مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وحمل دخول بيوت مكة على من قرب ، ولكن بحيث يتوارى البيوت عنه بعد ، بعيد جدا.

ويمكن ان يقال : ان مكة بلدة كبيرة يجوز خفاء الأذان المتوسط على من في أوائلها ، ويكون دخول البيت كناية عن القرب التام ، بحيث يخرج عن اسم السفر ، وقد يتسامح في مثل ذلك ، ويقال : فلان دخل بيته إذا قرب.

وأيضا يمكن حملهما على من أدرك الوقت مسافرا عند القائل بالقصر بذلك ، ولو دخل البيت ، فهما مؤيد ان له.

وان الخبر الأول أيضا يوجب الحمل والتأويل ، لا الثاني فقط ، حيث يفهم من الإستبصار ، لأنه ما نقل إلا الثاني ، لأن الأول دل على ان ابتداء السفر هو من حين التواري وان ما قبله ليس بسفر ، فإذا انتهى اليه فانتهى سفره وما بقي مسافرا ، فهذا أيضا مؤيد أخر للتأويل فإن المسافر هو المقصر ، وليس هذا بمسافر حينئذ ، فتأمل.

ويمكن الجمع بوجه أخر (وان قال المصنف في المنتهى لا وجه الا ما مر) بان يقال : يحتمل ان يكون المراد ببقاء القصر جواز إبل استحبابا أيضا الى دخول البيت ، والوجوب قبل سماع الأذان ، بل يمكن الوجوب أيضا ، إذ لا منافاة إلا بين منطوقي الأخيرتين ومفهومي الأولتين (١) ولا ينبغي مثل هذا التأويل البعيد لذلك ، لإمكان عدم اعتبار المفهوم خصوصا مثل هذا المفهوم ، وان كان الظاهر من سوق الكلام والسؤال هنا اعتباره فيما نحن فيه ، فيترك بالمنطوق الأقوى.

وبالجملة : لو وجد القائل بالجواز والاستحباب فهو حسن ، والا فمشكل ، فان القول بغير المشهور ـ مع عدم القائل ، وخلاف ظاهر بعض الاخبار الصحيحة ـ يحتاج إلى جرئة ، وان وجد فقد فعل الشيخ مثله كثيرا في الجمع ، حيث يقول

__________________

(١) يريد بالأخيرتين صحيحة إسحاق بن عمار وصحيحة عيص بن قاسم وبالأولتين صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمات

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

يحتمل التخيير ، ويحتمل كذا وكذا ، وأظن عدم القائل بالكل ، فتأمل.

والقول بما قاله جماعة مثل على بن بابويه والسيد وابن الجنيد لو كان مرادهم الوجوب ، لا يخلو عن اشكال ما ، لما مر ، نعم لو كان مذهبهم غير الوجوب كان القول به جيدا ، فتأمل.

والجواب عن الآية والاخبار بمنع الدلالة على ذلك : بأنه لا يقال المسافر لمن قرب منزله وبيته ولا الضرب في الأرض ، فتأمل ، فإن الظاهر هو الصدق في الجملة.

فروع

الأول : قالوا ان المراد الصوت المعتدل ، والجدران كذلك لا الصوت العالي والخفي ، ولا المنارة والجدران القصيرة ونحوهما.

الثاني : قالوا ان المراد جدران أخر البلد والقرية مع الصغر ، والا فالمحلة : وكذا أذان مسجد البلد والمحلة : ويحتمل كونه من بيته ، ونهاية البلد : وظاهر الدليل خفاء جميع بيوت البلد وأذانه ، ويحتمل جدران البيت والمحلة وأذانه : والتفصيل هو المشهور.

والحاصل انه ينبغي الاحتياط عملا بخفاء الكل واعتباره ، وفي الفتوى كذلك ، الا مع البعد المفرط عن بيته فتعتبر المحلة.

ويحتمل الاعتدال في الحاستين أيضا كما هو المتعارف والمتبادر ، واعتبار حال المسافر الا مع العدم فيرجع الى الاعتدال والأكثر ، واعتبار الا على بحيث لا يضر ، أحوط وأظهر ، وكذا يلاحظ الاعتدال في المرتفع والمنخفض ، مع احتمال اعتبار الحال خصوصا في المرتفع واختاره فخر المحققين.

الثالث : المراد الخفاء الحقيقي بحيث لا يسمع الأذان أصلا ، ولا يرى الجدران ، ولا يعتبر الشبح الغير المتميز على الظاهر.

الرابع : الظاهر ان الاعتبار في مثل بيوت الأعراب : بالأذان وعدم رؤية بيوتهم ،

٤٠٢

ومنتظر الرفقة يقصر مع الخفاء ، والجزم ، أو بلوغ المسافة ، والا أتم.

ولو نوى المقصر الإقامة في بلدة عشرة أيام ، أتم : وان تردد قصر الى

______________________________________________________

إذ لا جدار في الدليل ، بل الأذان والبيوت ، ويحتمل اعتبار محلة لهم والجدران ، وليس بلازم كما في القرى ، فان البعض صغيرة والبعض كبيرة ، وفيهما تفاوت كثير.

الخامس : الظاهر ان الأمر تقريبي ، ولهذا ابتنى بأمرين متفاوتين غالبا ، ويقبل التفاوت بالنسبة إلى السماع والقرى والمصر ومحل الأذان والمؤذن : والشريعة السمحة السهلة تدل على عدم الدقة ، ووجود الحكم بمجرد الصدق في الجملة ، ولهذا قلنا بأحدهما ، فإنه مبنى على عدم النظر الى هذه التفاوتات ، وعدم بيانها في الشرع ، يفيد سهولة الأمر ، وقطع النظر عن التفاوت في الجملة ، فإنه ليس التفاوت بينهما بأكثر من التفاوت بين أفرادهما ، فتأمل.

واعلم ان مراد المصنف : ان محل ابتداء التقصير هو نهايته ، وفهمه من العبارة واضح غير بعيد ، وليس في العبارة (١) قصور ، فإنه أراد بالمرجع الذي هو الخفاء ، اوله بنحو من الاستخدام ، أو بحذف الأول ، أو راجع الى ما ذكر معنى : فان الكلام في بيان السفر الشرعي ومحل التقصير ، فيمكن إرجاعه إلى أول مكان السفر ، أو أول محل التقصير ، وغير ذلك ، والأمر سهل.

قوله : «ومنتظر الرفقة إلخ» حكم أقسام هذه المسئلة مع دليله ظاهر : فان المنتظر قبل محل الترخص يتمم مطلقا ، والبالغ حد المسافة يقصر مطلقا ، وكذا من في البين مع الجزم بالسفر بدونهم قبل العشرة ، وكذا المعلق مع العلم العادي بمجيئهم قبل العشرة ، ويتم مع العدم ، فتأمل.

قوله : «ولو نوى المقصر الإقامة في بلدة عشرة أيام إلخ» قال في المنتهى : لو نوى المسافر الإقامة في غير بلده عشرة أيام ، أتم : ولو نوى دون ذلك قصر ، ذهب إليه

__________________

(١) إشارة الى ما في المتن من قوله : (وهو نهاية التقصير) وكلامه ناظر الى رد ما استشكله الشهيد في روض الجنان فلاحظ ص (٣٩٣)

٤٠٣

ثلاثين يوما ، ثم يتم ، ولو صلاة واحدة. ولو نوى الإقامة ثم بدا له ، قصر ما لم يكن قد صلى ولو واحدة ، على التمام.

______________________________________________________

علمائنا اجمع.

فيه تأمل ، لنقله الخلاف عن ابن الجنيد في المختلف ، بأنه تكفي الخمسة ، واستدل بما في حسنة محمد بن مسلم ، وسيأتي.

وحملها الشيخ على الاستحباب تارة ، وعلى من كان في المدينة ومكة أخرى ، لما في رواية أخرى عن محمد بن مسلم (ولا يتم في أقل من عشرة إلا بمكة والمدينة وان أقام بمكة والمدينة خمسا فليتم) (١) وفي سند هذه على بن سندي (٢) وهو مجهول ، مع الإضمار في قوله (سألته).

وكذا حمل عليه رواية حنان عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا دخلت البلدة فقلت اليوم أخرج أو غدا اخرج فاستممت عشرا فأتم (٣) قال : فهذا الخبر محمول على الاستحباب بدلالة ما قدمناه من الاخبار ، وهو بعيد.

ويدل عليه مع ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : له أرأيت من قدم بلدة الى متى ينبغي له ان يكون مقصرا ، ومتى ينبغي له ان يتم؟ قال : إذا دخلت أرضا فأيقنت ان لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة ، وان لم تدر ما مقامك بها ، تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين ان يمضي شهر فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وان أردت ان تخرج من ساعتك (٤)

__________________

(١) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة المسافر قطعة من حديث : ١٦

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن على بن محبوب ، عن على بن السندي ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم) وصدر الحديث (قال : سألته عن المسافر ، يقدم الأرض؟ فقال : ان حدثه نفسه ان يقيم عشرا فليتم ، وان قال : اليوم أخرج أو غدا اخرج ولا يدرى فليقصر ما بينه وبين شهر ، فان مضى شهر فليتم ، ولا يتم إلخ)

(٣) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٤

(٤) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وحسنة أبي أيوب (الثقة لإبراهيم) قال : سال محمد بن مسلم أبا عبد الله عليه السلام (أبا جعفر عليه السلام يب) وانا اسمع ، عن المسافر ان حدث نفسه بإقامة عشرة أيام؟ قال فليتم الصلاة ، فان لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوما ثم ليتم ، وان كان اقام يوما أو صلاة واحدة ، فقال له محمد بن مسلم : بلغني انك قلت خمسا؟ فقال قد قلت ذلك ، قال أبو أيوب : فقلت انا جعلت فداك : يكون أقل من خمسة أيام؟ فقال : لا (١) ، وهذه ليست بصريحة في الإتمام بخمسة ، إذ قد يكون قال ذلك لمصلحة ، مع انه ما صرح بأنه قال خمسة في أي شي‌ء. مع أنهما حسنة معارضة بأكثر وأشهر وأصبح ، مع التأييد بفتوى الأصحاب ، بل الإجماع.

وصحيحة معاوية بن وهب (وهي صريحة في التعارض) عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : إذا دخلت بلدا وأنت تريد المقام عشرة أيام فأتم الصلاة حين تقدم ، وان أردت المقام دون العشرة فقصر وان أقمت تقول غدا أخرج أو بعد غدو لم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك وبين شهر فإذا تم الشهر فأتم الصلاة ، قال : قلت : ان دخلت بلدا أول يوم من شهر رمضان ولست أريد ان أقيم عشرا ، فقال : قصر وأفطر ، قلت فان مكثت كذلك أقول غدا أو بعد غد ، فأفطر الشهر كله واقصر ، قال : نعم ، هذا (فقيه ، هما ـ خ) واحد إذا قصرت أفطرت إذا أفطرت قصرت (٢).

وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول : إذا أتيت بلدة فأجمعت (فأزمعت خ ل) المقام عشرة أيام فأتم الصلاة ، فإن تركه رجل جاهلا فليس عليه اعادة (٣)

وهي تدل على كون الجهل في القصر مقام الإتمام عذرا أيضا كالعكس ، وهو

__________________

(١) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٢

(٢) الوسائل باب (١٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٧

(٣) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣ ورواه أيضا في باب (١٥) من تلك الأبواب حديث : ٤ وفيه بدل (فأزمعت ـ فأجمعت) فلاحظ

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الإتمام مقام القصر ، وهي أيضا صريحة في المعارضة.

وصحيحة أبي ولاد الحناط (الثقة) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ان كنت نويت حين دخلت المدينة ان أقيم بها عشرة أيام ، وأتم الصلاة ، ثم بدا لي بعد ، ان لا أقيم بها ، فما ترى لي ، أتم أم أقصر؟ قال : ان كنت حين دخلت المدينة صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام ، فليس لك ان تقصر حتى تخرج منها ، وان كنت حين دخلتها على نيتك في التمام (المقام خ) فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك ان لا تقيم ، فأنت في تلك الحال بالخيار ان شئت فانو المقام عشرا وأتم ، وان لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر ، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة (١)

وعلى تقدير صحة المعارضة يحذف الواحدة ويبقى الباقي سالمة ، ولو كان مراد ابن الجنيد الجواز والاستحباب ـ على ما أول روايته الشيخ به ـ فالاحتياط ممكن ، والا فلا الا بالجمع ، مع ان أول روايته مشعر بعدم الإتمام إلا مع نية إقامة العشرة.

فقد ظهر مما سبق : ان القصد ـ مع العلم العادي بالكون في بلد عشرا ، على اى وجه كان ، سواء قصد ذلك قبل الوصول أو بعده ، أو يكون له شغل يعلم توقفه على ذلك ، وغير ذلك ـ موجب للإتمام : وانّ عدم ذلك موجب للقصر الى ثلاثين يوما ، أو شهرا.

ويحتمل الاكتفاء بالشهر الهلالي على تقدير الاتفاق ، والثلاثين على تقدير عدمه ، كما هو الظاهر من الشهر ، وكون الحكم كذلك في أمثالها على الظاهر كما سبق وسيأتي ، وللعمل بهما ، ولوقوعهما في الاخبار الصحيحة ، والشهر في الأكثر ، وهو حقيقة في الهلالي أيضا ، وقد لا يتفق ، فيكون كل في مادة ، وليست المنافاة الحاصلة ، بحيث لا يمكن الجمع حتى يحمل المطلق على المقيد ، على انه يحتمل التخيير بينهما.

__________________

(١) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فتأمل في قول الشارح : (وفي رواية أبي ولاد عن الصادق عليه السلام : يقصر المتردد الى شهر ، ويحمل على الثلاثين ، وان احتمل النقص جمعا بينها وبين ما روى عن الباقر عليه السلام من تعليق الحكم على الثلاثين ، فان المطلق يحمل على المقيد.)

ولكون الشهر في الروايات الصحيحة الكثيرة ، كما عرفت ، والمناقشة في كون الشهر بالنسبة إلى ثلاثين يوما مطلقا ، فتأمل :

وان رواية حنان عن أبيه ـ الدالة على الإتمام بعد العشرة مترددا ـ ليست بجيدة ، لمخالفتها لما هو أشهر وأصح وأكثر عملا ، بل القائل بها غير معلوم ، الا انه قال الشيخ (على طريق الجمع) بحملها على الاستحباب كما مر ، مع عدم صحة السند ، فالحذف اولى.

وان الرجوع عن نية الإقامة قبل الصلاة ، كعدم النية ، فيقصر أو يتم مع النية ، مثل ما وصل أولا ولم ينو أصلا ، للتصريح في الاخبار الصحيحة بذلك على ما مر ، فليس ذلك مشروطا بقصد مسافة قبل العشرة من تلك البلدة إلى موضع كما احتمله في الشرح ، بناء على إطلاق عبارة الأصحاب والاخبار : بان نية الإقامة تقطع السفر ، فيبطل حكم ما سبق ، فلا يقصر الا مع قصد مسافة بعده.

وأنت تعلم انه ما بقي الإطلاق بعد البيان : بأنه ان صلى فريضة واحدة تامة ، يتم ويبقى على إتمامه ، والا يقصر ، وبالجملة ما أجد التردد فيه أصلا ، نعم يشعر بالانقطاع بالنية فقط ، ما ذكره المصنف في المنتهى : لو قصد بلدا يقصر فيه ، فعرض له خوف في أثنائه فأراد المقام في الأثناء دون المسافة ، فقد قطع نية السفر بنية الإقامة ، فإن جدد النية كان كمنشئ السفر.

وفيه تأمل ، يمكن تقييده بالصلاة تامة ، للرواية ، فتأمل لاحتمال قطع السفر بالنية قبل وصول المسافة ، وعدمه بها قبله.

وانه بعد الصلاة الفريضة تامة بقصد الإقامة ، يتم.

فما يدل عليه رواية حمزة بن عبد الله الجعفري ـ قال : لما ان نفرت من منى

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نويت المقام بمكة فأتممت الصلاة حتى جائني خبر من المنزل ، فلم أجد بدا من المصير الى المنزل ، ولم أدر أتم أم اقصر ، وأبو الحسن عليه السلام يومئذ بمكة ، فأتيته فقصصت عليه القصة؟ فقال : ارجع الى التقصير (١) من وجوب الرجوع الى القصر بعد الصلاة تامة ـ حملها الشيخ على وجوبه إذا شرع في السفر وسافر ، ويحتمل كونه للاستحباب ، مع ان القائل به غير ظاهر ، وكذا حال حمزة ، مع معارضته بالصحيحة المعمولة والشهرة العظيمة حتى كاد أن يكون إجماعا.

ويؤيد عدم وجوب التقصير ، ان مكة محل التخيير ، ولم يتعين القصر للمسافر الحقيقي الذي لم ينو الإقامة وما صلى فريضة تامة ، فكيف يجب التقصير معينا للمسافر المذكور.

على انه ما صرح بفعل الفريضة تامة لقصد الإقامة ، فيحتمل ان يكون المراد بالإتمام فعل النافلة التي تسقط في السفر ، وإتمام الصلاة لشرف البقعة ، وان كان بعيدا ، للجمع : وبالحملة المشهور اولى.

فروع

الأول : هل يشترط في نية الإقامة في بلد ان يكون بحيث لا يخرج الى (عن ظ) محل الترخص ، أو يكفي عدم السفر إلى مسافة ، أو يحال الى العرف ، بحيث يقال انه مقيم في هذا البلد ، فلا يضره السير في البساتين والأسواق البعيدة عن منزله وغير ذلك قد صرح الشهيد رحمه الله في البيان بالأول ، حيث قال : ولو كان من نيته في ابتداء المقام الخروج لم يتم ، الا ان يكون بحيث لا يخرج عن محل الترخص ، ويؤيده انه لو لم يكن كذلك ، لم يكن الوصول الى محل الإقامة ، والتجاوز عن محل الترخص شرطا للإتمام.

وفيه تأمل : إذ قد يكون في الابتداء شرطا ولم يكن الخروج بعد ذلك مضرا ، و

__________________

(١) الوسائل باب (١٨) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضا تؤيده المسئلة الاتية : ان من خرج الى محل الترخص ولم ينو إقامة عشرة مستأنفة يقصر ، فافهم

وبه يشعر ما قاله في المنتهى : لو عزم على إقامة طويلة في رستاق ، ينتقل فيه من قرية إلى قرية ، ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها ، المدة التي يبطل حكم السفر فيها : لم يبطل حكم سفره ، لانه لم ينو الإقامة في بلد بعينه ، فكان كالمنتقل في سفره من منزل الى منزل.

فيه أيضا تأمل : لأنه قد يكون سبب عدم القطع ، والقصر ، عدم قصد اقامة موضع معين كما هو الظاهر منه ، وقد يكون بين القريتين مسافة ، أو أقل من محل الترخص ، ولم يلزم منه عدم ارادة الخروج الى محل الترخص ، والذي يضعفه مذهب من يقول بالقصر حين الخروج الى ان يدخل المنزل ، فإنه لو كان الخروج الى محل القصر موجبا للقصر ـ ولا تتم نية الإقامة إلا مع قصد عدم الخروج الى ذلك المحل أيضا ـ يلزم كون عدم الخروج من المنزل شرطا له.

فتأمل ، فإن الظاهر من الاخبار هو الإطلاق من غير قيد ، ولو كان مثل ذلك شرطا ، لكان الاولى بيانه في الاخبار ، والا يلزم التأخير والإغراء بالجهل.

فيمكن تنزيله الى العرف : بمعنى انه جعل نفسه في هذه العشرة من المقيمين في هذا البلد ، بمعنى ان هذا موضعه ومحله ومكانه ، مثل اهله ، فلا يضره السير في الجملة إلى البساتين ، والتردد في البلد وحواليه ما لم يصل الى موضع بعيد ، بحيث يقال : انه ليس من المقيمين في البلد.

وكذا لو تردد كثيرا ودائما في المواضع البعيدة في الجملة ، ولا يبعد عدم ضرر الخروج الى محل الترخص أحيانا لغرض من الأغراض ، مع كون المسكن والمنزل في موضع معين ، لصدق إقامة العشرة عرفا المذكور في الروايات ، فتأمل ، لعل الأخير أقرب لوجوب البقاء على حكم القصر ، ما دام لم يصدق انه نوى الإقامة عشرا.

الثاني : الظاهر انه لا يكفى فعل النافلة المقصورة.

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : الظاهر عدم القطع بمجرد النية ، بل لا بد من فعل فريضة تامة ، وقد مر.

ولا يكفى الشروع فيها : فلو بدا عن الإقامة في أثنائها بعد نية التمام يعدل الى القصر ما دام محل العدول باقيا.

فلو شرع في ركوع الركعة الثالثة ، لا يبعد ، وجوب الإتمام وكونه كافيا للإتمام وحصول الإقامة ما دام فيه.

وانه لا يكفى القيام للثالثة ، وقال الشارح ، كونه كافيا ، هو موافق لظاهر كثير من عبارات الأصحاب ، والمصنف : وفي بعضها اشتراط الركوع في الثالثة ، ويفهم عدم النزاع حينئذ وهو الظاهر ، دون الأول ، للتعليق بالصلاة تامة في النص ، وهو ظاهر في الفراغ منها.

ولا يبعد جعل بعد الركوع مثله ، لعدم إمكان العدول ، بخلاف قبله.

الرابع : الظاهر ان قصد الفعل تماما ، مع العدم عمدا ، أو نسيانا ، وخروج الوقت ، لا يكفى : لعدم الصدق.

الخامس : الظاهر الصوم لا يكفى ، وان تمم ، مع عدم فعل الفريضة تامة ، لعدم صدق انه صلى فريضة تامة ، وصدق ضده ، الذين هما مدارا تحقق حكم الإقامة وعدمه في النص الصحيح الصريح المعمول ، فالاكتفاء بالصوم مطلقا ليس بجيد ، وكذا بعد الزوال ، وهما مذهب البعض ، وما مر من عدم الاكتفاء مطلقا مذهب الشهيد والمحقق الثاني.

واستدلال الشارح (١) على التفصيل ـ : بأنه لا شك في البقاء على الصوم لو سافر

__________________

(١) لما كان نظره قدس سره الى ما قاله الشهيد روح الله روحه في روض الجنان ، فلننقل عبارته بعينها ، ليكون الناظر على بصيرة. فقال ما هذا لفظه :

إذا تقرر ذلك فالحكم ورد في النصّ معلّقا على صلاة الفريضة تماما ففيها قيود ثلثة :

الأول : الصلاة فلو لم يكن صلى ثم رجع عن نية الإقامة عاد الى القصر سواء كان قد دخل وقت أم لا وسواء خرج وقتها ولم يصل عمدا أو سهوا أم لا لأن مناط الحكم الصلاة تماما ولم يحصل وقطع المصنف في التذكرة بكون

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا الصائم الراجع عن النية بعد الزوال وقبل الصلاة لشمول الاخبار له ، مثل

__________________

الترك كالصلاة فيجب الإتمام نظرا الى استقرارها في الذمة تماما وتبعه على ذلك المحقق الشيخ على

واستشكل المصنف في النهاية الحكم وكذا الشهيد في الذكرى ولو كان ترك الصلاة لعذر مسقط للقضاء كالجنون والإغماء فلا إشكال في كونه كمن لم يصل ولو لم يكن صلى لكن صام يوما تماما فكالصلاة عند المصنف بل أولى لأنه أحد الأمرين المرتبين على المقام ويزيد كونه قد فات فيه وقت الصلاة تماما ولو لم يخرج وقت الصلاة ففي الاكتفاء به مطلقا أو مع زوال الشمس قبل الرجوع عن نية الإقامة أو عدمه مطلقا أوجه ، من كون الصوم احد العبادتين المشروطتين بالإقامة وكل جزء منه كذلك فان الصوم لا ينعقد فرضه في السفر أصلا فمجرد الشروع فيه صحيحا يقتضي اتحاد اثر الإقامة في العبادة كما لو صلى تماما ومن عدم صدق صلاة الفريضة ووجه التفصيل ان الخروج الى السفر قبل الزوال يوجب ابطال الصوم فليس منافيا له بخلاف الخروج بعده فإنه لا يؤثر فيه فأولى ان لا يؤثر مجرد الرجوع عن الإقامة والأول مختار المص والأخير مختار الشهيد والشيخ على والوسط متوجه لعدم الدليل الدال على المساواة بين الصوم والصلاة هنا وكونه أحد الأمرين المترتبين على الإقامة لا يوجب الحاقه بها فإنه قياس محض لا نقول به وانما يصح التعليل لو كان منصوصا عند المص لا إذا كان مستنبطا ويمكن توجيه الدليل على التفصيل بان نقول لو فرض ان هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا يخلو اما ان يجب عليه الإفطار أو إتمام الصوم لا سبيل إلى الأول للأخبار الصحيحة الشاملة بإطلاقها أو عمومها هذا الفرد الدال على وجوب المضي على الصوم كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم قال ان خرج قبل ان ينتصف النهار فليفطر وان خرج بعد الزوال فليتم يومه وصحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار عليه صيام ذلك اليوم وسيأتي إنشاء الله تمام البحث في ذلك فقد تعين وجوب إتمام الصوم وح فلا يخلو اما ان نحكم بانقطاع حكم الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج أولا لا سبيل إلى الأول لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفرا بغير نية الإقامة وصحته وهو غير جائزا جماعا الا ما استثنى من الصوم المنذور على وجه وما ماثله وليس هذا منه فنثبت الأخير وهو عدم انقطاع الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر حينئذ بالفعل أم لم يسافر إذ لا مدخل للسفر في صحة الصوم ويحقق الإقامة بل حقه ان يتحقق مع عدمه وقد عرفت عدم تأثيره فيها فإذا لم يسافر بقي على التمام الى ان يخرج إلى المسافة وهو المطلوب فان قيل يلزم من هذا الدليل انقطاع السفر بمجرد الشروع في الصوم وان لم تزل الشمس لان السفر كما لا يتصور فيه صوم واجب كاملا عدا ما استثنى لا يتصور فيه الشروع فيه فإذا شرع فيه لا يخلو اما ان يكون صحيحا أو باطلا ومن الأول يلزم انقطاع السفر ومن الثاني عدم انقطاعه بالخروج أو الرجوع عن الإقامة بعد الزوال لان ذلك لا يصلح مصححا لما حكم ببطلانه بل مؤكدا له وحيث ثبت القطع بذلك ثبت بمطلق الشروع قلنا قد صار هذا القول قويا متينا لتحقق الأثر الموجب لبطلان حكم السفر لكن لما كان هذا الأثر قابلا للبطلان والإزالة من أصله بعروض السفر قبل الزوال الموجب لبطلان الصوم كان تأثير الجزء السابق على الزوال مراعى باستمراره الى ان تزول الشمس فإذا رجع عن نية الإقامة قبله بطل ذلك الأثر وعاد الى حكم السفر

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو

__________________

وفيه بحث لانه لا يلزم من بطلان الصوم بنفس السفر بطلانه بالرجوع عن نية الإقامة لعدم الملازمة وللنهى عن ابطال العمل بصيغة العموم المتناول لهذا الفرد في قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) فلا يكون تأثير السفر فيه قبل الزوال موجبا لتأثير الرجوع عن الإقامة لعدم الملازمة وقد توجه بما بيناه الاكتفاء في إلقاء على التمام بالشروع في الصوم مطلقا كما اختاره المص وينساق الدليل الى انقطاع السفر أيضا بفوات وقت الصلاة المقصودة على وجه يستلزم وجوب قضاءها لأن استقرارها في الذمة تماما يوجب انقطاع السفر في وقتها إذ لا موجب للإتمام إلا ذلك فان قيل هذا الأثر لو كان كافيا في عدم بطلان الإقامة لزم عدم بطلانها بمجرد النية لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة ان الأثر على تقدير فوات الصلاة انما هو الحكم بوجوب قضائها تماما وهو أثر عقلي لا وجود له في الأعيان والحكم في وجوب الإتمام بعد نية الإقامة كذلك فإنه بمجرد النية صار حكمه التمام ولو كان ذلك في وقت فريضة مقصورة كان الواجب عليه في تلك الحال فعلها تماما وهذا الأثر صادر عن نية الإقامة مخالف لأثر السفر وان لم يوجد مقتضاه خارجا كما لو رجع عن نية الإقامة قبل الصلاة قلنا فرق بين الأثرين فإن وجوب التمام في حال فوات الفريضة مقترن بفعل الفريضة تماما بمعنى استقرارها في الذمة كذلك

ولو قدر عدم فعلها كان عقابه عقاب تارك الصلاة تامة فهو في قوة الوقوع بخلاف الوجوب المتقدم على الصلاة فإنه وجوب مشروط بالبقاء على النية الى ان يفرغ من الصلاة أو يركع في الثالثة كما سيأتي ومتى رجع قبل الصلاة سقط الحكم بوجوب إتمامها إجماعا فافترغا مع انه لو قيل بان الفارق بينهما الإجماع على عدم البقاء في تلك الحالة بخلاف هذه كان كافيا لكن بقي اللازم من ذلك انه لو رجع عن نية الإقامة في أثناء الصلاة وقد شرع في الثالثة لم يؤثر ذلك ويبقى على التمام لوقوعها بعد حصول اثر لا يصح بدون الإقامة ولا يشترط الركوع في الثالثة وهو موافق لظاهر كثير من عبارات المصنف وفي بعضها اشتراط الركوع في الثالثة.

القيد الثاني كونها فريضة فلو رجع بعد صلاة نافلة فإن كانت ثابتة في السفر فلا ريب في عدم تأثيرها كنافلة المغرب وان كانت ساقطة كنافلة الظهر أو العصر فمقتضى الرواية عدم تأثيرها أيضا لتعليق الحكم على الفريضة فلا يصدق اسم المعلق عليه على ما فعل وهو مختار الذكرى ويحتمل قويا الاجتزاء بها لأنها من آثار الإقامة وما تقدم من الدليل على الاكتفاء بالصوم أت هنا وهو مختار المص في النهاية ولو شرع في الصوم المندوب فان جوزناه سفرا لم يؤثر لعدم كونه من آثار الإقامة وان منعناه احتمل ذلك أيضا لعدم كونه صلاة فريضة بل هو أبعد من الصوم الواجب لمباينته لصلاة الفريضة في وصفين بخلاف الواجب فإنه يخالفها في وصف واحد فمنع تأثير الصوم الواجب يقتضي منع تأثير المندوب بطريق اولى ويحتمل قويا الاجتزاء به لما مرّ في الصوم الواجب فإنه أثر لا يتم بدون الإقامة فهو احد الآثار كالفريضة التامة وجملة ما اشترك بين هذه الفروع ان اللازم اما منع الجميع نظرا الى ظاهر النص أو تجويز الجميع التفاتا إلى المشاركة في المعنى كما قد تحرر في الصوم الواجب لكن لا فرق في الصوم المندوب بين كون الرجوع حصل فيه قبل الزوال أو بعده لبطلانه بالسفر على التقديرين بخلاف الواجب.

القيد الثالث كون الصلاة تماما فلا تأثير لصلاة المقصورة وهل يشترط كون التمام بنية الإقامة أم يكفي مطلق التمام

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يريد السفر ، وهو صائم؟ قال : فقال : ان خرج من قبل ان ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم وان خرج بعد الزوال فليتم يومه (١) وصحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام قال إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم (٢) ولا سبيل للحكم بانقطاع حكم الإقامة ، والا يلزم وقوع صوم واجب (غير ما استثنى) في السفر ، وهو حرام إجماعا ، فلو لم يسافر أيضا يكون باقيا ، إذ لا مدخل للسفر في صحة الصوم وتحقق الإقامة فإذا لم يسافر بقي على التمام.

محل التأمل ، إذ لا نسلم صدق الاخبار عليه : فان الأولى مخصوصة بالخارج عن بيته ، والثانية بمن سافر ، وهو ليس كذلك بل هو مسافر ، فعلى تقدير تسليم الصدق ، ووجوب الصوم ، لا نسلم بقاء حكم الإقامة (مطلقا ، لجواز وجوب الحكم في إتمام هذا الصوم فقط ، لوقوعه في محل نية الإقامة مع بقائها إلى الزوال ويكفى ذلك للصحة ، ولا يحتاج الى بقاء حكم الإقامة في باقي النهار)

ولهذا لو سافر الإنسان بعد الزوال من منزله لم يبق له حكم المنزل في باقي الزمان

__________________

يحتمل الأول لأن ذلك هو أثر الإقامة بل هو مقتضى الرواية لأن السؤال وقع فيها عمن نوى الإقامة عشرا والثاني عملا بإطلاق التمام وتظهر الفائدة في مواضع منها ما لو صلى فرضا تماما ناسيا قبل نية الإقامة سواء خرج الوقت أم لا ومنها ما لو صلى تماما في أماكن التخيير بعد النية لشرف البقعة اما لو نوى التمام لأجل الإقامة فلا إشكال في التأثير ولو ذهل عن الوجه ففي اعتبارها وجهان من إطلاق الرواية حيث علق الحكم على صلاة الفريضة تماما مع ان الإقامة كانت بالمدينة فقد حصل الشرط ومن ان التمام كان سائغا له بحكم البقعة فلم تؤثر نية المقام ومنها ما لو نوى الإقامة عشرا في أثناء الصلاة قصرا فأتمها ثم رجع عن الإقامة بعد الفراغ فإنه يحتمل ح الاجتزاء بهذه الصلاة لصدق التمام بعد النية ولأن الزيادة إنما حصلت بسببها فكانت من آثارها كما مر وعدمه لان ظاهر الرواية كون جميع الصلاة تماما بعد النية وقبل الرجوع عنها ولم يحصل والأول أقوى والتقريب ما تقدم ومنها ما لو نوى الإقامة ثم صلى بنية القصر ثم أتم أربعا ناسيا ثم تذكر بعد الصلاة ونوى الخروج فان كان في الوقت فكمن لم يصل لوجوب اعادتها وان كان قد خرج الوقت احتمل الاجزاء بها لأنها صلاة تمام مجزية وعدمه لأنه لم يقصد التمام.

(١) الوسائل كتاب الصوم باب (٥) من أبواب من يصح منه الصوم حديث ٢

(٢) الوسائل كتاب الصوم باب (٥) من أبواب من يصح منه الصوم قطعة من حديث ١

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وانه مسافر إجماعا مع وجوب الصوم.

وبالجملة : بقاء حكم الأمر للسابق في هذا اليوم في الصوم لدليل ، لا يستلزم البقاء في باقي الأزمنة في غيره أيضا.

على ان فرض السفر ثم القياس عليه عدمه لغو : إذ يكفى ان يقال : لا شك انه يجب عليه إتمام الصوم ، إذا صام صحيحا مطلقا ، الا ما استثنى ، وما نحن فيه ليس منه ، للاية والاخبار.

نعم يمكن ان يقال : إذا وجب الصوم وجب إتمام الصلاة في هذا اليوم ، لعكس نقيض ما في الخبر الصحيح المعمول المتقدم (إذا قصرت أفطرت) وهو : إذا لم يفطر لم يقصر ، فسقط المنع الثاني (١) وإذا وجب الإتمام في هذا اليوم ، وجب في الباقي ما دام باقيا فيه ، لعدم الواسطة.

ويمكن دفعه : بمنع كلية الأصل ، و (إذا) ليست بصريحة فيها ، بل قيل انه للإهمال ، وان فهم منها العموم عرفا مؤيدا بإفادتها الشرط.

وسند المنع قصر الصلاة مع وجوب إتمام الصوم لمن خرج بعد دخول الوقت ، فإنه يقصر الصلاة عند البعض كما سيجي‌ء.

وعلى تقدير تسليم العموم ، يخصص بالخبر الدال على وجوب القصر على من يرجع عن النية قبل الصلاة تامة ، لو تم دليل وجوب إتمام الصوم ، إذ قد يقال بعدمه ، لما مر من المنع في دليله ، ويستدل حينئذ عليه بما في الخبر الصحيح المتقدم (إذا قصرت أفطرت) فتأمل.

ثم قال : فان قيل يلزم من هذا الدليل انقطاع السفر بمجرد الشروع في الصوم ، وان لم تزل الشمس ، لان السفر كما لا يتصور فيه صوم واجب كاملا الا ما استثنى لا يتصور فيه الشروع فيه ، فإذا شرع فيه فلا يخلو اما ان يكون صحيحا ، أو باطلا ، ومن الأول يلزم انقطاع السفر ، الى قوله : قلنا ، قد صار هذا القول قويا متينا ، لتحقق

__________________

(١) قوله : (فسقط المنع الثاني) إشارة إلى قوله (لا نسلم بقاء حكم الإقامة)

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأثر الموجب لبطلان حكم السفر ، لكن لما كان هذا الأثر قابلا للبطلان والإزالة من أصله بعروض السفر قبل الزوال الموجب لبطلان الصوم ، كان تأثير الجزء السابق على الزوال مراعى باستمراره الى ان تزول الشمس ، فإذا رجع عن نية الإقامة قبله بطل ذلك الأثر وعاد الى حكم السفر ، وفيه بحث : فإنه لا يلزم من بطلان الصوم بنفس السفر ، بطلانه بالرجوع عن نية الإقامة ، لعدم الملازمة ، إلى قوله : وقد توجه بما بيناه الاكتفاء في البقاء على التمام بالشروع في الصوم مطلقا كما اختاره المصنف ، وينساق الدليل الى انقطاع السفر أيضا بفوات وقت الصلاة المقصورة على وجه يستلزم وجوب قضائها ، لان استقرارها في الذمة تماما يوجب انقطاع السفر في وقتها ، إذ لا موجب للإتمام إلا ذلك فان قيل ، هذا الأثر لو كان كافيا في عدم بطلان الإقامة ، لزم عدم بطلانها بمجرد النية (١) لكن التالي باطل ، فالمقدم مثله ، الى قوله : مع انه لو قيل بان الفارق بينهما (٢) الإجماع على عدم البقاء في تلك الحال بخلاف هذه كان كافيا (٣)

وأنت بعد التأمل تجد عدم جريان هذا الدليل فيما حصل الرجوع قبل الزوال ، إذ لا يمكن ان يقال : لا شك في صحة هذا الصوم لو سافر حينئذ (وكان هو جزء الدليل) ومجرد الصحة الآن لا ينفع ، لأن صحة أمر في وقت ، مع ورود المبطل عليه ، لا يستلزم بقاء حكم ما هو كان في زمان صحته ، حين البطلان ، وانه لو تم لزم وجود حكم الإقامة على من شرع في الصوم الصحيح وان سافر قبل الزوال ، فان قيل : هناك السفر مبطل ، يقال هنا أيضا الرجوع قبل الصلاة مبطل ، وان قوله : ومن الثاني إلخ لا يحتاج ، بل غير ظاهر المعنى ، فكأنه غلط : وان قوله : وفيه بحث إلخ ليس بواضح بحسب الآداب أيضا : فإن الظاهر : ان قوله : فان قيل : نقض و

__________________

(١) أي نية الإقامة

(٢) أي الرجوع عن الإقامة قبل الزوال فلا يصح الصوم أو بعد الزوال فيصح

(٣) الى هنا كلام الشارح

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

استدلال ، وحاصل الجواب المنع بأنه : لم لا يجوز بطلان الصوم بالرجوع كبطلانه بالسفر ، فالبحث : بأنه لا يلزم من بطلان إلخ ساقط.

على انه يمكن الاستدلال على كون الرجوع مبطلا بالنص كما مر : وبعد ورود النص بخصوصه لم يبق للنهى العام ـ على تقدير تسليمه ودلالته على البقاء بالصوم فيما نحن فيه ، في قوله (لا تبطلوا) ـ قوة ، يمكن ان يستدل بها على بقاء حكم الإقامة بعد الشروع في الصوم : لان قوله : ان لم يصل قصّر ، أخص : ويدل ببطلان الصوم أيضا بانضمام قوله : إذا قصرت أفطرت.

وبالجملة ، ما كان ينبغي الخروج عما قررناه ، ولكن يلزم الخروج بسبب التأمل في أمثال هذه المباحث ، حيث ترى انها محل التأمل ، مع وقوع الفتوى بها.

ومن هذه البحوث لعلك فهمت عدم الكفاية بخروج الوقت ، وقد صرح في المنتهى به ، والتصرف في دليل الشارح الذي ينساق اليه ، وكذا ما اختاره من الاجتزاء بالنافلة المقصورة ، إذ حاصلها انها أمارات الإقامة وأثارها ، وإمكان إجراء دليل الصوم الواجب فيه ، وكذا تقوية الاكتفاء بالصوم المندوب ان قيل بمنعه في السفر ، لجريان دليل الصوم الواجب فيه. وقوله : لكن لا فرق في الصوم المندوب بين حصول الرجوع قبل الزوال أو بعده ، لبطلانه على التقديرين ـ ليس بواضح ، إذ لا شك في ان المنع عن الصوم الواجب أشد ، ولهذا لا خلاف فيه بخلاف المندوب ، فان القول بتحريمه نادر ، فإذا جاز ذلك بعد الزوال ووجب فلا يبعد ذلك في المندوب.

السادس : الظاهر ان المبطل : إيقاعها تامة لنية الإقامة ، وبعدها ، ولا أثر للصلاة تامة نسيانا قبل نية الإقامة مع بقاء الوقت وعدمه ، وقلنا بعدم الإعادة أم لا ، وهو ظاهر ولا للصلاة تامة (لشرف خ ل) بمشرف البقعة ، وهو أيضا قبل نية الإقامة ، وبعدها ، لا معنى للإتمام للشرف الا مع نسيان نية الإقامة.

والظاهر صحة الصلاة حينئذ وبقاء حكم النية ، لصدق التمام بعد النية ،

٤١٦

ولو خرج الى الخفاء وصلى مقصرا (تقصير ـ خ ل) ثم رجع عن السفر لم يعد.

______________________________________________________

ووجوب الحكم ، وكون النسيان عذرا.

واما مع الذهول عن السبب بعد النية بالكلية ، فلا ينبغي التردد في بقاء الحكم معه ، لأنها تنصرف الى ما عليه ، وهو الإتمام الحتمي.

وكذا الرجوع عن نية الإقامة الواقعة في أثنائها ، بعد فراغه منها تامة ، للتمام مع النية وبعدها.

وكذا لو نوى الإقامة ثم شرع في الصلاة بنية القصر ناسيا ، ثم أتمها أربعا نسيانا ، ثم ذكر ورجع ، والظاهر صحة الصلاة وعدم الإعادة مطلقا ، لفعله ما عليه في نفس الأمر ، مع تكليفه بحسب الظاهر ، والظاهر عدم ضرر تلك النية أولا ، لعدم وقوع الفعل كله على ذلك الوجه ، مع حصول قصد ما للتمام ، فليس بأنقص من صور العدول وجعل العصر مكان الظهر على ما تقدم في الرواية ، فيكفي للصدق في الجملة ، فتأمل فإنه يحتمل البطلان فلا يكفى.

قال الشارح : فان كان في الوقت فكمن لم يصل لوجوب الإعادة ، وان كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء بها ، لأنها صلاة تامة ، وعدمه ، لانه لم يقصد التمام.

ووجه التفصيل غير واضح ، والقياس على المقصر إذا صلى تاما ليس بسديد ، فتأمل.

والظاهر أيضا بقاء الحكم لو نوى في الأثناء ، على تقدير ابتدائها بقصد الإتمام في البقعة الشريفة ، وكان بعد الثالثة ، وفي الرابعة ، يفهم من المنتهى.

قوله : «ولو خرج الى الخفاء إلخ» دليل عدم وجوب اعادة ما صلاة قصرا حينئذ : انه صلى صلاة مأمورا بها ، والأمر مفيد للاجزاء على ما تحقق في الأصول ، مع الظهور.

ولرواية زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده ، فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلوا ، و

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

انصرف بعضهم في حاجة فلم يقض (له يب) لهم الخروج ، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين؟ قال : تمت صلاته ولا يعيد (١) وفيه مبالغة.

وفي الطريق الحسن بن موسى (٢) كأنه ابن الخشاب ، قالوا فيه : انه من وجوه أصحابنا كثير العلم.

ولا يعارضه ما في رواية سليمان بن حفص المروزي المجهول ، قال : قال الفقيه عليه السلام التقصير في الصلاة بريدان ، أو بريد ذاهبا وجائيا ، والبريد ستة أميال ، وهو فرسخان ، والتقصير في أربعة فراسخ ، فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر ميلا وذلك أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين ونيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر ، وان رجع عما نوى عند بلوغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام ، وان كان قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة (٣)

مع عدم الصحة والصراحة ، واشتمالها على ما لا يقول به احد على الظاهر : من وجوب القصر في أربعة فراسخ مع عدم الرجوع ، وان البريد ستة أميال وهو فرسخان.

فلا يحتاج إلى تأويل الرواية الأولى ، بخروج الوقت والثانية بعدمه ، أو بعدم الجزم بعدم السفر ، بل بقي على نية السفر ، فإنه يقصر الى ثلاثين يوما ، لان من هذا حكمه بمنزلة من دخل بلدا ولم يعلم مقامه ، فإنه يلزمه التقصير ما بينه وبين شهر ، ثم عليه التمام بعد ذلك ، كما قاله الشيخ في الكتابين.

على ان كون هذا بمنزلة ذلك محل التردد ، لان هذا كان مقيما ، وانه قد يكون منزله وان عزمه على السفر غير مفهوم.

قال في الشرح : ولو كان الرجوع أو التردد بعد بلوغ المسافة ، بقي على القصر الى

__________________

(١) الوسائل باب (٢٣) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن على بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن احمد بن محمد ، عن الحسين بن موسى ، عن زرارة)

(٣) الوسائل باب (٢) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤

٤١٨

ومع الشرائط يجب القصر إلا في حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة والحائر فإن الإتمام (فيها ـ خ) أفضل.

______________________________________________________

ان يقصد إقامة عشرة أيام ، أو يمضى عليه ثلاثون يوما مترددا ، وهل يحتسب منها ، اى من الثلاثين ما يتردد الى ما دون المسافة ، أو يسلكه من غير قصدها وان بلغها ، نظر ، من وجود حقيقة السفر فلا يضر التردد ، ومن اختلال القصد ، وتوقف في الذكرى : (١) وما ذكره غير واضح ، ويمكن الحوالة إلى العرف كما مر : والظاهر احتساب زمان التردد ، لان الظاهر من اقامة الثلاثين يوما ، قصر الصلاة مع عدم السفر الى تلك المدة ، حيث يتحقق السفر ، أو نية الإقامة فيحتسب يوم المسافة أيضا ، وفيه تأمل ، لعدم صدق الكون ، في ذلك اليوم ، في مقام الثلاثين ، فالظاهر العدم ، وعدم استيناف الثلاثين ، ويمكن ان تجي‌ء له زيادة تحقيق في مسئلة من خرج الى ما دون المسافة بعد نية الإقامة ، وأراد العود.

قوله : «ومع الشرائط يجب القصر إلخ» وجوب التقصير في غير الأربعة إجماعي الأصحاب ، ويدل عليه الاخبار أيضا.

واما دليل التخيير فيها كما هو المشهور : فهو ان الأصل في الصلاة هو التمام ، وخرج ما خرج بالدليل من الاخبار والإجماع وبقي الباقي ومنه المواضع الأربعة ، فلا إجماع فيها ، ولا الآية ، فإنها تدل على الضارب في الأرض مع رفع الجناح ، وقد يقال : بعدم تحقق الضرب مع الكون فيها ، مع القول بمضمونها ، فتأمل.

واما الاخبار فلا نص صريحا في الكل كما ستقف ، ويدل عليه أيضا أخبار كثيرة ، مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التمام بمكة والمدينة؟ فقال : أتم وان لم تصل فيهما إلا صلاة واحدة (٢) وصحيحته الأخرى قال قلت لأبي الحسن عليه السلام ان هشاما روى عنك انك أمرته بالتمام في الحرمين ، وذلك من أجل الناس؟ قال : لا ، كنت انا ومن مضى من آبائي

__________________

(١) إلى هنا كلام الشارح

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس (١) وصحيحة على بن مهزيار ، قال كتبت الى أبي جعفر الثاني عليه السلام ان الرواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام والتقصير للصلاة في الحرمين ، فمنها أن يأمر بتتميم الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها ان يأمر بقصر الصلاة ما لم ينو مقام عشرة أيام ، ولم أزل على الإتمام فيهما الى ان صدرنا من حجنا في عامنا هذا ، فان فقهاء أصحابنا أشاروا علىّ بالتقصير إذا كنت لا انوى مقام عشرة أيام فصرت الى التقصير وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك؟ فكتب الىّ بخطه ، قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فإني أحب لك إذا دخلتهما ان لا تقصر وتكثر فيهما من الصلاة فقلت له بعد ذلك سنتين مشافهة ، انى كتبت إليك بكذا وأجبتني بكذا ، فقال : نعم ، فقلت اى شي‌ء تعني بالحرمين؟ فقال : مكة والمدينة ، ومتى إذا توجهت من منى فقصر الصلاة ، فإذا انصرفت من عرفات إلى منى وزرت البيت ورجعت الى منى ، فأتم الصلاة تلك الثلاثة أيام ، وقال بإصبعه ثلاثا (٢)

وليس من قوله (ومتى) الى آخره موجودا في الكافي ، وعدمه أظهر ، ويمكن حمل قوله (فأتم) على قصد الإقامة في مكة : فيدل على عدم اشتراط عدم الخروج الى محل الترخص لنية الإقامة.

وفي الصحيح عن إبراهيم بن شيبة قال : كتبت الى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين؟ فكتب الى : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب إكثار الصلاة في الحرمين فأكثر فيهما وأتم (٣) انه مجهول.

وفي الصحيح عن عثمان بن عيسى قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤

(٣) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٨

٤٢٠