مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة لا ينبغي مثل هذا القول في مثل هذه المسئلة ، بل ينبغي مماشاة العلماء المتقدمين ، مع التفكر التام في كلامهم ، والتأويل والتصرف مهما أمكن ، والانطباق على قوانين الشرع الشريف السهل السمح ، ونفى الحرج والضيق عن عباد الله تعالى.

على انه قد يناقش في الواجب الكفائي وهو ظاهر ، لعدم ظهور خلو الزمان عن المجتهد وان كان متجزيا ، فيجوز نقل الخلافيات عنه وانتشارها ، ويكفى اشتغال من يقرب منه الاجتهاد فيسقط عن غيره.

وعلى فرض العدم ، فالظاهر عدم الوجوب على الكل ، بل على من يتوقع منه ذلك ، ويجوز العمل لهم ولغيرهم بقول العلماء المتقدمين حينئذ والاحتياط ان أمكن حتى يوجد.

على انه قد منع في الذكرى خلو الزمان عن المجتهد ، وأيضا يقال : انه لا يتم هذا على (ما ظ) من اخترت : من عدم دلالة الأمر على النهي عن الضد الخاص ، وان ليس ذلك كلام المحققين ، فتأمل ، فإن هذا البحث قد مر مرارا.

واما الاخبار الدالة على ذلك : فهي رواية على بن أسباط عن ابن بكير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتصيّد اليوم واليومين والثلاثة ، أيقصر الصلاة؟ قال : لا ، الا ان يشيع الرجل أخاه في الدين فان التصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه ، وقال : يقصر إذا شيع أخاه (١) هذه بطريقين الى على بن أسباط ، وهي ظاهرة في المنع عن التقصير في مطلق مسير باطل يريد التصيد للهو على ما هو الغالب.

ورواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (٢)) قال : الباغي : الصيد والعادي السارق ، وليس لهما ان

__________________

(١) الوسائل باب (٩) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧

(٢) البقرة : ١٧٣

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها ، هي عليهما حرام ، ليس عليهما كما هي على المسلمين ، وليس لهما ان يقصرا في الصلاة (١)

ورواية عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج الى الصيد ا يقصر أو يتم؟ قال : يتم ، لانه ليس بمسير حق (٢) ولا شك ان جميع اسفار المعصية مسير باطل وليس بحق.

وفي مرسلة عنه عليه السلام قال قلت له الرجل يخرج الى الصيد مسيرة يوم أو يومين (أو ثلاثة) يقصر أو يتم؟ فقال : ان خرج لقوته وقوت عياله ، فليفطر وليقصر ، وان خرج لطلب الفضول فلا ، ولا كرامة (٣) فيها إشعار بالعلة هذه في الفقيه أيضا في الخارج الى الصيد.

ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عمن يخرج عن أهله بالصقورة والبزاة والكلاب يتنزه الليلة والليلتين والثلاثة ، هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال : انما خرج في لهو لا يقصر ، قلت : الرجل يشيع أخاه اليوم واليومين في شهر رمضان؟ قال : يفطر ويقصر ، فان ذلك حق عليه (٤)

فيها أيضا إشارة الى ان الخارج في حرام لا يقصر ، والظاهر صدقه على محل النزاع.

ورواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه قال : سبعة لا يقصرون الصلاة ، الجابي الذي يدور في جبايته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق الى سوق ، والراعي ، والبدوي ، الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر ، والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع

__________________

(١) الوسائل باب (٨) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٩) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤

(٣) الوسائل باب (٩) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥

(٤) الوسائل باب (٩) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١ وأورد ذيله في باب (١٠) من هذه الأبواب حديث : ٤

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السبيل (١)

ورواية عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : من سافر قصر وأفطر ، الا ان يكون رجلا سفره الى صيد ، أو في معصية الله ، أو رسول لمن يعصى الله ، أو في طلب عدو أو شحناء ، أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين (٢)

وهذه كالصريح في المطلب ، وتدل على تحريم الرسالة لمن يعصى الله ، كأنه فيما يعصى الله ، وظاهرها عامة.

ورواية أبي سعيد الخراساني قال : دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان فسألاه عن التقصير؟ فقال ، لأحدهما وجب عليك التقصير ، لأنك قصدتني ، وقال للآخر وجب عليك التمام ، لأنك قصدت السلطان (٣)

فيها دلالة على تحريم قصد السلطان الجور ، فملازمته وخدمته بالطريق الاولى ، ويؤيده ما سبق من تحريم رسالته.

واعلم ان ليس هنا خبر يكون سنده خاليا عن قصور ، إلا رواية عمار بن مروان ، فإنها صحيحة في الفقيه على الظاهر ، وهي ظاهرة في التعميم الذي ذكره الأصحاب ، وقال في المنتهى : ان رواية عبيد بن زرارة موثقة ، وفيه تأمل ، لجهل ابن فضال (٤) الواقع في الطريق.

واما دلالتها على العموم فظاهرة في البعض ، فالاعتماد هنا على قول الأصحاب ، ونقل الإجماع على ما مر ، وعدم وجود الخلاف ، مع التأييد بالأخبار الكثيرة المشهورة المعمولة ، وبالوجه العقلي الذي تقدم.

ويستفاد التعميم من كلامهم ، حتى قال في المنتهى ، بعد رواية عبيد ، والتعليل

__________________

(١) الوسائل باب (١١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩

(٢) الوسائل باب (٨) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣

(٣) الوسائل باب (٨) من أبواب المسافر حديث : ٦

(٤) سند الحديث كما في التهذيب (احمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة).

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يدل على التعميم ، وسائر كلامهم في بيان أصل المسئلة فإنهم يعدون من شروط القصر ان يكون السفر سائغا.

فالتخصيص ببعض المحرمات على ما ذكره الشارح ، غير ظاهر الوجه : إذا لا دليل على ذلك ، فإنه ان كان العمل بالدليل العقلي فهو عام ، والإجماع كذلك ، والشهرة والعبارات ، وان كان بالاخبار مع عدم صحة الأكثر فليس فيها أيضا تخصيص بما ذكره ، والتعميم في جميعه ، لأنه ان كان النظر الى ما نص فيها فهو أمور خاصة ، وان كان الى الظاهر ، مثل ما يستفاد من التعليل والإشارة فهو عام ، فتأمل ، هذا.

واعلم انه يمكن الفرق بينما مثله الأصحاب وقالوا بعدم الترخص معه وبين ما ألزمهم الشارح به مثل تارك التعلم بالسفر ، بان المراد بالمحرم الذي يوجب القصر ، هو المحرم أصالة ، بأن يكون النهي من الشارع ورد به صريحا ، لا المستلزم له ، فان المحرم فيما ذكره ترك التعلم ، لا السفر ، بل هو حرام بالاستلزام ، وما ورد من الشارع النهي به صريحا.

أو (١) يقال : المراد بالعاصى بالسفر ما يكون السبب هو السفر ، ولا شك في وجود هذا المعنى في العبد والزوجة مع عدم الاذن ، وكذا في الفار عن الزحف ، فان الفرار كبيرة ، ويمكن وجود النهي في تارك العرفة والجمعة أيضا ، وخفائه عنا لا يدل على العدم ، وان لم يكن ذلك فيمكن القول بجواز الترخص ، على ان في الجمعة اشكالا عرفته في محله ، بخلاف تارك التعلم.

أو يقال : ان الفرق بينهما وبين تارك التعلم ، انه هو تاركه وفاعل للمحرم سواء سافر أم لا ، وليس السبب هو السفر ، بل عزمه مع عدم فعله ذلك ، وان كان ذلك حاصلا مع كونه في السفر أيضا ، لأنه السبب.

ولو فرض ان لا سبب له الا السفر الغير الضروري ، يقال بعدم الترخص ، و

__________________

(١) عطف على قوله : بان المراد بالمحرم إلخ ، وكذا قوله : أو يقال : ان الفرق بينهما إلخ

٣٨٤

والصائد للتجارة يقصر في صلاته وصومه على رأى.

______________________________________________________

ليس محذور الشارح هنا بموجود ، وهو لزوم عدم التقصير إلا لأوحدي من الناس ، وهو ظاهر على معتقده أيضا ، إذ قليل من الناس على ذلك الوصف ، يعنى ما يكون سبب تركه لواجباته (الواجبات خ) الا السفر الغير الضروري.

ولو فرض جريان مثل ذلك في أمثلة الأصحاب ، لأمكن القول بجواز الترخص للتارك حينئذ أيضا ، ولهذا ظاهرهم جواز الترخص لتارك الحج ، وهو تارك للعرفة وأعظم.

فتأمل فيه ، فإنه يؤيد عدم القول بالتعميم ، عدم صحة الاخبار ، وصراحتها ، وعدم ظهور الإجماع على العموم الشامل لمثلها ، ولهذا ما ذكروه مع كثرة ذكرهم الأمثلة ، ولو كانت منها. كان ينبغي الذكر ، فإنها أحوج إلى الذكر ، لخفائها وعموم البلوى.

وبالجملة يغلب الظن بوجوب القصر ، على من زعم الشارح كونهم عاصين بسبب ترك التعلم والاشتغال بالعلم ، والدليل عليه عموم أدلة القصر ، وظهور شمولها لهم ، مع عدم ظهور دليل الاستثناء فيهم ، بل هنا القول به أيضا غير ظاهر : فاما ليسوا بعاصين أصلا على ما قلناه أولا ، أو عاصين ، الا انه لا عموم في عدم ترخص كل عاص ، بحيث يدخلون فيه على ما قلناه ثانيا ، وقد أشرنا إلى مثله في صلاة الجمعة أيضا ، فتذكر ، فتأمل ، والله الهادي.

قوله : «والصائد للتجارة يقصر إلخ» دليله واضح ، وهو وجود المقتضى ، وهو السفر مع الشرائط لدليله ، وعدم المانع ، هنا إلا صيد التجارة ، وهو غير مانع ، للأصل وكونه سائغا.

والظاهر عدم مانعيته وقد ادعى الشارح الإجماع على عدم كون السفر للتجارة في غير قصد الصيد مانعا ، وان الصيد للتجارة مثله.

وهو محل التأمل لأن القائل بوجوب إتمام الصلاة ، لا يسلم مثليته وعد مانعيته

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مطلقا ، بل نقل الإجماع هو أيضا (١) عن ابن إدريس على إتمام الصلاة ، فهو بالحقيقة إجماع على المانعية.

وأيضا يمكن ان يستدل بالأخبار الدالة على وجوب التقصير على المتصيد مطلقا ، وإذا لم يكن للهو مثلا مثل رواية عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتصيد؟ فقال : ان كان يدور حوله فلا يقصر ، وان كان تجاوز الوقت فليقصر (٢)

الظاهر مراده محل التقصير مع قصد المسافة ، لغيرها (٣) وظاهرها عموم المتصيد حيث ترك التفصيل ، وخرج المتصيد للهو بالإجماع المنقول في المنتهى على ما مر ، والاخبار الكثيرة المتقدمة ، فيبقى الباقي تحتها ، وغيرها مما تقدم من الاخبار :

وبان الإفطار ثابت بالإجماع والاخبار ، فكذا قصر الصلاة ، لما في صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : هذا واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت (٤) وظاهرها العموم العرفي ، وان قيل ان (إذا) للإهمال : قال الشارح : لأن في (إذا) معنى الشرط ، فيعم.

وعموم الشرطية بدون سورها ، غير ظاهر ، وليس للشيخين وابن إدريس دليل واضح على ذلك والإجماع المنقول في مثلها ليس بحجة ، والحاصل انه لا ينبغي النزاع في ان الصيد للقوت أو التجارة أو وجه أخر مباحا ، موجب للقصر مطلقا مع الشرائط ، بل صيد اللهو أيضا لو لا الإجماع المنقول ، وبعض الاخبار الدالة على ذلك وعلى تحريم صيد اللهو ، وتحريم اللهو ، وعدم الخلاف.

__________________

(١) قال الشارح في روض الجنان ص (٣٨٨) ما هذا لفظه (ونبه ـ اى المصنف ـ بالرأي على خلاف جماعة من الأصحاب منهم الشيخان حيث أوجبا إتمام الصلاة ، بل ادعى عليه ابن إدريس الإجماع ، انتهى موضع الحاجة

(٢) الوسائل باب (٩) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

(٣) أي لأجل غير هذه الرواية

(٤) الوسائل كتاب الصوم باب (٤) من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ١

٣٨٦

الخامس : عدم زيادة السفر على الحضر ، كالمكاري ، والملاح ، وطالب القطر والنبت ، والأسواق ، والبريد ، والضابط ان لا يقيم في بلده عشرة أيام ، فإن أقام أحدهم عشرة فصاعدا قصر ، والا أتم ليلا ونهارا على رأى.

______________________________________________________

على ان تحريم اللهو ومعناه غير ظاهر عندي ، لعدم صحة الاخبار ، وعدم بيان اللهو ، فالعمدة في ذلك الإجماع المتقدم مع عدم الخلاف ، مؤيدا بالاخبار.

قوله : «الخامس : عدم زيادة السفر على الحضر إلخ» قال الشارح تسمية هذا النوع : زائد السفر ، وكثير السفر حقيقة شرعية بالشرائط المذكورة ، وآية الحقيقة فيه مبادرة ذهن أهل هذا العرف عند إطلاق اللفظ الى من اتصف بالشروط المذكورة ، وحينئذ فلا يرد عليه ما أورد المحقق في المعتبر ، من انتقاضه بمقيم عشرة في بلد ومسافر عشرين ، فإنه يصدق عليه زيادة السفر على الحضر مع ان فرضه القصر إجماعا ، قال : بل الاولى ان يقال : ان لا يكون ممن يلزمه الإتمام سفرا كما تضمنته الروايات السابقة ، وما ذكره من الأولوية غير ظاهر ، لعدم انحصار المتم سفرا فيمن ذكره ، فلا يكون العبارة مفيدة للمقصود ، فان العاصي بسفره وطالب الآبق مع تماديه في السفر ، وكل من لم يقصد المسافة مع وصوله إليها ، أو قبل وصوله ، يصدق عليه انه متم سفرا ، وليس مقصودا هنا (١)

وأنت تعلم ان ليس هنا حقيقة شرعية ، بل ما ثبت حقيقة شرعية أصلا ، مع انه ما يحتاج إليها ، بل يكفيه الحقيقة العرفية لأهل الشرع : ومع ذلك يمكن منعها خصوصا في زيادة السفر وكثرة السفر ، وان سلم في كثير السفر ، ومعلوم أيضا : ان مقصود المحقق الإتمام بسبب كثرة السفر بعد تحقق باقي الشرائط ، فلا يرد نقض الشارح.

والاولى ان يقال : ان لا يكون مكاريا ، ويسمى ما يخرج في الخبر الصحيح

__________________

(١) الى هنا عبارة الشارح

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بخصوصه ، أو بعبارة تخصه كما ستعلم.

ثم اعلم : ان ما يستفاد من كلام بعض الأصحاب من جعل هذا الشرط : عدم كون السفر أكثر من الحضر ، وعدم كونه كثير السفر هو المشهور ، وما أجد له مستندا ، فلا ينبغي النظر اليه ، والبحث في تحققه : بأنه يتحقق في المرتبة الثانية ، أو الثالثة ، وغيرها من الأبحاث المتعلقة به ، بل الذي يستفاد من الاخبار ما يفهم بعد الاطلاع عليها ، وهي صحيحة محمد بن مسلم (قالها في المختلف) عن أحدهما عليهما السلام قال : ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير ، ولا على المكارين ، ولا على الجمالين (١) مع ان في الطريق محمد بن عيسى (٢) وفيه قول ، لكنه لا بأس به :

قيل : الملاح صاحب السفينة ، والمكاري من يكري دابته للناس ويذهب معها ، اى المعد نفسه لذلك ، والجمال هو ذلك ، الا انه يكري الجمل.

وصحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر عليه السلام : أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر ، المكاري ، والكرى ، والراعي ، والاشتقان ، لانه عملهم (٣)

قال في المختلف : الاشتقان ، هو الأمير الذي يبعثه السلطان على حفاظ البيادر.

قال في الفقيه : هو البريد : واما الكرى ، فهو المكاري ، وقيل انه من أسماء الأضداد ، يكون بمعنى المكاري والمكترى ، ولا يناسب هنا الأول ، للتكرار ، ولا الثاني ، لعدم التمام على المكترى ، ويحتمل ان يراد به البريد ونحوه بنوع من المجاز.

ورواية إسحاق بن عمار ، قال سألته عن الملاحين والاعراب ، هل عليهم تقصير؟ قال : لا ، بيوتهم معهم (٤) وفي الطريق محمد بن عيسى عن يونس ، مع القول

__________________

(١) الوسائل باب (١١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٨

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (احمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن ابى المعزى ، عن محمد بن مسلم)

(٣) الوسائل باب (١١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

(٤) الوسائل باب (١١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في إسحاق (١) ومع ذلك قال في المنتهى ، في الصحيح عنه ، كأنه يريد الصحة إلى إسحاق ، فتأمل.

ورواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عليهم السلام قال : سبعة لا يقصرون الصلاة ، الجابي الذي يدور في جبايته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق الى سوق ، والراعي ، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر ، والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل (٢) قال في المنتهى انها موثقة ، وذلك غير واضح ، لان ابن أبي زياد مشترك بين اثنين ، وهو السكوني العامي ، وآخر الثقة (٣) فإن كان هو الأول كما هو الظاهر ، فهي لا يكون صحيحة ولا موثقة ، لان السكوني غير موثق ، بل قيل انه عامي ، نعم الطريق اليه صحيح ، وان كان غيره فهي صحيحة ، وصرح به في المختلف.

فالذي يستفاد منها عدم التقصير على من يصدق عليه اسم المكاري والكرى والملاح والراعي والاشتقان ، من غير اعتبار شي‌ء من كثرة السفر وعدده ونقل ذلك في الشرح عن ابن إدريس في المكاري والملاح والتاجر والأمير لوجود هم في الصحيح ، وان قال في صحيحة زرارة (قد يجب) ولكنها موجودة في الفقيه ، بغير (قد) مع مجيئها بمعنى التحقيق في المضارع.

ولا يبعد ذلك في الاعراب ، كأنه البدوي الذي يطلب مواضع القطر.

وكذا جميع من في رواية إسماعيل ، لكن ليس بظاهر كونه من جهة كثرة السفر. بل المحارب والصائد لهوا ، للتحريم ، كما مر والراعي والبدوي ، لأجل عدم

__________________

(١) سند الحديث كما في الكافي (على بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن إسحاق بن عمار)

(٢) الوسائل باب (١١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩

(٣) سند الحديث كما في التهذيب (احمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن أبي زياد)

٣٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

تحقق السفر الذي موجب للقصر لعدم قصده ، بل قصده هو القطر ومنبت الشجر ، فهما ، كطالب الآبق ، وكذا الجابي والأمير والتاجر مع احتمال التحريم في الأمير أيضا ، فما بقي من ما نحن فيه الا المكاري والكرى والملاح والاشتقان ، مع انهم يحتملون غيره كعدم القصد وعدم السفر والتحريم : فكل من يصدق عليه احد هذه الأسماء يجب عليه التمام.

نعم قد يستفاد من العلة المذكورة في صحيحة زرارة التمام على كل من كان عمله السفر مثلهم ، وذلك غير بعيد ، فمدار التمام على التسمية والعمل ، لعل الأصحاب أخذوا كثرة السفر ، وزيادته ، من العمل ، فان المراد ليس الدوام ، بل الأكثر والأغلب وهو قريب ، لكن لا بالمعنى الذي ذكروه من ثلاث سفرات أو سفرين على التفصيل المذكور ، فإنه لا يفهم ، بل صدق كون عمله ذلك ، مثل المكاري.

وفي رواية عبد الله بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام إشارة أيضا إليه ، حيث قال : كتبت الى أبي الحسن الثالث عليه السلام ان لي جمالا ولى قوام عليها ، ولست اخرج فيها إلا في طريق مكة لرغبتي في الحج ، أو في الندرة الى بعض المواضع ، فما يجب على إذا أنا خرجت معهم ، الى قوله ، فوقع عليه السلام إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كل سفر الا الى طريق مكة فعليك تقصير وإفطار (١) فينبغي ان يجعل الشرط عدم صدق الاسم المذكور في الاخبار.

وبالجملة قد تحقق وجوب القصر على المسافر حال السفر ، بعموم أدلته ، وكذا بأدلة ما لم ينو مقام عشرة إلا ثلاثين يوما مترددا ، ولا يكاد يوجد دليل مخرج لما ذكره الأصحاب عنه ، إذ ليس الآن منها موجودة إلا ما عرفته ، وليس غيره مذكورا في الأصول والفروع على ما رأيته ، نعم يمكن إخراج المكاري والملاح والاشتقان والراعي أيضا ، ومن كان عمله ذلك ، وان تحقق السفر الموجب للقصر لغيرهم ، للرواية الصحيحة المؤيدة بغيرها ، والعمل والعلة.

__________________

(١) الوسائل باب (١٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤ وفي الوسائل عبد الله بن جعفر عن محمد بن جزك

٣٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

مع احتمال حملها على غير السفر الموجب للقصر ، بان يكون حراما في الاشتقان على ما أشار إليه في المختلف ، وهو ضعيف ، وفي الكل عدم تحقق القصد إلى مسافة معينة ، وفي الملاح كون بيته معه ، ولهذا أوجب ابن أبي عقيل : القصر على الكل من غير استثناء ، على ما نقل في المختلف.

ولكن الأول لعله أظهر ، للعموم والشهرة العظيمة ، وقول العمداء من العلماء.

واما الضابطة في الخروج عن ذلك الحكم : فالذي يقتضيه نظري في الأدلة ، الخروج عن الاسم ، بترك العمل الا نادرا : بحيث لو قطع النظر عن حالة السابقة ، وينظر الى حاله الان ، لا يصدق عليه ذلك الاسم ، لعين ما مر.

واما عند الأصحاب ، فذكر البعض : ان الضابطة في الابتداء ان يسافر إلى مسافة ثلاث مرات بحيث يتجدد حكم التمام بعد كل واحدة من الأولتين ولا يقيم عقيب واحدة منهما عشرة أيام في بلده مطلقا ، أو في غير بلده مع نيته الإقامة ، فإنه يصير في الثالثة كثير السفر ، وبعضهم جعله في الثانية كثير السفر ، ويلزمه فيها الإتمام.

والضابط في بقاء الحكم ان لا يقيم في بلده عشرة مطلقا ، وفي غيره مع النية فإن أقام ذلك انتفى عنه الوصف : وبعضهم شرط عدم تخلل العشر الموجب للإتمام مطلقا ، ولو كان بالإقامة بعد الثلاثين : وقالوا : يتحقق السفر الموجب للكثرة بعدده بوصوله الى محل الإقامة مع إتمام الصلاة مثل بلده مع عدم إقامة العشرة.

وما وجدت لهما دليلا ، سوى ما مرت إليه الإشارة للأولى ، واما للثانية فلا ، إلا رواية يونس الاتية ، ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال : المكاري ان لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل ، قصر في سفره بالنهار ، وأتم بالليل ، وعليه صوم شهر رمضان ، فان كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام وأكثر ، قصر في سفره وأفطر (١) كذا في التهذيب.

__________________

(١) الوسائل باب (١٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

قال المصنف : في المنتهى : قال الشيخ : هؤلاء ، أي السبعة المتقدمة ، إنما يتمون إذا لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيام ، لما رواه عبد الله بن سنان ، ونقل هذه الرواية إلخ ، ثم قال : هذه الرواية مع سلامتها تدل على المكاري خاصة.

وأنت تعلم (مع عدم سلامتها) عدم دلالتها على مقصود الشيخ الذي قدمه أصلا في المكاري أيضا ، لعل في العبارة غلطا : يؤيده ما وجد في الفقيه بعد قوله ، يذهب إليه عشرة أيام وأكثر (وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر) الى آخره مع صحتها فيه ، لكن في مضمونها تأمل.

ثم قال : قال الشيخ : لو أقاموا في بلدهم خمسة أيام لزمهم التقصير في الصلاة والإتمام في الصوم لهذه الرواية ، وفيه اشكال ، وأنت تعلم عدم دلالتها على هذا المطلب أيضا وهو ظاهر ، فتأمل.

ثم قال أيضا وما روى من الروايات الدالة على التقصير مطلقا للمكاري وشبهه فهي محمولة على رواية ابن سنان.

وفيه إشكال ، إذ ما نجد قائلا بمضمون رواية ابن سنان الا ما نقل عن الشيخ ومن تابعه في المختلف في بعض مضمونها. وما مهدوه من الضابطة شي‌ء آخر غير مضمونها ، وحملها في المختلف على النافلة بعد نقل القول بمضمونها عن الشيخ وابن البراج وابن حمزة محتجين بها ، وأجاب بذلك (١) وصرح بان لا قطع إلا بعشرة أيام ، إلا أن يأوّل : بأن المراد بعد الخروج عن ذلك البلد لا قبله ، وحذف أولها : أو أوله بما اوله وحمله بما حمله :

قال في المختلف روى محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام قال :

المكاري والجمال إذا جدّ بهما السير فليقصرا (٢)

__________________

(١) قال في المختلف ص (١٦٣) بعد نقل رواية عبد الله بن سنان ما هذا لفظه : والجواب انها تحمل على تقصير النافلة بمعنى انه يسقط عنه نوافل النهار انتهى

(٢) الوسائل باب (١٣) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الموثق عن الفضل بن عبد الملك قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المكارين الذين يختلفون؟ فقال : إذا جدوا السير فليقصروا (١)

(كان التوثيق لوجود ابان بن عثمان ، إذ ليس فيها غيره ، ممن يمكن كونه كذلك وهو أيضا ممن لا بأس به ، وقبوله كما يعلم من المصنف في الخلاصة وغيرها)

قال محمد بن يعقوب الكليني : الوجه في هذين الخبرين : ان المراد به على من يجعل المنزلين منزلا فيقصر في الطريق ويتم في المنزل ، ونقله الشيخ وحمله عليه ، لما رواه عمران بن محمد بن عمران الأشعري عن بعض أصحابنا يرفعه الى أبي عبد الله عليه السلام قال : الجمال والمكاري إذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين ، ويتما في المنزل (٢) والأقرب عندي حمل الحديثين على انهما إذا أقاما عشرة أيام تامة قصرا (٣) فالذي يفهم من حمله هذا ، ومن مواضع أخر من كلامه في كتبه : ان الضابطة في انقطاع حكم هؤلاء ، هو إقامة العشرة بالتفصيل الذي مر على ما قيل ، فكيف يحمل سائر الروايات التي أشار بها إليهما (ونحوها في المنتهى) على رواية عبد الله بن سنان المتقدمة مع مخالفة مضمونها لذلك ، الا ان يسقط أولها : أو يأوّل. على ان هذا الحمل بعيد ، كيف يفهم ذلك من قوله (إذا جد بهما) ولو أمكن ذلك ، لأمكن حملها على الخارج عن الاسم أيضا ، وحملهما الشارح على قصد المسافة قبل تحقق الكثرة ، وهو أيضا بعيد ومناف للاخبار الدالة على وجوب التمام للمكاري مثلا ، فيحتاج إلى التأويل ، لو صح عدم وجوب التمام في أول السفر مع صدق المكاري ، كما ظهر من تعريفه إياه (أنه المعد نفسه لأن يكري دابته لغيره) حتى ما صرح بوقوعه بالفعل ، والظاهر ان مراده يفهم من أول كلامه.

والظاهر : حملهما على ما حمل عليه الشيخ ، مسبوقا ب محمد بن يعقوب الكليني

__________________

(١) الوسائل باب (١٣) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (١٣) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣

(٣) الى هنا كلام العلامة في المختلف

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

صاحب الكافي رحمه الله. ولعل الحكمة انهم ، لما خرجوا عن السفر العادي الذي هو بمنزلة الحضر لهم ، ودخلوا فيما هو أمر حادث بالنسبة إليهم ، وهو سفر سريع ، فيكون هو سفرا لهم.

والذي يظهر ، ان ليس لهم سند إلا رواية يونس الاتية ، ورواية عبد الله بن سنان ، وتلك أيضا غير واضحة ، فإن أولها ينافي قولهم ، وهو صريح وآخرها يدل : على انه إذا أراد الإقامة عشرة في بلد ، يقصر في الطريق اليه قبله ، نعم يمكن الحمل على ما قالوه خصوصا ما في الفقيه وبالجملة (في بلد يقصر في الطريق خ) : ليست بصريحة ، مع التنافي في الجملة ، ولا يمكن حذف الأول ، مع ان الشيخ وابن براج وابن حمزة قائلون به في الجملة ، وقال الشارح : ومال المحقق الى العمل بمضمونه ، ونقل عن ابن الجنيد القول بالاكتفاء في التقصير بإقامة ما دون خمسة كما دل عليه الخبر ، والتأويل بما أوله في المختلف ـ وهو انه محمول على قصر النافلة في النهار ـ بعيد لا يفهم ، مع ان آخر الكلام في الفريضة ، وهو مع أوله في شي‌ء واحد. مع عدم ظهور قائل بذلك ، وعدم الفرق بين الفريضة والنافلة عندهم في السقوط وعدمه.

وبالجملة ضابط كثرة السفر ـ وجعلها حاصلة في الثالثة كما هو مذهب البعض ، أو الثانية كما اختاره في المختلف ، والقطع بإقامة عشرة في بلده مطلقا ، وفي غيره مع النية ـ مما لا نجد عليه دليلا.

ويفهم من المنتهى حصر التمام في السبعة التي تدل عليها رواية إسماعيل بن أبي زياد ، وهو مشعر باعتبار التسمية في حصول التمام ورفعه فتأمل ، ويبعد القول : بأنه يرتفع الحكم (بالخمسة ظ) بالعشرة على التفصيل في المكاري فقط ويقاس عليه غيره أيضا : لاحتمال الرواية لذلك على التأويل ، خصوصا ما في التهذيب ، فإنه يحتاج إلى التأويل مع القول بجميعها لا القول بالاخر فقط ، وحذف الأول ، فإنه بعيد جدا (١) وهو لزوم القصر بالنهار والإتمام بالليل وصوم شهر رمضان ، على تقدير

__________________

(١) أي التأويل مع القول بجميعها

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الإقامة في بلده خمسة أو أقل والقصر مطلقا مع الإقامة عشرة.

مع ان ظاهرها منافية لما تقدم ، خصوصا لقوله عليه السلام (إذا قصرت أفطرت (١) والفرق بين الليل والنهار ، وفعل الصوم تابعا للّيل : مع عدم الصحة في التهذيب ، وعدم الصراحة : والخروج عن الحكم الثابت بالنص والإجماع بمثله ، مشكل ، جدا ، نعم لو كان إجماعيا يمكن القول به ، والتأويل والتصرف لأجله ، والا لا يمكن القول بما هو المشهور بهذه الرواية ، مع مخالفتها للمشهور من جهات متعددة ، وعدم الصراحة في المطلوب ، والاحتياج إلى التأويل والخروج عن الحكم الثابت بالنص والإجماع ، وتخصيص ذلك ، فتأمل.

ثم تأمل في قوله : والضابط ان لا يقيم في بلده عشرة في بيان الضابط الموجب لترك القصر ، وهو واقع في الشرائع أيضا ، فإن الظاهر انه ضابط في بقاء حكم كثيرة السفر ، لا في تحققه.

فان حمله على ذلك يحتاج الى تقدير كثير في الكلام ، مع ان ظاهره انه ضابط للتحقق ، ومعلوم عدم الإرادة في المتن ، فإنه يفهم من آخره انه ضابط للبقاء

فالضابط في التحقق هو الاسم كما أشار إليه في المنتهى ، وكذا في الفقيه حيث نقل الاخبار فقط ، ولم يذكر كثرة السفر أصلا وجودا وعدما ، فيعلم ان فتواه وجوب التمام على من في الروايات ، وقال : الاشتقان هو البريد.

والذي يدل على قطع الحكم عن المكاري ـ مع رواية عبد الله القاصرة عن الدلالة ـ رواية يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله ، في الاستبصار ، قال : سألته عن حد المكاري الذي يصوم ويتم؟ قال : أيما مكار أقام في منزله ، أو في البلد الذي يدخله أقل من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام ابدا ، وان كان مقامه في منزله ، أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإفطار (٢) وفي

__________________

(١) الوسائل كتاب الصوم باب (٤) من أبواب من يصح منه الصوم قطعة من حديث : ١

(٢) الوسائل باب (١٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١ في التهذيب عن بعض رجاله عن ابى عبد الله

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

سنده معه إرسال وإضمار ، مع إسماعيل بن مرار المجهول (١) وفي متنه التسوية بين البلد وغيره ، واشتراط أكثر من عشرة أيام ، وينبغي عشرة ، فكأنّ المراد عشرة والزيادة.

وبالجملة هذه أحسن ، لكونها مستندة لما هو المشهور بينهم ، من القطع بإقامة العشرة وما يجمع به بين الاخبار المتقدمة. والتي تدل على وجوب القصر عليهم دائما ، المحمولة على بعد إقامة العشرة مثل روايتي إسحاق عن أبي إبراهيم عليه السلام قال سألته عن المكارين الذين يكرون الدواب ، وقلت يختلفون كل أيام ، كلما جائهم شي‌ء اختلفوا؟ فقال : عليهم التقصير إذا سافروا (٢) على ان سند إحداهما ليس فيه من فيه شي‌ء إلا إسحاق (٣) وهو ممن لا بأس به.

فالقطع (٤) ، بما هو المشهور ، لا بأس به ، لما مر ، والشهرة ، بحيث لا يظهر قول غيره بالصريح ، واعمالا لاية التقصير مهما أمكن ، وأدلته ، ويلزم منه القول بالتعدد ، ولا بأس حينئذ بمختار المختلف وغيره ، هذا.

ولما كان الدليل أعم ، مع الشهرة ، فما كان ينبغي الحصر في بلده ، وان أريد بلد يصل اليه ، فيحتاج الى التفصيل بالنية في غير بلده ومطلقا فيه ، وذلك لا يستفاد ، ويحتاج إلى زيادة التأمل ، بسبب انضمام قول الشارح اليه بعده بلا فصل ، ومستند ذلك أخبار كثيرة كصحيحة زرارة ، ونقل الأخبار المتقدمة في الملاح وغيره ، لا الدال على الضابط ، فإنه يدل على وجودها في بيان الضابطة أيضا مع الخلو عنها الا ما

__________________

عليه السلام

(١) سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن احمد بن يحيى ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن بعض رجاله)

(٢) الوسائل باب (١٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣ ـ ٢ والمراد من قوله (إحداهما) هو حديث : ٣

(٣) سند الحديث كما في التهذيب (سعد ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، ومحمد بن خالد البرقي ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسحاق بن عمار)

(٤) اى قطع حكم كثرة السفر

٣٩٦

السادس : خفاء الجدران والأذان ، فلا يترخص قبل ذلك ، وهو نهاية التقصير.

______________________________________________________

عرفت ، ولعل مراده دليل أصل الشرط ، ولهذا ما ذكر غيرها.

ثم ان الظاهر ان العشرة بعد الثلاثين ، لا يبعد كونها مثل العشرة في البلد ، لانقطاع السفر مع العشرة تماما والخروج عن كونه مسافرا : لصدق الإقامة في بلد عشرا على ما في الرواية ، فإن الظاهر منه : ان المراد مع إتمام الصلاة ، ولما لم يكن الإتمام في العشرة في غير ما بعد الثلاثين ، وبلده الا مع النية إجماعا ، صير الى اشتراط النية فيها ، لذلك ، ولم يحتج إليها بعده بالإجماع ، وبالجملة : الخبر يصدق عليها في الجملة ، وما أخرجها شي‌ء.

ان قيل : ان في الثلاثين أيضا يصدق ، قلنا : لو سلم ، يخرج بالإجماع ، لاشتراط النية. ومنه علم عدم اعتبار الثلاثين ، وهو ظاهر ، لان الثلاثين ليس حكمه حكم الإقامة بل سفر عندهم ، وما بعده مثل البلد ، ولا يحتاج إلى النية ، للأصل ، وصدق الخبر مع الخلو ، وانما اعتبرت فيما اعتبرت للإجماع.

واما اعتبار التلفيق وعدمه مطلقا ، أو في غير البلد ، وفيما بعد الثلاثين : فالظاهر ان المدار على العرف ، فإذا أقام في البلد مطلقا ، ونوى فيه عشرة ، بحيث يقال انه أقام عشرة ، خرج عن الحكم ، والا فلا ، والظاهر انه ان لم يقم في البلد إلا شيئا يسيرا ، لا يلفق العشر من مثله ، فإنه إذا كان غالب ذلك اليوم مقيما مثلا في غيره ـ بحيث يقال انه أقام اليوم في ذلك المكان ، كما يقال في يوم القسمة وليلتها للزوجة وغيرها ، ولا يقال انه أقام في البلد ، الا انه توقف فيه قليلا ـ لا تلفق لصرف اليوم في غير البلد عرفا : وان لم يكن كذلك تلفق ، لصدق الإقامة عشرة ، فإنه لا يفهم التوالي بين الامام ، ولهذا لو نذر صومه لا يجب التتابع ، وكذا في سائر الأجزاء فتأمل.

قوله : «السادس خفاء الجدران إلخ» المذكور : هو المشهور بين المتأخرين : والاكتفاء بأحد هما هو المشهور بين أكثر المتقدمين على ما قيل ، فكأنه الأظهر : لصدق الضرب في الأرض ، والسفر ، والخروج من بيته ، فيدخل بخفاء أحدهما تحت أدلة

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

القصر : من الآية والاخبار ، ولأنهم أعرف بالاخبار ، والاحكام ، لكونهم أقرب الى المآخذ ، ولأنه أقرب الى الجميع بين الاخبار ، الدالة على اعتبارهما ، وبين الاخبار الدالة على انه لا بد من الدخول الى المنزل والأهل : وبينها ، وبين ما روى مرسلا من الاكتفاء بالخروج من المنزل ، كما هو مذهب على بن بابويه فيهما على ما نقل في المختلف : بان يقال : القرب من الدخول والخروج ، يسمى دخولا وخروجا ، فيصار اليه للجمع كما قيل.

وجعل العلامتين المتعارضتين ، علامة لحكم شرعي ، كثير في الشرع ، مثل الأشبار والوزن في الكر ، وسير يوم وثمانية فراسخ ، وفي نزح البئر وغير ذلك.

ولصحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ قال : إذا توارى من البيوت (١) وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن التقصير؟ قال : إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك (٢) كذا رأيتها في التهذيب والاستبصار والمختلف والشرح : وفي المنتهى فيها زيادة (٣) ما عرفت موضعها.

لان الجمع بينهما بالحمل على التخيير ، اولى من الحمل على الجمع لما مر.

ولان الجمع بالتخيير لا يلزم منه شي‌ء إلا ترك مفهوم كل واحدة بمنطوق أخرى : لأنه إذا قصر وقت عدم سماع الأذان مثلا ، مع عدم التواري وسئل عن ذلك : يقول لقوله عليه السلام (إذا كنت لا تسمع) ومعلوم تحققه ، والأصل عدم شرط آخر ، بل الظاهر أيضا ذلك إذ لو كان شي‌ء أخر لزم التأخير عن وقت الحاجة ،

__________________

(١) الوسائل باب (٦) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١

(٢) الوسائل باب (٦) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣

(٣) المراد من الزيادة التي نقلها في المنتهى ، هي جملة (إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم) وهذه الجملة موجودة في النسخة الموجودة عندنا من التهذيب ، واما في الاستبصار فخالية عنها ، راجع المنتهى صفحة (٣٩١) في صلاة المسافر ، وكتاب جامع احاديث الشيعة باب (١٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١

٣٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنه لا يفهم من قوله (إذا كنت إلخ) إلّا ان ذلك يكفى وان كان لبعض العلماء فيه بحث.

على ان اعتبار هذا المفهوم غير ظاهر ، لأن (إذا) ليست بصريحة للشرط ، بل هي للظرف قد يتضمن معنى الشرط ، وكذا الكلام في العكس.

اما على تقدير الجمع ، فلا بد من تقييد كل منهما بالاخر : بان يقال : المراد ، إذا كنت لم تسمع وتواريت من البلد أيضا ، وإذا توارى ولم يسمع الأذان أيضا : وكأن لذلك قال في المنتهى : خفاء الأذان أو غيبوبة الجدران شرط في الترخص ، ذهب إليه أكثر علمائنا ، وأشار الى خلاف على بن بابويه بقوله : وقال بعض الأصحاب : الحديث هنا (إذا خرج من منزله قصر) ثم نقل خلاف العامة.

وما رأيت له حديثا الا ما روى ابنه في الفقيه ، قال بعد رواية محمد بن مسلم المتقدمة ، وقد روى عن الصادق عليه السلام انه قال : إذا خرجت من منزلك فقصر الى ان تعود اليه (١) وهي لا تصلح معارضة للصحيحتين المشهورتين المعتضدتين بما مر ، وهما مبينتان للجملة من الآية والاخبار ، فلا تكون تلك أيضا أدلة له : ولعله ظهر لك وضوح جمع المتقدمتين ، بالتخيير ، فقول الشارح انه ليس بواضح ، ليس بواضح ، وأيضا أنهما مؤيدتان للاعتبار بوقت الفعل ، لا وقت الوجوب ، وسيجي‌ء تحقيقه ، هذا في الابتداء.

واما في الانتهاء : فعلى المذهب المشهور للمتأخرين ، يكفي لانتهاء القصر ووجوب التمام ، انتفاء أحد الأمرين المفهومين من الخبرين ، وعلى مذهب المتقدمين المشهور ، لا بد من رفعهما معا على الظاهر ، لأنه إذا كان أحدهما كافيا لوجوب القصر ، فلا يرتفع ذلك الا برفع الموجب ، ولا يتحقق الا برفعهما معا.

ونقل عن السيد وابن الجنيد وعلى بن بابويه عدم الانتهاء الا بدخول البيت والأهل ، وهو المناسب لمذهب علي دون مذهب السيد وابن الجنيد في الابتداء.

__________________

(١) الوسائل باب (٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥

٣٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل عليه ما روى في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يدخل ويقدم فيدخل بيوت مكة (الكوفة يب) أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل اهله؟ قال : بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله (١)

الا ان في إسحاق قولا بأنه فطحي ، غير انه ثقة وممدوح جدا في كتاب النجاشي ، وقال الشيخ انه ثقة وأصله معتمد وقال انه فطحي ، وأيضا ليس بمتفرد فيه ، ويفهم القبول حينئذ من الخلاصة أيضا.

وصحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته (٢) وظاهر الآية واخبار القصر أيضا معهم في الجملة : وقال الشيخ : (٣) فلا تنافي بينهما وبين الأول ، يعني صحيح عبد الله بن سنان المتقدم ، لجواز ان يكون معنى قوله (دخل بيوت مكة) ان يكون قريب الدخول من مكة مع عدم سماع الأذان ، لأنه ليس من شرط الأذان الإجهار الشديد.

وبمثله أجاب المصنف في المنتهى والمختلف ، مع قوله : انه لا بد من التأويل للجمع ، ولا يمكن التأويل في روايتنا ، ويمكن في هاتين بهذا الوجه.

ولا يخفى أنه مؤيد لما مر : من اعتبارهما معا ، وان خفاء الأذان أقرب من خفاء الجدران كما نجده : ولهذا توجه الشيخ الى توجيه الأذان أكثر.

__________________

(١) الوسائل باب (٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣

(٢) الوسائل باب (٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤

(٣) قال في الاستبصار بعد نقل خبر عبد الله بن سنان أولا وخبري عيص بن قاسم وإسحاق بن عمار ثانيا ما هذا لفظه : فلا تنافي بين هذين الخبرين ، والخبر الأول. لأن قوله : لا يزال مقصرا حتى يدخل أهله أو بيته. يكون مطابقا لما ذكره في الخبر الأول ، من انه : إذا خفي عليه الأذان قصر ، بان يكون حد دخوله إلى أهله غيبوبة الأذان عنه. وكون قوله : فيدخل بيوت مكة ، يجوز ان يكون المراد به ما قرب من مكة ، وان كان بحيث لا يسمع من يحصل فيها الأذان ، لأنه ليس من شروط الأذان الإجهار الشديد الذي يسمع من كان خارج البلد على بعد. وعلى هذا الوجه لا تنافي بين الاخبار انتهى

٤٠٠