه يكفى للقصر الأخير قصد الرجوع قبل عشرة أيام ، وعن سلار ان أراد الرجوع ليومه وجب القصر ، وان كان لغده فهو مخير بينهما ونقل ذلك عن ابن بابويه أيضا : وللشيخ مذهب أخر أيضا وهو التخيير مطلقا سواء أراد الرجوع أم لا ، انتهى (١).

الذي يفهم من كتاب الصدوق ، التخيير على تقدير عدم ارادة الرجوع ليومه ، والتقصير على تقدير ارادة الرجوع من يومه ، قال في موضعين من كتابه الفقيه : إذا كان السفر أربعة فراسخ وأراد الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب ، ومتى لم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار إنشاء أتم وان شاء قصر ، فكلامه خال عن شرط الرجوع في الغد : لعل مراد المختلف بقوله (لغده) عدم الإرادة في ذلك اليوم مطلقا ، فصار مذهبه ومذهب السلار ومذهب المفيد واحدا.

فقد علم عدم القول بالوجوب الحتمي فيما دون الثمانية مع عدم قصد الرجوع ليومه ، بل التخيير مطلقا ، أو التخيير مع عدم قصد الرجوع والحتم معه.

فيمكن الخروج من الخلاف بالقصر لو أراد الرجوع ليومه ، وبالإتمام مع عدمه الا بعد العشرة ، وان قصد الرجوع فيما دون العشرة ، فيشكل الخروج عن خلاف ابن البراج ، ولا يبعد اختيار الإتمام ، لعدم دليل واضح له بذلك التفصيل ، مع ندرة هذه الأقوال.

واما الروايات فمختلفة ، وقد مرت ما يدل على كون حد المسافة بياض يوم أو ثمانية فراسخ ، ويدل عليه أيضا ما روى في الاستبصار (في الصحيح) عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام في كم يقصر الرجل؟ قال : في بياض يوم أو بريدين (٢) ورواية عيص بن القاسم عن أبي عبد الله قال : في التقصير حده أربعة وعشرون ميلا (٣) ورواية سماعة قال سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال :

__________________

(١) في نقل عبارة المختلف تحريف ما فراجع ص ١٦٢ من كتاب الصلاة من المختلف

(٢) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١١

(٣) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٤

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

في مسيرة يوم وذلك بريد ان (١) قال في المنتهى موثقة ، وليس بواضح.

واما ما يدل على الأربعة فكثيرة أيضا ، مثل حسنة زرارة (لإبراهيم) عن أبي جعفر عليه السلام قال : التقصير في بريد والبريد اربع فراسخ (٢) واخرى كذلك عن أبي أيوب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ادنى ما يقصر فيه المسافر؟ قال : بريد (٣) وصحيحة أبي أسامة زيد الشحام قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثنى عشر ميلا (٤)

ورواية معاوية بن عمار (وفي الطريق الحسن بن على بن فضال ، والظاهر قبوله) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام في كم أقصر الصلاة؟ فقال : في بريد ، الا ترى ان أهل مكة إذا خرجوا الى عرفة كان عليهم التقصير (٥)

وصحيحة معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات؟ قال : ويلهم ، أو ويحهم واى سفر أشد منه (الا ـ قيه) (لا يتموا يب) لا تتم (٦) وغيرها من الاخبار.

والشيخ القائل بالتخيير حمل الأول على الحتم ، والأخريات على التخيير مطلقا للجمع ، ويؤيده ان ظاهر الآية هو رفع الحرج ، ولا شك في صدقه على المسافر أربعة فراسخ ، ويكون في الثمانية محمولة على الحتم للإجماع والخبر ، وفيه تأمل.

وأيضا ان ظاهر الأمر ان سلم انه وجوب حتمي ، فلا شك انه مشروط بعدم ما يقتضي التخيير ، وهنا ما يقتضيه.

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٨

(٢) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٠

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١١

(٤) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣

(٥) الوسائل باب (٣) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥ وسند الحديث كما في التهذيب (سعد ، عن أبي جعفر ، عن الحسن بن على بن فضال ، عن معاوية بن عمار)

(٦) الوسائل باب (٣) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي هذا الجمع تأمل ، فإن مقتضى لفظة (كان عليهم التقصير) و (ويلهم) الوجوب العيني ، ويمكن الحمل على المبالغة ، حيث كانوا منكرين القصر ، أو على اعتبار اعتقاد التمام ، فان فعله في مقام التخيير على قصد الحتم ، لا يبعد كونه موجبا للويل ، واستحقاق القول به لهم ، ونفى التمام يرجع الى ذلك ، وأيضا (كان عليهم التقصير) ليس بظاهر في الحتم ، فتأمل.

وحمل المتأخرون الأخريات على قصد الرجوع ، والشيخ أيضا قال به في كتابي الاخبار مع حمل الأول للتقييد والتفصيل المذكور (ين خ) في الاخبار المفصلة والمقيدة ، فيحمل هذه المطلقات والمجملات عليهما ، كما هو مقتضى القاعدة الأصولية وهي رواية سليمان بن حفص المروزي ، قال : قال الفقيه عليه السلام التقصير في الصلاة بريد ان ، أو بريد ذاهبا وجائيا الخبر (١) فيه شي‌ء متنا وسندا ، ولا يضر.

وما في رواية رجل عن صفوان : لو انه خرج منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه ان ينوي من الليل سفرا والإفطار (٢) وفي هذه قال : ان النهروان أربعة فراسخ من بغداد ، وكان الخارج منه.

وصحيحة معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام ادنى ما يقصر فيه المسافر الصلاة؟ قال : بريد ذاهبا وبريد جائيا (٣) وفي كونها منها تأمل.

ولصدق السفر مسيرة يوم وبياض يوم وثمانية فراسخ ، فقد دخلت تحت تلك الاخبار أيضا.

__________________

(١) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة المسافر قطعة من حديث : ٤

(٢) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٨ والحديث مروي عن الرضا عليه السلام ، وصدره (سألت الرضا عليه السلام عن رجل خرج من بغداد يريد ان يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان وهي أربعة فراسخ من بغداد ، أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر؟ فقال : لا يقصر ولا يفطر لانه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ وانما خرج يريد ان يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير الى الموضع الذي بلغه ولو انه إلخ

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في المنتهى ، ولما رواه في الموثق عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن التقصير؟ قال : في بريد ، قلت بريد؟ قال : انه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا (فقد ئل) شغل يومه (١)

وهذه مؤيدة من جهة حسنته (٢) بيان المراد بالبريد ، حيث قال أولا البريد ، ثم بين : ان المراد بريد ذاهبا وبريد جائيا فأشار فيها الى تفسير ما ورد في الاخبار المجملة من البريد ، ان المراد به ذلك ، وترك التفصيل والتقييد لنكتة.

ومن جهة انطباقها مع الاخبار الواردة في بياض يوم ومسيرة يوم ، مع بيان اشتمالها على تلك الحكمة المقتضية للقصر في يوم فيطابق الدليل العقلي (٣) أيضا للقصر.

فظهر انطباقها مع كل دليل نقلي وعقلي ، وبيان المراد في تلك الأخبار المجملة : ونقل الشارح هذه عن محمد بن مسلم من دون توثيق ، ولعلها واحدة ، ولا يضر عدم الصحة ، لقبول الأصحاب ، على انها يمكن التكلم في سند بعض (تلك خ) هذه الاخبار ، وفي المتن أيضا.

ولكن في الجمع تأمل ، إذا الظاهر انه لم يجر فيما ورد في شأن أهل مكة من القصر في عرفة ، لعدم الرجوع في يومهم ، وعدم شغل اليوم ، بل يذهبون إليها في يومين ، ويرجعون إلى مكة بعد خمسة أيام ، ونحملها على من كان منهم بهذه الصفة ، إذ قد يكون ذلك فيهم خصوصا في ذلك الزمان ، وهو بعيد ، وكان الشيخ نظر الى ذلك حيث قال بالتخيير أيضا ، ولا بد حينئذ من الحملين المذكورين سابقا لحديث أهل مكة ، فيكون قائلا بالتخيير فيما لم يقصد وبالحتم فيما قصد كما مر ، ويدل عليه عبارة كتابيه.

__________________

(١) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩

(٢) اى حسنة زرارة المتقدمة

(٣) أي العسر والحرج

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن طرح هذه الرواية ، لوجوب حمل المطلق على المقيد وعدم إمكان جمعها معها ، كما طرح الشيخ صحيحة ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سألته عن الرجل يريد السفر في كم يقصر؟ فقال : في ثلاثة برد (١) قال هذا خبر موافق للعامة ولسنا نعمل به على انه يمكن العمل بمنطوقها دون مفهومها ، وان كانت ظاهرة في التحديد ، فلعله مراد الشيخ ، ويمكن حمل البرد على أقل حتى ينطبق ، وكذا رواية أبي جميلة عن أبي بصير (مع ضعفها به) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا بأس للمسافر ان يتم الصلاة في سفره مسيرة يومين (٢) ويمكن ان يكون المراد فيما دون المسافة ، ولو كان السير واقعا في يومين ، بل أكثر.

فروع

الأول : المراد بالسير في بياض يوم ، كأنه يريد يوم الصوم ، واليوم المعتدل ، وبالسائر : البعير في القطار ، وصرح به في الفقيه في صحيحة عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : انما وضع على سير القطار (٣)

وقدر بياض اليوم ، بأربعة وعشرين ميلا وثمانية فراسخ في رواية عبد الرحمن بن الحجاج (المذكورة في المنتهى) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : قلت له في كم ادنى ما يقصر فيه الصلاة؟ قال : جرت السنة ببياض يوم ، فقلت له ان بياض يوم يختلف ، يسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم ويسير الآخر أربعة فراسخ وخمسة فراسخ في يوم؟ قال : فقال له : انه ليس الى ذلك ينظر ، اما رأيت سير هذه الأثقال (الأميال ـ خ يب) بين مكة والمدينة ثم أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ (٤) ويدل عليه أيضا التسوية بينهما.

__________________

(١) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٠

(٢) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩

(٣) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر قطعة من حديث : ٣

(٤) الوسائل باب (١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٥

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : الظاهر ان الابتداء من البلد ، حين الشروع في السير ، ويحتمل المحلة :

إذا كان البلد كبيرا ، والا فآخره.

وان المراد بالميل أربعة آلاف ذراع ، والذراع أربعة وعشرون إصبعا ، قال في المنتهى هو المشهور ، وروى انه ثلاثة آلاف وخمس مائة (وهي في الكافي) (١) وقال صاحب الصحاح : (الميل من الأرض منتهى مد البصر).

وكل إصبع سبع شعيرات من أوسطها ، قيل يوضع بطن كل واحدة على ظهر الأخرى ، كذا حقق أهل الحساب ، وقال في الشرح : متلاصقات بالسطح الأكبر ، كان المراد ما تقدم ، وقيل ست شعرات : ولعل الاختلاف ، لاختلاف الإصبع والشعيرات : وينبغي النظر الى ما هو الأكبر والمعتدل.

وعرض كل شعيرة سبع شعيرات من شعر البرذون.

الثالث : التفاضل بينهما غير ظاهر ، الا ان اليوم أقرب الى فهم الأكثر وأسهل بخلاف الفراسخ : والظاهر : ان أحدهما كاف وان لم يصل الى الأخر على تقدير التفاضل ، ويكون حينئذ الحد حقيقة هو الأقل.

الرابع : انه لا قصر في أقل من أربعة ، وان تردد أكثر من مرتين ، ولم يصل الى محل الانقطاع.

الخامس : الشك في المسافة لا يوجب القصر ، لان الظاهر ان التمام صار أصلا ، فما لم يحصل المخرج عنه شرعا ، لم يجب ، بل لم يجز : فلو صلى قصرا معه فبان عدمها ، يقضى من غير اشكال ، والظاهر انه كذلك على تقدير موافقتها ، الا ان يكون جاهلا ، أو ظن ذلك ، فإنه لو كان عالما بان ليس عليه الا التمام ، فقصر ، فيكون باطلة عنده فالإعادة حينئذ.

السادس : الظاهر ان الاعتبار في الرجوع باليوم فقط ، لانه قد عرفت : ان كونه موجبا للقصر ، هو مساواته في سفر اليوم في المشقة والحكمة ، وشغل اليوم في السفر

__________________

(١) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٣

٣٦٦

ولو جهل البلوغ ، ولا بيّنة أتم.

______________________________________________________

كله ، وقطع ثمانية فراسخ في يوم واحد الذي هو الموجب للقصر في غير صورة الرجوع ، ومعلوم ان الليل ليس له هنا دخل ولا لغيره ، وان اليوم ليس مذكورا في الرواية ، بحيث يمكن شموله لليل لما عرفت ، حتى يقال : ان المتبادر منه اليوم مع الليل ، على انه غير ظاهر.

فمذهب البعض ـ بأنه يكفي قصد الرجوع ليلا في القصر ، مستدلا عليه بالتبادر ـ غير ظاهر ، ويضعفه أيضا ان الأصل هو التمام ، فلا يخرج عنه الا بالدليل.

نعم قد يتخيل عدم اعتبار اليوم والليل أيضا كما في أصل ثمانية فراسخ ، وبياض يوم ، لأنه يكفي قصد ذلك ، والخروج الى محل الترخص ، للقصر مع باقي الشرائط ، وليس الوصول إلى ثمانية فراسخ بيوم ولا أكثر شرطا : وكأنه لذلك اعتبر ابن البراج الوصول والرجوع فيما دون العشرة على ما مر ، وان كان فيه أيضا تأمل.

الا انه قد فهم الشرط من الرواية الدالة على اعتبار الرجوع ، وكذا كلام الأصحاب ، ولأن الأصل هو التمام حتى يتحقق خلافه ، وبدون قصد الرجوع في اليوم كأنه ما كان متحققا ، لإجماع ونحوه ، وبعده متحقق.

السابع : الظاهر ان منتهى أربعة فراسخ التي يرجع منه الى المنزل الذي خرج منه ، لا بد ان لا يكون مما ينقطع به السفر ويجب عليه التمام فيه ، وكذا فيما بينهما ، والا يلزم انقطاع السفر حينئذ ، كما لو كان له في وسط ثمانية فراسخ منزل موجب لقطعه ، فإنه حينئذ لا يقصر على ما قالوا ، فتأمل ، وسيجي‌ء تحقيقه ، وبالجملة يشترط في هذا جميع ما يشترط في الثمانية.

قوله : «ولو جهل البلوغ إلخ» قد مر بعض ما يتعلق به ، ونزيد هنا : ان الظاهر ان المراد به عدم العلم والظن المعمول شرعا ، فلو شك ـ أو وهم ، أو ظن البلوغ ظنا من غير وجه شرعي (كالشاهدين العادلين) كالحاصل من الواحد ، والنساء ، وبعض الشياع ، ما لم يبلغ العلم أو الظن القريب منه ، بحيث ما بقي إلا الاحتمال

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

العقلي البعيد ، فإنه حينئذ علم عادى ـ أتم لأصل التمام ، وعدم ثبوت الناقل ، مع عدم أصل البلوغ.

والظاهر ان البينة الشرعية هنا ، لا تحتاج الى انضمام حكم الحاكم ، لأنها حجة شرعية في أعظم منها ، والأصل عدم اعتبار انضمامه ، ولانه قد يتعسر ، بل يتعذر ، فلا يناط به ، مثل الهلال ، ودخول الوقت ، خصوصا مع تعذر العلم ، وان اعتبروا انضمامه في أكثر (كثير خ ل) الاحكام ، ولكن الامتياز بين ما يحتاج وما لا يحتاج غير واضح.

ويمكن ان يقال : كل ما يتعلق بنفس شخص بحيث لا يتعدى الأثر إلى غيره ، لا يحتاج في قبول البينة الى الحاكم والا يحتاج فتأمل.

وعلى تقدير تعارض البينة بحيث لا يمكن الجمع ، بان تشهدا بالاعتبار ، ولم يحصل المرجح بوجه ، يمكن رجحان التمام ، للأصل. والتساقط بالتعارض.

وعلى قاعدة ترجيح بينة الخارج يقدم المثبت ، والأول أظهر.

والظاهر عدم وجوب الاعتبار ، للأصلين المتقدمين ، مع أصل البراءة ، ويمكن الوجوب ، لانه مما يتوقف عليه الواجب ، كما قيل في رؤية هلال شهر رمضان ، والعيد والوقت.

ويمكن ان يقال : ليس مما يتوقف عليه الواجب المطلق ، بل هو مشروط بالعلم ، والعلم الشرعي حاصل بالعدم للأصل ، فلا يكلف بالاعتبار والتفتيش ، وقد يفرق بينه وبين الأمثلة ، لو سلمت ، بالتعذر غالبا ، والتعسر مطلقا ، وبأنه لا يمكن غالبا الا بخروج وقت الصلاة ، ولا يجب للصلاة فيما بعد ، فتأمل.

ولو ظهر في الأثناء ، فلا كلام في القصر حينئذ لو كان ما بقي مسافة ، والظاهر انه كذلك لو كان مع ما تقدم كذلك ، لانكشاف انه كانت المسافة المقصودة الموجبة للقصر حاصلة ، فيقصر ، والجهل ، كان عذرا ما دام موجودا ، ويحتمل العدم ، والظاهر الأول.

٣٦٨

الثاني : القصد إليها ، فالهائم وطالب الآبق لا يقصران ، وان زاد سفرهما ، ويقصران في الرجوع مع البلوغ.

______________________________________________________

قال الشارح : ومثله لو بلغ الصبي في الأثناء ، وفيه تأمل ، لأنه الآن كلف ، فابتداء السفر مع التكليف من الآن ، وهذا هو السفر الموجب للقصر مع عدم كونه مسافة شرعية ، بخلاف الأول ، فإنه هناك انكشف ، وظهر كون السفر الذي يقطعه بقصده واختياره ، مسافة موجبة للقصر بعد ما لم يكن منكشفا وظاهرا ، فتأمل هذا.

واما حال البينتين فواضحة ، فكل منهما مكلف بما يشهد به ، وهل يجوز اقتداء كل واحدة بالأخرى فالظاهر الجواز ، لصحة صلاة واحدة عند الكل ، وان ذلك فرضه يقينا ، وقد مر له نظير ، فتذكر.

قوله : «الثاني ، القصد إليها إلخ» قال في المنتهى : والقصد للمسافة شرط للقصر ، فالهائم (١) لا يترخص : وكذا لو قصد ما دون المسافة ، ثم قصد ما دونها دائما ، لم يقصر ذاهبا ، ولو قطع أضعاف المسافة : ولو عاد طالبا منزله قصر إن بلغ الحد ، والا فلا ، وهو قول أهل العلم : فدليل الشرط الثاني هو الإجماع.

ويمكن ان يقال أيضا : المسافة معتبرة ، ولا تتحقق الا بالقصد أو الفعل ، وهو ليس بشرط ، فيكون بالقصد.

واستدل برواية رجل عن صفوان قال : سألت الرضا عليه السلام عن رجل خرج من بغداد يريد ان يلحق رجلا على رأس ميل ، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان ، وهي أربعة فراسخ من بغداد ، أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر؟ قال : لا يقصر ولا يفطر ، لانه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ ، انما خرج يريد ان يلحق صاحبه في بعض الطريق ، فتمادى به السير الى الموضع الذي بلغه ، ولو انه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه ان ينوي من الليل سفرا

__________________

(١) اى ذهب لا يدرى اين يتوجه والهائم المتحير ، المنجد

٣٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والإفطار ، فإن هو أصبح ولم ينو السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر ، قصر ولم يفطر يومه ذلك (١)

وهذه وان كانت مرسلة ، وفي الطريق إبراهيم بن هاشم (٢) الا انها مقبولة (عند خ) الأصحاب ، ومؤيدة ، وهي ظاهرة في اشتراط القصد ، وان المسافة ، اما هي ثمانية فراسخ ، أو أربعة ذاهبا وجائيا ، وان المراد بالثمانية ، أعم من الثمانية رأسا ، أو ذاهبا وجائيا ، فهي مؤيدة للجمع المذكور فيما تقدم في الشرط الأول ، ولا يضر لو كان فيها شي‌ء لا يقبل عند الجامع ، لجواز الحذف بدليل دون الغير فافهم.

واعلم ان الأصالة في السفر غير شرط ، بل يكفى القصد مع باقي الشرائط ، ولو كان تابعا مثل العبد والولد والزوجة والخادم والأسير ولو كان ظلما ، بشرط ان يعلم قصد المتبوع الموجب ، للقصر وعدم العزم على العود على تقدير حصول الفرصة وزوال المانع : فلو كان من عزمهم العود متى حصل ، لا يقصرون ، ولكن ينبغي ان يكون بحيث يتوقع ويمكن عادة ، لا مثل احتمال العتق للعبد والطلاق للزوجة بمجرد التجويز العقلي ، نعم لا يبعد ذلك مع حصول بعض الامارات ، مثل المواعدة وغيرها ، وهؤلاء لو وصلوا الى المقصد ، ولم يزل المانع بقوا على التقصير ما لم ينووا مقام العشرة إلى ثلاثين ثم يتمون مثل غيرهم.

وكلام المصنف في المنتهى صريح في جواز القصر للعبد والمرأة مع عزمهما بأنه متى زال اليد عنهما رجعا : حيث قال : لو اخرج مكرها إلى المسافة كالأسير قصر ، لانه مسافر سفرا بعيدا غير محرم فأبيح له التقصير كالمختار ، والعبد مع السيد ، والمرأة مع الزوج إذا عزما على الرجوع مع زوال اليد عنهما ، خلافا للشافعي ، قال : لانه غير ناو للسفر ، ولا جازم به ، فان نيته انه متى خلى رجع ، والجواب : النقض بالعبد والمرأة قوله (خلافا) إشارة إلى خلافه في الأسير في القصر ، فإنه أوجب الإتمام

__________________

(١) الوسائل باب (٤) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن رجل ، عن صفوان)

٣٧٠

الثالث : عدم قطع السفر بنية الإقامة عشرة فما زاد في الأثناء ، أو بوصوله بلدا له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا.

______________________________________________________

لدليله المذكور ، وأشار المصنف في الجواب الى نقض الدليل ، مع تخلف المدعي ، فإنه متفق في العبد والمرأة مع جريان دليله ، وهو قوله (لأنه إلخ)

والمصنف استدل على جواز القصر في الأسير ، بالقياس ، إلزاما له ، على المختار ، والمرأة والعبد مع الزوج والسيد مع العزم ، حتى يصيرا مثل الأسير فهو صريح في موضعين.

فما ادرى الشارح من أي كتابه نقل خلافه : حيث قال : ولو جوزت الزوجة الطلاق ، والعبد العتق وعزما على الرجوع متى حصلا ، فلا ترخص عند المصنف مطلقا وقيده الشهيد بحصول امارة لذلك ، والّا بنيا على بقاء الاستيلاء وعدم دفعه بالاحتمال البعيد ، وهو حسن.

قوله : «الثالث : عدم قطع السفر إلخ» الظاهر المراد به قصد قطع السفر بما يقطعه ويوجب الإتمام ، من الوصول الى المواضع التي توجب الإتمام : مثل قصد إقامة العشرة ، وقصد الوصول الى بلده ، أو بلد له فيه ملك مع الشرط وغير ذلك ، وذكر البعض ، وأحال الباقي عليه للظهور.

ويحتمل عدم نية الوصول الى موضع التخيير أيضا مع قصد الإتمام فيه ، والظاهر العدم لتحقق المسافة ، وعدم العلم بكون ذلك شرطا ، ولأن الإتمام فيه لا ينافي السفر ، فتأمل.

وانما قلنا ان المراد ذلك ، لان الظاهر بيان شرط القصر ، لا استمراره ، ولكون الباقي شرطا له ، ولتركه ما يوجب الإتمام : مثل الوصول الى بلد مع بقاء ثلاثين يوما فيه مترددا ، ولان المصنف قال في المنتهى : وعدم قطع السفر شرط : والقطع يحصل بأمرين ، أحدهما ان يعزم على الإقامة في أثناء المسافة عشرة أيام ، فيتم في ذلك الموضع وفي الطريق ان لم يبلغ مسافة إلخ وهو صريح فيما نقول ، ولانه سيجي‌ء انقطاع السفر بإقامة العشرة ، ولأنه أحوج إلى البيان ، وللتصريح في تتمة المتن من

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

التفريع على ما قلناه.

ويمكن حملها على الأعم من كونه شرطا لحدوث القصر ودوامه ، وهو أوفق للتفريع (١)

واما دليل القطع بالأمر الأول : فهو ان ذلك الموضع المقصود فيه الإقامة عشرة ، حكمه حكم البلد في وجوب الإتمام كما سيجي‌ء ، فمع ذلك يصير هو مقصودا في السفر ، فالسفر اليه سفر الى بلده واهله ، ومنه كذلك ، فلو لم يكن اليه ومنه مسافة لم يجب القصر ، لانه ليس سفر موجب ، وذلك مثل ان يقصد من دار اقامته بلده (بلدا خ ل) ولم يكن ما بينهما مسافة ، والظاهر عدم الخلاف أيضا فيه ، وهذا هو الوجه في الأمر الثاني (٢)

ولكن تحقق الحكم في موضع الإقامة عشرا ، لا كلام فيه ، وعليه روايات صحيحة ، مع عدم الخلاف أيضا كما سيجي‌ء ، بخلاف الثاني ، فإن فيه تأملا.

فنحن أو لا نذكر من الروايات ما هي المعتبرة ، وهي رواية إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض ، وانما ينزل قراه وضيعته؟ قال : إذا نزلت قراك وأرضك (ضيعتك يب) فأتم الصلاة وإذا كنت في غير أرضك فقصر (٣) وفي الطريق ابان بن عثمان (٤) وقد عرفت حاله.

ورواية عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له ، أو دار فينزل فيها؟ قال : يتم الصلاة ولو لم يكن له الا نخلة واحدة ولا يقصر ، وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها (٥) وفي الطريق احمد بن الحسن بن على

__________________

(١) وهو قوله قدس سره : بعد ذلك : فلو كان بين مخرجه وموطنه أو ما نوى الإقامة فيه مسافة قصر إلخ.

(٢) قال في المنتهى : الثاني ان يكون له في الأثناء منزل قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا إلخ.

(٣) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة المسافر ، حديث : ٢

(٤) سند الحديث كما في التهذيب (سعد بن عبد الله ، عن احمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن ابان بن عثمان عن إسماعيل بن فضل)

(٥) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة المسافر ، حديث : ٥

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بن فضال ، وكذا عمرو بن سعيد ، ومصدق بن صدقة : قيل : الكل فطحيون الا انهم ثقات مع عمار (١) فالخبر موثق.

والشيخ حملهما وأمثالهما تارة على النازل للإقامة فلا فرق في الملك وغيره حينئذ ، بقرينة رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من اتى ضيعته ثم لم يرد المقام عشرة أيام قصر ، وان أراد المقام عشرة أيام أتم الصلاة (٢) وفيه

إسماعيل بن مرّار أو يسار وكلاهما مجهولان (٣) : ورواية موسى بن حمزة بن بزيع قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك ان لي ضيعة دون بغداد فاخرج من الكوفة أريد بغداد فأقيم في تلك الضيعة اقصرا وأتم؟ فقال : ان لم تنو المقام عشرا (عشرة أيام ئل) فقصر (٤) وموسى مجهول (٥).

وتارة أخرى على من يمر بمنزل له كان قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا ، مستدلا بصحيحة على بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام : الرجل يتخذ المنزل فيمر به ، أيتم أم يقصر؟ قال : كل منزل لا تستوطنه ، فليس لك بمنزل ، وليس لك ان تتم فيه (٦)

وصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق ، يتم الصلاة أم يقصر؟ قال يقصر ، انما هو المنزل الذي توطنه (٧)

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن احمد بن يحيى ، عن احمد بن حسن بن على بن فضال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى)

(٢) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦

(٣) سند الحديث كما في التهذيب (سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرار (يسار خ ل) عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان)

(٤) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧

(٥) سند الحديث كما في التهذيب (سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم ، عن البرقي ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن موسى بن حمزة بن بزيع)

(٦) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦

(٧) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٨

٣٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة سعد بن أبي خلف ، قال سال على بن يقطين أبا الحسن الأول عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر ، أو الضيعة فيمر بها؟ قال : ان كان مما قد سكنه أتم فيه الصلاة وان كان مما لم يسكنه فليقصر (١)

وصحيحة على بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام : ان لي ضياعا ومنازل بين القرية والقريتين ، الفرسخ والفرسخان والثلاثة؟ فقال : كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير (٢)

وصحيحة الحسين عن على قال سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل يمر ببعض الأمصار ، وله بالمصر دار ، وليس المصر وطنه ، أيتم صلاته أم يقصر؟ قال : يقصر الصلاة ، (والضياع) مثل ذلك إذا مر بها إلخ (٣) ورواية محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الرجل يقصر في ضيعته؟ فقال : لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام ، الا ان يكون له فيها منزل يستوطنه ، فقلت ما الاستيطان؟ فقال : ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر ، فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها ، قال وأخبرني محمد بن إسماعيل انه صلى في ضيعته فقصر في صلاته (٤) وفي طريق التهذيب احمد بن الحسين ، كأنه أحمد بن الحسن كما قال في الاستبصار أحمد بن الحسن ، كأنه ابن الحسن بن على بن فضال ، قيل انه فطحي ثقة ، والمصنف قال في الخلاصة : انا اتوقف في روايته ، ومع ذلك سمى هذا الخبر في المنتهى بالصحيح ، حيث قال : لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع إلخ ، نعم ذلك صحيح في الفقيه ، فان كان القول بها باعتبار ان الشيخ روى ذلك عن الصدوق وطريقه اليه صحيح ، فذلك صحيح ، ولكنه بعيد ، إذ ليس مثل

__________________

(١) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩

(٢) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٠

(٣) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧

(٤) الوسائل باب (١٤) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١١

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك دأبه.

ورواية عبد الله بن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة له بها دار ومنزل فيمر بالكوفة ، وانما هو مجتاز لا يريد المقام الا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين؟ قال : يقيم في جانب المصر ويقصر ، قلت فان دخل اهله؟ قال : عليه التمام (١) ويمكن حمل الجلوس في جانب المصر ، على انه كان محل الترخص.

فالذي يقتضيه النظر في الاخبار والقواعد ، هو القصر ، ما لم يصل الى موضع يكون له فيه منزل سكن في ذلك المنزل ستة أشهر ، فيتم إذا وصل الى ذلك الموضع ، مثل ما وصل الى بلده ، وبلد الإقامة ، وبالجملة : صار البلد أو القرية التي فيه ذلك المسكن بمنزلة بلده ودار اقامته ، كما هو صريح في صحيحة محمد ، وينبغي العمل بها ، وحمل غيرها عليها ان أمكن ، والا التقييد بالإقامة عشرا ، كما قيد الشيخ في كتابيه رواية عمار وغيرها بها ، ولا يضر عدم ظهور فائدة الوصل ، مع عدم الصحة والصراحة في كفاية مثل النخلة ، والمعارضة بالأكثر والأصح والاصرح.

وبالجملة قد دلت الأدلة : من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، على وجوب القصر بعد تحقق السفر المقتضي ، إلا ما أخرجه الدليل ، وما اخرج غير ما ذكرناه فيما نحن فيه ، وله مؤيد ، خصوصا الأخبار الدالة على ان كل مسافر وصل موضعا ، يقصر الصلاة الا أن ينوي إقامة عشرة أيام ، أو يقيم ثلاثين يوما مترددا والاخبار الصحيحة متظافرة عليه ، فتأمل.

فروع

الأول : الظاهر عدم اشتراط الملك للإتمام في بلده الذي هو منه ونشأ فيه ، وهو مستوطنه مدة عمره.

__________________

(١) الوسائل باب (٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : لو قطع استيطانه من بلده ، هل بقي حكمه ذلك أم لا؟ بل لا بد للبقاء من الملك المذكور : ظاهر الروايات والقواعد هو الثاني.

الثالث : هل يشترط إقامة ستة أشهر في بلد اتخذه دار إقامة ، للإتمام فيه أم لا؟

ظاهرهم ذلك لعل في صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة اشارة اليه ، فتأمل.

الرابع : هل يلزم وجود الملك المذكور في أي بلد جعله وطنه دائما أم لا؟ يحتمل كفاية الاستيطان ستة أشهر مع قصد السكون مدة العمر من دون اشتراط الملك لبعد عدم انقطاع سفر من كان في بلد ثلاثين سنة ، مع قصد بقاء مدة العمر ، ولم يكن له ملك به ، بدون نية الإقامة ونحوها ، ولصدق المنزل للإنسان بالعارية والإجارة مثلا مع قصد الدوام ، فيدخل تحت الأخبار.

فتأمل ، فإنها ظاهرة في الملك ، فيقصر مع عدم الملك المذكور ، ويؤيده الاستصحاب ، والروايات الدالة على ان المسافر يقصر ما دام لم ينو إقامة العشرة ، وهي كثيرة صحيحة.

ويدل على التمام عدم السفر عرفا ، وان التمام أصل ، وبعض الاخبار الواردة ، في الإتمام في أهله ، فتأمل فإن الظاهر الفرق بين بلده الذي استوطنه دائما وغيره ، خصوصا إذا كان مقام آبائه وموطنهم ، ويكون المراد بتلك الاخبار غير ذلك البلد على ما هو الظاهر ، فيمكن الفرق بين المولد والمستوطن ، فتأمل.

الخامس : الظاهر جريان الحكم في المنازل المتعددة ، إذا وجدت الشرائط وكانت الكل دار إقامة مدة العمر ، على سبيل التوزيع والتناوب ، لعدم الفرق والصدق.

السادس : الظاهر اشتراط بقاء الملك ، لظاهر الاخبار ، فيزول الحكم بزواله.

السابع : الظاهر عدم اشتراط التوالي ، للصدق.

الثامن : الظاهر عدم اشتراط إتمام الصلاة ، بقطع السفر ، حتى لم يكن الإقامة ثلاثين يوما مترددا ، كافيا ، ولو حصل مرات متعددة.

وقال الشارح : يشترط الصلاة في الستة تماما بنية الإقامة ، لأنه المفهوم من

٣٧٦

فلو كان بين مخرجه وموطنه ، أو ما نوى الإقامة فيه مسافة قصر في الطريق خاصة ، والا أتم فيه أيضا ، ولو كانت له عدة مواطن أتم فيها ، واعتبرت المسافة فيما بين كل موطنين ، فيقصر مع بلوغ الحد في طريقه خاصة :

الرابع : كون السفر سائغا ، فلا يترخص العاصي.

______________________________________________________

الإقامة.

لأن الظاهر من الإقامة هو المعنى العرفي في العام واللغوي ، وهو ظاهر ، ومتبادر الى الفهم ، وليس المعنى الشرعي الذي قد يقصد بقرينة ظاهرا هنا ، وما صارت حقيقة شرعية بحيث كلما أطلقت فهم منها ذلك ، وهو الذي نجد ، فان من اقام في بلد سنتين أو أكثر ، ثلاثين ، ثلاثين ، مترددا ، يبعد عدم صدق أنه أقام فيه ستة أشهر.

التاسع : الأشهر إذا وقعت هلالية عرفية فيها ، والا فالظاهر انه (ثلاثون) ليلة ، ولو بالتكميل.

قوله : «فلو كان بين إلخ» قد علم وجه التفريع ودليله مما سبق ، وان حكم موضع الإقامة حكم البلد ، وينتهى السفر هنا كما ينتهي في البلد بالوصول الى محل الترخص ، ويحصل بالخروج عنه من غير فرق ، وهو ظاهر وعدم حكمه حكم البلد ـ باعتبار انه لو رجع عن نية الإقامة قبل الصلاة تماما يرجع الى القصر ـ ليس مما يضعف ذلك كما قاله الشارح ، لأن المماثلة إنما حصلت بالنية ، فمعنى كون حكمه حكم البلد ، ما دام متصفا بذلك الوصف ، وهو ظاهر.

قوله : «الرابع : كون السفر سائغا إلخ» وجوب القصر في جميع افراد السفر السائغ ـ واجبا كان أو مندوبا أو مباحا أو مكروها ـ مما ادعى عليه الإجماع في المنتهى ، ويدل عليه بعض الاخبار في الجملة.

واما عدم الجواز في السفر المحرم ، فالظاهر ان ذلك أيضا إجماعي عندهم : قال في المنتهى : ويشترط في الترخص كون السفر سائغا واجبا ، كحجة الإسلام ، أو

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مندوبا كالزيارات ، أو مباحا كالتجارات ، ذهب إليه علمائنا ، وهو قول أكثر أهل العلم ، ونقل عن بعض العامة عدمه إلا في حج أو جهاد ، وعن أبي حنيفة الجواز في سفر المعصية أيضا.

وقال فيه أيضا : لو سافر للهو والتنزه بالصيد بطرا لم يقصر ، ذهب إليه علمائنا اجمع ، فيه تأمل وسيجي‌ء الاخبار والدليل العقلي.

ثم اعلم ان الظاهر من كلامهم : ان كل من كان عاصيا بسفره ، بمعنى عدم جواز السفر له وتحريمه عليه لم يرخص في التقصير مطلقا ، سواء كانت الغاية من سفره حراما أم لا ، وقد مثله الشارح بالهارب من الرجف ، ومن سلك طريقا مخوفا مع ظنه عدم السلامة ، أو تلف المال المجحف ، وان كان الغرض من سفره التجارة والزيادة وصلة الرحم والحج وغيرها ، ومثل تارك عرفة والجمعة ، وسفر العبد والزوجة مع عدم الاذن.

وخصصه الشارح (١) بمن كان الغرض والغاية من سفره حراما ، أو جزئه حراما ، ولكن يجب تقييده بحيث لو لم يكن ذلك الجزء المحرم ، لم يسافر ، فيمكن إدخاله في الأول ، مثل له بتابع الجائر الظاهر في جوره ، والأولى بجائر (٢) ويكون المقصود من السفر هو الجور ، وقاطع الطريق والباغي ، والتاجر في المحرمات ، والساعي على ضرر بقوم مسلمين ، أو كفار محترمين ، والعبد المسافر للاباق ، والزوجة الخارجة لأجل النشوز.

__________________

(١) قال في روض الجنان ص : ٣٨٨ عند قول المصنف : (فلا يترخص العاصي) ما هذا لفظه : (بسفره ، وهو من كان غاية سفره هي المعصية ، كتابع الجائر ، وقاطع الطريق ، والباغي ، والتاجر في المحرمات والساعي على ضرر بقوم من المسلمين ، بل المحترمين وان كانوا كفارا ، ومنه العبد المسافر لأجل الإباق ، والزوجة الخارجة لأجل النشوز. أو كانت المعصية جزء من الغاية ، كما لو قصد مع ما ذكر التجارة أو غيرها. وقد عد الأصحاب من العاصي بسفره مطلق الآبق ، والناشز وتارك الجمعة بعد وجوبها ، ووقوف عرفة كذلك ، والفار من الزحف ، ومن سلك طريقا مخوفا يغلب معه ظن التلف على النفس ، أو على ماله المجحف انتهى)

(٢) يعنى ان الاولى التمثيل بالجائر لا بتابع الجائر.

٣٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي بعض هذه الأمثلة ـ والفرق بينها على الوجه المذكور ، وكذا في حرمة السفر بحرمة الغاية واباحة الغاية مع تحريم السفر مطلقا ـ مناقشة.

على انه لا ينبغي كون مثل سفر العبد والزوجة وتارك الجمعة والعرفة محرما عندهم على زعمه أصلا ، لأنهم مأمورون بالإطاعة ، وفعل العرفة والجمعة ، والأمر بالشي‌ء عنده لا يستلزم النهي عن الضد الخاص ، ولا شك انها أضداد خاصة ، الا ان يكون هناك نهى خاص ، والظاهر انه ليس ذلك في الكل ، ولهذا صرح به فيما يأتي بقوله ، إدخال هذه الأفراد إلخ.

مع انه لا فرق بعد القول بالتحريم ، بين المحرمات بمثل ما ذكره فرقا يوجب أحدهما القصر دون الأخر.

وان دليله العقلي ـ وهو ان الرخصة لمن يفعل المحرم لا يناسب الحكمة (الحكم خ) وانها اعانة على المعصية وهي قبيحة لا تصدر عن الحكيم ، وكذا دليل الإجماع ، وبعض الاخبار على ما ستسمع ـ مطلق يشمل القسمين ، نعم لا تصريح بالعموم في الاخبار ، لا على افراد ما اختاره الشارح ، ولا على ما اختاره الأصحاب ، والإشارة إلى العموم مطلقا موجودة ، فالقول بأن إدخال هذه الأفراد (اعنى الأمثلة الأول ، التي ليس المقصود من السفر فيها ، بمحرم) يقتضي المنع من ترخص كل تارك الواجب ، اى بالسفر ، فلا فرق حينئذ بين استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها ، وبين استلزامه ترك غيرها ، كتعلم العلم الواجب عينا أو كفاية ، بل الأمر في هذا الواجب أقوى ، وهذا يقتضي عدم تحقق الترخص إلا لأوحدي الناس لكن الموجود من النصوص في ذلك لا يدل على إدخال هذا القسم ، ولا على مطلق العاصي ، وانما دلت على السفر الذي غايته المعصية (١) ـ ليس بواضح ، لانه لو سلم عدم الفرق ، فلا نسلم عدم تحقق الترخص إلا لأوحدي الناس ، لما مر مرارا : ان

__________________

(١) من قوله : (بأن إدخال هذه الافراد) الى قوله : (غايته المعصية) إلا ما بين المقفعتين ، من كلام روض الجنان. وقوله : (ليس بواضح) خبر لقوله قدس سره : (فالقول)

٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ليس الواجب على الناس كله تحصيل جميع الواجبات التي ذكروها بالدليل أو التقليد على الوجه الذي اعتبره البعض ، منهم الشارح على الظاهر ، لاستلزامه التكليف بالمحال (أو بالمشاق المنفي عقلا ونقلا ويستلزم تعطيل العبادات والاحكام ، بل ليس عليهم في الفروع الا ما وصل اليه وجوبه ووجوب تعلمه ، والذي لم بترك ذلك) (ليس منحصرا في الأوحدي.

وعلى تقدير الوجوب على الوجه المذكور ، يحتمل حصوله لغير الأوحدي وكذا يكفيهم في الأصول شي‌ء قليل على ما مر مرارا ، وقد عرفت انه لا يوجد الخالي عنه من الشيعة إلا نادرا).

وان كان ما ذكر ، باعتبار وجوب الاجتهاد على كل احد كما هو الظاهر من كلامه ، فهو أبعد ، فإن تكليف عجوز ـ لا تكاد تفهم البديهيات ، وتكليف الصبية كذلك في سن تسع قبل فعل الصلاة ، بجميع ما ذكروه على وجه ذكروه ـ محال ظاهر ، فإنها كيف تحصل الواجبات بالاجتهاد بعد معرفة أصولها بالدليل على ما ذكروه ، ومقدماته التي يعجز عنها الفحول بعد تحصيل المقدمات في خمسين وستين سنة.

وبالجملة الحكم بالعصيان إلا لأوحدي الناس وان لم نقل بلزوم عدم الترخص كما يقوله ، في غاية الإشكال ، مع احتياج الناس في المدار والمعاش والطلاق والمعاملات ، بل أكثر الأمور ، إلى العدول في كل بلدة بلدة ، فكيف إذا عدم عن الدنيا ، بل يلزم كون الناس كلهم الا نادرا عاصين ، وان كانوا في العبادات المندوبة والواجبات الموسعة ، ولا يصح ذلك منهم أصلا : ولا يستبعد الشارح من ذلك ويستبعد من عدم الترخص إلا لأوحدي الناس ، لأن في الحضر أيضا يتركون التعلم.

على انه لهم ان يسلموا عدم الترخص إلا لأوحدي ، كتسليم الشارح عصيان الكل إلا لأوحدي الناس ، فإنه ليس بأبعد ، بل يلزم بطلان صلاتهم ونحوها في الحضر أيضا.

٣٨٠