المقتصر

الشيخ ابن فهد الحلّي

المقتصر

المؤلف:

الشيخ ابن فهد الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

وظاهر المفيد وتلميذه ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو حد مع كل مرة قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة.

أقول : الأول مذهب الصدوقين ، واختاره ابن إدريس.

والثاني مذهب الثلاثة وبه قال التقي والقاضي وسلار وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. وفي الخلاف يقتل في الخامسة ، وهو غريب.

قال طاب ثراه : والمملوك إذا أقيم عليه حد الزنا سبعا قتل في الثامنة ، وقيل : في التاسعة ، وهو أولى.

أقول : الأول مذهب الشيخ في الخلاف ، وبه قال الصدوقان والمفيد وتلميذه والسيد وابن حمزة والتقي وابن إدريس.

والثاني مذهبه في النهاية (١) ، وتبعه القاضي ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : فان فر أعيد ، ولو ثبت الموجب بالإقرار لم يعد ، وقيل : ان لم تصبه الأحجار أعيد.

أقول : هذا قول الشيخ في النهاية (٢) وتبعه القاضي ، وهو مذهب أبي علي.وقال الصدوق : لا يرد ، وبه قال المفيد وتلميذه وابن زهرة والتقي ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ويجلد الزاني قائماً مجردا ، وقيل : ان وجد بثيابه جلد بهما.

أقول : الأول هو المعتمد ، وهو مذهب المصنف والعلامة.

__________________

(١) النهاية ص ٦٩٥.

(٢) النهاية ص ٧٠٠.

٤٠١

وقال في النهاية (١) والصدوق في المقنع (٢) يجلد على مثل حالة الزنا ، ان كان مجردا ضرب مجردا ، وان كان بثيابه ضرب بثيابه ، وكذا المرأة عند الصدوق وفي النهاية (٣) تضرب بثيابها جالسة من غير تفصيل ، وهو المشهور.

قال طاب ثراه : أشد الضرب ، وقيل : متوسطا.

أقول : الأول قول التقي ، وهو المشهور ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

والثاني قاله بعض الأصحاب ، وهو في رواية الحسين بن سعيد (٤).

قال طاب ثراه : ويجب أن يحضره طائفة ، وقيل : يستحب.

أقول : الأول ظاهر المفيد ، وبه قال التقي وابن حمزة وابن إدريس والمصنف وهو المعتمد.

والثاني مذهب الشيخ في الكتابين ، وأقلها عشرة في الخلاف وثلاثة عند ابن إدريس ، وواحد في النهاية (٥) ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولا يرجمه من لله قبله حد ، وقيل : يكره.

أقول : إذا حضرت الطائفة عند اقامة الحد على المرجوم ، لا يرجمه من لله قبله حد ، وهل هذا النهي على الكراهة أو التحريم؟ نقل المصنف الأول ، ووجه أصل الإباحة ، والظاهر التحريم لان المفهوم من النهي المطلق.

واعلم أن هذا الخلاف انما هو في المقر ، أما من قامت (٦) البينة فلا ، لوجوب

__________________

(١) النهاية ص ٧٠٠.

(٢) المقنع ص ١٤٤.

(٣) النهاية ص ٧٠١.

(٤) تهذيب الأحكام ١٠ ـ ٣٠.

(٥) النهاية ص ٧٠١.

(٦) في « س » : اقامة.

٤٠٢

بدأة الشهود ، ولأن النهي انما ورد في صورة الإقرار.

روى أبو بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه قال : أتت امرأة أمير المؤمنين عليه‌السلام فقالت : يا أمير المؤمنين إني زنيت ، فطهرني طهرك الله ، فان عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع ، فقال لها عليه‌السلام : مما أطهرك؟ فقالت : اني زنيت ، فقال لها : أو ذات بعل أنت أم غير ذلك؟ فقالت : بل ذات بعل ، قال لها : أفحاضر كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم غائب؟ قالت : بل حاضر ، فقال لها عليه‌السلام : انطلقي فضعي ما في بطنك ثم ايتني فاطهرك.

فلما ولت عنه المرأة وصارت حيث لا تسع كلامه عليه‌السلام قال : اللهم انها شهادة فلم تلبث أن أتت ، فقالت : قد وضعت فطهرني ، قال : فتجاهل عليها ، فقال :يا أمة الله مماذا؟ فقالت : اني زنيت فطهرني ، فقال : وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت : نعم ، قال : فكان زوجك حاضرا أم غائبا؟ فقالت : بل حاضرا قال : فانطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك الله.

قال : فانصرفت المرأة ، فلما صارت منه حيث لا تسمع كلامه ، قال : اللهم انها شهادتان ، قال : فلما مضى حولان أتت المرأة ، فقالت : قد أرضعته حولين فطهرني يا أمير المؤمنين ، فتجاهل عليها ، فقال : أطهرك مماذا؟ فقالت : اني زنيت فطهرني ، قال : وذات بعل إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت : نعم ، فقال : وبعلك غائب إذ فعلت ما فعلت أم حاضر؟ قالت : بل حاضر ، قال عليه‌السلام : فانطلقي فاكفليه حتى يعقل ان يأكل ويشرب ، ولا يتردى من سطح ولا يتهور في بئر.

قال : فانصرفت وهي تبكي ، قال عليه‌السلام : فلما ولت حيث لا تسمع كلامه عليه‌السلام قال : اللهم انها ثلاث شهادات ، فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي ، فقال : وما يبكيك يا أمة الله وقد رأيتك تختلفين الى علي عليه‌السلام تسألينه أن يطهرك ، فقالت إني أتيت أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فسألته أن يطهرني ، فقال : اكفلي ولدك حتى يعقل

٤٠٣

أن يأكل ويشرب ولا يتردى من سطح ولا يتهور في بئر ، ولقد خفت أن يأتي علي الموت ولم يطهرني ، فقال عمرو بن حريث : ارجعي إليه فأنا أكفله.

فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين عليه‌السلام بقول عمرو ، فقال لها أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يتجاهل عليها : ولم يكفل عمرو ولدك؟ فقالت : يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني ، فقال : وذات بعل إذ فعلت ما فعلت؟ قالت : نعم ، قال : أفغائب كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم حاضر؟ قالت : بل حاضر.

قال : فرفع رأسه الى السماء ، وقال : اللهم انك قد ثبت لك عليها أربع شهادات وأنك قد قلت لنبيك عليه‌السلام فيما أخبرته من دينك : يا محمد من عطل حدا من حدودي فقد عاندني وطلب بذلك مضادتي ، اللهم فاني غير معطل حدودك ولا طالب مضادتك ولا مضيع لأحكامك ، بل مطيع لك ومتبع سنة نبيك.

قال : فنظر اليه عمرو بن حريث وكأنما الرمان يفقأ في وجهه ، فلما رأى ذلك عمرو قال : يا أمير المؤمنين إني إنما أردت أن أكفله إذ ظننت أنك تحب ذلك ، فاما إذ كرهته فاني لست أفعل ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أبعد أربع شهادات بالله لتكفلنه وأنت صاغر.

فصعد أمير المؤمنين عليه‌السلام المنبر ، فقال : يا قنبر ناد في الناس الصلاة جامعة ، فنادى قنبر في الناس ، واجتمعوا حتى غص المسجد بأهله.

فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ان إمامكم خارج بهذه المرأة الى هذا الظهر ليقيم عليها الحد ان شاء الله ، فعزم عليكم أمير المؤمنين ألا خرجتم وأنتم متنكرون ومعكم أصحابكم ، لا يتعرف منكم أحد الى أحد حتى تنصرفوا الى منازلكم ان شاء الله تعالى.

قال : ثم نزل ، فلما أصبح الناس بكرة خرج بالمرأة ، وخرج الناس متنكرون متلثمين بعمائهم وبأرديتهم ، والحجارة في أرديتهم وفي أكمامهم ، حتى انتهى بها والناس معه الى ظهر الكوفة ، فأمر أن يحفر لها حفيرة ، ثم دفنها فيها.

٤٠٤

ثم ركب بغلته ، وأثبت رجليه في غرز الركاب ، ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه ، ثم نادى بأعلى صوته : أيها الناس ان الله تعالى عهد الى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله عهدا عهده محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ، بأنه لا يقيم الحد من الله عليه حد فمن كان لله عليه حد مثل ماله عليها ، فلا يقيم عليها الحد.

قال : فانصرف الناس حينئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ ما معهم غيرهم ، قال : وانصرف يومئذ فيمن انصرف محمد بن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

فقد دل هذا الحديث على أحكام :

الأول : التعريض للمقر بما يؤمل معه رجوعه من الإقرار ، بتجاهله عليه‌السلام في جواباتها.

الثاني : تحريم اقامة الحد على الحامل حتى تضع.

الثالث : وجوب انظارها بعد الوضع مدة الرضاع ويناط (٢) ذلك بعدم وجود الكافل (٣) والخوف على الولد من اختلاف المرضعات.

الرابع : وجوب انظارها بعد الرضاع حتى يبلغ الولد مبلغا يمكنه التحرز من المتالف ، كالتردي من سطح ، واجتلاب منافعه الضرورية ، كالاهتداء إلى الأكل عند الجوع والشرب عند العطش ، أو يوجد له كافل.

الخامس : وجوب اقامة الحد عند حصول الكافل ، وعدم الرخصة في تأخيره حينئذ.

السادس : لزوم هذه الحضانة للكافل كالملتقط ، لقوله عليه‌السلام « لتكفلنه وأنت

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١٠ ـ ٩ ـ ١١.

(٢) في « س » : ومناط.

(٣) في « ق » : الكامل.

٤٠٥

صاغر ».

السابع : كراهية الدخول في هذه الكفالة.

الثامن : استحباب خروج الناس متنكرين (١).

التاسع : لا يتعرف الخارجون بعضهم الى بعض ، أي : لا يظهر واحد لآخر أنه يعرفه ، ولا يقبل عليه بسلام ، ولا يحادثه بل يخفي نفسه ، فلا يتعرف بغيره ولا يعرف غيره.

العاشر : تحريم اقامة الحد لمن عليه حد.

قال طاب ثراه : إذا شهد أربعة بالزنا قبلا ، فشهد أربع نساء بالبكارة فلا حد ، وفي حد الشهود قولان.

أقول : يريد لا حد على المشهود عليها بالزنا ، وهل يحد شهودها حد القذف؟ قال الشيخ في باب شهادة النساء من النهاية (٢) نعم ، واختاره المصنف ، وهو مذهب أبي علي.

وقال في المبسوط (٣) : لا ، واختاره ابن حمزة وابن إدريس ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان ، ووجه السقوط أن يسبق منه القذف.

أقول : يريد إذا كان الزوج أحد الأربعة هل تحد المرأة؟ قال في النهاية (٤) والاستبصار (٥) والخلاف : نعم ، واختاره ابن حمزة وابن إدريس والمصنف والعلامة

__________________

(١) في « ق » : منكرين.

(٢) النهاية ص ٣٣٢.

(٣) المبسوط ٨ ـ ١٠.

(٤) النهاية ص ٦٩٠.

(٥) الاستبصار ٣ ـ ٣٥ ـ ٣٦.

٤٠٦

وهو المعتمد.

ورواه إبراهيم بن نعيم عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها ، قال : تجوز شهادتهم (١).

وقال الصدوق وأبو علي : لا تحد المرأة بل الشهود ، وللزوج إسقاطه باللعان ، واختاره القاضي والتقي.

ورواه زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها ، قال : يلاعن ويجلد الآخرون (٢). وحملت على اختلال الشرائط ، كسبق الزوج بالقذف ، وعدم تعديل الشهود ، أو اختلافهم في إقامتها.

قال طاب ثراه : ومن أقر أنه زنا بفلانة ، فعليه مع تكرار الإقرار حدان ، ولو أقر مرة فعليه حد القذف ، وكذا المرأة ، وفيهما تردد.

أقول : وجوب الحدين أعني : حد الزنا وحد القذف مذهب الشيخ في النهاية (٣) ، وهو المعتمد.

وتوقف المصنف والعلامة في حد القذف من حيث أن زناه لا يستلزم زناها ، لجواز كونها نائمة أو مكرهة ، ووجوب الحد منوط باليقين ، لسقوطه مع الشبهة.وليس بشي‌ء.

قال طاب ثراه : ولا يحد المجنون ولو كان فاعلا على الأصح.

أقول : الحد هنا كما في الزنا ، فمن أوجب ثمة كالشيخين والتقي والقاضي أوجبه هنا ، ومن لا كأبن إدريس والمصنف والعلامة فلا.

قال طاب ثراه : ومن لم يوقب فحده مائة على الأصح.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٨٢ ، ح ١٨١.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٨٢ ، ح ١٨٢.

(٣) النهاية ص ٦٩٨.

٤٠٧

أقول : مختار المصنف فيمن لم يوقب الجلد مطلقا ، وهو مذهب المفيد وتلميذه والتقي والحسن والسيد وابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

وفي النهاية (١) يرجم مع الإحصان ، ويجلد مع عدمه ، وتبعه القاضي وابن حمزة ، وظاهر الفقيهين القتل ، وخصه في المقنع (٢) بالمفعول.

قال طاب ثراه : ولو تكرر مع الحد قتل في الرابعة على الأشبه.

أقول : هذا مذهب النهاية (٣) وتبعه القاضي والتقي والمصنف والعلامة. وقال ابن إدريس : يقتل في الثالثة كالزاني.

قال طاب ثراه : والحد فيه ـ أي : في السحق ـ مائة جلدة ، حرة كانت أو أمة ، محصنة كانت أو غير محصنة ، للفاعلة والمفعولة ، وفي النهاية (٤) ترجم مع الإحصان.

أقول : مختار المصنف هو مذهب المفيد والسيد والتقي وابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد. وبمذهب النهاية قال القاضي كالزنا.

قال طاب ثراه ولو تكرر مرتين مع التعزير ، أقيم عليهما الحد في الثالثة ، ولو عادتا قال في النهاية : قتلتا.

أقول : بمذهب النهاية (٥) قال التقي ، واختاره العلامة في المختلف. وابن إدريس أوجب القتل في الثالثة مع تخلل التعزير. والصدوق في المقنع (٦) أوجب الحد مائة جلدة بأول مرة ، وهو مذهب أبي علي ، والمعتمد مذهب النهاية.

__________________

(١) النهاية ص ٧٠٤.

(٢) المقنع ص ١٤٧.

(٣) النهاية ص ٧٠٦.

(٤) النهاية ص ٧٠٦.

(٥) النهاية ص ٧٠٧.

(٦) المقنع ص ١٤٥.

٤٠٨

قال طاب ثراه : وقيل : يحلق رأسه ويشهر.

أقول : إنما قال قيل لخلو الأحاديث عن ذلك ، وانما هو شي‌ء ذكره الشيخان وتبعهما المتأخرون.

قال طاب ثراه : وينفي بأول مرة ، وقال المفيد : في الثانية ، والأول مروي.

أقول : الأول مذهب الشيخ ، لقول الصادق عليه‌السلام : يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني ، وينفى عن المصر الذي هو فيه (١). وتبعه القاضي وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وعليه الأكثر.

وقال المفيد : في الثانية ، وتبعه التقي وسلار. والمعتمد الأول.

الفصل الثالث

( في حد القذف )

قال طاب ثراه : لو قال للمسلم : يا ابن الزانية وأمه كافرة ، فالأشبه التعزير ، وفي النهاية (٢) يحد.

أقول : مختار المصنف هو الأصل ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة في التحرير ، وبقول النهاية قال القاضي وأبو علي ، وهو المروي ومال إليه في المختلف.

قال طاب ثراه : ولو قال : زنيت بفلانة ، فللمواجه حد ، وفي ثبوته للمرأة تردد.

أقول : ثبوت الحدين مذهب الشيخين ، والتقي وابن زهرة والقاضي ، وهو

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١٠ ـ ٦٤ ، ح ١.

(٢) النهاية ص ٧٢٣.

٤٠٩

المعتمد ، وعليه العلامة في المختلف وفخر المحققين.

واقتصر ابن إدريس على الواحد ، وهو ظاهر المصنف.

قال طاب ثراه : ولو قال : ابنك زان ، أو بنتك زانية ، فالحد لهما. وقال في النهاية : لهما المطالبة أو العفو.

أقول : الأول مختار ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، وبمذهب النهاية (١) قال القاضي.

قال طاب ثراه : ويقتل القاذف في الرابعة ، وقيل : الثالثة.

أقول : الأول اختيار الشيخ في النهاية (٢) والمصنف والعلامة. والثاني مذهب ابن إدريس.

الفصل الرابع

( في حد المسكر )

قال طاب ثراه : ولو حد مرتين قتل في الثالثة ، وهو المروي (٣) ، وقال في الخلاف في الرابعة.

أقول : الأول ظاهر المصنف ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو المعتمد ، وبه قال الشيخان والحسن وابن إدريس والتقي والقاضي.

والثاني مذهب الشيخ في الكتابين ، وبه قال الصدوق وفخر المحققين.

قال طاب ثراه : من شربها مستحلا استتيب ، فان تاب والا قتل ، وقيل : حكمه

__________________

(١) النهاية ص ٧٢٤.

(٢) النهاية ص ٧٢٥.

(٣) التهذيب ١٠ ـ ٩٥.

٤١٠

حكم المرتد.

أقول : الأول قول الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي. والثاني مذهب التقي وتبعه المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وبعد الإقرار يتخير الإمام في الإقامة ، ومنهم من حتم الحد.

أقول : الأول مذهب النهاية (٢) والقاضي وابن حمزة والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد والثاني مذهب التقي وابن إدريس.

الفصل الخامس

( في حد السرقة )

قال طاب ثراه : ولا يحد الطفل ولا المجنون لكن يعزران ، وفي النهاية يعفى عن الطفل أولا ، فإن عاد أدب ، فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع البالغ.

أقول : بتفصيل النهاية (٣) قال القاضي وابن حمزة والعلامة في المختلف وهو حسن.

واقتصر الصدوق على تأديبه دائما ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد وابن إدريس.

قال طاب ثراه : وفي سرقة أحد الغانمين من الغنيمة روايتان ، إحداهما : لا يقطع ، والأخرى : يقطع إذا زاد عن نصيبه قدر النصاب.

__________________

(١) النهاية ص ٧١١.

(٢) النهاية ص ٧١١.

(٣) النهاية ص ٧١٥.

٤١١

أقول : ذهب المفيد وتلميذه الى عدم قطع الغانم بالسرقة من الغنيمة مطلقا ، واختاره فخر المحققين ، وهو المعتمد.

لرواية محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام عن علي عليه‌السلام في رجل أخذ بيضة من المغنم وقالوا : قد سرق اقطعه ، فقال:اني لم أقطع أحدا له فيما أخذ شركة (١).

وذهب أبو علي الى قطعه إذا زاد عن نصيبه قدر النصاب ، واختاره الشيخ في النهاية (٢) وتلميذه.

لرواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال قلت رجل سرق من المغنم أيش (٣) الذي يجب عليه أيقطع؟ قال : ينظركم الذي يصيبه ، فان كان الذي أخذ أقل من نصيبه عن رد دفع اليه تمام ماله ، وان أخذ مثل الذي له فلا شي‌ء عليه ، وان كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجن وهو ربع دينار قطع (٤).

قال طاب ثراه : ويقطع الأجير إذ أحرز المال من دونه على الأشهر (٥).

أقول : منع الصدوق في كتابه من قطع الأجير ، واختاره الشيخ في النهاية (٦).

وأوجبه ابن إدريس إذ أحرز من دونه ، ثم نقبه أو كسره ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو مذهب أبي علي ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وكذا الضيف ، وفي رواية (٧) لا يقطع.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١٠ ـ ١٠٤ ـ ١٠٥ ، ح ٢٣.

(٢) النهاية ص ٧١٥.

(٣) كذا في النسخ ، وفي التهذيب : أي شي‌ء.

(٤) تهذيب الأحكام ١٠ ـ ١٠٦ ، ح ٢٧.

(٥) في المختصر المطبوع : على الأظهر.

(٦) النهاية ص ٧١٧.

(٧) التهذيب ١٠ ـ ١١٠ ، ح ٤٥.

٤١٢

أقول : قال الشيخ في النهاية (١) : لا يقطع ، وبه قال الصدوق.

وقال أبو علي : يقطع إذا أحرز من دونه ، وهو مذهب الشيخ في الكتابين ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولا بد من كونه محرزا بقفل أو غلق أو دفن. وقيل : كل موضع ليس لغير المالك دخوله إلا بإذنه فهو حرز.

أقول : هذا قول الشيخ في النهاية (٢). وقال ابن إدريس : الحرز ما كان مقفلا أو معلقا أو مدفونا ، واختاره ، المصنف.

قال طاب ثراه : ولا يقطع من سرق من المواضع المأذون في غشيانها ، كالحمامات والمساجد ، وقيل : إذا كان المالك مراعيا للمال كان محرزا.

أقول : يريد إذا سرق من المواضع المنتابة ، كالحمامات والأرحية ، هل يقطع مع مراعاة المالك؟ قال في المبسوط (٣) : نعم.

وكذا الميزان بين يدي الخبازين ، والثياب بين يدي البزازين ، فحرز ذلك نظره اليه ، وان سهى أو نام عنه زال الحرز وسقط القطع.

وقال ابن إدريس : لا يقطع واختاره المصنف والعلامة.

قال طاب ثراه : ويقطع سارق الكفن ، ويشترط بلوغ النصاب ، وقيل : لا يشترط ، لأنه ليس حدا للسرقة ، بل لحسم الجرأة.

أقول : القبر حرز للكفن ، وهل يعتبر في قطع أخذه النصاب؟ قال ابن إدريس في أحد قوليه : لا ، لأنه مفسد في الأرض ، فيقطع حسما لمادة الفساد ، واعتبره المفيد وتلميذه وابن زهرة والتقي وابن حمزة والكيدري والمصنف

__________________

(١) النهاية ص ٧١٧.

(٢) النهاية ص ٧١٤.

(٣) المبسوط ٨ ـ ٢٣.

٤١٣

والعلامة وفخر المحققين.

واعتبره ابن إدريس في القول الأخر في المرة الأولى ، لأنه سارق ، ولا يعتبر بعدها لأنه مفسد. والمعتمد مذهب المفيد.

قال طاب ثراه : ولو أقر بالضرب (١) لم يقطع ، نعم لو رد السرقة بعينها قطع وقيل : لا يقطع لتطرق الاحتمال ، وهو أشبه.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية (٢) ، واختاره العلامة في المختلف.

والثاني مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو لم يكن يسار قطعت اليمين ، وفي الرواية : لا يقطع.

أقول : يريد أن محل القطع من السارق في المرة الاولى هو يده اليمنى ، سواء كان له يد يسرى أو لم يكن له.

وقال أبو علي : لا يقطع يمينه مع فقد يده اليسرى ، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام (٣) ، لئلا يبقى بلا يدين بل يحبس ، والأول مذهب المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : قال في النهاية : ولو لم يكن يسار قطعت رجله اليسرى ولو لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس ، وفي الكل تردد.

أقول : محل القطع في المرة الثانية الرجل اليسرى ، وهل يجوز قطعها في المرة الأولى إذا فقدت يمينه؟ قال في المبسوط (٤) : نعم وهو أحد قولي القاضي.

__________________

(١) في النسخ : للضرب.

(٢) النهاية ص ٣٨٢.

(٣) تهذيب الأحكام ١٠ ـ ١٠٨ ، ح ٣٨.

(٤) المبسوط ٨ ـ ٣٩.

٤١٤

وقال في النهاية (١) : لا يقطع رجله الا مع فقد يديه معا ، وتردد المصنف في كتابه من حيث أنه تحط عن محل الفرض ، وتعد عن موضع النقل.

تحصيل :

يجب قطع السارق من يده اليمنى ، فان عاد ثانيا قطعت رجله اليسرى ، فان سرق ثالثة خلد الحبس ، ويقتل لو سرق فيه ، فهذه أربع عقوبات :

الأول : قطع اليد اليمنى ، وموجبه السرقة في المرة الأولى.

الثانية : قطع الرجل اليسرى ، وموجبه السرقة في المرة الثانية.

الثالثة : الحبس ، وموجبه السرقة في المرة الثالثة.

الرابعة : القتل ، وموجبه السرقة في المرة الرابعة ، هذا بشرط تكرار الحد في كل مرتبة ، ولو لم تتكرر وسرق مرارا كفى قطع واحد ، كما في الزنا وشرب الخمر.

تذنيبان :

لو فقد العضو المخصوص بمرتبة ، هل ينتقل إلى المرتبة الثانية؟ قيل : فيه ثلاثة أقوال :

الأول : قال في المبسوط (٢) : لو سرق ولا يمين له انتقل الى رجله اليسرى ، ولو لم يكن له رجل حبس ، واختاره القاضي في المهذب (٣).

__________________

(١) النهاية ص ٧١٧.

(٢) المبسوط ٨ ـ ٣٩.

(٣) المهذب ٢ ـ ٥٤٥.

٤١٥

الثاني : قال في النهاية (١) : لو فقدت يمناه في الأولى قطعت يده اليسرى ، فان فقدت قطعت رجله اليسرى ، ولو فقدت خلد السجن. واختاره القاضي في الكامل.

الثالث : قال ابن إدريس يختص كل مرتبة بما وظف لها ، فلا يحبس من لم يسرق مرتين ، ويقطع في كل منهما بل يعزر ، وكذا لا يقطع رجل من لم يقطع يده في سرقة.

فقد تحصل من هذا التحرير أن مع فقدان اليمين في المرة الاولى لا ينتقل الى غيرها عند ابن إدريس ، وعند الشيخ ينتقل ، وهو على قولين ، ففي المبسوط (٢) الى رجله اليسرى ، لأنها محل يؤخذ في السرقة ، وفي النهاية إلى يده اليسرى ، لان اليد أقرب الى مماثلة اليد من الرجل ، ولا ينتقل الى الرجل الا مع فقد اليدين معا ، واختار العلامة في القواعد مذهب المبسوط.

وقال الشيخ في المسائل الحلبية : لو سرق ولا يد له ولا رجل تخير الإمام في تأديبه بأي نوع أراد ، ثم قوى الحبس. وقال المصنف في النكت : الاولى أن يقال : للإمام تأديبه بما يشاء من تعزير أو حبس ، وهو حسن.

الثاني : لو كان له يمين حين السرقة ، فتلفت قبل القطع ، سقط واقتصر على تعزيره ، سواء تلفت بجناية أو قصاص أو بآفة من قبله تعالى ، لتعلق القطع بالذاهبة.

قال طاب ثراه : ويسقط الحد بالتوبة قبل البينة ، ويتخير الامام معها بعد الإقرار على رواية (٣) فيها ضعف ، والأشبه تحتم القطع.

أقول : مختار المصنف مذهب ابن إدريس ، والتخيير مذهب الشيخ في

__________________

(١) النهاية ص ٧١٧.

(٢) المبسوط ٨ ـ ٣٩.

(٣) تهذيب الأحكام ٧ ـ ٢٥٠.

٤١٦

النهاية (١) ، وهو المعتمد ، واختاره العلامة في المختلف ، والتقي خير إمام الأصل دون غيره.

قال طاب ثراه : ولو سرق اثنان نصابا قال في النهاية (٢) : يقطعان. وفي الخلاف اشترط بلوغ كل واحد نصابا.

أقول : قال الثلاثة : إذا سرق اثنان فصاعدا ما قيمته نصاب ، وجب القطع على الجميع ، وبه قال التقي والقاضي وابن حمزة وابن زهرة.

وقال في الكتابين : لا يجب القطع ، الا أن يبلغ نصيب كل واحد نصابا ، وبه قال ابن إدريس وأبو علي ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : لو أقامت الحجة بالسرقة ثم أمسكت فقطع ، ثم شهدت عليه بأخرى ، قال في النهاية : قطعت يده بالأولى ورجله بالأخرى ، وبه رواية والاولى التمسك بعصمة الدم ، إلا في موضع اليقين.

أقول : إذا تكررت منه السرقة ، فاما أن تقوم البينة بالسرقتين معا ، أو يمسك حتى يقطع ثم تشهد عليه بالأخرى.

القسم الأول : أن تشهد عليه بالسرقتين معا ، وفيه ثلاثة أقوال ، فالشيخ في النهاية (٣) قطعه بالأخيرة ، واختاره المصنف في الشرائع (٤) والصدوق بالأولى ، واختاره التقي والعلامة في القواعد والتحرير ، وقطعه في المختلف بأي واحدة كانت ، بحيث لو عفا الأول قطع بالثاني وبالعكس ، ويعلم من هذا فائدة الخلاف.

القسم الثاني : أن يشهد عليه بعد قطعه ، وهي المذكورة في النافع ، فهل يقطع بالثانية؟ قال في النهاية : نعم ، واختاره ابن حمزة ، ومنع في المبسوط ،

__________________

(١) النهاية ص ٧١٤.

(٢) النهاية ص ٧١٨.

(٣) النهاية ص ٣٨٧.

(٤) شرائع الإسلام ٤ ـ ١٧٨.

٤١٧

واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

الفصل السادس

( في حد المحارب )

قال طاب ثراه : وان لم يكن من أهلها على الأشبه.

أقول : يريد أن من جرد السلاح لإخافة الناس فهو محارب ، وان لم يكن من أهل الريبة ، أي : من أهل الفساد ، لعموم الآية (١) وهو مذهب المصنف والعلامة.

وقال في النهاية : المحارب هو الذي يجرد السلاح ويكون من أهل الريبة (٢) وبمثله قال المفيد ، وهو المشهور في عبارات الأصحاب. والمعتمد الأول.

قال طاب ثراه : وحده القتل أو الصلب أو القطع مخالفا أو النفي. وللأصحاب اختلاف ، قال المفيد بالتخيير ، وهو الوجه. وقال الشيخ بالترتيب.

أقول : التخيير مذهب المفيد وتلميذه وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. والترتيب المحكي في الكتاب مذهب الشيخ وتبعه القاضي.

قال طاب ثراه : وفي الصدقة بثمنها قولان ، الأشبه أنه يعاد عليه.

أقول : مختار المصنف مذهب الشيخ في النهاية (٣) وابن إدريس ، واختاره العلامة وقال المفيد : يتصدق بها عقوبة على ما جناه.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣٣.

(٢) النهاية ص ٧٢٠.

(٣) النهاية ص ٧٠٩.

٤١٨

قال طاب ثراه : ويثبت بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين ، ولو قيل تكفي المرة كان حسنا.

أقول : الأول ظاهر ابن إدريس ، والثاني هو المشهور بين الأصحاب. وهنا فروع ذكرناها في المهذب.

٤١٩

كتاب القصاص

قال طاب ثراه : ولو قتل بما لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل فاتفق ، فالأشهر أنه خطأ كالضرب بالحصاة والعود الخفيف.

أقول : هذا هو المعتمد ، وهو مذهب العلامة ، وقوى الشيخ في المبسوط (١) وجوب القصاص.

قال طاب ثراه : ولو كان المأمور عبده ، فقولان ، أشبههما : أنه كغيره.

والمروي أنه يقتل به السيد ، وفي الخلاف ان كان العبد صغيرا أو مجنونا سقط القود ووجبت الدية على المولى.

أقول : العبد ان كان كبيرا فالقود عليه قطعا ، وان كان صغيرا أو مجنونا قال في المبسوط (٢) : على السيد القود ، واختاره العلامة وفي الخلاف الدية ، واختار ابن إدريس.

قال طاب ثراه : ولو جرح جان وسرت الجناية ، دخل قصاص الطرف في النفس ، أما لو جرحه وقتله فقولان ، أحدهما : لا يدخل قصاص الطرف في

__________________

(١) المبسوط ٧ ـ ١٩.

(٢) المبسوط ٧ ـ ٤٢.

٤٢٠