المقتصر

الشيخ ابن فهد الحلّي

المقتصر

المؤلف:

الشيخ ابن فهد الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

ان وقع في الدائم ، وصححهما في المنقطع ، وأبطلهما العلامة في المختلف فيهما ، وابن حمزة قال بصحتهما في المؤجل ، وبطلان الشرط خاصة في الدائم ، والمعتمد مذهب النهاية.

قال طاب ثراه : ولو شرط ألا يخرجها من بلدها لزم ، ولو شرط لها مائة ان خرجت معه ، وخمسين ان لم تخرج ، فإن أخرجها إلى بلد الشرك ، فلا شرط له ولزمته المائة ، وان أخرجها إلى بلد الإسلام فله الشرط.

أقول : ذهب ابن إدريس الى عدم لزوم هذا الشرط ، وللزوج إخراجها ، لأن الأصل تسلطه على المرأة بالإسكان حيث شاء ، والمشهور لزومه ، وهو المعتمد.

ولو شرط له مائة ان خرجت ، وخمسين ان لم تخرج ، وأراد إخراجها إلى بلاده فامتنعت ، فلا يخلو : اما أن يكون بلاده في دار الإسلام ، أو دار الكفر.

فان كانت في دار الإسلام كان له أن ينقصها خمسين ، عملا بالشرط وبحسنة علي بن رئاب عن الكاظم عليه‌السلام (١).

وان كان الثاني ، لم يجب عليها (٢) الإجابة ، ولها المائة ، لوقوع العقد عليها ، والنقص مشروط بالامتناع ، وهو هنا شرعي ، لوجوب الهجرة (٣) عن دار الكفر ، فلا يعقل وجوبها إليها. وذهب بعض الأصحاب إلى فساد المهر في هذه الصورة ، لعدم تعيينه ، فيجب مهر المثل ، وهو ضعيف.

قال طاب ثراه : وللمرأة أن تمتنع حتى تقبض مهرها ، وهل لها ذلك بعد الدخول؟ فيه قولان ، أشبههما : أنه ليس لها.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٧ ـ ٣٧٣ ، ح ٧٠.

(٢) في « س » : عليه.

(٣) في « س » : المنجزة.

٢٦١

أقول : إذا عقد الرجل على المرأة كان لها منع نفسها منه حتى تقبض مهرها قبل أن يدخل بها إجماعا ، وهل لها ذلك بعد الدخول؟ قال في الخلاف : لا ، وبه قال السيد والتقي وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. وقال في المبسوط (١) لها الامتناع. وأطلق المفيد والقاضي جواز الامتناع من غير تفصيل.

وهنا فروع وتحقيقات ذكرناها في الجامع (٢).

القسم الثالث

( في القسم والنشوز والشقاق )

قال طاب ثراه : وفي رواية الكرخي انما يكون عليه أن يكون عندها في ليلتها ، ويظل عندها في صبيحتها.

أقول : قال أبو علي : والواجب لهن مبيت الليل وظلوله صبيحة تلك الليلة ، ومستنده رواية إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل له أربع نسوة ، فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن ، فاذا نام عند الرابعة في ليلتها لم لم يمسها ، فهل عليه في هذا اثم؟ قال : انما عليه أن يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في صبيحتها ، وليس عليه ان يجامعها إذا لم يرد ذلك (٣).

والمشهور اختصاص الوجوب بالليل ، ومعناه أنه يأثم لو أخل بجزء منه ، الا برضا صاحبه الليلة ، أو حصول عذر يمنعه ، فالنهار ليس من هذا القبيل عندنا.

__________________

(١) المبسوط ٤ ـ ٣١٧.

(٢) كذا ولعله كتابه الكبير الجامع للفروع المسمى بالمهذب البارع.

(٣) تهذيب الأحكام ٧ ـ ٤٢٢ ، ح ١١.

٢٦٢

ويستحب أن يظل عند صاحبه الليلة في صبيحتها ، وعند ابن الجنيد واجب.

تحقيق :

محل القسم هو الليل ، والنهار نابع ، قاله الشيخ في المبسوط (١) والعلامة في التحرير وقال المصنف والعلامة في القواعد يختص الوجوب في الليل ، والأول هو المعتمد.

إذا ثبت هذا ، فنقول : الليل هو عماد القسم ، لان الله تعالى يقول ( خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ) (٢) والمسكن انما هو في الليل ، لقوله تعالى ( جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ) (٣) فهو محل الدعة والاستقرار ، والنهار للمعاش ولا انتشار ، قال تعالى ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً. وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً ) (٤) فله أن ينتشر فيه لحوائجه ومهماته ، ضرورية كانت أو غير ضرورية ، وهو معنى تبعيته.

وإذا ثبت وجوب الليل بالذات والنهار بالتبعية ، تخير في البدأة بالليل ، فيتبعها نهار غدها ، وفي البدأة بالنهار فيتبعه ليلة عشية ، ويكون نهار صبيحتها لغيرها.

والأفضل البدأة بالليل ، لأنه محل القسم وعماده ، والنهار تابع ، والأصل في التابع أن يكون متأخرا عن متبوعه ، ولان المشهور تورخ بالليل ، لأنها تدخل ليلا.

واعلم أن تحقق باب القسم وتحليل مشكلاته يتضح في مسائل.

الاولى : لا يجوز في الليل الدخول الى غير صاحبة الليلة ، لا للزيادة ولا للعيادة

__________________

(١) المبسوط ٤ ـ ٣٢٦.

(٢) سورة الروم : ٢١.

(٣) سورة يس : ١٠.

(٤) سورة النبإ : ١٠ ـ ١١.

٢٦٣

ولا للحاجة ، لأنه حق لغيرها ، فايثارها به أو شي‌ء منه ظلم وميل ، وقال تعالى ( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ) (١) ـ ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٢) ويجوز للضرورة ، كما لو كانت مريضة وثقلت ، فيجوز حينئذ عيادتها ، لكن لا يطيل المكث ، فان طال عصى وقضاه من نوبة المريضة ، وكذا لو استوعب الليلة ، وقال المصنف : لا يقضي ، كما لو زار أجنبيا. والأول أحق ، ولو ماتت فات التدارك.

الثانية : النهار تابع من أوله الى آخره ، لا يجوز إيثار غير صاحبه الليلة به ، لأنه تخصيص وميل ، وقد نهى عنه ، لكن لما لم يكن عماد القسم ، جاز ان يدخل فيه الى الضرة للزيادة والعيادة ، ولاستلام حالها ، ودفع نفقة إليها ، وأخذ رحله أو وضعه عندها.

وبالجملة الدخول جائز لحاجة ولغير حاجة ، ويتقيد الجواز بعدم اللبث ، ولو طال زمانه عصى وقضاه وهل يجوز الجماع؟ قال العلامة في التحرير : نعم ، ومنع الشيخ في المبسوط (٣) ، وهو حسن ، ولا يجب قضاؤه وان وقع في الليل ، لأنه ليس من لوازم القسم.

فالحاصل : أن الليل لا يجوز الدخول فيه الى الضرة ، ولا مع الحاجة ، ويجوز مع الضرورة ، والنهار يجوز الدخول فيه مع الحاجة وعدمها ، ويتساويان في قضاء المكث الطويل وتحريم الجماع.

فهذا فرق ما بين الليل والنهار ، وعند ابي علي أن صبيحة الليلة كالليل ، والحق أنها كباقي النهار يجوز أن يؤثرها به (٤) ، وأن ينتشر لمعاشه ، أو يخلو فيها

__________________

(١) سورة النساء : ١٢٩.

(٢) سورة النساء : ١٩.

(٣) المبسوط ٤ ـ ٣٢٧.

(٤) في « ق » : بها.

٢٦٤

بنفسه ، أو يدخل فيها إلى إحدى الزوجات ، بشرط عدم اللبث والوقاع ، ويلزم تحريم ذلك كله حيث أوجب ظلوله فيها ، فهذا فرق ما بين قوله وقول الأصحاب.

الثالثة : لو جاز في القسمة ، عصى ووجب القضاء ، ومعنى الجور الميل والظلم ، وهو وضع الشي‌ء في غير موضعه.

وحينئذ نقول : لو أخل بليلة إحدى الزوجات وباتها عند ضرتها ، وجب قضاؤها من نوبة المظلوم بها. فان كانت نوبتها متصلة بليلة المظلومة ، وجب تأخير القضاء حتى يصل الى نوبة المظلوم بها ، ولا يجوز قضاؤها قبل ذلك ، لأنه يكون ظلما لمن كانت الليلة مختصة بها ، لما في ذلك من تأخير حقها.

الرابعة : لو أخل بليلة واحدة وباتها لا عند ضرة ، بل في بيت منفرد عنهن ، أو عند صديق أو سرية ، وجب القضاء في الليلة الاتية ، فيطول الدور ويدخل النقص على الجميع.

الخامسة : لو خرج في جوف الليل إلى إحدى الزوجات ، فان عاد وكان الزمان يسيرا عصى ولم يجب القضاء ، وان أطالت وجب قضاؤه من نوبة المؤثرة.

السادسة : لو خرج لضرورة أو خرج (١) كرها ، وجب قضاؤه من الليلة الاتية ، ويتخير بين القضاء من أول الليل أو آخره ، والأفضل مماثلة الفائت.

فإن أراد أن يقضي من آخر الليل انفرد أول الليل عنهن وحده ، أو عند صديق أو مسجد ، فان قضى من أوله بات عندها من أول الليل بقدر حقها ، ثم يخرج الى عند صديق أو الى مسجد ، ولا يبيت عندها باقي الليل إلا لضرورة ، كخوف العسس أو اللصوص.

السابعة : لو وهبت احدى (٢) الزوجات ليلتها مع رضا الزوج جاز وحينئذ :

__________________

(١) في « ق » : أخرج.

(٢) في « س » : أخرى.

٢٦٥

اما أن تهبها للزوج أو لإحدى الزوجات ، أو للزوجات ، أو تقول : أسقط حقي (١) من القسم ، فان وهبتها للزوج اختص بها عند نافلة ، وضعها حيث يشاء لاختصاصه بها.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والأخر المنع ، لان التخصيص يظهر الميل ويورث الوحشة والحقد ، فيجعل الواهبة كالمعدومة ، ويسوي بين الباقيات ، وهو الأقوى عندهم ، فتتوفر الليلة على الزوجات ، فيقصر الدور ، وان وهبتها لإحداهن اختصت بالموهوبة.

وان وهبتها من الزوجات ، أو أسقطت حقها من القسم ساوي بين الزوجات فيه فيبيت عند كل واحد ليلة ، فيقصر الدور ويصير ثلاث ان كانت أربعا.

الثامنة : لو قسم على ثلاث ، ثم طلق الرابعة بعد حضور ليلتها فقد ظلمها ، فان لم يعدها الى النكاح بقيت المظلمة إلى يوم القيامة ، وان أعادها برجعة ، أو عقد مستأنف ، وجب القضاء إذا كان معه المظلوم بها ، ولو نكح جديدات فات التدارك.

التاسعة : لو ظلم واحدة من نسائه بسبب الباقيات ، وطلق المظلومة ، أو المظلوم بها ، أو كلتيهما ، فات التدارك ، فاذا اجتمعتا بعد ذلك ، تدارك القضاء ، وله أن يتدارك نوبة المظلومة ولاء وان فاتت متفرقة ، لأنه حق قد اجتمع (٢) عليه كالدين يلزم توفيته دفعة ، وان استدانه تفاريق.

العاشرة : لو كان له أربع زوجات وإماء ، فبات عند واحدة من إمائه ، فليس عليه أن يقضي تلك الليلة في حق الزوجات ، لان القضاء فرع القسم ، وليس للإماء قسم ، فيكون كما لو بات عند صديق ، وقد بينا حكمه.

__________________

(١) في « س » : أسقط حقه.

(٢) في « س » : احتج.

٢٦٦

وكذا القول (١) لو لم يكن دخل بالزوجات ، وقلنا بعد وجوب القسمة ابتداء ، فابتدأ بامائه ، لم يجب عليه القسم على الزوجات ، لأنه لا قسم للإماء.

قال طاب ثراه : ووضعه لمدة الحمل أو أقل وهي تسعة أشهر ، وقيل : عشرة.و هو حسن ، وقيل : سنة ، وهو متروك.

أقول : الأول قول الشيخين وتلميذيهما وابن إدريس وأبي علي ، واختاره المصنف في النافع.

والثاني حكاه ابن حمزة ، واختاره العلامة في أكثر كتبه ، واستحسنه المصنف ، وهو المعتمد.

والثالث قول السيد في الانتصار (٢) ، وحكاه الشيخ وابن حمزة عن الأصحاب ، وهو نادر.

قال طاب ثراه : وإذا فصل ، فالحرة أحق بالثيب الى سبع سنين ، وقيل : الى تسع سنين ، والأب أحق بالابن.

أقول : وقع الإجماع على اشتراك الحضانة بين الأبوين مدة الرضاع في الذكر والأنثى ، وعلى سقوطه عنهما بعد البلوغ ، وينظم الولد الى من شاء منهما والخلاف فيما بينهما.

فذهب الشيخ في الخلاف الى أن الأم أحق بالصبي إلى سبع سنين ، وبالبنت الى أن تتزوج يعني الام ، وهو مذهب أبي علي.

وقال القاضي في المهذب (٣) : الأم أحق بالذكر مدة الحولين ، وبالأنثى مدة سبع سنين ، وتبعه القاضي في الكامل ، وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف

__________________

(١) في « ق » : نقول.

(٢) الانتصار ص ٣١٦.

(٣) المهذب ٢ ـ ٢٦٢.

٢٦٧

والعلامة ، وهو قوي.

قال طاب ثراه : وفي الوفاة في نصيب الحمل على احدى الروايتين.

أقول : لا نفقة للمتوفى عنها مع الحيلولة إجماعا ، وهل لها النفقة لو كانت حاملا؟ قال الشيخ في النهاية (١) نعم ، وأوجبها في نصيب الولد ، وبه قال القاضي والتقي وابن حمزة وأبو علي ، لرواية أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه‌السلام قال :ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها (٢).

وذهب الحسن وابن إدريس الى عدم وجوبها واختاره العلامة وفخر المحققين وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفيمن علا من الإباء والأمهات تردد ، أشبهه اللزوم.

أقول : التردد من المصنف رحمه‌الله ، ومنشأه : ورود النص بالنفقة على الأبوين والأصل براءة الذمة ، إلا مع تيقن السبب ، وهو هناك مشكوك ، لان الجد إذا أطلق عليه اسم الأب كان مجازا ، والأصل الحمل على الحقيقة. والمشهور الوجوب ، وهو المعتمد.

__________________

(١) النهاية ص ٥٠٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ١٥٢ ، ح ١٢٥.

٢٦٨

كتاب الطلاق

قال طاب ثراه : وفيمن بلغ عشرا رواية بالجواز ، فيها ضعف.

أقول : أشار بذلك إلى رواية ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين (١). وأفتى بها الشيخان والقاضي وابن حمزة ، ومنع ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي قدر الغيبة اضطراب.

أقول : قدر الشيخ في النهاية (٢) الغيبة التي يصح معها طلاق الغائب بشهر ، وتبعه ابن حمزة ، واعتبر أبو علي مضي ثلاثة أشهر ، واختاره العلامة في المختلف.

وحد الصدوق في كتابه أقصاها بخمسة أشهر أو ستة أشهر ، وأوسطها ثلاثة أشهر ، وأدناها شهر ، والمحصل اعتبار مدة يعلم انتقالها من طهر واقعها فيه ، الى آخر ، ولو خرج عنها في طهر لم يقربها فيه ، جاز طلاقها من غير تربص ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد.

قال طاب ثراه : وفي اشتراط تعيين المطلقة تردد.

__________________

(١) فروع الكافي ٦ ـ ١٢٤.

(٢) النهاية ص ٥١٣.

٢٦٩

أقول : يريد هل يشترط تعيين المطلقة في صحة الطلاق ، كقوله : فلانة أو هذه طالق ، أو لا يشترط ، ويكيفه أن يقول : زوجتي أو أحد نسائي ولم يقصد معينة لم يعين بعد ذلك أو يقرع؟ المعتمد الأول ، فيبطل الطلاق مع عدمه ، وهو مذهب المفيد ، واختاره القاضي والعلامة في القواعد.

قال طاب ثراه : ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث صحت واحدة وبطل التفسير.و قيل : يبطل الطلاق.

أقول : الأول اختيار الشيخ في النهاية (١) والقاضي وابن زهرة وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

والثاني اختيار السيد وابن حمزة والحسن ، وظاهر سلار.

قال طاب ثراه : والبائن ما لا يصح معه الرجعة ، وهو طلاق اليائسة على الأظهر.

أقول : اختلف الأصحاب في اليائسة والصغيرة هل عليها عدة أم لا؟ فالمرتضى وابن زهرة على القول الأول ، والصدوقان والشيخان والتقي والقاضي وابن حمزة وابن إدريس على الثاني ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

احتج السيد بقوله تعالى « وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ » (٢) وهذا صريح في الآيسات من المحيض ومن لم تبلغ الحيض.

وبما رواه عبد الله بن جبلة عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال ، عدة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر ، والتي قعدت عن المحيض ثلاثة أشهر (٣).

__________________

(١) النهاية ص ٥١٢.

(٢) سورة الطلاق : ٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٦٧ ، ح ١٤٢.

٢٧٠

وأجيب عن الآية بمنع دلالتها على ما ذكره ، لاشتراطها بالريبة ، وهي عائدة إلى اليأس من المحيض وعدمه.

فيكون التقدير والله أعلم : واللائي يئسن من المحيض ، أي : لم يريق الدم ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) أي : شككتم في كونهن ذوات أقراء أو آيسات ( فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) أي : واللائي لم يحضن بعد ، وحصلت الريبة (١) في أمرهن ، فلم يعلم ذوات أقراهن أو آيسات ، فعدتهن ثلاثة أشهر.

فلا فرق بين أن يسبق لها حيض ثم حصل الشك بانقطاعه في كونها من ذوات الأقراء والآيسات ، أي : العادمات للحيض الفاقدات له ، وهو القسم الأول المذكور في الآية ، أعني قوله تعالى ( وَاللّائِي يَئِسْنَ ) أو لم يسبق لها حيض أصلا ، وهو القسم الثاني ، أعني : قوله تعالى ( وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ ).

وعن الرواية بالطعن في سندها مع كونها مقطوعة.

احتج الآخرون بأن المقتضي للاعتداد ، وهو استعلام فراغ الرحم من الحمل غالبا منتف ، فلا وجه لوجوب العدة.

وبما رواه جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يطلق الصبية التي لم تبلغ ولا تحمل مثلها ، قال : ليس عليها عدة وان دخل بها (٢).

وعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في التي يئست من المحيض يطلقها زوجها ، قال : بانت منه ولا عدة عليها (٣).

وفي معناها موثقة عبد الرحمن بن الحجاج قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ثلاث يتزوجن على كل حال التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال قلت : وما حدها؟

__________________

(١) في « س » : بالريبة.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٦٦ ، ح ١٣٨.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٦٧ ، ح ١٣٩.

٢٧١

قال : إذا أتى لها أقل من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها والتي قد أيست من الحيض ومثلها لا تحيض ، قال قلت : وما حدها؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة (١).

وفي هذا المعنى رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : التي لا تحبل مثلها لا عده عليها (٢).

قال طاب ثراه : ويصح طلاق الحامل للسنة ، كما يصح للعدة على الأشبه.

أقول : تحقيق البحث هنا موقوف على معرفة أقسام الطلاق ، فنقول :الطلاق ينقسم إلى سني ، وبدعي ، فالسني ما أمر به شرعا ، والبدعي ما نهي عنه ، وطلاق الحائض وغير المسترابة.

والسني ينقسم الى طلاق عدة ، وطلاق سنة ، فطلاق العدة أن يطلق على الشرائط ، ثم يراجع في العدة ويطأ فيها ، وطلاق السنة أن يطلق على الشرائط ويدعها حتى تخرج من العدة ، ثم يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد.

والسني الأول الذي قابل البدعي يسمى طلاق السنة بالمعنى الأعم ، والثاني الذي يقابل البدعي يسمى طلاق السنة بالمعنى الأخص. ويسمى الأول سنيا عاما ، لأنه يشمل العدي ، والسني الخاص يشمل أيضا البائن والرجعي.

وهذا التقسيم مذهب الفقيه في رسالته ، وتبعه الشيخان ، وتابعهما العلامة ، والمصنف أنكر السني الخاص ، قال في النكت : ونحسن فلا نعرف في مقابلة طلاق السنة الإطلاق البدعة ، وانما طلاق العدة والسنة شي‌ء ذكره علي بن بابويه والمفيد والشيخ رحمهما‌الله ولم يذكره في الشرائع والنافع.

وفيه نظر ، لان الشيخ روى في التهذيب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : طلاق السنة أن يطلقها تطليقة يعني على غير جماع بشهادة شاهدين ، ثم يدعها حتى يمضي أقراؤها ، فإذا مضت فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب ، ان

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٦٧ ، ح ١٤١.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٦٧ ، ح ١٤٠.

٢٧٢

شاءت نكحته ، وان شاءت فلا (١).

وقد سمى هذا النوع من الطلاق بالسنة ، ولا يجوز أن يكون مراده السنة بالمعنى الأعم ، فإنه أعم من هذا الذي ذكره.

وفي معناها رواية علي بن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : كل طلاق لا يكون على السنة أو طلاق العدة فليس بشي‌ء.

قال زرارة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فسر لي طلاق السنة وطلاق العدة؟ فقال أما طلاق السنة ، فإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته ، فلينظرها حتى تطمث وتطهر فاذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع ، ويشهد شاهدين على ذلك ، ثم يدعها حتى تطمث طمثين ، وتنقضي عدتها بثلاث حيض ، فقد بانت منه ويكون خاطبا من الخطاب ، ان شاءت تزوجته وان شاءت لم تتزوج ، وعليه نفقتها والسكنى ما دامت في عدتها ، وهما يتوارثان حتى تنقضي العدة.

وأما طلاق العدة الذي (٢) قال الله تعالى ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ) (٣) فإذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدة فلينظرها حتى تحيض ، ثم (٤) يطلقها تطليقة من غير جماع ، ويشهد شاهدين عدلين ، ويراجعها ويواقعها (٥) ويكون معه حتى تحيض ، فاذا حاضت وخرجت من حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع ، ويشهد على ذلك.

ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ويواقعها

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٢٥ ، ح ١.

(٢) في التهذيب : التي.

(٣) سورة الطلاق : ١.

(٤) في التهذيب : تحيض وتخرج من حيضها ثم.

(٥) في التهذيب : ويراجعها من يومه ذلك ان أحب أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها.

٢٧٣

وتكون معه الى أن تحيض الحيضة الثالثة ، فإذا خرجت من حيضها طلقها الثالثة بغير جماع ، ويشهد على ذلك ،فاذا فعل ذلك فقد بانت منه،ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره (١).

وفي معناها رواية ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وينقسم الطلاق في هذه الروايات إلى السني والعدي ، يطابق ما ذكره الشيخان ويضعف قول المصنف لا نعرف في مقابلة طلاق السنة إلا طلاق البدعة.

إذا تقرر هذا فنقول : الحامل يجوز طلاقها للعدة ، بأن يطلقها على الشرائط ثم يراجعها في العدة ويواقعها فيها ، ثم يطلقها ويعتمد ما فعله أولا ، ثم يطلقها ثانيا وثالثا قبل أن تضع ما في بطنها.

وهل يجوز طلاقها للسنة؟ قال الشيخ في النهاية (٣) : لا ، وتبعه القاضي وابن حمزة.

واحتج على ذلك بأن من الروايات ما ورد بالمنع من تعدد طلاق الحبلى وهو روايات :

الأولى : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الحبلى تطلق تطليقة واحدة (٤).

الثانية : صحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : طلاق الحبلى واحدة فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٢٦ ، ح ٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٢٧ ، ح ٣.

(٣) النهاية ص ٥١٧.

(٤) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧٠ ، ح ١٥٢.

(٥) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧٠ ـ ٧١ ، ح ١٥٣ ، وص ١٢٨ ، ح ٣٩.

٢٧٤

الثالثة : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : طلاق الحبلى واحدة وأجلها أن تضع حملها (١).

الرابعة : رواية عثمان بن عيسى عن سماعة قال : سألته عن طلاق الحبلى قال : واحدة وأجلها أن تضع حملها (٢).

الخامسة : رواية ابن مسكان عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : طلاق الحبلى واحدة وأجلها أن تضع حملها ، وهو أقرب الأجلين (٣).

السادسة : رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : طلاق الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين (٤).

السابعة : رواية محمد بن منصور الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يطلق امرأته وهي حبلى ، قال : يطلقها ، قلت : فراجعها ، قال : نعم ، قلت : فإنه بدا له بعد ما راجعها أن يطلقها ، قال : لا حتى تضع (٥).

ومنها ما ورد بجوازه ، وهو روايات :

الأولى رواية الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار ، قال قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الحامل يطلقها زوجها ، ثم يراجعها ، ثم يطلقها ، ثم يراجعها ، ثم يطلقها الثالثة ، فقال : تبين منه ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره (٦).

الثانية رواية أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن رجل طلق امرأته وهي حامل ، ثم راجعها ، ثم

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧١ ، ح ١٥٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧١ ، ح ١٥٤. وص ١٢٨ ، ح ٤١.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ ـ ١٢٨ ، ح ٤٠.

(٤) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧٠ ، ح ١٥١.

(٥) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧١ ، ح ١٥٧.

(٦) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧١ ، ح ١٥٦.

٢٧٥

طلقها ، ثم راجعها ، ثم طلقها الثالثة في يوم واحد تبين منه؟ قال : نعم (١).

الثالثة : رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن صفوان بن يحيى عن إسحاق ابن عمار عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : سألته عن الحبلى تطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، قال : نعم ، قلت : ألست قلت إذا جامع لم يكن له أن يطلق؟ قال : ان الطلاق لا يكون الا على طهر وقد بان أو حمل قد بان ، وهذه قد بان حملها (٢).

الرابعة رواية الفضل بن محمد الأشعري عن عبد الله بن بكير عن بعضهم ، قال في الرجل يكون له المرأة الحامل ، وهو يريد أن يطلقها ، قال : إذا أراد الطلاق بعينه يطلقها بشهادة الشهود ، فان بدا له في يومه أو بعد ذلك أن يراجعها يريد الرجعة بعينها فليراجع ، ويواقع ثم يبدو له فليطلق أيضا ، ثم يبدو له فيراجع كما راجع أولا ، ثم يبدو له فيطلق ، فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، إذا كان راجع يريد المراجعة والإمساك ويواقع (٣).

فحمل القسم الأول من الروايات على طلاق السنة ، والقسم الثاني على طلاق العدة ، لأن الرواية الثالثة والرابعة من القسم الثاني شرطتا المواقعة ، والرواية الاولى والثانية سوغتا الطلاق ، ولم يتعرضا للمواقعة بنفي أو إثبات ، فيحملان على الأخيرتين ، لوجوب حمل المطلق على المقيد لئلا يتناقض الأحاديث.

وأيضا قولهم « طلاق الحبلى واحدة » المراد بالواحدة الوحدة النوعية ، أي : لا يجوز أن يقع بالحامل الأنواع واحد من أنواع الطلاق ، وهو العدي خاصة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧٣ ، ح ١٦١.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧٢ ، ح ١٥٨.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٧٢ ـ ٧٣ ، ح ١٦٠.

٢٧٦

قال المصنف في نكت النهاية : وهذا التأويل بعيد ، والوجه جواز الطلاق للسنة والعدة ، لأن الطلاق واحد ، وانما يصير للسنة بترك الرجعة والمواقعة ، وللعدة بالمواقعة بعد الرجعة ، ولا ريب أنه إذا طلقها طلقة (١) ، كان له مراجعتها ومواقعتها ، وله طلاقها من دون المواقعة ، عملا بإطلاق الاذن في الطلاق لقيد (٢) العدة ، والله أعلم. هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

وهذا الذي ذهب اليه المصنف هو مذهب ابن إدريس واختاره العلامة.

وتوضيح مذهب الشيخ أن نقول : الروايات التي تلوناها وردت على ثلاثة أنحاء :

فمنها : ما ورد بالمنع من تعدد الطلاق ومطلقا ، وهو القسم الأول.

ومنها : ما ورد باشتراط الوطي ، وهو الرواية الثالثة والرابعة من القسم الثاني.

ومنها : ما ورد بجوازه بعد الرجعة ، ولم يتعرض للوطي باشتراط أو غيره ، فحمل الروايتين الأوليين من القسم الثاني على الأخيرتين منه لعدم المنافاة ، وحمل القسم الأول من الروايات على كون المراد بالوحدة الوحدة الصنفية وهو العدي ، ليحصل الجمع بين الاخبار ولا يسقط منها شي‌ء.

ومعنى قوله رحمه‌الله « لا يصح طلاقها للسنة » يريد بالسنة هنا ما ليس بعدي لا السني الخاص الذي هو قسيم العدي ، لأنه لا يتصور ، فيكون معناه أنه إذا أراد طلاقها بعد الرجعة منع منه حتى يواقعها ، وقد صرح بذلك في النهاية ، وهو أيضا في رواية ابن بكير ، وإذا لم يطأ في العدة بعد الرجعة ، لا يكون الطلاق للعدة ولا للسنة بالمعنى الأخص ، فيكون سنيا عاما ، هذا تقرير مذهب الشيخ رحمه‌الله.

__________________

(١) في « س » : أطلق طلقتين.

(٢) في « ق » : لقبل.

٢٧٧

ثم يرجع الى كلام المصنف قوله « هذا تأويل بعيد » يعني : الجمع بين الاخبار على التوجيه الذي قررناه.

قلنا : لا بعد فيه ، لصحة روايات المنع وأرجحيتها ، لكثرتها (١) على روايات الجواز ، وعدم منعها من قبول الحمل على ما تقدم.

قوله « ولا ريب أنه إذا طلقها كان له مراجعتها ومواقعتها » قلنا : مسلم.

قوله « ولو طلقها من دون المواقعة » قلنا : ممنوع ، لحصول الشك والخلاف في ذلك بالروايات وفتوى الشيخ ومن تبعه.

قوله « عملا بإطلاق الاذن في الطلاق » قلنا : عموم الكتاب يجوز تخصيصه بصحاح الأحاديث ، لما تقرر في موضعه.

ثم قال بعد كلام : لكن الاخبار اختلفت بين يدي الشيخ رحمه‌الله ، فتارة اشترط الوطي في الطلاق الثاني ، وتارة أذنت من غير وطئ ، وحمل الشيخ ما تضمن الوطي على طلاق العدة ، وما لم يتضمنه على طلاق السنة ، وهي اضطراب حصل بالالتفات الى أخبار الآحاد ، وتكلف الجمع بينها. والوجه الاعراض عنها ، والمصير الى ما دل عليه القرآن من جواز الطلاق ، حصل معه وطئ أو لم يحصل.

قلت : لقائل أن يمنع الاضطراب على الشيخ ، لان ما تضمن الوطي وما لم يتضمنه مذكور في القسم الثاني ، وليس أحدهما منافيا للآخر ، فحملنا ما لم يتضمن الوطي منه على ما تضمنه.

وانما جمع الشيخ بين الروايات المانعة من تعدد الطلاق وبين الروايات المتضمنة لجوازه ، فحمل الاولى على طلاق السنة ، والثانية على طلاق العدة ، وأي اضطراب على الشيخ في هذا الجمع.

__________________

(١) في « ق » : بكثرتها.

٢٧٨

وليس تنزيل الشيخ لروايات الوطي وروايات عدمه ، لأنها ليست متناقضة ، بل التنزيل انما هو لروايات منع التعدد بالحمل على طلاق السنة ، ولرواية (١) جوازه على طلاق العدة.

قوله « والوجه الاعراض عنها » إلخ قلنا : قد ثبت وجوب العمل بخبر الواحد ، وجواز تخصيص عموم الكتاب به.

قال طاب ثراه : وهل يهدم ما دون الثلاث؟ فيه روايتان ، أشهرهما : أنه يهدم.

أقول : هذا إشارة الى ما رواه رفاعة بن موسى النخاس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).ويؤيدها قول علي عليه‌السلام لعمر لما قضى أنها تبقى على ما بقي من الطلاق : سبحان الله أيهدم ثلاثا ولا يهدم واحدة (٣). وهي أشهر بين الأصحاب وأظهر في فتاويهم.

والأخرى رواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٤). وهي متروكة ونقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا العمل بها.

قال طاب ثراه : ولو ادعت أنها تزوجت ودخل بها وطلق (٥) ، فالمروي القبول إذا كانت ثقة.

أقول : هذه رواية الحسين بن سعيد [ عن حماد ] عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل طلق امرأته ثلاثا ، فبانت منه وأراد مراجعتها ، قال لها : اني أريد أن أراجعك فتزوجي زوجا غيري ، قالت : قد تزوجت وحللت لك نفسي فيصدقها ويراجعها

__________________

(١) في « ق » : ولروايات.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٣١ ، ح ١١.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٣٤ ـ ٣٥.

(٤) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٣١ ـ ٣٢.

(٥) في المختصر المطبوع : وطلقها.

٢٧٩

كيف يصنع؟ قال : إذا كانت ثقة صدقت في قولها (١).

والذي يناسب الأصل قبول قولها مطلقا مع إمكانه ، لأن في جملة ذلك ما لا يعلم الا منها وهو الوطي ، ولأنها قد يتعذر ويتعسر عليها إقامة البينة بذلك ، فتعطل بعدم القبول منها ، وهو حرج يمنع بالاية والرواية.

قال طاب ثراه : ورجعة الأخرس بالإشارة ، وفي رواية بأخذ القناع.

أقول : الأول هو المشهور ، وهو مذهب القاضي وأبي علي وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد. والثاني مذهب الصدوقين وابن حمزة.

قال طاب ثراه : وهي تعتد بثلاثة أطهار على الأشهر.

أقول : اختلف الفقهاء في تفسير الأقراء بعد اتفاقهم على انقضاء العدة ، لقوله تعالى ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (٢) فذهب الأكثر إلى أنها الأطهار ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. وذهب آخرون إلى أنه الحيض ، وبالطرفين روايات.

قال طاب ثراه : وفي رواية عمار تصبر سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر.

أقول : المرأة التي لا تحيض ومثلها تحيض تعتد بثلاثة أشهر إجماعا وهي المسترابة وهذه تراعى الشهور والحيض ، فأيهما سبق خرجت به.

وهي في حسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : أمران أيهما سبق خرجت المطلقة المسترابة تستريب الحيض ان مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه ، وان مرت بها ثلاث حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض (٣).

وقد تبتدئ المرأة العدة بالشهور ، ثم تصير من ذوات الأقراء ، كما لو طلقت

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٣٤ ، ح ٢٤.

(٢) سورة البقرة : ٢٢٨.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٦٨ ، ح ١٤٥.

٢٨٠