مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو ـ مع عدم الصحة ، واشتماله على ما لا يليق نسبته اليه عليه السلام ، وان كان المقصود بالنسبة إلى غيره ـ مشعرا بجواز سماع صوتها ورفع صوتها ولو كانت شابة ، فلا يبعد كراهة السلام عليها ، واما جوابها فكأنه واجب وان حرم عليها ، السلام على الأجنبي ، وفيه تأمل فتأمل ، إذ قد يقال : ان الشارع لا يأمر برد الجواب عن الحرام ، وليس ذلك بتحية شرعا فإنه ما يرضى به تحية ، فلا يوجب جوابه والأجر والعوض عليه ، وكذا في وجوب الرد عليها على تقدير تحريم إسماع صوتها ، الا ان تجيب خفيا ، فتأمل فيه.

هذا كله فيمن لم يجز رؤيتها ، واما من يجوز رؤيتها فهي مثل الرجال ، وسيجي‌ء إنشاء الله تحقيق ذلك.

السابع : هل يكره السلام على المصلى أم لا : نقل في المنتهى عن بعض العامة ذلك ، معللا بأنه ربما غلطه ، ورده بأنه قد يكون الدخول عليه أيضا إنما يغلطه ، فيكون مكروها ، مع انه ليس كذلك عندهم فكذا السلام.

واستدل على عدم الكراهة بعموم ما يدل على الاستحباب مطلقا ، مثل «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» (١) اى أهل دينكم ، وقيل بعضكم على بعض فلا وجه للتخصيص ، ولا يبعد ، ولكن نجد حصول اضطراب وزوال خشوع لو كان ، فلا يبعد أولوية الترك إذا استقر ذلك من المصلى والصبر حتى يخلص فيسلم ، (٢) فما ترك الأمر به سيما إذا كان المصلى ممن يضطر به ادنى شي‌ء ويشوشه أقل شي‌ء.

وقد يحصل له شك في انه سلم بحيث يوجب الجواب أم لا وانه أجاب غيره أم لا. وانه مقصود بالسلام حتى يجب عليه الجواب فيجيب ، أو انه خارج فلا يجوز.

__________________

عليه السلام يسلم على النساء ، وكان يكره ان يسلم على الشابة منهن ويقول : أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل على أكثر مما طلبت من الأجر ، ورواه الصدوق مرسلا ثم قال : انما قال ذلك لغيره وان عبر عن نفسه وأراد بذلك أيضا التخوف من ان يظن به ظان انه يعجبه صوتها فيكفر)

(١) النور : (٦١)

(٢) في النسخ المخطوطة عندنا (مما) بدل (فما)

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يصبر بان غيره يجيب فيؤدي إلى التأخير. أو أجاب غيره قبله وشك انه سمع أم لا.

بل قد يحصل له الشبهة بأنه هل يجب الرد في الصلاة ويجوز أم لا ، فإن الأمر ـ بالصلاة وتتابع اجزائها ، وكذا كون السلام محللا ـ موجود ، كالأمر برد التحية ، وتخصيصه ليس اولى ، من تخصيص دليل الرد ، بغير حال الصلاة.

والاخبار يحتمل التأويل بعدم الفريضة وغيره ، والإجماع أمر مشكل تحققه ، وذلك قد يؤدى الى الإعادة ويسميها المعيد احتياطا ، فلا يبعد أولوية الترك في مثل هذه الصور ، فتأمل ، وان كان الظاهر وجوب الرد واستحباب السلام مطلقا كما هو المشهور.

الثامن : لو ترك الرد على تقدير الوجوب ، فلا شك في حصول الإثم به ، وهل تبطل الصلاة أم لا ، قيل : نعم ، للنهي المقتضي للفساد ، وضعفه الشارح بأن النهي عن أمر خارج عن الصلاة فلا يؤثر في البطلان ، قال : وربما قيل : انه لو أتى بشي‌ء من الأذكار في زمان الرد بطلت ، لتحقق النهي عنه ، وهو ممنوع ، لأن الأمر لا يقتضي النهي عن الأضداد الخاصة ، بل عن مطلق النقيض وهو المنع من الترك وقد تقدم الكلام فيه ، فالمتجه عدم البطلان مطلقا.

أقول : الظاهر ان مقصود المبطل (١) انه إذا سلم عليه ، وجب عليه الرد ، فلو كان حاضرا ، وجب عليه الرد دائما ، ولو غاب وذهب يجب عليه الذهاب ، حتى يرد عليه عندهم ، على الظاهر ، لا سماعه ، فيجب الرد ولا يخرج عنه الا بالرد ، فلا يجوز فعل الصلاة المنافي له ، بما تقدم من استلزامه النهي الخاص مرارا مع الاعتراف من المانع أيضا بذلك مثل الشارح في مواضع ، وبالجملة هو أمر واضح.

فقوله في التضعيف ، بأن النهي عن أمر خارج عن الصلاة إلخ غير واضح ، وكذا (ربما قيل) لانه لا خصوصية بالأذكار ، لأنه قد علم الوجوب دائما وعدم فعلها

__________________

(١) يعنى القائل بالبطلان

١٢٢

والتسميت والحمد عند العطسة.

______________________________________________________

المنافي مطلقا ، ولانه لا زمان للرد خاصة ، فإن جميع أوقات إمكان الوصول اليه وقت له ، فلو فعل المنافي يبطل حتى الصلاة الأخرى غير التي كان فيها وسلم عليه ، الا ان يريد الوقت الذي لا يمكن الوصول اليه ، وهو بعيد جدا.

مع انه يمكن ان يقال حينئذ بوجوب الرد أيضا لكن من غير الإسماع ، لأنه انما يجب على تقدير الوجوب ان أمكن فتبطل الصلاة حتى يرد.

وقد عرفت ضعف القول بان الأمر لا يقتضي إلخ فالمتجه هو البطلان ، لانه مقتضى الدليل على ما أظن ، ولكنه لا يغني من جوع ، الا ان يقال بعدم وجوب الرد في الصلاة إذا كان مستلزما لبطلانها ، أو انه يسقط بالتأخير فتأمل وتفكر لنفسك

قوله : «والتسميت إلخ» قال في الشرح : هو بالسين والشين.

وهو الدعاء للعاطس عند العطاس ، بقول ، يرحمك الله ، ويغفر الله لك ، وأمثال ذلك ولا دليل على استحبابه بخصوصه ، ولهذا تردد فيه في المعتبر ثم جعل الجواز قضية المذهب.

ويمكن ان يستدل بما مر من جواز الدعاء لنفسه ولغيره للدنيا والآخرة.

وبصحيحة محمد بن مسلم قال : صلى بنا أبو بصير في طريق مكة ، فقال وهو ساجد ، وقد كانت ضلت ناقة لجما لهم ، اللهم رد على فلان ناقته ، قال محمد : فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته ، فقال : وفعل؟ فقلت : نعم ، قال : وفعل قلت : نعم ، قال : فسكت ، قلت : فأعيد الصلاة؟ قال : لا (١) فدل على التقرير ، فيجوز.

وأيضا عموم : كلما ناجيت به الرب فليس بكلام (٢) يدل عليه ، لان مناجاة الرب قد يكون لنفسه وقد تكون لغيره.

__________________

(١) الوسائل باب (١٧) من أبواب السجود حديث : ١

(٢) الوسائل باب (١٩) من أبواب القنوت حديث : ٤

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن ينبغي كونه مستحقا بكونه مؤمنا ، مع احتمال الجواز في مطلق المسلم كما مر في وجوب رد السلام على كل مسلم وانه دعا ، وفي بحث الميت أيضا ، وكلام المنتهى يشعر باشتراط الايمان ، وهو أحوط ، ولا يبعد استثناء الآباء لعموم ما يدل على التحريص بأداء حقوقهم ، ومنه الدعاء لهم بالمغفرة ، وعموم ما يدل على نفع الولد ، مثل ما نقل انه ينفع اربع بعد الوفاة ، منه الولد الذي يستغفر له (١) وغيره من الاخبار الكثيرة في ذلك.

نعم لو قيل بكفرهم لا ينبغي الدعاء لهم أيضا ، لما يدل في القرآن وغيره على منع الدعاء لهم (٢) والأحوط الترك مطلقا ، لاحتمال الكفر والضرر مع الإسلام أيضا ، لاحتمال دخوله في موادة من حاد الله وغيره (٣)

ولا يبعد كون الأقارب مثلهم ، لوجوب الصلة ، والتحريص عليها ، واحتمال كون الدعاء منها ، ولعل الترك أحوط.

وأيضا : لا يذهب عليك ما أشرت إليه مرارا ، من عدم التصريح بجواز الدعاء خلال القراءة ، غير ما استثنى ، وان كان عموم كلامهم وكذا الروايات ، تدل عليه ، الا ان وجوب الموالاة ـ وعدم جواز الفصل وقراءة شي‌ء خلالها ـ قد يمنع ذلك ويخصصه ، وهو الأحوط.

ثم على تقدير الدعاء له. هل يجب على العاطس ان يدعو له ، ويكون ذلك ردا وجوابا عند سماعه ، الظاهر العدم ، إذ ما ثبت وجوب الرد إلا في التحية ، ولا

__________________

(١) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الاحتضار حديث : ٣ وباب (١٦) من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما حديث : ٦ وباب (١) في أحكام الوقوف والصدقات حديث : ٣ ـ ٥ ولفظ بعضها (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يتبع الرجل بعد موته ثلاث خصال ، صدقة أجراها لله في حياته فهي تجري له بعد وفاته ، وسنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته ، أو ولد صالح يستغفر له) وما وجدنا حديثا فيه كلمة اربع

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) التوبة : (١١٣)

(٣) إشارة إلى قوله تعالى ((لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) آه) المجادلة : (٢٢)

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يقال لمثله التحية عرفا وشرعا ، بل ولا لغة ، نعم : لا يبعد الدعاء له عوضا ، لا تعظيما على تقدير عدم الاستحقاق ، إذا كان مسلما ، وليس بمعلوم في الكافر ، وان مر في التعزية ما يدل على جواز بعض الأدعية لهم ، وتجويز رد سلامهم أيضا يدل عليه ، فتأمل ، ولعل الترك أحوط. وكذا في غير المميز تأمل ، مثل وجوب رد سلامه في الصلاة وغيرها وان الظاهر من التحية من يعرف تلك ويفعلها على ذلك الوجه ، فلا يبعد خروج من يفعل ذلك تمسخرا وعلى طريق المزاح لما مر.

وقال في الشرح : المراد بالجواز هنا أيضا معناه الأعم ، فإن التسميت مستحب خصوصا إذا حمد الله العاطس ، ورأيت ما يدل على اشتراط التسميت بذلك وبالصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله حيث ترك الامام عليه السلام التسميت لعاطس بترك ذلك! وسئل : فقال : لما ترك حقنا تركنا حقه (١) كأنه هو قوله ، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ، كأنه للمبالغة وشدة الاستحباب ، أو اختصاص ذلك بهم عليهم السلام.

واما التحميد ، فلا شك في استحبابه لمطلق العاطس ولمن يسمع ذلك في الصلاة وغيرها ، لحسنة الحلبي (في الكافي وصحيحته في التهذيب) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا عطس الرجل في صلاته (فليقل : الحمد لله يب) فليحمد الله (٢) وصحيحة أبي بصير (في الكافي) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : اسمع العطسة وانا في الصلاة ، فاحمد الله وأصلي على النبي صلى الله عليه وآله؟ قال : نعم ، وإذا عطس أخوك وأنت في الصلاة ، فقل : الحمد لله وصلى الله على النبي وآله ، وان كان بينك وبين صاحبك اليم (٣)

__________________

(١) الوسائل باب (٦٣) من أبواب أحكام العشرة حديث : ١ ولفظ الحديث (عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه ، قال : عطس رجل عند أبي جعفر عليه السلام فقال : الحمد لله ، فلم يسمته أبو جعفر عليه السلام ، وقال : نقصنا حقنا ، وقال : إذا عطس أحدكم فليقل ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وأهل بيته ، قال : فقال الرجل ، فسمته أبو جعفر عليه السلام)

(٢ ـ ٣) الوسائل باب (١٨) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١ – ٢ ـ ٧

١٢٥

المطلب الثاني

في السهو والشك

لا حكم للسهو مع غلبة الظن

______________________________________________________

قوله : «لا حكم للسهو مع غلبة الظن» الظاهر ان المراد ، إثبات نفى الأحكام الثابتة للشك في سائر أفراده ، من وجوب الإعادة ، أو الاحتياط ، أو سجود السهو وغير ذلك مثل التلافي ، مع الظن الذي هو الطرف الغالب ، بمعنى البناء عليه والعمل بمقتضاه وجعله بمنزلة اليقين وعدم الشك أصلا : فالمراد بالسهو هو الشك.

قال في الشرح : واجتماعه مع الظن : باعتبار كونه أو لا كذلك ، ثم صار ظنا.

فيه انه قد لا يكون كذلك ، ويمكن كون المراد به مطلق التردد وعدم اليقين ، وان يراد نفى الحكم الثابت للسهو بمعناه الحقيقي ، أو الشك أو الأعم ، بمعنى : انه ليس الحكم الكائن للسهو والشك ثابتا مع الظن ، فلا يلزم الاجتماع ، كما يقال لا حكم للسهو مع اليقين ، ف (للسهو) صفة حكم ، و (مع غلبة الظن) خبره ، باعتبار المتعلق ، ومعلوم ان الحكم الثابت غير الحكم المنفي ، وهو ظاهر ، ولا يتوهم التناقض ، فلا يحتاج الى الدفع.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولعل المراد بغلبة الظن : الظن الذي هو الطرف الغالب ، لا الظن الغالب كثيرا ، بحيث يحتاج الى الرجحان الكثير ، حتى يثبت له هذا الحكم ، فان الظاهر ثبوت الحكم بمجرد تحقق الرجحان ، للعمل بالراجح وإلقاء المرجوح ، وهو بهذا المعنى مشهور ومتعارف ، وهو مقتضى العقل والنقل في الجملة ، لأنه مفيد لظن صحة ذلك الطرف ، ووقوعه ، والعمل به هو المتعارف في الشرع.

ولو رود الأمر بالإعادة مقيدا بعدمه في صحيحة صفوان المتقدمة عن أبي الحسن عليه السلام : ان كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة (١) والوهم هو الظن ، لعدم غيره هنا بالاتفاق ، ولظهور ذلك وكثرته في الاخبار ، ولو لم يكن العمل به متعينا لم يقيد الإعادة بعدمه ، فتأمل.

وكذا شرط التساوي ، للاحتياط ، في الروايات ، مثل رواية محمد بن مسلم : ومن سهى فلم يدر ثلاثا صلى أو أربعا واعتدل شكه؟ قال : يقوم إلخ (٢) كأنها صحيحة.

وصحيحة عبد الرحمن بن سيابة وابى العباس (الثقة) جمعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ، ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وان وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع تسلم وانصرف ، وان اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس (٣) ولا يضر بصحته وجود ابان (٤) لما مر : وأمثالها كثيرة بحيث لا يمكن الرد ، والحمل على غير الظن. فلا يضر عدم صحة الأكثر ، للعمل عليها لغير هذا الحكم أيضا ، فينجبر بقبول الأصحاب مع التأييد بغيرها كما مر ، والشهرة بل الظاهر عدم الخلاف فيه ، فتعين المصير إليه.

__________________

(١) الوسائل باب (١٥) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١

(٢) الوسائل باب (١٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة قطعة من حديث : ٤

(٣) الوسائل باب (٧) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة قطعة من حديث : ١

(٤) سند الحديث كما في الكافي هكذا (محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن ابان عن عبد الرحمن وأبي العباس)

١٢٧

ولا لناسي القراءة.

______________________________________________________

وذكر المصنف رحمه الله (١) العمل به في المنتهى فيما إذا تعلق الشك بالأخيرتين فيتعين وجعل عدمه شرطا لاحكامه ، للروايات ، وما ذكر عدمه فيما يحكم ببطلانها مثل الشك في الأولتين والمغرب والثنائيتين ، كأنه استغنى عنه بلفظ الشك

والظاهر عدم الفرق بينهما ، بل بين الركعات والأفعال أيضا ، حتى لو شك قبل تجاوز المحل بنى على الفعل مع الظن به ، وعلى عدمه ، فيأتي به مع عدمه ، ويمكن القضاء بعد تجاوز المحل لذلك ، فيما له القضاء ، ولا يبطل لو غلب الظن على عدمه فيما لم يعلم كم صلى ، وكذا في جميع صور البطلان ولعل في صحيحة صفوان المتقدمة اشارة اليه ، وصرح الشارح (٢) في جريانه في الكل.

والعقل لم يجد فرقا ، مع عدم العلم بالخلاف ، وليس الدليل بخصوصه إلّا في البعض ، فينبغي اتباع الدليل ، فلو لا الإجماع على اتباع الظن مطلقا ، لأمكن ترك العمل بالظن والرجوع الى غيره من الأدلة ، مثل الحكم ببطلان صلاة الصبح مع الظن بأنه فعل ركعتين ، ونحو ذلك فتأمل واحتط ما أمكن.

قوله : «ولا لناسي القراءة إلخ» دليل عدم الحكم لناسي القراءة كلا وبعضا حتى يركع. صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : ان الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود. والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شي‌ء عليه (٣) لعل المراد بالسنة ما وجب بها دون الكتاب.

__________________

(١) وحاصل ما يستفاد من هذا الكلام. ان المصنف خص اعتبار الظن بالركعتين الأخيرتين من الرباعية دون الأولتين منها والثنائية والثلاثية. والضمير في قوله : (عدمه) في الموضعين راجع الى الظن. وفي قوله : (لاحكامه) راجع الى الشك ، و (ما) في قوله : (وما ذكر عدمه) نافية.

(٢) قال في روض الجنان : ص (٣٤٠) فإذا حصل الشك في موضع يوجب البطلان ، كالثنائية ، وغلب الظن على احد الطرفين ، بنى عليه. وان تساويا بطلت ، حتى لو لم يدر كم صلى وظن عددا معينا بنى عليه ، الى ان قال : وكذا لا فرق في ذلك بين الافعال والركعات انتهى.

(٣) الوسائل باب (٢٧) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيها دلالة على البطلان بترك الركوع والسجود مطلقا ، وعلى عدم سجود السهو لنسيان القراءة ، والجهر والإخفات. وكذا صحيحتا زرارة الآتيتان ، فلا يجب لكل زيادة ونقيصة ، وعلى عدم ركنية القراءة ووجوبها ، وان وجوبها بالنسبة ، لا بالكتاب. فلا يكون (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (١) دليله :

وعدم البطلان بنسيانها مع التذكر بعد الركوع ، لأنه حينئذ يتحقق النسيان ، إذ الظاهر منه انه لم يذكره في محله ، وللإجماع على الظاهر على العود قبله ، وللاخبار.

وموثقة منصور بن حازم (لوجود ابن فضال) (٢) قال : قلت : لأبي عبد الله عليه السلام انى صليت المكتوبة فنسيت ان اقرء في صلاتي كلها فقال : أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت : بلى : قال : فقد تمت صلاتك إذا كان نسيانا (٣) وفيها أيضا دلالة على أكثر ما في الاولى من الاحكام.

وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا نسي أن يقرء في الاولى والثانية اجزئه تسبيح الركوع والسجود ، وان كانت الغداة فنسي أن يقرء فيها فليمض في صلاته (٤) وفيها دلالة على عدم الفرق بين التي يبطلها الشك والتي يدخلها ، والرواية في ذلك كثيرة.

فيحمل مثل صحيحة محمد بن مسلم ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته؟ قال : لا صلاة له الا ان يقرء بها في جهر أو إخفات (٥) ـ على من لم يقرأها عمدا ، للجمع ، وفيها اشعار ما بعدم الجهر

__________________

(١) سورة المزمل : (٢٠)

(٢) سند الحديث كما في الكافي هكذا (محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن منصور بن حازم)

(٣) الوسائل باب (٢٩) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢

(٤) الوسائل باب (٢٩) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣

(٥) الوسائل باب (١) من أبواب القراءة في الصلاة ، قطعة من حديث : ١

١٢٩

أو الجهر أو الإخفات

أو قراءة الحمد أو السورة حتى يركع

______________________________________________________

والإخفات على التعيين.

والذي يدل على ان المراد من الصحيحة الاولى مع النسيان ولم يذكر حتى يركع ، وان الثانية محمولة على العمد ، مع ما مر :

موثقة سماعة قال : سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب؟ قال : فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم ، ثم ليقرئها ما دام لم يركع ، فإنه لا قراءة حتى يبدء بها في جهرا وإخفات ، فإنه إذا ركع اجزئه إنشاء الله (١).

ويفهم عدم البطلان بتركها سهوا أيضا وعدم الاهتمام بوجوبها ، من صحيحة عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ان الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، الا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام ، لا يحسن ان يقرء القرآن ، اجزئه ان يكبر ويسبح ويصلى (٢).

ويدل على بدلية التسبيح عن القراءة عند التعذر ، وانها ليست بفريضة مثل الركوع والسجود ، وانهما فريضة فتبطل بتركهما ، ولا بد من فعلهما ليتحقق الصلاة ، بخلافها.

ولعل المراد بالفريضة ، الواجبة بالقرآن ، والأمر الضروري الذي هو الركن.

ويفهم مما ذكر : ان حكم الجهر والإخفات على تقدير وجوبهما كذلك ، بالطريق الاولى.

ولعلك تفهم من تقييد الكل في المتن بما بعد الركوع ، وجوب الرجوع فيه ما لم يتحقق الركوع ، والظاهر انه كذلك في غير الجهر والإخفات ، وان الغرض تقييد غيرهما ، وارادة الاختصار في العبارة فيوهم ذلك ، ولهذا نقل الشارح عدمه عنه في

__________________

(١) الوسائل باب (٢٨) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢ وفيه (لا صلاة له حتى يقرأ بها)

(٢) الوسائل باب (٣) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

النهاية ، ولانه يلزم تكرار القراءة بفوت صفة غير لازمة في تحققها ، مع الخلاف في الأقوال والروايات في وجوبهما ، مع عدم دليل قوى على ذلك ، بل أظن ضعفه كما عرفت.

ويمكن الفهم من صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، أو ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه ، أو قرء فيما لا ينبغي القراءة فيه؟ فقال : اىّ ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي‌ء عليه (١)

فإنه صادق على من لم يجهر في القراءة وذكر قبل الركوع ، بل في الآية ، وذكر في الأخرى انه لم يجهر ناسيا وقد حكم بعدم شي‌ء عليه ، ولو كان عليه الإعادة ما كان ينبغي ذلك ، والأصل عدم التخصيص حتى يثبت بالدليل ، ولا دليل ، فليس المحذور تأخير البيان عن وقت الحاجة ، أو الخطاب ، على انه يجوز عن الخطاب عند الأكثر والمحققين من الأصوليين ، والحاجة غير ظاهرة ، ولهذا ضم الخطاب.

واما في نسيان القراءة بالكلية مع الذكر قبل الركوع ، فيأتي بها وكذا في أبعاضها واجزائها حتى الحركات والتشديد والمد الواجب المتصل ، فإنه لا يستلزم التكرار ، بل ولا يصدق النسيان حينئذ لوجود محله ، وان صدق فلا محذور ، لخروجه عن الحكم بالدليل الذي مر ، بل الإجماع أيضا ، فلا يلزم الحمل على من لم يتذكر قبل الركوع في الكل

نعم لا ينبغي الاستدلال بالخبر الأخر لزرارة الذي مر في إثبات وجوبهما ، لاشتماله على قوله (اىّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة (٢)) فإنه يدل على الإعادة في تلك الصورة بعينها ، وانه لا تفاوت الا بالعمد والنسيان ، الا ان يلتزم البطلان بمجرد ترك الجهر والإخفات قبل فعل الركوع ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب (٢٦) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٢٦) من أبواب القراءة في الصلاة ، قطعة من حديث : ١

١٣١

ولا لناسي ذكر الركوع ،

______________________________________________________

واعلم ان هذه (١) لا تصلح للاستدلال على وجوبهما ، لعدم الصراحة ، مع اشتمالها على القراءة فيما لا ينبغي القراءة وذلك غير ظاهر ، وكذا فعله عمدا موجب للإعادة غير ظاهر في الكل ، بل يمكن جعلها دليلا على العدم ، لوجود لفظة (لا ينبغي) والحمل على سجدة السهو مع العمد أو الإعادة استحبابا ، فتأمل ، وقد مرت المسئلة ودليلها فتذكر.

قوله : «ولا لناسي ذكر الركوع إلخ» دليله رواية عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه ان عليا صلوات الله عليهم سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا؟ قال : تمت صلاته. (٢)

وفي السند جعفر بن محمد ، هو جعفر بن محمد بن عبيد الله (٣) فهمت ذلك من النجاشي عند ذكره عبيد الله المذكور ، وكأنه غير مذكور فيه في محله ، وفي الخلاصة ، وذكر في الفهرست (٤) وقال له كتاب وذكر الاسناد ، فلا يبعد كونها حسنة ، فتأمل.

وصحيحة على بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه وسجوده؟ قال : لا بأس بذلك. (٥)

وفيهما أيضا دلالة ما ، على عدم سجود السهو له ، فلا يجب لكل زيادة ونقصان ، والأولى أظهر ، فافهم ، ولعل فيهما دلالة على وجوب التسبيح وعدم الإتمام بدونه عمدا ، وقد مرت الأدلة فتذكر.

__________________

(١) أي الصحيحة الأولى لزرارة

(٢) الوسائل باب (١٥) من أبواب الركوع حديث : ١

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (محمد بن احمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد الله بن القداح ، عن جعفر عليه السلام)

(٤) ذكر الشيخ في الفهرست. باب الجيم رقم (١٣٩) جعفر بن محمد بن عبيد الله له كتاب.

(٥) الوسائل باب (١٥) من أبواب الركوع حديث : ٢

١٣٢

أو الطمأنينة فيه حتى ينتصب ، ولا لناسي الرفع أو الطمأنينة فيه حتى يسجد ، أو الذكر في السجدتين ، أو السجود على الأعضاء السبعة ، أو الطمأنينة فيهما ، أو في الجلوس بينهما.

______________________________________________________

واما الدليل على غيره الى قوله ، ولا سهو في السهو ، فرفع النسيان عن الأمة (١) الدال على رفع جميع احكامه ، مع الإشارة فيما تقدم من الروايات الدالة على عدم الركن إلّا الخمسة المتقدمة ، وعلى عدم البطلان إلا بالأمور المذكورة التي ليست هذه منها ، والأصل.

مع ان الإتيان يستلزم تكرار واجب من واجباتها ، اما ركن أو جزء ، وذلك عمدا غير معلوم الجواز.

ويدل عليه أيضا الأخبار الدالة على عدم شي‌ء في نسيان غير الركن مثل القراءة مع أنها عمدة وجزء واضح ، وذلك يدل على ان ليس سببه الا عدم كونه ركنا ، خصوصا الصحيحة المتقدمة دالة على انها سنة وان السجود والركوع فريضة.

وما دلت من الاخبار الصحيحة على انه يكفى إتمام الركوع والسجود ، وبالجملة يغلب من ذلك ، الظن مع عدم وجود الخلاف ، بل يظهر الإجماع من المنتهى ، حيث ما نقل الخلاف الا عن بعض العامة ، فتأمل.

واعلم ان المصنف رحمه الله ما ذكر محل فوت بعض الأمور ، وكأنه ترك للظهور ، واعتمادا على ما تقدم وما تأخر.

فمحل فوت ذكر السجود هو الرفع عنه ، بمعنى رفع الجبهة عن محله ، بحيث يصدق عليه الرفع ، وكذا طمأنينة السجود.

ومحل فوت السجود على الأعضاء ـ بمعنى نسيان غير وضع الجبهة ـ هو الرفع عنه

__________________

(١) الوسائل باب (٣٧) من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢

١٣٣

ولا للسهو في السهو.

______________________________________________________

بالمعنى المتقدم ، والركوع (١) إذا كان وضع الجبهة منسيا ، فإنه نسيان السجدة الواحدة ، فلا يفوت محلها الا بالشروع في الركوع كما مر ، ومحل فوت الجلوس بينهما والطمأنينة فيه هو وضع الجبهة ثانيا.

والذي يدل على ان الركوع محل فوت السجدة الواحدة ، رواية أبي بصير قال : سألته عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة ، فذكرها وهو قائم؟ قال : يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان كان قد ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وليس عليه سهو (٢)

ويدل ـ ما سيجي‌ء من الاخبار الدالة على انه محل فوتها على تقدير الشك فيها ـ على انه محل النسيان بالطريق الاولى ، ومعلوم فوت المحل بعد الركوع.

ويدل عليه أيضا ما سيجي‌ء من رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال : فليسجد ما لم يركع ، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء (٣) لعله ما يريد بالقضاء معناه العرفي عندهم ، وفي الأولى دلالة على عدم سجود السهو لكل زيادة ونقيصة ، وتركه في الثانية يشعر به ، فتأمل.

قوله : «ولا للسهو في السهو» دليله حسنة حفص بن البختري (لإبراهيم بن هاشم) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ليس على الامام سهو ، ولا على من خلف الامام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة اعادة (٤) وما في مرسلة يونس

__________________

(١) اى محل فوت وضع الجبهة في السجود ، هو الركوع في الركعة الأخرى

(٢) الوسائل باب (١٤) من أبواب السجود حديث : ٤

(٣) الوسائل باب (١٤) من أبواب السجود حديث : ١

(٤) الوسائل أو رد قطعة من الحديث في باب (٢٤) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣ وقطعة منه في باب (٢٥) من الأبواب المذكورة حديث : ١

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام ولا سهو في سهو (١)

لعل المراد نفى أحكام الشك عن الامام مع حفظ المأموم ، وبالعكس ، ونفى استحباب الإعادة في موضعها ، كمن صلى منفردا ثم أعاد مع الجماعة استحبابا ، فلا يعيد مرة أخرى.

ويحتمل ان يكون المراد : انه على تقدير الإعادة. لقصور ، لشك أو سهو ، أو عدم طهارة ثوب ، لا يوجب مثله الإعادة أو يوجب ، لا ينبغي الإعادة إلا مع الموجب ، الله يعلم.

واما معنى قوله ، ولا على السهو سهو ، فقال المصنف : معنى قول الفقهاء «ولا للسهو في السهو ، اى لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو ، كمن شك بين الاثنتين والأربع ، فإنه يصلى ركعتين احتياطا على ما يأتي. فلو سهى فيهما ولم يدر أصلي واحدة أو ثنتين لم يلتفت الى ذلك ، وقيل معناه : ان من سهى فلم يدر هل سهى أم لا ، لا يعتد به ولا يجب عليه شي‌ء ، والأول أقرب. (٢)

كأنه مناسب لقوله ، ولا على الإعادة اعادة ، وان له فائدة ، وليست في نفى الحكم في الشك ـ بأنه هل حصل منه شك أو سهو يوجب شيئا أم لا ـ فائدة ، فعلى الثاني معنى القول عدم الحكم مطلقا للشك في حصول موجبه بالكسر ، وهو ظاهر ، وعلى الأول معناه نفى الحكم مطلقا للشك.

ويحتمل السهو أيضا في موجب الشك بالفتح مثل الاحتياط ، أو السهو مثل سجود السهو ، ولكن في النفي حينئذ مطلقا تأمل بعد ثبوت الاحكام في المطلق ، وعبارة الخبر محتملة للأمرين مع عدم الصحة (٣) فكيف يسقط الحكم الثابت لها

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢

(٢) الى هنا كلام المنتهى

(٣) سند الحديث كما في الكافي هكذا (على بن إبراهيم ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، جميعا. عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري) ولا يخفى ان الحديث بهذا السند صحيح ولعلّ نظر الشارح الى سند الحديث في التهذيب.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مطلقا.

وان بنى على الأول كما هو الظاهر ، فينبغي التأمل في جزئياته ، فيمكن الحكم بعدم الحكم للشك الذي كان مبطلا أو موجبا للاحتياط في غير صلاة الاحتياط ، لو وقع فيها ، والّا ، يمكن لزوم الحرج والكثرة ، ولظاهر الخبر ، وكذا ما يوجب سجود السهو ، لو وقع فيه لما مر ، مثل نسيان الذكر والطمأنينة مع القول بوجوب سجود السهو لهما ، ونسيان احدى السجدتين ، أو الجلوس بينهما ونحو ذلك

اما لو وقع في صلاة الاحتياط شي‌ء موجب للسجود ـ أو نسي شيئا منها مثل السجدة الواحدة والتشهد ونحوهما ، مما يوجب القضاء في غير الاحتياط ، وكذا ما يوجب التلافي مع عدم تجاوز المحل ـ فان الظاهر وجوب سجدة السهو والقضاء والتلافي ، لعدم الدليل المتقدم ، وهو الحرج والكثرة ، وعدم ظهور حجية الخبر فيه مع ثبوت هذه الاحكام بدليلها مطلقا ، ووجوب التلافي أظهر.

وكذا لو نسي شيئا في سجود السهو مثل التشهد والسجدة الواحدة ، فغير ظاهر السقوط ، بل الظاهر عدمه.

وكذا لو شك في فعل منهما بعد كونه في محله ، فينبغي الإتيان وعدم السقوط ونحو ذلك.

اما لو شك في عدد السجدتين ، وعدد الاحتياط فيبني على فعل المشكوك ، الا ان يستلزم الزيادة فإنه يبنى على المصحح ، وذلك غير بعيد ، لأصل الصحة ، ولئلا يلزم الحرج والكثرة ، ويحتمل البناء على الأقل للأصل ، مع الصحة ، وعدم لزوم الحرج وغيره ، والمفهوم من كلام الشيخ هو الأول والثاني أجده أظهر.

قال الشارح : قد فسر : بان يتحقق الشك ، وشك في كونه يوجب شيئا أولا ، والظاهر انه لا حكم له أصلا ، للأصل ، وكذا لو شك هل هو مبطل أم لا ، ينبغي عدم الالتفات ، للأصل ، وقال أيضا : لو سهى عما يتلافى بعد الصلاة كالسجدة والتشهد وتجاوز محله ، قضاه ، الا انه لا يأتي بسجود السهو له.

١٣٦

ولا للإمام أو المأموم إذا حفظ عليه الأخر.

______________________________________________________

والأول غير بعيد ، وفي الثاني تأمل : نعم لا يبعد ذلك في سجود السهو ، لأنها من جنس واحد ، مثل الإعادة في الإعادة ، ولزوم الحرج والكثرة.

وقال : ولو تيقن فعل ، أو ترك ، ما يبطل كالركن بطل : وليس منه ما لو شك في فعل كالركوع والسجود فاتى به ، فشك في أثنائه في ذكر أو طمأنينة ، لأن عوده أولا الى ما شك فيه ليس مسببا عن السهو ، وانما اقتضاه أصل الوجوب مع أصالة عدم فعله ، وكذا لو تيقن السهو الموجب للسجود ، أو لتلافي فعل ، وشك هل فعل موجبه أم لا فإنه يجب عليه فعله لأصالة عدمه انتهى.

والظاهر انه حق ، وبالجملة ، المسئلة لا تخلو عن اشكال ، وينبغي التأمل في جزئياتها ، والحكم على الاجمال مشكل مع عدم صحة الدليل ، فيعلم الساقط وعدمه بالتأمل والتدبر.

ويمكن بعيدا ان يقال بالسقوط على الإجمال إلا المعلوم ، لان ثبوت الاحكام في الصلاة المتعارفة والسجود كذلك ، لا في الاحتياط وسجود السهو ، فتأمل.

قوله : «ولا للإمام أو المأموم إلخ» دليله الحسنة المتقدمة ، والحسنة الأخرى كذلك : ليس على الامام سهو ولا اعادة (١) وما في المرسلة المتقدمة أيضا ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه بإيقان (باتفاق ـ خ) منهم ، وليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام (٢) وصحيحة على بن جعفر عن أخيه قال : سألته عن الرجل يصلى خلف الامام ، لا يدرى كم صلى هل عليه سهو؟ قال : لا (٣)

الظاهر ان المراد هو عدم أحكام الشك ، مثل السجود للسهو ، والإعادة ، على تقدير حفظ الأخر كما هو مصرح به في البعض.

__________________

(١) لم نعثر على هذه الحسنة

(٢) الوسائل باب (٢٤) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة قطعة من حديث : ٨

(٣) الوسائل باب (٢٤) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ونقل في المنتهى عن الشيخ والسيد والعامة عدم السهو على المأموم مع الامام ، حتى لو فعل موجب السهو لا يسجد له ، ونقل احتجاجهم على ذلك ببعض ما مر ، وبرواية محمد بن سهل المذكورة في الفقيه عن الرضا عليه السلام : الامام يحمل أوهام من خلفه الا تكبيرة الافتتاح (١) وبرواية عمار : ليس عليه شي‌ء ، فيمن ينسى ان يسبح في السجود والركوع ، أو ينسى ان يقول بين السجدتين شيئا (٢) وبأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل سهى خلف الامام بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى يسلم؟ قال : جازت صلاته ، وليس عليه إذا سهى خلف الامام سجدتا السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه (٣) وأجاب بعدم الدلالة في البعض ، و (بعدم صحة السند) (عن رواية عمار) والحمل على الشك مع القيد المتقدم في البعض ، بحمل المطلق على المقيد ، وحمل الضمان على ضمان القراءة ، كما هو مصرح في موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : أيضمن الإمام الصلاة؟ فقال : لا ، ليس بضامن (٤) وكذا في صحيحة معاوية (٥)

ورواية حسين بن كثير (حسن بن بشير ـ يب) عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئله رجل عن القراءة خلف الامام؟ فقال : لا ، ان الامام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الإمام صلاة الذين هم من خلفه انما يضمن القراءة (٦)

__________________

(١) الوسائل باب (٢٤) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٢٤) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤ ولفظ الحديث (عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألت عن الرجل ينسى وهو خلف الامام ان يسبح في السجود أو في الركوع أو نسي أن يقول شيئا بين السجدتين؟ فقال : ليس عليه شي‌ء)

(٣) الوسائل باب (٢٤) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٥

(٤) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الصلاة الجماعة حديث : ٢

(٥) الوسائل باب (٣٦) من أبواب الصلاة الجماعة حديث : ٦

(٦) الوسائل باب (٣٠) من أبواب الصلاة الجماعة حديث : ١

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيده ان الشيخ أيضا جمع بين الاخبار في التهذيب بمثل ما ذكره. ويمكن الحمل على التقية أيضا.

وبالجملة القول المشهور هو الظاهر ، لعدم سقوط موجب شي‌ء إلا بدليل صحيح صريح ، وليس هنا دليل كذلك مع المعارضة ، إلا مع الحفظ في بعض الصور ، وإطلاق الخبر في جانب المأموم لا يدل عليه ، ولهذا أطلق في جانب الإمام أيضا مع انه ظاهر ان المراد مع حفظ المأموم.

فروع

الأول : لا شك في رجوع أحدهما إلى الأخر مع شك ويقين الأخر. واما (الى) ظن الأخر فهو أيضا محتمل ، لان الظن في باب الشك معمول به وانه بمنزلة اليقين.

وظاهر قوله عليه السلام في المرسلة المتقدمة (مع إيقان منهم) (١) العدم ، كأنه محمول على ما يجب لهم ان يعملوا به من الظن واليقين ، مع احتمال العدم ، والحمل على الظاهر الا انها مرسلة.

واما الرجوع مع الظن الى يقين الأخر فمحل التأمل ، لأنه حصل عنده ما يجب ان يعمل به ، والظاهر من الرجوع الى الأخر مع السهو والشك والوهم.

وكون اليقين أقوى من الظن ، وعدم الحكم له معه ليس بمعلوم في مثل هذه الصورة حيث حصل كل ، لشخص مع ورود ما يدل على العمل بهما ، ولان الظن الحاصل له بقرينة لعله أقوى من العمل بقول الغير وتقليده ، فالظاهر البناء على ظنه ، الا ان يحصل له ظن أقوى منه بسبب يقين الأخر فيرجع اليه ، ويحتمل في المساوي أيضا ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب (٢٤) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة قطعة من حديث : ٨

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : إذا حصل لهما الشك يعمل كل بمقتضاه ، الا ان يفيد يقينا من الأخر ، مثل ان يشك أحدهما بين الاثنين والثلاث والأخر بينه وبين الأربع ، فالاثنان فقط منفي بيقين الثاني كالرابع بيقين الأول ، فيبني على الثلاث ، كذا قاله في الشرح وهو جيد :

وقال في الشرح ولا عبرة بالثالث.

وقد مر في الخبر الصحيح ان شخصا صلى ثم أخبر بأنه صلى في غير وقته ، قال يعيد (١) أيضا وفي أخرى جواز الاتكال في العدد على الغير (٢) وهو مؤيد للاعتبار خصوصا مع العلم بضبطه وعدالته ، فيحصل الظن بقوله لأحد الطرفين ، فيعمل به للظن ، ويدخل في صورة الظن ، وقد جوزه في الشرح أيضا حينئذ لكن قال : انه خارج عن القول بقول ثالث ، بل بالظن.

والظاهر انه لم يخرج ، لانه ما حصل الأمن الثالث والظن المتقدم كان ظاهرا في غيره ، والا فيلزم خروج عمل أحدهما بالاخر أيضا ، لأنه يحصل الظن ، ولأجله يعمل ، فلو لم يحصل لم يعمل ، وان احتمل ، لإطلاق الخبر ولكنه بعيد خصوصا إذا حصل الظن بخلافه.

الثالث : عدم الفرق في المأموم بين كونه عدلا أم لا ، وفي الطفل المميز تردد ، ولا يبعد الرجوع اليه مع حصول الظن والاعتماد على انه لم يكذب ، مع علمه بعدم مؤاخذته ، لعدم التكليف ، وكذا في سائر الأمور ، مثل قبول قوله في تطهير النجس وغير ذلك ، قيل يقبل الهدية منه مع إخباره بأنه مرسل عن أبيه ونحوه.

وبالجملة : ينبغي الاجتهاد والعمل عليه ، مع ان العمل بقوله متداول بين المسلمين في أخذ الهدية ، والاذن بدخول البيت ، وأخذ الوديعة منه وغير ذلك ، ومصرح في كتب الأصحاب جوازه ، فتأمل واحتط.

__________________

(١) الوسائل باب (٥٩) من أبواب المواقيت حديث : ١ والحديث منقول بالمعنى

(٢) الوسائل باب (٣٣) من أبواب الخلل حديث : ١

١٤٠