مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

إتمام الصلاة والصيام في الحرمين؟ فقال أتمها ولو صلاة واحدة (١) : وقيل هو واقفي ثقة.

وفي الصحيح عن مسمع عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما ، ويقول : ان الإتمام فيهما من الأمر المذخور (٢) وهو ممدوح في الجملة.

وفي الصحيح عن عمر بن رياح قال : قلت : لأبي الحسن عليه السلام أقدم مكة أتم أو أقصر؟ قال : أتم ، قلت وأمر على المدينة فأتم الصلاة أو أقصر؟ قال أتم (٣) : وهو مجهول.

وفي الصحيح عن مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لي إذا دخلت مكة فأتم يوم تدخل (٤)

وخبر على بن يقطين قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن التقصير بمكة؟ فقال : أتم وليس بواجب ، الا انى أحب لك ما أحب لنفس (٥) وفيه إسماعيل بن مرار عن يونس وهو مجهول (٦)

وخبر زياد بن مروان قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن إتمام الصلاة في الحرمين؟ فقال : أحب لك ما أحب لنفس أتم الصلاة (٧) وفي الطريق ما مر ، مع زياد.

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٧

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

(٣) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٨ ـ ٩

(٤) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٧

(٥) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٩

(٦) سند الحديث كما في الكافي (على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن على بن يقطين)

(٧) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢١

٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ان من الأمر المذخور الإتمام في الحرمين (١) وهما في الطريق.

وفي الصحيح عن الحسين بن مختار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال قلت له انا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر؟ قال : ان قصرت فذلك وان أتممت فهو خير تزداد (٢) والحسين واقفي.

وتحمل الأخبار الدالة على التمام في هذه المواضع ، على جواز التمام وأفضليته ، للتخيير الموجود في بعض الاخبار المتقدمة.

ويدل عليه أيضا صحيحة على بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الصلاة بمكة؟ قال : من شاء أتم ومن شاء قصر (٣)

ورواية عمران بن حمران قال قلت لأبي الحسن عليه السلام أقصر في المسجد الحرام أو أتم؟ قال : ان قصرت فلك وان أتممت فهو خير وزيادة الخير خير (٤)

فلما ان ثبت عدم المعارض ـ من الكتاب والإجماع ، مع العمل بها ، مع الشهرة العظيمة ـ فتحمل الأخبار الدالة على وجوب القصر ما لم ينو مقام عشرة ، إلا مع التردد الى ثلاثين ، على غير المواضع ، أو على وجوب القصر على التعيين والإتمام كذلك كما هو الظاهر.

وكذا صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت الرضا عليه السلام عن الصلاة بمكة والمدينة تقصير ، أو تمام؟ فقال : قصر ، ما لم تعزم على مقام عشرة أيام (٥)

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢٠ وقوله وهما في الطريق ، أي إسماعيل بن مرار ، عن يونس

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٦

(٣) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٠

(٤) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١١

(٥) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣٢

٤٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا رواية على بن حديد عنه عليه السلام ، مع الضعف به ، فإنه ضعيف ، قال : لا يكون الإتمام الا ان تعزم على إقامة عشرة أيام ، وصل النوافل ما شئت ، في السؤال عن الحرمين (١) مع انه قال رحم الله عبد الله بن جندب حيث ذكر الراوي إتمامه فيهما. ولا دلالة على تعيين القصر فيما في الصحيح عن محمد بن إبراهيم الحضيني (الممدوح في الجملة) قال : استأمرت أبا جعفر عليه السلام في الإتمام والتقصير؟ قال : إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة إلخ (٢) وهو ظاهر. وصحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التقصير في الحرمين والتمام؟ فقال : لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام ، فقلت ان أصحابنا رووا عنك انك أمرتهم بالتمام فقال : ان أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون ، ويأخذون نعالهم ويخرجون ، والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام (٣) وهذه تحمل على ما مر ، على ان في الطريق عبد الرحمن عن معاوية بن وهب ، وهما مشتركان.

وبالجملة لا يمكن رد تلك الأخبار الكثيرة المعمولة المشهورة في المذهب ، والا لم يبق اعتماد على خبر أصلا ولم يمكن الجمع الّا بمثل ما مر.

ولا يمكن بمثل ما قال في الفقيه بعد رواية (انه من المذخور (٤)) إلخ ، انها محمولة :

على من ينوي الإقامة (٥)

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣٣ ولفظ الحديث هكذا (عن على بن حديد قال سألت الرضا عليه السلام فقلت ان أصحابنا اختلفوا في الحرمين ، فبعضهم يقصر وبعضهم يتم ، وانا ممن يتم ، على رواية قد رواها أصحابنا في التمام ، وذكرت عبد الله بن جندب انه كان يتم؟ فقال رحم الله ابن جندب ، ثم قال لي ، لا يكون الإتمام الا ان تجمع على إقامة عشرة أيام ، وصل النوافل ما شئت ، قال ابن حديد ، وكان محبتي أن تأمرني بالإتمام)

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر قطعة من حديث : ١٥

(٣) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣٤

(٤) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢٩

(٥) الظاهر ان الاشكال غير وارد ، لأن عبارة الفقيه هكذا (قال مصنف هذا الكتاب : يعنى بذلك ان يعزم

٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إذ لا معنى للتخصيص ولا للاذخار : لاشتراك الكل في ذلك : وللتصريح في بعض الاخبار الصحيحة المتقدمة بالتمام ولو صلاة واحدة.

وكذا حمل الشيخ به ، وبنية الإقامة والإتمام ، ولو كان معلوما عدم بقائه فيهما عشرة وهو ظاهر.

وهذا ما يتعلق بالحرمين : واما ما يتعلق بهما وبالكوفة والحائر أيضا : فهو أيضا بعض ما مر ، مع الاخبار ، مثل صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين بن على عليهم السلام (١)

وأيضا رواية زياد القندي عن أبي الحسن عليه السلام يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي واكره لك ما أكره لنفسي ، أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه السلام (٢)

ورواية أخرى له عن أبي الحسن موسى عليه السلام مثله (٣)

ورواية أبي شبل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أزور قبر الحسين عليه السلام؟ قال : نعم ، زر الطيب وأتم الصلاة (فيه كا) عنده (قلت أتم الصلاة؟ قال : أتم يب) قلت (فان كا) بعض أصحابنا يرى (يرون كا) التقصير؟ قال : انما يفعل ذلك الضعفة (٤)

ورواية عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : تتم الصلاة في أربعة مواطن ، في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه و

__________________

على مقام عشرة أيام في هذه المواطن حتى يتم) فان ظاهره الترغيب في العزم على المقام ، لا في الإتمام على تقدير نية الإقامة.

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١

(٢) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٣ وذيله.

(٣) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٣ وذيله.

(٤) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٢

٤٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

آله وسلم ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليه السلام (١) ومثلها رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (٢) ومثلها رواية أبي بصير (٣)

وأيضا لما ثبت التخيير في الحرمين ، يلزم فيهما ، لعدم القول بالفصل على ما هو المشهور ، ويؤيد التخيير هنا : انه ما وجد المعارض فيهما بخصوصهما بخلاف الحرمين ، وأيضا ما وجد القول الصريح أيضا بوجوب القصر متعينا فيهما ، فإن عبارة الفقيه ظاهرة ، والرواية صريحة في الأولتين ، فتأمل.

وهنا فروع

الأول : هل المواضع هو البلد ، أو المسجد ، وحرم الحسين عليه السلام : الظاهر من الاخبار انه مكة والمدينة والكوفة وحرم الحسين عليه السلام ، ولا ينافيه وجود المسجد في البعض الأخر ، حتى يجب حمل المطلق عليه ، لجواز الحكم فيهما ، الا انه ما ذكر في البعض الا المسجد لفضيلة ونحوها.

والظاهر انه لا شك في فضيلة البلاد ، مثل نفس مكة والمدينة.

فما ورد في موثقة عمار بن موسى ـ في باب فضل المساجد ـ قال : سألته عن الصلاة في المدينة ، هل هي مثل الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال : لا ، ان الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ألف صلاة ، والصلاة في المدينة مثل الصلاة في سائر البلدان (٤) بعد التسليم ـ محمول على المبالغة : و

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٤

(٢) لم أجد حديثا عن مسمع يتضمن تمامية الصلاة في أربعة مواطن نعم يمكن ان يكون المراد حديث (٢٣) من باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر ، واشتبه كلمة (عمن سمع) بلفظ (مسمع) ولفظ الحديث هكذا (حذيفة بن منصور عن من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : تتم الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الكوفة وحرم الحسين)

(٣) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢٥

(٤) الوسائل باب (٥٧) من أبواب أحكام المساجد حديث : ٩

٤٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

التأويل ، بقطع النظر عن مجاورته صلى الله عليه وآله وسلم ونحوه.

وقال الشيخ : إذا ثبت الاستحباب في الحرمين من غير اختصاص بالمسجد ، يكون الحكم كذلك في الكوفة ، لعدم القائل بالفرق وهو مذهب المصنف في المنتهى وجماعة.

ويحتمل ارادة المسجد من مكة والمدينة والكوفة ، لأنه جزء ، مع عدم العموم صريحا في كل جزء منها ، وإذا كان التمام في جزء ، صح انها تمام في مكة مثلا مؤيدا بالاستصحاب ، ولعل النظر الى الدليل ، الأول أقرب.

واما حرم الحسين عليه السلام : فالظاهر انه ليس بمعلوم إطلاقه على غير الحائر ، وهو ما دار عليه سور المشهد والحضرة ، وعلى ما نقل من معنى اللغة ، وهو الموضع الذي يقف الماء ، وكان في ذلك الموضع على ما نقل وقوف الماء الذي اجرى عليه بعض الخوارج للتخريب ونقل في المنتهى عن المفيد : ان الشهداء كلهم في الحائر إلا العباس (ع) : وهو يدل على عدم دخول سائر البلد في الحائر ، لا سور البلد ، ويؤيده ما في البعض ، عند قبر الحسين عليه السلام (١) ولو ثبت عدم القائل بالفرق هنا أيضا ، يكون هنا أيضا ، المراد البلد : مع ان ذلك البلد غير معلوم كما هو المشهور.

والظاهر ان المراد بالبلد ، ما كان في ذلك الزمان.

والأفضل والأحوط ، هو التمام عند القبر ومسجد الكوفة في الجملة ، لأن ظاهر عبارة السيد وابن الجنيد وجوب التمام ، وان قيل ان مرادهما الاستحباب ، فإنه غير ظاهر : قال في المختلف ، المشهور استحباب الإتمام ، إلى قوله ، وقال السيد المرتضى في الجمل لا يقصر الى قوله ، وهذه تعطى منع التقصير ، وكذا عبارة ابن الجنيد ، فإنه قال : والمسجد الحرام لا تقصير فيه على احد.

على ان في أكثر الروايات الأمر بالإتمام ، وليس خلاف ابن بابويه في الحائر والكوفة صريحا ، والروايات المعارضة ليست بظاهرة فيهما.

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٣ و ٢٢ و ٣٠

٤٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فقول الشارح ـ والأحوط هو القصر ، وهو المشهور بين الطلبة أيضا ـ ليس بواضح كثيرا ، فتأمل فإنه غير بعيد ، ولا يبعد جواز الجمع ، للاحتياط ، خصوصا إذا وقع أحدهما معادة ، فتأمل.

الثاني : الظاهر عدم وجوب نية الإتمام والقصر فيها ، للأصل ، وعدم دليل يقتضيها ، وعلى تقدير التعيين الظاهر عدم التعين ، فيجوز الإتمام بعد نية القصر ، وبالعكس على الظاهر ، والأحوط التعين والبقاء.

الثالث : الظاهر استحباب فعل النافلة الساقطة فيها ، لان المعلوم سقوطها بوجوب القصر وليس بمعلوم في غيره ، فيبقى للأصل ، ولشرف البقعة ، والتحريص والترغيب على كثرة الصلاة فيها ، ولما في بعض هذه الاخبار : من ان زيادة الصلاة خير ، وزيادة الخير خير ، وصل النافلة ما شئت ، وغير ذلك فافهم ، ولا فرق في الجواز بين اختيار القصر والإتمام ، صرح بما قلناه في الذكرى.

الرابع : الظاهر عدم جواز الصوم ، لوجوب الإفطار بدليله ، مع عدم دليل التخيير ، ولما في الرواية (١) من عدم ذكره ، خصوصا فيما سئل عنهما ، وأجاب عنها فقط ، وهو مشعر به ، وعدم ظهور القائل به.

نعم قد يقال : يقتضي قوله في الرواية : إذا أفطرت قصرت ، عدم الإفطار على تقدير عدم القصر بعكس النقيض : ويجاب بأنه يمكن ان يحمل على انه إذا جاز لك الإفطار جاز لك القصر ، فيكون العكس إذا لم يجز القصر لم يجز الإفطار : أو على انه :

إذا وجب الإفطار يجوز الإتمام ، أو يخصص بغير هذا المواضع لما مر ، ولا فرق أيضا بين كونه جالسا في هذه الأمكنة في جميع أوقات الصوم وعدمه.

الخامس : الظاهر بقاء التخيير في قضاء ما فاتت في هذه الأمكنة ، وان لم يقض فيها لقوله عليه السلام (يقضى كما فاتت) وغيره من أدلة التسوية بين القضاء والأداء ، ويحتمل تعين القصر.

__________________

(١) الوسائل باب (٢٥) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢٢ و ٣٠

٤٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

السادس : الظاهر عدم التخيير في القضاء فيها إذا فاتت في غيرها.

السابع : الظاهر ان المراد بحرم أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام هو الكوفة : للتصريح في بعض الروايات ، ولما في الرواية في الفقيه : ان الكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم على بن أبي طالب عليه السلام وان الصلاة فيها بألف صلاة (١)

ويحتمل ارادة المسجد فيها ، للشهرة بأن هذه في المسجد ، وكذا في صدر الخبر : ان مكة والمدينة حرم الله وحرمهما والصلاة فيهما بمائة ألف ، والدرهم كذلك وبعشرة آلاف صلاة وكذا الدرهم (٢) ولما مر من موثقة سماعة الدالة على مساواة المدينة لسائر البلدان (٣) فتأمل فيه.

ولتعيين الإرادة : واحتمال الحرم ومكة والمدينة والكوفة ذلك بخلاف العكس : وللزوم المنافاة في الجملة ، إذ الظاهر الحصر في أربعة وعد تارة ، منها المسجد فقط ، واخرى هو وغيره من سائر أجزاء البلد ، فتأمل فيه فإنه محله.

ونقل المصنف في المنتهى عن والده ، منع استحباب التمام لمن عليه الصلاة لقوله (لا صلاة لمن عليه الصلاة) (٤) : ولعدم جواز النافلة لمن عليه الفريضة ، وهو بعيد ، على تقدير تسليم الأصل فكيف مع منعه ، وقد مر.

الثامن : الظاهر عدم إلحاق سائر المشاهد : للأصل والاستصحاب ، وأدلة وجوب القصر ما لم ينو المقام عشرة ، وعدم ظهور العلة فيها حتى يقاس.

التاسع : ينبغي الإقامة فيها ليتم ، للرواية المتقدمة في البعض والخروج عن الخلاف ، وإدراك كثرة البركة.

العاشر : الظاهر انه لو نوى القصر ثمّ تممها نسيانا ، أو عمدا مع النقل تصح

__________________

(١ ـ ٢) الوسائل باب (٤٤) من أبواب أحكام المساجد حديث : ١٢

(٣) الوسائل باب (٥٧) من أبواب أحكام المساجد حديث : ٩ والحديث عن عمار بن موسى فراجع

(٤) المنتهى ص ٣٩٥ في الفرع الرابع من الفروع

٤٢٨

ولو أتم المقصر عالما (عامدا ـ خ) أعاد مطلقا.

______________________________________________________

الصلاة ، وبالعكس.

الحادي عشر : الظاهر ان المراد بالمسجد ، أو البلد : هو الذي كان في زمان الإمام المسئول ، لانصرافه في ذلك الزمان اليه : وكون الزائد بعده داخلا فيهما ، غير معلوم ، ويحتمل كل ما يصدق عليه في كل زمان.

ويؤيد الأول ما روى في زيادات التهذيب (في باب المسجد ، في الحسن لإبراهيم) عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في النوم في المساجد؟ قال : لا بأس به ، الا في المسجدين ، مسجد النبي صلى الله عليه وآله والمسجد الحرام ، قال : وكان يأخذ بيدي في بعض الليل ، فيتنحّى ناحية ثم يجلس فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام هو ونمت فقلت له في ذلك؟ فقال : انما يكره ان ينام في المسجد الحرام الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فاما النوم في هذا الموضع فليس به بأس (١) ولانه المتحقق بالإرادة : وللاستصحاب ، وأدلة وجوب القصر في البلد حتى يكون من نيته اقامته عشرا فتأمل.

قوله : «ولو أتم المقصر إلخ» دليل وجوب الإعادة ـ على العامد العالم مطلقا ـ كون الزيادة حينئذ مبطلا بالإجماع والاخبار.

وأيضا الدليل عليها وعلى عدم الإعادة على الجاهل صحيحة زرارة وابن مسلم ، قالا قلنا لأبي جعفر عليه السلام رجل صلى في السفر أربعا ، أيعيد أم لا؟ قال : ان كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد ، وان لم يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه (٢)

وقوله : «فصلى أربعا أعاد» محمول على العمد ، للظاهر ، والإجماع المفهوم من المنتهى.

فصحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام ـ قال سألته عن رجل

__________________

(١) الوسائل باب (١٨) من أبواب أحكام المساجد حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤

٤٢٩

وناسيا يعيد في الوقت خاصة ، وجاهلا لا يعيد مطلقا.

______________________________________________________

صلى وهو مسافر فأتم الصلاة؟ قال : ان كان في وقت فليعد ، وان كان الوقت قد مضى فلا (١) ـ محمولة على الناسي لعدم الإعادة على الجاهل مطلقا ، والإعادة على العامد كذلك لما مر.

وللتصريح بهذا الحكم للناسي في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر اربع ركعات؟ قال : ان ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وان لم يذكر حتى يمضى ذلك اليوم فلا اعادة عليه (٢) لان الظاهر انه انما فعل ذلك في الظهرين ، فلا يخرج وقتهما الا ما يمضى اليوم ، وحمل الشيخ رواية أبي بصير في الكتابين على استحباب الإعادة بعد خروج الوقت ، حتى لا ينافي رواية عيص ، وليس بواضح. وهما دليلا.

قوله : «وناسيا إلخ» فقد ظهر عدم الإعادة على الجاهل مطلقا لصحيحتهما ، فقول أبي الصلاح وابن الجنيد ـ بالإعادة عليه أيضا ، نظرا إلى رواية عيص في الوقت ـ غير واضح ، ويؤيده (الناس في سعة مما لا يعلمون (٣)) وكون ما فعله واجبا عليه في نظره ومأمورا به ، فيكون معذورا ، وللشريعة السمحة ، وعدم الإعادة على الناسي مع خروج الوقت ، فقول الشيخ ـ في المبسوط : بوجوب الإعادة عليه مطلقا ـ غير واضح ، ويؤيده (رفع) وفعله ما هو مأمور به ، فيجزي ، وللشريعة السهلة.

واما الإعادة في الوقت : فللرواية ، وإمكان ادراك المطلوب في الوقت : فتقيد صحيحة عبيد الله الحلبي ـ قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام صليت الظهر اربع ركعات وانا في سفر؟ قال : أعد (٤) ـ بالعامد العالم ، وهو بعيد في شأن عبيد الله

__________________

(١) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١

(٢) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

(٣) جامع احاديث الشيعة باب (٨) من المقدمات حديث : ٦ ولفظ الحديث (عوالي اللئالى عن النبي صلى الله عليه وآله قال : الناس في سعة ما لم يعلموا)

(٤) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦

٤٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الحلبي : أو ببقاء الوقت مع النسيان ، وهو أيضا لا يخلو عن بعد ، إذ الظاهر انه حكاه بعد السفر ، ولكن تحمل عليه للجمع : ويمكن الحمل على الاستحباب مع النسيان وخروج الوقت ، فالاحتياط يقتضي الإعادة مطلقا.

هنا أبحاث :

الأول : قال الشارح : ويعلم من صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١) ان مجرد الخلاص عن التشهد لا يكفى للخروج (٢) عن الصلاة عند من يقول باستحباب التسليم بل لا بد معه من نيته الخروج ، أو فعل ما به يحصل به الخروج.

وأنت تعلم انه يمكن دلالتها على عدم الخروج بذلك ، مع قصد عدم الخروج ، واعتقاد كونه في الصلاة ، وفعل شي‌ء لذلك ظاهرا ، واما على انه لا بد معه من شي‌ء آخر فلا ، فافهم.

بل يمكن ان يقال : وان اعتقد الخروج ، ولكن لما لم يفعل ما يخرج عرفا وزاد بعدها قبل إيجاد الفصل الحسي المتعارف ، فتبطل بزيادة الركعتين للنص الخاص بذلك.

أو يقال : ان البطلان قد يكون باعتبار قصده أولا ذلك ، أو في أثناء الصلاة ، وليس في الدليل ولا في الفتوى ، انه هنا لو صلى بنية القصر ـ ثم زاد بعد التشهد ركعتين آخرتين عالما في الحال انه ليس جزء من الصلاة الأولى ـ تبطل الصلاة حينئذ ، خصوصا عند من قال باستحبابه ، بل الظاهر من الرواية والعبادة : انه من صلى أربعا مكان القصر وعوضه ابتداء ، فلا يدل على شي‌ء من ذلك أصلا.

الثاني : قد تقدم في الفتوى والاخبار : ان من زاد ركعة أو ركعتين ناسيا بعد ما

__________________

(١) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٤

(٢) قال في روض الجنان بعد نقل حديث زرارة ومحمد بن مسلم ما هذا لفظه (ويعلم من هذا ان الخروج من الصلاة عند من لا يوجب التسليم لا يتحقق بمجرد الفراغ من التشهد ، بل لا بد معه من نية الخروج أو فعل ما به يحصل ، كالتسليم والا لصحت الصلاة هنا عند من لا يوجب التسليم لوقوع الزيادة خارج الصلاة انتهى

٤٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

جلس بقدر التشهد ، لم تبطل صلاته ، فلا ينبغي الحكم هنا بالإعادة لا مطلقا ولا في الوقت ، لو صلى أربعا ناسيا على إطلاقه ، بل يقيد بعدم الجلوس بالمقدار المقرر ، مع ان الظاهر هنا أعم ، بل مع التشهد أيضا في الرواية والعبارة.

ويمكن ان يقال : المراد هنا ان يفعل ذلك من أول الأمر ، أو في الأثناء يقصد ان صلاته التمام دون القصر ، فكأنه يقلب ما عليه في نفس الأمر بغيره غلطا ونسيانا ، وذلك غير الذي يصلى ويعتقد بقاء شي‌ء مما عليه في نفس الأمر وغلط في ذلك ، دون ما عليه في نفس الأمر وفعل ما عليه في الواقع وزاد عليه ، وقد مر مثله قبيلة.

أو تخرج هذه الصورة من تلك القاعدة للنص ، فيبقى الباقي على عمومه ، سواء كانت الصلاة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية ، إذ لا يلزم من التخلف في المفروض استثناء غير الرباعية من الثلاثية والثنائية ، ولا التخصيص بصلاة الحضر لا مطلقا ، ولا في الرباعية ، إذ قد يقال بالصحة هنا أيضا لزيادة ركعة أو ركعتين أيضا مع اعتقاد كون صلاته قصرا ، ولكن نسي وفعلها بتمامها ، بشرط جلوسه بعد فرضه بمقدار التشهد.

فقول الشارح ـ ولا سبيل الى التخلص من ذلك إلا بأحد أمور : اما إلغاء ذلك الحكم كما ذهب إليه أكثر الأصحاب ، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النص ولا يتعدى الى الثلاثية والثنائية ، فلا يتحقق المعارضة هنا ، أو اختصاصه بزيادة ركعة لا غير كما ورد به النص هناك ، ولا يتعدى الى الأزيد كما عداه بعض الأصحاب ، أو القول بان ذلك في غير المسافر ، جمعا بين الاخبار : لكن يبقى فيه سؤال الفرق مع اتحاد المحل : وفي الحقيقة : اتفاق الأصحاب هنا على الإعادة في الوقت ، يؤيد ما عليه الأكثر هناك من البطلان مطلقا –

محل التأمل : لما عرفت من عدم الحصر ، وأيضا معلوم ان ما هنا لا يقتضي إلغاء الحكم السابق مطلقا ولا القول باختصاصه عقيب الرابعة ، لعدم المعارضة في الثلاثية والثنائية ، ولا اختصاص القول بزيادة الركعة مع عدم ظهوره ،

٤٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا بالحاضر ، وهو ظاهر : وانّ بعد لزوم ذلك للنص ، لا يرد سؤال الفرق ، انه لا تأييد للبطلان هنا ، للبطلان فيما تقدم مطلقا ، بل في محل التعارض فقط على انه لا تعارض لما قاله من الوجوه ، فتأمل.

الثالث : قال في الشرح : أطلق بعض الأصحاب إعادة المتم مع وجوب القصر عليه : لتحقق الزيادة المنافية.

ويؤيده في الجاهل ما أورده السيد الرضى على أخيه المرتضى رحمهما الله : من ان الإجماع واقع على ان من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية ، والجهل بأعداد الركعات جهل بأحكامها فلا يكون مجزية.

وأجاب المرتضى بجواز تغيير الحكم الشرعي بسبب الجهل ، وان كان الجاهل غير معذور ، وحاصل الجواب يرجع الى النص الدال على عذره ، والقول به متعين (١)

اعلم ان الجواب غير صريح فيما ذكره : وظاهره ان حكم الشارع يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ، فيجوز ان يكون حكم الجاهل بالقصر بعد تقصيره الإتمام ، فلا يكون جاهلا بأحكام صلاته الواجبة عليه حينئذ ، وان كان مأثوما بترك العلم ولم يكن معذورا.

ويمكن ان يكون المقصود انه قد يختلف ذلك الحكم من الشارع : فلو كان من صلى على تلك الحالة وعرف ان لها أحكاما وانه لا بد من معرفتها ولم يعرف ، لم تصح : وإذا كان جاهلا تكون صحيحة لجواز اختلاف الأحكام الشرعية للجاهل بسبب الجهل والعلم في الجملة ، ويكون للعالم في الجملة حكما غير حكم الجاهل المطلق.

وان دعوى الإجماع على الإطلاق غير واضح ، ولم يظهر من السيد المرتضى تقريره أيضا ، ولو صح فيخصص ببعض الاحكام ، أو مع عدم فعلها مع أحكامها بأن يترك ما يبطل بسببه ، أو يزيد فيها ما يبطلها لما بيناه مرارا : من ان الظاهر صحة

__________________

(١) إلى هنا قول الشارح

٤٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

صلاة الجاهل ببعض الاحكام مع موافقة فعله لما عليه في نفس الأمر ، وعدم أخذه على ما ذكروه لجهله بوجوب مثله ، فيكون معذورا ، وأيدناه بالاخبار فيما تقدم ، وبعدم النقل عنه صلى الله عليه وآله ولا عن احد من الأئمة عليهم السلام الأمر بإعادة الصلاة لأحد ، لأجل ذلك ، مع علمهم بالناس : ان أكثرهم ما أخذوا جميع أحكامها كما قالوه ، حتى المسائل المذكورة في الشك والسهو والأمور الدقيقة التي أحدثها العلماء ، ولا أمر أحد بالتعلم ، ويبعد بطلان صلاة شخص لعدم معرفته مسئلة في السهو مع عدم وقوعه ، وهو ظاهر ، وان كل من قال انه مسلم أو مؤمن كانوا يقبلون منه ولا يلزمونه بشي‌ء من الاحكام من غير استفسار لسائر الاحكام ، والأدلة اليقينية على ذلك ، ولا أمرهم بذلك.

ويظهر ذلك : من ان التوبة قبل الموت بلا فصل مقبولة ، وما ذكر في بحث التلقين : لانه يعلم من اخبار كثيرة ان من أمن تلك الساعة بمجرد قوله باعتقاده أنه مؤمن بالله ورسوله وأئمته ينفعه ذلك وينجيه ويؤمنه من عذاب الله ويخلصه من عقابه ، وانه مؤمن حقيقة ، والحال ان (أنه ظ) ذلك في ذلك الزمان ما يعرف الدليل ، وما كانوا يطلبون منه ذلك ، ولا يلقنونه بذلك أيضا ، فلا يكون الأخذ بالدليل اليقيني من شرائط الايمان ، ولا هو ، ولا أخذ الفروع المقررة في كتب الفروع ، والحاصلة بمرور الازمان ، والأحكام الشرعية الدقيقة على الطريق الذي شرطها البعض : شرطا لصحتها ، ولم يكف (يكن ـ خ ل) الاتفاقي ، ولا الأخذ على غير ذلك الوجه ، خصوصا من لم يعرف وجوب ذلك ولم يصل اليه ذلك.

ويدل عليه العقل :

ومن النقل (الناس في سعة عما لا يعلمون (١)) والشريعة السهلة السمحة ، ونفى

__________________

(١) جامع احاديث الشيعة : باب (٨) من المقدمات حديث : ٦ ولفظ الحديث (عن عوالي اللئالى عن النبي صلى الله عليه وآله قال : الناس في سعة ما لم يعلموا)

٤٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الضيق والحرج (١) وارادة اليسر دون العسر (٢) : وإهماله من الشارع مع اهتمامه وشفقته بالنسبة إلى الرعية وفعلهم الصلاة في صدر الإسلام وبعده بما وصل إليهم ، ثم الأخبار بأنه فعل كذا ، فان كان موافقا قبلت ، وإلا ردت ، ولا يرد شي‌ء بأنه كذلك ولكن أنت فعلت من غير علم ، فلا تصح : وعدم الأمر بالقضاء لمن علموها مثل حماد (٣) وغيره ، وقد أسلفنا أخبارا كثيرة في ذلك ، مثل طهارة أهل قبا (٤) وفعل عمار (٥) في التيمم ، وفي عدم الإعادة بالنقصان ، وغير ذلك من الاخبار ، فتذكر.

والاخبار الدالة على عذر الجهل في إتمام الصلاة والصوم ، فإنها اخبار كثيرة معتبرة في الصوم وسيجي‌ء ، وكون الجاهل بالجهر والإخفات وبالغصبية وبالنجاسة معذورا : وبالجملة هذا ظني وما أجد ما ينافيه ، ونقل مثل هذا الإجماع لو صح ، لأوّل بما مر وغيره فتأمل.

ثم اعلم أيضا ، ان الظاهر ، ان الجاهل في وجوب القصر معذور ، سواء كان عن وجوب القصر رأسا أو بوجه دون وجه : لصدق الجهل واشتراك العلة ، بل انه اولى لكثرة الخفاء ، بخلاف أصل القصر فإنه قليلا ما يخفى على الناس ، وذلك مثل من علم وجوب الإتمام على كثير السفر ، وما عرف انقطاعه بإقامة العشرة فتممها بعد الإقامة ، والظاهر انه معذور ، لان من بصدد (يسدد خ ل) علمه أياما ، ما علمه كما هو ، فكيف لا يكون الغير معذورا.

ومن علم بالتخيير في الأماكن الشريفة وغلط في التعيين ، فأتم في الموضع الذي لا تمام فيه في نفس الأمر ، خصوصا مع ظنه وتفتيشه بحيث لا يقال انه مقصر

__________________

(١) قال الله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) سورة الحج : ٧٨)

(٢) قال الله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة : ١٨٥

(٣) الوسائل باب (١) من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١

(٤) الوسائل باب (٣٤) من أبواب أحكام الخلوة ، فراجع

(٥) الوسائل باب (١١) من أبواب التيمم فلاحظ

٤٣٥

ولو سافر بعد الوقت قبل ان يصلى أتم ، وكذا لو حضر في الوقت ، كذا القضاء.

______________________________________________________

فيكون هو أيضا معذورا ، فإنه أيضا مشكل ما عرفته جيدا ، فان البلد محتمل ، والمسجد كذلك : وكذا لو علم عين الأربعة ولكن اشتبه حدودها ، مثل الحائر وحرمه عليه السلام فإنه مشتبه في الجملة ، والمسجد فإنه مشتبه هل هو ما كان في زمانه أو ما يصدق عليه الآن.

واما القصر ممن وجب عليهما التمام عمدا أو نسيانا ، مع الذكر بعد المبطل : فالظاهر انه مبطل وموجب للإعادة مع التذكر ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

واما مع الجهل في المواضع المشتبهة فلا يبعد الصحة ، وكونه عذرا ، لبعض ما مر ، ونقله الشارح عن يحيى بن سعيد.

ويدل عليه أيضا صحيحة منصور بن حازم المتقدمة عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة ، فإن تركه رجل جاهلا فليس عليه اعادة (١) : واحتط مهما أمكن ، فإن الأمر صعب ، ولا يمكن القول بكلية شي‌ء ، بل تختلف الاحكام باعتبار الخصوصيات والأحوال والازمان والأمكنة والأشخاص ، وهو ظاهر ، وباستخراج هذه الاختلافات والانطباق على الجزئيات المأخوذة من الشرع الشريف ، امتياز أهل العلم والفقهاء شكر الله سعيهم ورفع درجاتهم.

قوله : «ولو سافر بعد الوقت إلخ» اعلم ان هذه ثلاث مسائل : قد اختلفت الاخبار والأقوال فيها ، خصوصا في الأولتين.

والذي يظهر بالتأمل في الدليل : ان من أدركه في الحضر وقت الصلاة التي يجب قصرها سفرا مع الشرائط ، يجب القصر عليه ، لظاهر الآية ، فإنها تفيد القصر

__________________

(١) الوسائل باب (١٧) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٣

٤٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لمن يصلى في السفر الصلاة المقصورة أداء ولا شك في كون من ذكرناه منه ، والأصل عدم التخصيص والتصرف الا بدليل ، ولصحيحة إسماعيل بن جابر (الثقة في الكتابين والفقيه) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام يدخل علي وقت الصلاة وانا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي؟ فقال : صل وأتم الصلاة ، قلت فدخل علي وقت الصلاة وانا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى اخرج؟ فقال : فصل وقصر ، فان لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله (ص) (١)

فيها مبالغة ، من قوله (فصل وقصر) ومن قوله (فان لم تفعل) والقسم ، وان الرسول هكذا فعل ، ولوجود الحكمة التي ذكرت للقصر فقد (بعد خ ل) توافق الكتاب والسنة والعقل.

فقد ظهر دليل الثانية أيضا : فإن تقييد القصر في الآية بالسفر مفقود هنا ، وكذا الحكمة ، والسنة صريحة في ذلك ، ويؤيده أصل التمام ، فيجب التمام مع الفعل حضرا ، وهي الثانية.

وأيضا يدل عليهما ما تقدمت من الاخبار الصحيحة الدالة على تعيين موضع الترخص ، بأنه إذا تجاوزت محل سماع الأذان مثلا ، فقصر ، وانه منتهى القصر ، وهذا صريح في المطلوب.

ولا يعارض ذلك كله شي‌ء ـ مثل صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ، يدخل من سفره ، وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق؟ فقال : يصلى ركعتين ، وان خرج الى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا (٢) لعدم الصراحة في قوله (يصلى ركعتين) في البلد ، و (أربعا) في السفر ، لاحتمال العكس فيهما ، فليس متنها مثل متن ما قدمناه ، مع الآية الكريمة.

__________________

(١) الوسائل باب (٢١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (٢١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٥

٤٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي سنده أيضا حريز بن عبد الله (١) وفيه شي‌ء ما ، ومحمد بن مسلم مشترك ، وان كان هذه الأمور غير قادح للظن ، ولكن يفيد في مقام التعارض.

وكذا في رواية بشير النبال ، قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام حتى أتينا الشجرة ، فقال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا نبال ، فقلت لبيك ، قال : انه لم يجب على احد من أهل هذا العسكر ان يصلى أربعا غيري وغيرك ، وذلك انه دخل وقت الصلاة قبل ان نخرج (٢) : وهذه أيضا كذلك ، لأن في الطريق احمد بن محمد عن ابن فضال عن داود بن فرقد ، وان سلم ظهور احمد وتوثيقه ، فابن فضال غير ظاهر ، وتوقف المصنف في بشير (٣).

فما يذكر ما يدل على التفصيل بالتضييق والتوسعة ، لعدم الصحة : مثل رواية إسحاق بن عمار ومرسلة حكم بن مسكين (٤) مع ان القول به ليس ببعيد كل البعد.

وكذا ما يدل على التخيير ، مثل رواية منصور بن حازم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل ان يدخل اهله فسار حتى يدخل أهله ، فإن شاء قصر وان شاء أتم ، والإتمام أحب إلى (٥)

لأن في الطريق محمد بن عبد الحميد (٦) وليس توثيقه بواضح ، لاشتباه بينه و

__________________

(١) سند الحديث كما في التهذيب (سعد بن عبد الله ، عن ابى جعفر ، عن على بن حديد ، والحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن سلم) ولا يخفى ان للحديث طريق أخر نقله في الوسائل هكذا (الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى وفضالة ابن أيوب عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم) فعلى هذا الطريق لا اعتراض بالحديث

(٢) الوسائل باب (٢١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٠

(٣) سند الحديث كما في التهذيب (احمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن داود بن فرقد ، عن بشير النبال)

(٤) الوسائل باب (٢١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٦ ـ ٧

(٥) الوسائل باب (٢١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ٩

(٦) سند الحديث كما في التهذيب (محمد بن احمد بن يحيى ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم)

٤٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بين ابنه : ولهذا ما سمى الخبر الواقع هو فيه بالصحة إلا نادرا ، مع انه لا ينافي ما ذكرناه في العمل ، بل يؤيد العمل بما قلناه ، وان خالفه من وجه ، ويمكن القول به أيضا للجمع.

وكذا خبر الحسن بن على الوشاء قال سمعت الرضا عليه السلام يقول إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم ، فإذا خرجت بعد الزوال قصر العصر (١) : وفي السند معلى بن محمد ، مضطرب الحديث والمذهب (٢)

وبالجملة لا شك في قوة دليل ما ذكرناه ، فلو لم يمكن الجمع ، يرجح (ترجع) بما ذكرناه من المرجحات.

واعلم ان الدخل فيما ذكره في المختلف واضح بعد التأمل فيه ، وان ما ذكره لإثبات التمام في الأولى : بإثبات ان الاعتبار بوقت الوجوب ، منقوض عليه في الثانية.

وانه قال في المنتهى : ان ما ذكرناه من وجوب القصر هو مذهب السيد في الاولى في المصباح والمفيد وابن إدريس والشيخ في التهذيب ، وانه قال في الاستبصار يصلى أربعا.

وما أجد أنا فرقا بينهما ، بل ظاهر هما التفصيل بالتمام والقصر على تقدير السعة والضيق فيهما ، مع احتمال استحباب التمام في الأول ، وما عرفت ما نقله عنهما وهو اعرف.

والثالثة (٣) متفرعة عليهما على ما مر : من انها تقضى كما فاتت : فقول الشارح في المتن ـ بان هذا أجود ، يعني القضاء تماما ـ غير واضح ، بعد قوله في الأولتين (وفي الباب أخبار أخر صحيحة مختلفة ، والمسئلة من أشكل الأبواب) مع ان للمحقق

__________________

(١) الوسائل باب (٢١) من أبواب صلاة المسافر حديث : ١٢

(٢) سند الحديث كما في الكافي (الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن على الوشاء)

(٣) اى حكم القضاء لو فاتت فيهما.

٤٣٩

ولو نوى في غير بلده إقامة عشرة أيام أتم ، فلو خرج الى أقل عازما للعود والإقامة لم يقصر.

______________________________________________________

الثاني مناقشة في اشتقاق (أشكل) والظاهر انه صحيح ، الا انه قليل.

وأيضا لم يظهر لي وجه زيادته في المتن (الظهرين) بعد قوله (يصلى) حتى احتاج الى زيادة (الفرضين) بعد قوله (أتم) مع ان العموم بحيث يشمل العشاء أيضا ، كان اولى (١) كما هو ظاهر المتن ، نعم قد قيد بإمكان الأداء تماما في الاولى ، وركعة في الأخيرة ، وهو ظاهر ، وقد مر في الوقت ما يفيد ذلك.

وكذا قيد (مع حصول الشرائط وسعة الوقت مع وقت الصلاة في الاولى ، والركعة في الثانية لتحصيل الشرائط) (٢) وكأنه ترك للظهور ، ولعل مراده بأنه أجود ، بعد تسليم الأولتين.

فتأمل واحتط ، فلا تخرج بعد دخول الوقت من المنزل حتى تصلى فيه تماما لا في خارجه ، حتى تخلص من اختلاف الصدوق أيضا ، وكذا ينبغي القصر قبل محل الترخص لو أدرك الوقت.

وأيضا الظاهر اعتبار الوقت لتمامها والركعة ، من موضع التقصير الى المنزل ، وكأنه تركه أيضا للظهور.

قوله : «ولو نوى في غير بلده إقامة عشرة إلخ» اعلم ان دليل ما ذكره المصنف بعد ما سبق واضح من غير اشكال وخلاف ، قاله الشارح في الشرح ، وان مراده (بالخروج) بعد التمام ، على ما يظهر من قوله (أتم) قبله :

وانما الإشكال فيمن لم ينو الإقامة عشرة مستأنفة ، قال الشارح بعد نقل الخلاف في الجملة : ونحن قد أفردنا لتحقيقها ـ وذكر أقسامها وما يتم فيه قول كل

__________________

(١) عبارة الشارح في روض الجنان متنا وشرحا هكذا (ولو سافر بعد دخول الوقت قبل ان يصلى الظهرين ، أتم الفرضين في السفر ، ان كان قد مضى عليه حاضرا من الوقت مقدار فعلهما مع الشرائط المفقودة)

(٢) وقال الشارح في المسئلة الثانية (وكذا يجب الإتمام لو حضر الى البلد أو ما في حكمه في الوقت ، لكن هنا يكفي في وجوب الإتمام ان يبقى قدر الشرائط المفقودة وركعة)

٤٤٠