مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلهما بعينهما في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء (المختلف فيه) وروايتان أخريان أيضا مثلهما عنه (١) والاخبار في ذلك كثيرة (٢) وقد مر أكثرها ، وفيها دلالة على كونهما بعد السلام ، ولو كان للنقصان كما مر.

فما يدل على التفصيل (٣) فغير معتمد ، مع انه خلاف المشهور وحمل على التقية ، ويمكن الحمل على التخيير في الناقص مع القائل.

والظاهر وجوب السلام والتشهد والذكر أيضا ، وكون السجود مثل سجود الصلاة ، لأنه المتبادر ، وعدم ظهور الخلاف ، واما وجوب السلام والتشهد فقد تقدم ما يدل عليه.

والظاهر انه لا يقول أحد حينئذ بعدم وجوب الذكر ، وكون السجود مثل سجود الصلاة.

ويدل على الذكر أيضا صحيحة الحلبي في الفقيه (وحسنة في التهذيب الا ان في الطريق محمد بن عيسى أبو أحمد (٤) وليس أبو أحمد في الكافي (٥)) عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : (٦) تقول : في سجدتي السهو «بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد ، قال الحلبي وسمعته مرة أخرى يقول : بسم الله وبالله (و ـ يب) السلام عليك أيها النّبي ورحمة الله وبركاته (٧) فالأحوط وجوب الذكر واختيار أحدهما ، وان لم يدل دليل خاص على وجوبه ، ثم على خصوصهما.

__________________

(١) الوسائل باب (٧) من أبواب التشهد حديث : ٥

(٢) الوسائل باب (٧ ـ ٨ ـ ٩) من أبواب التشهد ، وباب (٢٦) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، فلاحظ

(٣) الوسائل باب (٥) من أبواب الخلل حديث : ٤ ـ ٥ ـ ٦

(٤) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (سعد بن عبد الله ، عن ابى جعفر ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن عبيد الله الحلبي) والمراد بابي جعفر هو احمد بن محمد بن عيسى ، وأبوه محمد بن عيسى وكنيته أبو أحمد.

(٥) سند الحديث في الكافي هكذا (على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي)

(٦) وفي التهذيب (قال : سمعته يقول :)

(٧) الوسائل باب (٢٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

فما يدل على عدم وجوب شي‌ء أصلا سوى السجود ، فهو رواية سماعة (١) حملها الشيخ على نفى الزوائد على الواجب من التشهد والذكر ، مع انها ضعيفة بعمار وغيره مثل مصدق بن صدقة واحمد بن الحسن (٢) وردها المصنف في المنتهى لذلك وحملها على ما حملها الشيخ.

وقال : وتجب فيه النية لأنه عبادة وطاعة ، ويجب فيها السجود على الأعضاء ، لأنه المتبادر ، ويجب فيه التشهد ذهب إليه علمائنا اجمع ، ويجب فيه التسليم ، ذهب إليه علمائنا اجمع ، ولكن اختار في المختلف عدم وجوب شي‌ء سوى السجود لرواية عمار الضعيفة ، وكأنه نظر الى ان الأصل عدم الوجوب ، وعدم قوة ما أفاد الوجوب ، وجعل رواية عمار قرينة عليه ، وما ثبت الإجماع الحقيقي فاختار الاستحباب.

والدليل في غير الذكر ظاهر في الوجوب واما وجوب الذكر فبعيد ، الا ان يكون مجمعا عليه ، بعد ثبوت وجود التشهد والتسليم كما أشرنا اليه والتعيين أبعد ، للتغيير (٣) حتى ان الذكر المطلق كاف في الصلاة ، فتعيين مثل ما مر فيه بعيد ، فالقول باستحباب مطلق الذكر وباستحباب التعيين غير بعيد ، وهو مختار العلامة في المنتهى.

والظاهر ان وجوب السلام هنا لا يدل على وجوبه في الصلاة ، لعدم القائل بالفصل : لعدم ظهور ذلك ، فتأمل :

وذكر استحباب التكبيرة للإمام إذا سجد وإذا رفع في رواية عمار (٤) لتنبيه المأمومين وقد عرفت حالها ، مع عدم وجوب المتابعة فيه ، والاستحباب محتمل.

ثم ان الظاهر وجوبهما قبل الكلام ، ولو لم يفعل ، فالأولى الفعل متى تذكر ، وكذا

__________________

(١) هكذا في النسخ التي عندنا ، والصواب هو (عمار) بدل (سماعة) كما سيصرح به بعد أسطر.

(٢) الوسائل باب (٢٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣

(٣) الظاهر ان المراد بالتغيير هو اختلاف الروايات في ذكر سجود السهو

(٤) الوسائل باب (٢٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة قطعة من حديث : ٣ ولفظ الحديث (فان كان الذي سهى هو الامام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه انه قد سهى)

١٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لو ترك عمدا لما في رواية عمار : قال : يسجدها متى تذكر (١) مع ثبوت وجوبه ، فتأمل.

وأيضا الظاهر انه ليس بشرط لصحة الصلاة ، بل أمر وجب عليه بسبب فعل في الصلاة.

وان الظاهر تعددها بتعدد الموجب ، ما لم يمكن إدخاله تحت أمر واحد.

فتأمل.

ويمكن الإيجاب لكل شك في زيادة ركعة أو نقصانها ، لما يدل عليه بعض الروايات المتقدمة ، خصوصا رواية الفضيل بن يسار في الفقيه ، وانما السهو على من لم يدر أزاد في صلاة أم نقص منها (٢)

والاحتياط يقتضي فعلها مع كل زيادة ونقيصة ، ومع كل شك ، حتى مع الاحتياط أيضا.

وأيضا ينبغي فعلهما مع نقصان ركعة إذا ذكرها وفعلها ، لما يدل عليه صحيحة العيص بن القاسم (٣) التي استدل بها الشيخ على عدم الإعادة للركوع إذا كان من الأخيرتين.

واعلم ان المصنف رحمه الله قال في المنتهى : وقد اتفق علمائنا على إيجاب سجدتي السهو فيما سهى عن السجدة وذكر بعد الركوع ، ومن تكلم ناسيا ، ومن سلم في غير موضعه ، مع ان الخلاف ظاهر ، وصرح هو أيضا في المختلف بالخلاف في السلام والسجدة ، لعله يريد الأكثر ونحوه ، وأمثاله كثيرة ، والغرض إظهار عدم

__________________

(١) الوسائل باب (٣٢) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة قطعة من حديث : ٢ ولفظ الحديث (وعن الرجل إذا سهى في الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو؟ قال : يسجد متى ذكر) وفي التهذيب (يسجدها متى ذكره)

(٢) الوسائل باب (١٤) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة قطعة من حديث : ٦

(٣) الوسائل باب (١١) من أبواب الركوع حديث : ٣ ولفظ الحديث (قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم يركع؟ قال : يقوم فيركع ويسجد سجدتي السهو)

١٦٣

ولو شك في شي‌ء من الافعال وهو في موضعه اتى به ، فان ذكر انه كان قد فعله فان كان ركنا بطلت صلاته والا فلا.

______________________________________________________

الاعتماد وعدم الاكتفاء بمثل هذا الكلام في ثبوت الإجماع ، بل لا بد من النظر في دليل ، غيره ، فتأمل.

قوله : «ولو شك في شي‌ء من الأفعال إلخ» لا نزاع ولا خلاف ولا اشتباه ، في وجوب الإتيان بالمشكوك فيه مع بقاء محله : وكذا عدمه مع عدمه.

وكذا لا ينبغي في عدم البطلان إذا فعله حينئذ وذكر انه قد فعله ، قيل : ان لم يكن ركنا ، للأصل ، ولما لا تعاد الصلاة من سجدة وتعاد من ركعة (١) ونحوه ، والبطلان ان كان ركنا ، بناء على ان زيادة الركن مبطلة ، وهو ظاهر ان ظهرت الكبرى ، ولكن غير ظاهرة.

ولكن في تعيين بقاء المحل وعدمه اشتباه ، وليس في كلامهم ما هو صريح في ذلك وكذا في الاخبار ، فإن المذكور فيها بعض الأمثلة المختلفة ، ولا يمكن الاستنباط منها.

واما الاخبار التي تدل على ذلك وليس فيها تصريح بذلك ، مثل صحيحة زرارة في باب زيادات سهو التهذيب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة؟ قال : يمضى ، قلت رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر؟ قال : يمضى ، قلت رجل شك في التكبير وقد قرء؟ قال : يمضى ، قلت شك في القراءة وقد ركع؟ قال : يمضى ، قلت شك في الركوع وقد سجد؟ قال : يمضى على صلاته ، ثم قال : يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك (٢) ليس بشي‌ء (٣)

لعل المراد بالخروج عن الشي‌ء ، هو التجاوز عن محله ، وعدم كونه فيه وفيها

__________________

(١) الوسائل باب (١٤) من أبواب الركوع ، قطعة من حديث : ٣

(٢) فشككت ـ يب

(٣) الوسائل باب (٢٣) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إيماء الى ان تجاوز محل المشكوك فيه انما يكون بالدخول فيما بعده ، فتأمل.

ورواية إسماعيل بن جابر (الثقة) عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال : فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء قال ، وقال أبو عبد الله عليه السلام : ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شي‌ء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (١)

قال في المنتهى انها صحيحة ، وكذا الشارح : وفيه تأمل لأن في الطريق احمد بن محمد عن أبيه (٢) لعله ابن محمد بن عيسى ، ومحمد هذا غير مصرح بتوثيقه ، وهما اعلمان.

وفيها دلالة على عدم ركنية السجدة الواحدة ، وإيماء أيضا الى ما في الأول ، بل أكثر فافهم.

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (ولكن فيها ابان بن عثمان (٣) لعله لا يضر) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل ان يستوي جالسا فلم يدر اسجد أم لم يسجد؟ قال : يسجد ، قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر ا سجد أم لم يسجد؟ قال : يسجد (٤) وفيها إيماء إلى انه لو شك في السجود بعد الاستواء قائما لم يرجع وسابقتها صريحة في ذلك

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : سألته عن رجل شك

__________________

(١) الوسائل باب (١٤) من أبواب السجود حديث : ١ وأورد ذيله في باب (١٥) من تلك الأبواب حديث : ٤

(٢) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (سعد ، عن احمد بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسماعيل بن جابر)

(٣) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (سعد ، عن احمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن ابان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله)

(٤) الوسائل باب (١٥) من أبواب السجود ، حديث : ٦

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد ما سجد انه لم يركع؟ قال : يمضى في صلاته (١)

وصحيحة حماد بن عثمان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام أشكّ وانا ساجد فلا ادرى ركعت أم لا؟ فقال : قد ركعت امضه (٢)

وصحيحة عمران الحلبي قال : قلت الرجل يشك وهو قائم فلا يدرى أركع أم لا؟ قال : فليركع (٣) قال في المنتهى : عمران ثقة ، فالظاهر استناده الى الامام.

ومثلها عن الحلبي ، وعن أبي بصير أيضا مرتين (٤) وقال في المنتهى في الصحيح عن أبي بصير وفي واحدة محمد بن سنان عن ابن مسكان ، وفي أخرى حسين عن ابن مسكان (٥) لعله حسين بن عثمان الثقة ، وكأنه يعرف كون ابن مسكان ، عبد الله الثقة ، فلو قال صحيحة الحلبي لكان أولى (٦) لصحة طريقها.

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر اركع أم لم يركع؟ قال : قد ركع (٧) وفي الطريق ابان بن عثمان ، لعله لا يضر.

وموثقة محمد بن مسلم (لابن بكير الواقفي ، الثقة ، بل المجمع عليه ، المذكورة في زيادات سهو التهذيب) عن أبي جعفر عليه السلام قال : كلما شككت فيه مما قد

__________________

(١) الوسائل باب (١٣) من أبواب الركوع ، حديث : ٥

(٢) الوسائل باب (١٣) من أبواب الركوع ، حديث : ٢

(٣) الوسائل باب (١٢) من أبواب الركوع ، حديث : ١

(٤) الوسائل باب (١٢) من أبواب الركوع ، حديث : ٢ ـ ٤

(٥) سند الحديث كما في التهذيب هكذا (الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، وفضالة ، عن حسين ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير)

(٦) وحاصل المراد ان العلامة قدس سره ، نقل في المنتهى حديثين ، أحدهما عن عمران الحلبي ، والثاني عن أبي بصير ، وعبر عن الأول بقوله : في الصحيح عن عمران ، وعن الثاني في الصحيح عن أبي بصير. فلو اكتفى بصحيحة عمران الحلبي ، لكان أولى ، لصحة سندها ، وعدم ثبوت صحة الثاني.

(٧) الوسائل باب (١٣) من أبواب الركوع ، حديث : ٦

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مضى فامضه كما هو (١)

واما صحيحة الفضيل بن يسار ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام استتم قائما ، فلا ادرى ركعت أم لا؟ قال : بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان (٢) ـ فحملها الشيخ على الشك في الركوع من الركعة الثالثة وهو الان في الرابعة.

وكأن لفظة (استتم) تشعر بان الشك في غير ركوع هذه الركعة ، والحمل على التخيير محتمل ، لكنه بعيد للأصل وكثرة الاخبار ، وعدم القول به يمكن حملها على من كثر سهوه ، أو ظن ، أو الإمام ، وغير ذلك من لا حكم لسهوه ، لانه لا يصح في غير ذلك بالاتفاق ، وبالأخبار المتقدمة.

فالأخبار بعضها مجمل لا يفهم منه تعيين المحل ، وفي بعضها اشارة ما ، كما عرفت ، والبعض يدل على ان بمجرد الشروع في الفعل المتأخر عن المشكوك فيه : يفوت المحل ، مثل صحيحة زرارة وموثقة محمد ورواية عبد الرحمن ، حيث قال (أهوى) فإن المفهوم منها ان مجرد الهوى مفوت.

والأخرى له أيضا يدل على انه لا بد من فعل مستقل ، مثل الانتصاب في القيام ، لا النهوض إليه ، فينبغي كون الهوى مثله ، ويمكن حمل الهوى على الوصول الى السجود ، ونهوض القيام على ارادته قبل ان يشرع فيه.

ورواية إسماعيل تشعر على ان القيام موجب لعدم العود ، لا ما قبله ، وظاهر عموم صحيحة زرارة يصدق على مجرد الانتقال والشروع فيما بعده ، إذا الظاهر منه : ان مجرد الدخول في فعل غير المشكوك موجب لوجوب سقوط العود ، وكذا أخر رواية إسماعيل فيمكن العمل به.

ويؤيده : ان هنا تعارض أصل عدم الفعل ، والظاهر ، الذي يقتضي الفعل

__________________

(١) الوسائل باب (٢٣) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣

(٢) الوسائل باب (١٣) من أبواب الركوع حديث : ٣

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

للعادة ، مع وجود التخفيف المناسب للشريعة السهلة ، وانه قد ينجر الى كثرته ، فيمكن الترجيح بهذه الاخبار الظاهر أكثرها في ذلك كما عرفت.

ولكن يبقى الإشكال في ترك ما دل عليه العقل والنقل : من عدم ترك اليقين ونقضه بالشك بل بالظن ، وهو مع ظهوره مذكور في اخبار كثيرة صحيحة وقد تقدمت.

وأيضا ما ذكر في الشك في أفعال الوضوء في أثنائه ـ من انه يجب اعادة المشكوك وما بعده ، من الاخبار وكلام الأصحاب بل إجماعهم ـ ينافي ذلك ، لأنهم مع الانتقال الى ما بعد المشكوك يوجبون العود ، فيجعلون المحل ـ الذي تجاوزه موجب لعدم الالتفات ـ تمام الوضوء ، لا مجرد الشروع في لا حق المشكوك

ويمكن ان يقال : لا شك في عدم بقاء اليقين بعد حدوث الشك أو الظن ، فلا يبعد ترك حكم اليقين السابق ، بدليل شرعي مفيد للظن بحيث يصير طرف اليقين وهما ، فما بقي دليل العقل والنقل ، إذ لا دليل على ذلك بعد وجود الدليل الشرعي ، بل العقل يدل عليه حينئذ ، لاستحالة ترجيح المرجوح ، وقد مر الأدلة المفيدة للظن ، فلا تعارض على الظاهر.

ويجوز ان يكون حكم أفعال الوضوء غير أحكام الصلاة ، للتصريح في أدلته بذلك الانتقال ، ويؤيده عدم ابطال الوضوء بالتكرار فلا يضر لو اتى بما فعل ، بخلاف بعض أفعال الصلاة فتأمل ، فإن المسئلة من المشكلات واعمل بالاحتياط علما وعملا ان أمكن.

واعلم انه يمكن كون عدم العود للرخصة والتخفيف إذا لم يشرع في الركن ، لا للحتم والإيجاب ، وبه يجمع بين ما فهم من التنافي بين الاخبار ، مثل صحيحة زرارة وإسماعيل وعبد الرحمن بن الفضيل ، ولأنه أنسب إلى الشريعة.

قال الشارح : لو عاد الى فعل ما شك فيه بعد الانتقال عن محله على الوجه المقرر ، بطلت الصلاة مع العمد مطلقا ، للإخلال بالنظم ، لانه ليس من

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الافعال ، ويحتمل ضعيفا الصحة ، بناء على ان عدم العود رخصة فيجوز تركها.

وفي دليل البطلان تأمل.

وانه لو شك في الحمد وهو في السورة لم يلتفت على الظاهر للأخبار المتقدمة ، ولصحيحة معاوية الاتية. ونقل المصنف في المنتهى عن الشيخ الإعادة ، مستدلا بان محل القرائتين واحد ، ثم قال : ذلك معارض بما رواه بكر بن ابى بكر قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : انى ربما شككت في السورة فلا أدري قرأتها أم لا فأعيدها؟ قال : ان كانت طويلة فلا وان كانت قصيرة فأعدها (١) وفي سند الرواية توقف ، فالأولى ما قاله الشيخ.

ولو شك في التشهد وهو جالس ، تشهد ، لأنه في حال التشهد ، اما لو شك بعد قيامه إلى الثالثة ، فالصحيح انه لم يلتفت لما تقدم من الاخبار.

وقال أيضا : لو شك في السجود وقد قام : قال الشيخ أبو جعفر يرجع ويسجد ثم يقوم ، والأقرب عندي انه لا يلتفت ، ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل ، ونقل للشيخ رواية عبد الرحمن وقال انه لا يدل على محل النزاع ، لأنها دلت على قبل الاستواء ومحل النزاع هو بعد الانتصاب انتهى.

فاعلم ان الذي ينبغي بالنسبة الى ما اختاره المصنف ، عدم وجوب اعادة الحمد أيضا ، بل لو شك في كلمة بعد الشروع في الأخرى لا يجب العود ، لتحقق مطلق الانتقال وقد اعتبره في الجملة ، وللأخبار المتقدمة ، ولصحيحة معاوية الاتية ، وليس قول الشيخ بان محل القرائتين واحد بواضح ، وان الرواية غير صحيحة : لأن بكر مجهول (٢) وغير صريحة في الدلالة على خلافه ، فلا يعارضه ، وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب (٣٢) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢

(٢) سند الحديث كما في الوسائل هكذا (محمد بن الحسن بإسناده عن احمد بن محمد ، عن على بن الحسن ، عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن أبي بكر)

١٦٩

ولو شك في الركوع وهو قائم فركع ، ثم ذكر قبل رفعه ، بطلت على رأى.

______________________________________________________

نعم (١) يمكن ان يعارض بصحيحة معاوية بن وهب (الثقة التي هي مذكورة في زيادات السهو في التهذيب متصلة برواية بكر المنقولة) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام اقرء سورة فأسهو فأتنبه وانا في آخرها فارجع الى أول السورة أو أمضي؟ قال : بل امض (٢) فإن الظاهر انه يريد بالسهو الشك لان الظاهر انه على تقدير السهو يرجع.

على انه يلزم المطلوب بالطريق الأولى.

فينبغي أما البناء على مجرد الانتقال الى اللاحق بلا فصل كما هو ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة ، أو الاعتبار بالأركان بالدخول فيها وفي جزئها كما هو مقتضى الأصل ، وظاهر البعض ، والاحتياط أيضا في الجملة ، وتأويل ما يدل على خلافه ، أو الرد بالدليل.

ولكن لا يتم ذلك في الكل ، مع انهم يوجبونها للشك في التكبير بعد القراءة ونحوها ، وهو واضح.

وبالجملة كلامهم أيضا لا يخلو عن اضطراب ، فإنه يفهم تارة اعتبار جزء عمدة مثل الركن ، وتارة الاكتفاء ، لجزء في الجملة ، فكأنهم نظروا الى عرف الفقهاء ، وما يعدونه جزء ، فالقراءة مثلا شي‌ء واحد كالوضوء ، فتأمل فإنه أيضا مجمل ، وانه لا يتم (يفهم ـ خ) في كل الروايات والمسائل ، ولا عرف في ذلك.

ويمكن الصدق بان هذا محل السورة والفاتحة بل محل الآية ، وغير ذلك ، ويدل على اعتبار ذلك صحيحة معاوية المتقدمة ، فتأمل فإن العمل به غير بعيد للأخبار السالفة الظاهرة.

واعلم انه على تقدير فعل الركوع في محله للشك : لو ذكر فعله بعد رفع الرأس ، تبطل الصلاة ، ولعل لا خلاف عندهم في ذلك ، لأنه زيادة ركن مبطل. هذا يتم

__________________

(١) استدراك من قوله قبل أسطر : ذلك معارض بما رواه بكر بن ابى بكر.

(٢) الوسائل باب (٣٢) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ان تم الكبرى.

واما لو ذكر حال الركوع : فقد قال المصنف بالبطلان كذلك ، ونقل عن الشيخ والسيد عدمه ، ولعل دليله زيادة الركن ، لان الانحناء الخاص ـ مع قصد الركوع ، بل مع عدم قصد شي‌ء غيره ـ ركن ، وقد تحقق هنا ، وزيادة الركن مبطل عندهم.

ورواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل صلى ، فذكر انه زاد سجدة؟ قال : لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة (١) ومثله رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (٢)

والظاهر ان قولهما ، للأصل ، ولصدق الإتيان بالمأمور به الدال على الاجزاء والصحة. وعدم تحقق الإجماع ـ في مطلق الركن ، خصوصا فيما نحن فيه ، بعد تسليم أنه زيادة ركن ـ لخلاف مثلهما ، والروايتان ليستا بصحيحتين ولا صريحتين (٣) فتأمل.

ومنه علم : انه لو سجد سجدة للشك فيها تم علم انها قد فعلت قبل ، لا تبطل بالطريق الاولى واستدل المصنف عليه بالروايتين المتقدمتين.

وأيضا اختيار المصنف في المنتهى : ان ليس كل زيادة ونقيصة توجب سجدة السهو ، حيث قال : من نسي عن تسبيح الركوع حتى قام ، أو السجود حتى رفع رأسه ، لم يلتفت ، ولا يسجد للسهو ، ذهب إليه أكثر علمائنا ونقل القول به عن العامة ، وقال آخرون من أصحابنا يسجد للسهو ، واستدل بالأصل ، وبرواية عبد الله بن القداح (٤) وصحيحة على بن يقطين (٥) المتقدمتين ، وبأنه قال : لو وجب

__________________

(١) الوسائل باب (١٤) من أبواب الركوع حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (١٤) من أبواب الركوع حديث : ٣

(٣) وذلك لاشتمالهما على لفظة (ركعة) وهي غير صريحة في إرادة الركوع

(٤) الوسائل باب (١٥) من أبواب الركوع حديث : ١

(٥) الوسائل باب (١٥) من أبواب الركوع حديث : ٢

١٧١

وان شك بعد انتقاله ، فلا التفات.

______________________________________________________

لبينه.

احتج الموجبون بما رواه الشيخ عن سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه السلام قال : تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك ونقصان (١) والجواب بعد تسليم صحة السند : انه عام وما ذكرناه خاص ، فيكون مقدما.

ثم قال : ولو ترك الجهر والإخفات لم يلتفت وهو قول علمائنا وبه قال الشافعي إلخ وهو يدل على انه إجماعي.

وأيضا انه قال في المنتهى : ولو شك في شي‌ء بعد انتقاله عنه لم يلتفت ، واستمر على فعله ، سواء كان ركنا أو غيره : مثل ان يشك في تكبيرة الافتتاح وهو في القراءة ، أو في القراءة وهو في الركوع ، أو في الركوع وهو في السجود ، أو في السجود وقد قام ، أو في التشهد وقد قام. كل ذلك لا اعتبار بالشك فيه وإلا لزم الحرج المنفي ، لأن الشك يعرض في أكثر الأوقات بعد الانتقال فلو كان معتبرا لأدى إلى الحرج ، ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق (لوجود عبد الله بن بكير ، الثقة ، بل ممن أجمعت) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (٢) ونقل صحيحة زرارة المتقدمة (٣)

وظاهر هذا الكلام ، هو فوت محل الرجوع بمجرد الانتقال بأي جزء كان ، كما هو ظاهر أكثر الأخبار ، سيما موثقة محمد بن مسلم وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام اقرء سورة فأسهو فأتنبه وانا في أخرها ، فارجع الى أول السورة أو أمضي؟ قال : بل امض (٤) فإن الظاهر ان المراد بالسهو هو الشك ، وهو كثير ، وان كان الظاهر من قوله (فأتنبه) غير ذلك.

على انه يكون حينئذ على المقصود أدل ، لأنه إذا لم يرجع مع النسيان فمع الشك

__________________

(١) الوسائل باب (٣٢) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣

(٢ ـ ٣) الوسائل باب (٢٣) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣ ـ ١

(٤) الوسائل باب (٣٢) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بالطريق الأولى فتأمل.

والحاصل ان المفهوم من أكثر الاخبار : مثل صحيحة زرارة وإسماعيل وموثقة محمد بن مسلم وصحيحة معاوية بن وهب ، عدم الالتفات بمجرد الشروع في الفعل الذي بعد المشكوك فيه ، فلا يبعد القول به ، وليس ما يعارض ذلك الا ما مر مع التوجيه.

نعم تدل رواية عبد الرحمن ، على ان بمجرد الشروع في النهوض الى القيام ما لم يستو قائما يعود (١) ويمكن القول به ، إذ المراد عدم الالتفات مع الشروع في الفعل المحقق اللاحق وهو القيام ، ومن لم يستو قائما ، ما قام ، وانما وجد النهوض والشروع في مقدمته ، فلم يتحقق الدخول في الفعل الأخر بعد ، بل لم يتجاوز عن الأول أيضا بالكلية.

وكأن في كلام المنتهى حيث قال : ومحل النزاع إلخ (٢) إشارة الى ان النزاع هنا في الفعل المحقق ، لا في مقدمته ، وان الشروع في المقدمة ليس مما فيه نزاع ، ولا خلاف في انه مسقط ، لوجوب العود ، الا انه يشكل انه الهوى للسجود والشك في انه ركع أو لم يركع قبل ان يسجد لم يكن مسقطا. مع ان رواية أخرى عن عبد الرحمن على خلاف ذلك ، ويمكن حملها على الوصول الى السجود كما مر ، أو جعل ذلك في القيام فقط للنص كما مر فتأمل.

مع انها معارضة بما رواه فيما نهض (٣) فإنه يدل على انه لا يلتفت بمجرد الشروع في مقدمة الفعل اللاحق.

مع ان في سند كليهما ابان بن عثمان ، وفيه قول.

وعلى تقدير عدم ذلك كله ، لا ينبغي التعدي عن منطوقها ، إذ ليس العلة

__________________

(١) الوسائل باب (١٥) من أبواب السجود حديث : ٦

(٢) إشارة الى ما تقدم نقله آنفا عند قوله : لو شك في السجود وقد قام إلخ

(٣) الوسائل باب (١٥) من أبواب السجود ، حديث : ٦

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهرة ، حتى يقاس أو يعمل بمفهوم الموافقة ، إذ لا قياس ولا مفهوم من دون الظن والعلم بالعلة ، ويمكن الجمع بالتخيير كما مر.

فحينئذ : لو شك في كلمة سابقه وهو في لاحقها ـ وفي الحمد والسورة بالطريق الاولى ، وكذا في الايات ـ لم يجب العود على الظاهر ، ومما يؤيد ذلك ، الظاهر والعادة ، وعدم الانتقال غالبا من آية الى ما بعدها الا بعد قرائتها ، بخلاف النهوض الى القيام فإنه قد يقع بعد السجدة الأولى فإن العادة اقتضتها بعد ها في الجملة فيغلط وينسى ، وبهذا ظهر الفرق بين المسائل في الجملة ، فلا يقاس ، وصحيحة معاوية (١) صريحة في ذلك

ومنها يمكن إخراج الكل ، فإنه ليس (فيه ـ خ) أقل من الشروع في كلمة الا ما فيه شك فلو شك في النية بعد مجرد الشروع في التكبير ، وكذا الشك فيه بعد الشروع في القراءة ، وكذا الشك في أبعاضها بعد البعض اللاحق ، وكذا بعد الشروع في القنوت ، لم يرجع ، فبعد الركوع بالطريق الاولى.

وكذا الشك في الركوع وبعد الهوى قبل الوصول الى السجود لرواية عبد الرحمن (٢) على الظاهر.

وكذا في ذكر الركوع والطمأنينة فيه بعد الرفع ، لعدم الخلاف على الظاهر فيه ، ولعموم الأخبار المتقدمة ، وللزوم تكرار الركن الممنوع مطلقا لأجل اعادة واجب فيه.

وكذا الكلام في واجبات السجود بعد الرفع ، ومعلوم وجوب العود قبل الرفع من الركوع بحيث يخرج عن حد الركوع ، وفي السجود قبل رفع الجبهة.

وكذا تسقط السجدة بالشك حال التشهد لا حال الجلوس ، وهو يسقط

__________________

(١) الوسائل باب (٣٢) من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١

(٢) الوسائل باب (١٣) من أبواب الركوع حديث : ٦ ولفظ الحديث هكذا (عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، رجل أهوى إلى السجود فلم يدر اركع أم لم يركع؟ قال : قد ركع)

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاستواء بالنهوض.

واعلم ان هذا كله مع الشك دون الظن ، ومع عدم كثرة السهو وغيرهما مما مر.

وانه لا اشكال على تقدير القول بكون عدم العود رخصة ، فيمكن اختياره في الكل ، فيسلم من الخلاف ، فهو مما يؤيد انها المراد ، فإنه على تقدير عدمها تصير المسئلة من المشكلات والمتعسرات ، ولهذا قال في الشرح : ولا يكاد يوجد احتمال ، أو إشكال الا وبمضمونه قائل.

ومما يؤيد ذلك : ان الدليل الأول الذي ذكروه في المسئلة ، هو لزوم الحرج والضيق المنفيين عقلا ونقلا.

ولكن ذلك أيضا غير واضح ، بل ظاهر كلامهم انه حتم ، وانه لو خالف واتى به تبطل الصلاة ، للإخلال بالنظم ، ولانه ليس من الافعال ، قاله في الشرح ، وقال : ويحتمل الصحة ضعيفا ، بناء على ان عدم العود رخصة ، فيجوز تركها ، وفي دليله تأمل ، إذ لا نسلم الإخلال والابطال مطلقا.

ولهذا يصح العود في المحل في مثل العود للسجود بعد النهوض قبل الاستواء.

ولان فعل شي‌ء ليس من أفعالها ، لا يستلزم بطلانها ، الا مع الكثرة بالمعنى المتقدم ، ووجودها هنا غير ظاهر ، وكونه غير فعلها أيضا غير مسلم ، بل هو أول المسئلة.

نعم لو سلم ان الأمر هنا للوجوب العيني ، يلزم تحريم الفعل المنافي له فقط ، دون البطلان ، على ان اعتقاد الشارح : ان الأمر للوجوب ، الأعم من العيني والتخييري ، فلا يثبت التحريم أيضا ، فتأمل فإن المسئلة مشكلة جدا لبعض ما اشرناه ، لا بمجرد تعيين المحل ، فتأمل والله الموفق للسداد والصواب وهو المرجع والمآب.

واعلم ان في هذه الاخبار دلالة على عدم وجوب سجدتي السهو للشك في كل زيادة ونقيصة ، بل لتيقنهما أيضا ، وان المصنف في المنتهى لا يقول به ، بل أكثر الأصحاب على خلافه ، بل القول به مطلقا خلاف الإجماع كما فهم مما نقلناه عن

١٧٥

ولو شك هل صلى في الرباعية اثنتين أو ثلاثا ، أو هل صلى ثلاثا أو أربعا : بنى على الأكثر ، وصلى ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس : ولو شك بين الاثنين والأربع ، سلم وصلى ركعتين من قيام : ولو شك بين الاثنين (الاثنتين خ) والثلاث والأربع ، سلم وصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس :

______________________________________________________

المنتهى : من عدم شي‌ء في ذكر الركوع والسجود والجهر والإخفات.

قوله : «ولو شك إلخ» هذه الصور التي تعلق الشك بها بعد حفظ الأوليين :

فالظاهر انه لا خلاف في الصحة وعدم وجوب الإعادة.

فما يدل على الإعادة ـ مثل صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام : قال سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا؟ قال : يعيد ، قلت ، أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال : انما ذلك في الثلاث والأربع (١)

حمل على الشك قبل الركوع ، فهو في الحقيقة شك بين الواحدة والثنتين ، أو على المغرب ، أو الصبح ، أو على قبل إكمال السجدتين ، فهو شك متعلق بالأولتين ، وهو مبطل لما مر ، ولما سيأتي ، والكل بعيد يأباه أخرها ، والتخيير مناسب لاخبار أخر كثيرة.

وهي أربع صور (٢).

الاولى : الشك بين الاثنتين والثلاث : فالمشهور هو البناء على الثلاث ، على تقدير تساوى الطرفين ، والإتمام والاحتياط بركعة قائما أو بركعتين جالسا.

والدليل المذكور عليها كونها مثل الصورة الثانية والدليل عليها قائم :

وحسنة زرارة (لإبراهيم وصحيحته أيضا) عن أحدهما عليهما السلام : قلت له :

رجل لا يدرى اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال : ان دخل الشك بعد دخوله في الثالثة ،

__________________

(١) الوسائل باب (٩) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣

(٢) اى الصور التي تعلق الشك بها إلخ

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مضى في الثالثة ، ثم صلى الأخرى ولا شي‌ء عليه ويسلم (١)

وهذه مؤيدة لتأويل صحيحة عبيد بن زرارة ، بأن المراد قبل إكمال السجدتين ، وتشعر بأنه لا اعتبار بالشك الا بعد الدخول في الثالثة بمعنى الخلاص من الثانية ، وهو بعد إكمال السجدتين ، ومعنى المضي في الثالثة ، البناء عليها ، ليوافق ما قرروه ، ويريد بقوله (ثم صلى الأخرى) إكمالها ، وبقوله (لا شي‌ء عليه) نفى السجود للسهو ، لا عدم الاحتياط ، لاحتمال النقصان ، وللإجماع على الظاهر ، وللرواية ، فتأمل.

ويحتمل ان يريد بالمضي في الثالثة إكمالها أربعا ، وبقوله (ثم صلى الأخرى ، الاحتياط ، ويؤيده تتمة الخبر) قلت : فإنه لم يدر في اثنتين هو أم في أربع؟ قال : يسلم ويقوم فيصلي ركعتين ثم يسلم ولا شي‌ء عليه (٢) (وأنت تعلم ان في دلالتها على المطلوب خفاء ، بل ظاهرها البناء على الأقل) (٣) فتأمل.

وما روى في الفقيه قال أبو عبد الله عليه السلام لعمار بن موسى يا عمار اجمع لك السهو كله في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت انك قد نقصت (٤) ومثله روى عنه الشيخ في التهذيب ، والظاهر انه يريد بالظن هنا الشك بقرينة قوله (شككت) وبالإتمام ، فعل الاحتياط الذي هو مقتضى الشك كما هو مفصل في غيرها.

والظاهر انه لو عمل بما مر يبرأ ذمته بغير خلاف ، إذ ما نقل الخلاف الا عن على بن بابويه وعنده يجوز البناء على الأكثر ، فإنه قال : في الشك بين الاثنتين والثلاث : ان ذهب وهمك الى الثلاث فأضف إليها رابعة فإذا سلمت صليت ركعة

__________________

(١) الوسائل باب (٩) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١

(٢) الوسائل باب (١١) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤

(٣) في النسخ المخطوطة التي عندنا ، كتب على جملة (وأنت تعلم ، الى قوله : على الأقل) انها زائدة

(٤) الوسائل باب (٨) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بالحمد وحدها ، وان ذهب وهمك إلى الأقل فابن عليه وتشهد في كل ركعة ، ثم اسجد سجدتي السهو ، وان اعتدل وهمك فأنت بالخيار ان شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل ركعة ، وان شئت بنيت على الأكثر وعملت ما وصفت.

كأنه يريد به العمل الذي ذكره على تقدير ذهاب الوهم الى الثلاث وهو غير مشهور ، فليس الخلاف في صورة الظن على الأكثر إلا بفعل الاحتياط ، وفي صورة الشك والاعتدال بالتخيير بين البناء على الأقل والأكثر وذلك غير بعيد كما هو في كثير من المسائل على ما مر ، لاختلاف الروايات ، فإنه قال في الفقيه ، وروى إسحاق بن عمار انه قال : قال لي أبو الحسن الأول عليه السلام : إذا شككت فابن على اليقين قال : قلت : هذا أصل؟ قال : نعم (١)

والطريق اليه صحيح وهو ثقة ، وله أصل معتمد ، وهو لا بأس به ، وان قيل انه فطحي ، ولغيرها من الروايات ، وللأصل أيضا. بل لولا الروايات الدالة على البناء على الأكثر لكان القول بالبناء على الأقل أولى. ولهذا ذهب ابنه أيضا في الفقيه ، الى التخيير في كثير من مسائل هذا الباب : مثل الشك في الواحدة والاثنتين ، أو الثلاث والأربع ، ونقل انه روى على بن أبي حمزة عن العبد الصالح (رجل صالح ـ خ) عليه السلام قال : سألته عن الرجل يشك فلا يدرى أواحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا؟ تلبس (تلتبس خ) عليه صلاته؟ فقال : كل ذا؟ فقلت نعم ، قال : فليمض في صلاته ، وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فإنه يوشك ان يذهب عنه (٢)

وقالوا ان هذا الحديث قوى ، وفيه تأمل)

__________________

(١) الوسائل باب (٨) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢

(٢) الوسائل باب (١٦) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعن سهل بن اليسع الثقة في الحسن عن الرضا عليه السلام انه يبنى على يقينه ، ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا (١) ثم قال وقد روى انه يصلى ركعة من قيام وركعتين وهو جالس (٢) وليست هذه الاخبار بمختلفة وصاحب هذا السهو بالخيار بأي خبر منها أخذ فهو مصيب. (٣)

واعلم ان الاحتياط هنا : البناء على الأكثر ، والاحتياط ، ولا يبعد ضم سجدتي السهو أيضا للرواية ، وان الحكم في جميع الصور التي فيها الثنتان انما يكون (لصحته خ) الصحة بعد إكمال السجدة.

ولعله يتحقق بوضع الجبهة في الثانية ، ويحتمل كون الإعادة مع ذلك أحوط ، فتأمل فيه ، وان الاحتياط مع الظن ينفيه أخبار كثيرة ، وقد مرت وسيجي‌ء فتأمل ، نعم لا يبعد ذلك للاحتياط ، بل الإعادة أحوط.

الثانية : الشك بين الثلاث والأربع : فالمشهور اتحاد الحكم بينه وبين الاولى ويدل عليه ما رواه في الصحيح ، عن أبي العباس الثقة (هو الفضل بن عبد الملك البقباق) وعبد الرحمن بن سيابة (ولا يضر وجود أبان في الطريق (٤)) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وان وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف ، وان اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس (٥)

وروى جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : فيمن لا يدرى أثلاثا صلى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء ، قال : فقال : إذا اعتدل الوهم في

__________________

(١ ـ ٢) الوسائل باب (١٣) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢ ـ ٣

(٣) الى هنا كلام الصدوق ره في الفقيه

(٤) سند الحديث كما في الكافي هكذا (محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن ابان ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، وأبي العباس)

(٥) الوسائل باب (٧) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الثلاث والأربع ، فهو بالخيار : ان شاء صلى ركعة وهو قائم ، وان شاء صلى ركعتين واربع سجدات وهو جالس (١) وفي الطريق على بن حديد الضعيف (٢) مع الإرسال.

فكأن ابن الجنيد وأبا جعفر بن بابويه ، نظرا الى ضعف هذه ، مع وجود أبان في الاولى ، واحتمال الأمر للوجوب التخييري ، مع أصل عدم الفعل وعدم الوجوب العيني.

فخيرا بينه وبين البناء على الأقل والإتمام ، كما نقل عنهما في المختلف ، ونقل أيضا : فيه إيجاب الركعتين من جلوس عن ابن أبي عقيل وعدم ذكر التخيير فيه ، وقال على بن بابويه بوجوب الركعة من قيام على تقدير البناء على الأكثر كما مر. والتخيير فيهما هو المشهور والمؤيد بمرسلة جميل.

ولعل ابن ابى عقيل نظر الى ضعف رواية جميل ، والى اختصاص الركعتين جالسا بالذكر في رواية أبي العباس.

وكذا في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء (لكنه غير مذكور في الخلاصة ، وقال المصنف في موضع (لا اعرف حاله) وذكر في كتاب ابن داود الاختلاف فيه ، وقال : حكى سيدنا جمال الدين في البشرى ، تزكيته ، وقال في الفهرست : له كتاب ، وذكر الاسناد) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ان استوى وهمه في الثلاث والأربع سلم وصلى ركعتين واربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصر في التشهد (٣)

ولكن الشهرة ـ مع المرسلة ومع ان مناسبة بدلية الواحدة قائما ، تقتضي

__________________

(١) الوسائل باب (١٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢

(٢) سند الحديث كما في الكافي هكذا (محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد ، عن على بن حديد عن جميل ، عن بعض أصحابنا)

(٣) الوسائل باب (١٠) من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٦

١٨٠