المقتصر

الشيخ ابن فهد الحلّي

المقتصر

المؤلف:

الشيخ ابن فهد الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

كتاب الغصب

قال طاب ثراه : ويصح غصب العقار الى قوله : ولو قلنا بالضمان ضمن النصف

أقول : يريد بقوله « يصح غصب العقار » أي : يتحقق الغصب في العقار ، كما يتحقق في المنقول ، وان لم يستقل اليد عليه.

فعلى هذا لو سكن الدار قهرا مع مالكها هل يتحقق هنا غصب؟ يحتمله قويا لاستقلاله بالتصرف فيما سكنه ، ورفع يد الملك عنه ، وهو مذهب العلامة ، وهو المعتمد.

ويحتمل عدمه ، لعدم الاستقلال ، فان يد المالك لم ترفع عن الملك ، بل هو متصرف فيه ، وهو مذهب المصنف.

وعلى الأول يضمن نصف الدار ، لان المتصرف فيها اثنان ، فيحال بالضمان عليهما كالجنايات ، أما الأجرة فلا يضمن منها الا قدر ما انتفع به من السكنى.

قال طاب ثراه : ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.

أقول : يريد إذا غصب حرا صغيرا وتلف لا بسبب ، كما لو مات حتف أنفه فلا ضمان ، وان مات بسبب كلدغ الحية ووقوع الحائط والغرق ، قال الشيخ في

٣٤١

كتاب الجراح من المبسوط (١) : يضمنه ، واختاره العلامة وهو حسن ، وقال في كتاب الغصب منه وفي الخلاف : لا يضمنه.

ولم يفرق المصنف هنا بين الموت بسبب أولا بالسبب ، والأصحاب على الفرق ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو تلف أو تعذر العود ، ضمن مثله ان كان متساوي الاجزاء وقيمته يوم الغصب ان كان مختلفا ، وقيل : أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، وفيه وجه إلخ.

أقول : إذا تلفت العين المغصوبة في يد الغاصب ، أو تعذر ردها بأن أخذها منه ظالم ، فان كان مثليا ، وهو ما يتساوى قيمة أجزائه. كالحبوب والادهان ، وجب على الغاصب رد مثله ، ولا عبرة بالقيمة زادت عن يوم الغصب أو نقصت.

وان كان مختلفا وهو ما لا يتساوى قيمة أجزائه كالأرض والثوب رد قيمته ، وفي اعتبارها ثلاثة أقوال :

الأول : قيمته يوم الغصب ، لأنه وقت انتقال الضمان اليه ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٢).

الثاني : قيمته وقت التلف ، لأنه وقت استقرار الضمان ، إذ الغاصب انما يخاطب بدفع القيمة عند التلف ، وهو مذهب القاضي والعلامة في المختلف.

الثالث : أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، وهو اختيار الشيخ في النهاية والخلاف ، وموضع من المبسوط ، لأنه مضمون في جميع حالاته ومن جملتها الحالة العليا.

ولو تلفت فيها لزمه ضمانها بتلك القيمة ، وكذا لو نقصت قيمته بعد ذلك ،

__________________

(١) المبسوط ٧ ـ ١٨.

(٢) المبسوط ٣ ـ ٦٠.

٣٤٢

لان تلك الزيادة التي لزمته شرعا لم يدفعها الى المالك ، فيكون باقية في ذمته ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو كان عبدا رده ودية الجناية ان كانت مقدرة ، وفيه وجه آخر.

أقول : إذا جنى الغاصب على العبد المغصوب بما فيه مقدر ، كاليد المشهور رده مع رد دية اليد ، وهو نصف القيمة ، وكذا لو كانت الدية المقدرة محيطة بالقيمة ، كقطع الأنف واللسان.

قال المصنف : وفيه وجه آخر يحتمل أن يشير به الى ما قاله الشيخ في المبسوط : ان كان الأرش محيطا بالقيمة ليس له (١) المطالبة إلا مع دفع العبد برمته ، تسوية بين الغاصب وغيره في الجناية. وقال ابن إدريس : له إمساكه مع المطالبة بأرشه وهو ظاهر المصنف واختاره العلامة.

ويحتمل أن يشير به الى ما اختاره في الشرائع (٢) ، من كون الغاصب مطالبا بأكثر الأمرين من المقدر والأرش ، مثلا قطع يده وهو تساوي مائتين ، فدية اليد مائة ، فلو نقص مائة وخمسين ، بأن صار يساوي خمسين ، فالأرش هنا مائة وخمسون ، فيضمنها الغاصب. وان تساوي يوم القطع مائة وخمسون ، كان المقدر هنا أكثر من الأرش ، فيضمن المقدر وهو مائة.

ووجه هذا الاحتمال : اما ضمان المقدر على تقدير زيادته ، وللعموم ، ولأنه لو لم يكن غاصبا لضمن المقدر. وأما ضمان الأرش على تقدير زيادته ، ولأنه نقص أدخله على مال غصبه ، فيكون ضامنا له ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي الرجوع بما ضمن من المنافع ، كعوض الثمرة واجرة

__________________

(١) في « ق » : لها.

(٢) شرائع الإسلام ٣ ـ ٢٤١.

٣٤٣

السكنى تردد.

أقول : ما يغرمه المشتري للمالك عوضا عما انتفع به من ثمرة ، أو صوف ، أو أجرة دار ، هل يرجع به على الغاصب؟ للشيخ قولان ، أحدهما : الرجوع ، لأنه سبب ، والمباشرة ضعفت بالغرور. والأخر : عدمه ، لحصول العوض في مقابلة التغريم ، وأولى بالمباشرة بالضمان مع مجامعة السبب ، والأول هو المعتمد ، وهو مذهب العلامة.

قال طاب ثراه : ولو تلف المغصوب ، واختلفا في القيمة ، فالقول قول الغاصب ، وقيل : القول قول المغصوب منه.

أقول : مختار المصنف هو مذهب الشيخ في الكتابين وابن إدريس والعلامة وهو المعتمد. وقال في النهاية : القول قول المالك ، وهو مذهب المفيد.

٣٤٤

كتاب الشفعة

قال طاب ثراه : وهل تثبت فيما ينقل كالثياب والأمتعة؟ فيه قولان ، والأشبه الاقتصار على موضع الإجماع.

أقول : في محل الشفعة للأصحاب أربعة أقوال :

الأول : انه غير المنقول ، كالبساتين والعراص (١) والرباع ، وهو قول الشيخ في المبسوط (٢) وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

الثاني : أنه كل مبيع ، وهو قول السيد وأبي علي والقاضي وابن إدريس.

الثالث : أنه كل مبيع بشرط إمكان القسمة ، فيخرج النهر والطريق والحمام والعضائد الضيقة (٣) ، وهو قول الشيخ في النهاية (٤).

الرابع : أنه غير المنقول ، الا العبد خاصة من المنقولات ، نقله المصنف عن بعض الأصحاب ، واختاره العلامة في المختلف.

__________________

(١) في « س » : العراض.

(٢) المبسوط ٣ ـ ١٠٦.

(٣) في « س » : والصفة.

(٤) النهاية ص ٤٢٤.

٣٤٥

قال طاب ثراه : وفي ثبوتها في الحيوان قولان ، المروي أنها لا تثبت ، ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.

أقول : البحث في هذه يعرف من البحث السابق.

قال طاب ثراه : ولا تثبت فيما لا يقسم ، كالعضائد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الأشبه.

أقول : هذه أيضا تعرف من البحث السابق ، وزيادة البحث والإيضاح هنا مذكور في المهذب.

قال طاب ثراه : ولو كان الوقف مشاعا مع طلق ، فباع صاحب الطلق ، لم يثبت للموقوف عليه شفعة ، وقال المرتضى : تثبت.

أقول : مختار السيد هو مذهب التقي ، وعدم الثبوت مذهب الشيخ في المبسوط (١) ، وقال ابن إدريس : ان كان الموقوف عليه واحدا تثبت الشفعة ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو حسن.

قال طاب ثراه : وتثبت بين شريكين ، ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين.

أقول : المعتمد أن الشفعة لا تثبت مع كثرة الشفعاء ، وهو المشهور ، وهو مذهب الشيخ والسيد وابن إدريس والقاضي والتقي وسلار وابن زهرة ، وبالثبوت قال الصدوق وأبو علي.

وهل هي على قدر السهام أو على قدر الرؤوس؟ الأول مذهب أبي علي ، والثاني مذهب الصدوق.

قال طاب ثراه : ولو لم يكن الثمن مثليا كالرقيق والجوهر أخذ بقيمته ، وقيل : تسقط الشفعة ، استنادا إلى رواية فيها احتمال.

أقول : إذا بيع الشقص بعوض قيمي ، كالثوب والرقيق هل تبطل الشفعة؟ قال

__________________

(١) المبسوط ٣ ـ ١٤٥.

٣٤٦

الشيخ في الخلاف : نعم ، وبه قال ابن حمزة والعلامة في المختلف.

وقال في المبسوط (١) : لا تبطل ، بل يدفع قيمة الثوب أو العبد وقت العقد ، وبه قال المفيد والتقي وابن إدريس ، واختاره المصنف ، وهو المعتمد ، وللعلامة قولان.

قال طاب ثراه : ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته ، وفيه قول آخر ، ولو كان لعذر لم تبطل.

أقول : اختلف الأصحاب في اشتراط الفورية في طلب الشفعة ، فالشيخ وتلميذه وابن حمزة والمصنف والعلامة على الاشتراط ، والصدوق وأبو علي والسيد وابن إدريس على عدمه ، والأول هو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو اشترى بثمن مؤجل ، قيل : هو بالخيار بين الأخذ عاجلا والتأخير وأخذه بالثمن في محله ، وفي النهاية يأخذ الشقص ويكون الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا ان لم يكن مليا ، وهو أشبه.

أقول : الأول مذهب الشيخ في الكتابين ، وبقول النهاية (٢) قال المفيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : أما لو شهد للبائع (٣) أو بارك للمشتري ، أو للبائع أو أذن في البيع ، ففيه التردد ، والسقوط أشبه.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : نزول الشفيع عن الشفعة قبل البيع هل تبطل به؟ قال الجنيد : لا ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في القواعد والمختلف. وقال الشيخان :تبطل ، واختاره ابن حمزة والعلامة في الإرشاد ، والمعتمد الأول.

__________________

(١) المبسوط ٣ ـ ١٣١.

(٢) النهاية ص ٤٢٥.

(٣) في المختصر المطبوع : على البائع.

٣٤٧

الثانية : لو شهد على البائع هل تبطل به؟ قال في النهاية (١) : نعم ، واختاره ابن حمزة والمصنف ، ولم يبطلها ابن إدريس.

الثالثة : إذا بارك لهما أو لأحدهما قال في النهاية (٢) تبطل ، ولم تبطل في المبسوط ، واختاره ابن إدريس.

الرابعة : لو أذن قبل البيع أبطلها في النهاية ، ولم يبطلها ابن إدريس واختاره المصنف.

الخامسة : التوكيل في البيع والشراء لم يبطلها الشيخ به في الكتابين ، وتبعه ابن إدريس وأبطلها العلامة في المختلف ، واختاره فخر المحققين.

قال طاب ثراه : قال الشيخ الشفعة لا تورث ، وقال المفيد وعلم الهدى : تورث ، وهو الأشبه.

أقول : قال في النهاية (٣) ، وموضع من الخلاف لا تورث ، وتبعه القاضي وابن حمزة ، وقال المفيد وعلم الهدى تورث ، وهو مذهب أبي علي ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

__________________

(١) النهاية ص ٤٢٤.

(٢) نفس المصدر.

(٣) النهاية ص ٤٢٥.

٣٤٨

كتاب احياء الموات

قال طاب ثراه : الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله ، فحده خمس أذرع ، وفي رواية سبع أذرع.

أقول : هذه رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال والطريق إذا تشاح أهله فحده سبع أذرع (١) وبمضمونها قال في النهاية (٢) ، وتبعه القاضي والتقي.

والمصنف والعلامة بالخمسة ، وهو في رواية البقباق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا تشاح قوم في طريق فقال بعضهم : سبع أذرع ، وقال بعضهم : أربع أذرع فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : خمس أذرع (٣). وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ، ففي رواية إذا كان ذلك فيما اشترى فلا بأس وفي النهاية ان لم يتميز لم يكن عليه شي‌ء ، وان يتميز رده على البائع بالدرك ، والرواية ضعيفة وتفصيل النهاية في موضع المنع ، والوجه البطلان ، وعلى تقدير الامتياز يفسخ ان شاء ما لم يعلم.

__________________

(١) فروع الكافي ٥ ـ ٢٩٥ ، ح ٢.

(٢) النهاية ص ٤١٨.

(٣) تهذيب الأحكام ٧ ـ ١٣٠ ، ح ٤١.

٣٤٩

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن رجل اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ، قال : ان كان ذلك فيما اشترى فلا بأس (١). وهي متروكة.

وتفصيل النهاية (٢) باطل ، لان قوله « ان لم يتميز لم يكن عليه شي‌ء » ان كان الضمير راجعا إلى المشتري ، لزم تصرفه في الطريق ، وقطعه عن الاستطراق ، وهو حرام بالإجماع. وان كان راجعا إلى البائع ، لزم زوال سلطنة المشتري عن الرد بمثل هذا العيب الفاحش.

والتحقيق أنه إذا علم لم يكن له خيار ، وان لم يعلم وتميز وجب رده الى الطريق ، وتخير بين الفسخ فيرجع بالثمن ، وبين الالتزام في الباقي والرجوع بقسط الفائت.

وان لم يتميز تخير بين الفسخ والرجوع بالثمن ، وبين الالتزام ورد ما يغلب على الظن أنه من الطريق ، ولا أرش له لعدم العلم بقدره (٣).

قال طاب ثراه : وروى إسحاق بن عمار عن العبد الصالح إلخ.

أقول : هذه المسألة والتي قبلها لم يذكرهما المصنف في الشرائع ومستندها ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن عبد صالح عن رجل لم يزل في يده ويد آبائه دار ، وقد علم أنها ليست لهم ، ولا يظن مجي‌ء صاحبها ، قال : ما أحب أن يبيع ما ليس له ويجوز أن يبيع سكناه (٤). وهي مخالفة للأصول من وجهين :

الأول : انها تضمنت بيع السكنى ، والبيع موضوع لنقل الأعيان.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٧ ـ ١٣٠ ، ح ٣٩.

(٢) النهاية ص ٤٢٣.

(٣) في « س » لعدم القدرة.

(٤) تهذيب الأحكام ٧ ـ ١٣٠ ، ح ٤٢.

٣٥٠

الثاني : ان المتصرف (١) اعترف انها ليست له ، مع قطعها ووقوع الحسن ابن سماعة في طريقها ، وهو واقفي.

وقال الشيخ في النهاية (٢) : يبيع تصرفه فيها ، ولا يبيع أصلها ، وهو حسن ينطبق على القواعد الفقهية ، كما نزله المصنف ، وهو رجل أحيا أرضا عاطلة بإذن مالكها ، فرقبة الأرض لربها ، وآثار العمارة لمحدثها ، وحينئذ يجوز أن يبيع تصرفه أي : آثاره من البناء والخشب وغير ذلك.

__________________

(١) في « ق » : المصنف.

(٢) النهاية ص ٤٢٣.

٣٥١

كتاب اللقطة

قال طاب ثراه : وفي اعتبار الإسلام تردد.

أقول : يريد الالتقاط يوجب الحضانة للملتقط ، وهي ولاية شرعية ، ولهذا تشاح الزوجان فيها ، فالطفل المحكوم بإسلامه لا يجوز أن يلتقطه كافر لئلا يثبت له ولاية على المسلم ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة.

وتردد المصنف من حيث الأصل ، ولان فيها إثبات حق للطفل على الغير ولهذا لو نبذه الملتقط أجبر على أخذه والمصلحة العائدة إلى الطفل ، وهي التربية تصدر عن الكافر ، كصدورها عن المسلم ، والمعتمد الأول لخوف اقتنائه.

قال طاب ثراه : والشاة ان وجدت في الفلاة أخذت ، لأنها تمتنع من صغير (١) السباع وضمنها ، وفي رواية يحبسها عنده ثلاثة أيام ، فإن جاء صاحبها ، والا تصدق بثمنها.

أقول : الشاة ان وجدت في الفلاة جاز التقاطها إجماعا ، وهل يملكها الملتقط في الحال مجانا؟ كالبعير المتروك من جهد في غير كلاء ولا ماء ، ظاهر الصدوق نعم ، وفيه قوة وقال المفيد وابن إدريس : يضمنها بقيمتها لصاحبها ، وهو اختيار

__________________

(١) في المختصر المطبوع : ضرر.

٣٥٢

المصنف في الشرائع (١) ، وهو أحوط.

وذهب فخر المحققين الى جواز تملكها ، فاذا ظهر المالك وطالب تجدد الضمان ، وهو حسن ، لما فيه من الجمع بين القولين المتقدمين.

فقد تحصل هاهنا ثلاثة أمور :

الأول : جواز الالتقاط.

الثاني : عدم وجوب التعريف.

الثالث : جواز التملك في الحال.

وأما في العمران ، فلا يحل أخذها إجماعا ، ولو أخذها وجب عليه حبسها ثلاثة أيام للتعريف فيها ، ويتخير بعدها بين إبقائها ولا رجوع بنفقتها ، أو إبقاء ثمنها ولا ضمان فيهما ، وبين بيعها والصدقة بثمنها مع الضمان فهاهنا سبعة أمور :

الأول : تحريم أخذها.

الثاني : كون نصاب التعريف ثلاثة أيام.

الثالث : جواز إبقائها دائما وتكون أمانة.

الرابع : جواز بيعها بعد الثلاثة وتأخير الثمن عنده.

الخامس : وجوب التعريف طول الحول لو أراد إبقائها وإبقاء ثمنها ولا يجب بعده.

السادس : عدم جواز تملكها أو ثمنها لو أراده.

السابع : لو اختار بقاء عينها لم يرجع بما ينفق عليها.

قال طاب ثراه : وينفق الواجد على الضالة ان لم يجد سلطانا ينفق من بيت المال ، وهل يرجع على المالك؟ الأشبه نعم.

أقول : الضالة إذا أخذت في موضع المنع من أخذها ، كالبعير الصحيح في

__________________

(١) شرائع الإسلام ٣ ـ ٢٨٩.

٣٥٣

الفلاة ، والشاة في العمران ، لا يرجع بنفقتها مدة بقائها عنده إجماعا.

أما ما يجوز التقاطه على كراهية ، كأطفال الإبل والبقر في الفلاة أو العمران ، فالأولى له دفعها الى الحاكم ليبيعها ، أو يعرف ثمنها ، أو ينفق عليها من بيت المال. وان لم يرفع أمرها إلى الحاكم وأنفق عليها ، لم يرجع هنا إجماعا أيضا.

وان لم يجد سلطانا ، فأنفق عليها ، فان نوى التبرع ، لم يرجع قطعا. وان نوى الرجوع ، هل يرجع الى المالك بنفقته؟ قال الشيخان وسلار : نعم ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. وقال ابن إدريس : لا يرجع.

قال طاب ثراه : ولو كان للضالة نفع ، كالظهر أو اللبن ، قال في الخلاف : كان بإزاء ما ينفق (١) ، والوجه التقاص.

أقول : معنى التقاص النظر في قيمة ما انتفع به من اللبن أو الظهر وقدر ما أنفقه ، فإن تساويا تهاترا ، وان تفاوتا رجع صاحب الفضل ، وهذا مذهب المصنف والعلامة.

وقال في النهاية (٢) : نفقته بإزاء انتفاعه رأسا برأس. وقال ابن إدريس : لا عوض له عن الإنفاق ، وعليه رد ما استوفاه. والمعتمد الأول.

قال طاب ثراه : وفي قدر الدرهم روايتان.

أقول : أجمع الأصحاب على تملك ما نقص عن الدرهم وتحريم ما زاد ، والخلاف في قدر الدرهم ، فالشيخان على وجوب التعريف ، وهو مذهب الصدوق والمصنف والعلامة ، وذهب التقي وسلار الى جواز تملكه ، والمعتمد الأول.

قال طاب ثراه : وما كان أزيد ، فإن كان في الحرم كره أخذه ، وقيل : يحرم.

أقول : الكلام هنا في لقطة الحرم ، والمشهور تحريمها ، كمذهب الشيخ في

__________________

(١) في « ق » : أنفق.

(٢) النهاية ص ٣٢٤.

٣٥٤

النهاية (١) والعلامة وقال الفقيه بالكراهة ، واختاره الشيخ في الخلاف والمصنف.

قال طاب ثراه : ولو تصدق به بعد الحول ، فكره المالك لم يضمن الملتقط على الأشهر.

أقول : ذهب الشيخ في الكتابين الى ضمان الملتقط للمالك إذا لم يرض ، وهو مذهب أبي علي وابن إدريس ، واختاره العلامة.

وذهب المفيد وتلميذه الى عدم الضمان ، واختاره القاضي وابن حمزة والمصنف ، وهو المعتمد.

فالحاصل أن لقطة الحرم تخالف غيرها من أربعة وجوه :

الأول : تحريم أخذها.

الثاني : تحريم تملكها وان قلت عن الدرهم.

الثالث : عدم جواز التملك بعد الحول.

الرابع : عدم ضمان الملتقط مع التصدق.

قال طاب ثراه : ولو وجده في جوف سمكة ، قال الشيخ : أخذه بلا تعريف.

أقول : أطلق أبو يعلى وجوب تعريف ما يجده في جوف حيوان اشتراه دون ما صاده ، ولم يفرق ابن إدريس بين السمكة والدابة ، وأوجب التعريف فيهما.

والشيخ رحمه‌الله فرق وأوجب التعريف في الدابة دون السمكة ، وعليه انعقد الإجماع.

والتحقيق ان ما يجده في جوف السمكة ان كان أصله الإباحة كالدرة ، أخذه الواجد وعليه خمسة كاللقطة ، وان لم يكن أصله الإباحة ، بل قطع على سبق مالك له ، فان لم يعلم أنه مسلم ، كان الأول كالسبيكة ، وان علم أنه مسلم ، كما لو كان عليه سكة الإسلام ، فالأقرب أنه لقطة ، لعصمة مال المسلم ، ويحتمل قويا تملكه ليأس

__________________

(١) النهاية ص ٣٢٠.

٣٥٥

المالك منه.

وهنا تحصيل وفروع أودعناها في الجامع ، فلتطلب من هناك.

قال طاب ثراه : ولا تملك اللقطة بحؤول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك ، وقيل : تملك بمضي الحول.

أقول : ظاهر الشيخ في النهاية (١) والصدوقين وابن إدريس دخولها في ملك الملتقط بعد التعريف بغير اختياره.

وقال في الخلاف : لا تدخل في ملكه الا باختياره ، بأن يقول : اخترت ملكها وبه قال التقي وابن حمزة. ولم يشترط العلامة وفخر المحققين بلفظ (٢) واكتفيا بنية التملك ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي المملوك تردد ، أشبهه الجواز.

أقول : ذهب الشيخ في الكتابين الى جواز التقاط العبد ، ويتولى السيد التعريف ، وله التملك بعد الحول. ومنع الصدوق من التقاطه ، أما لقطة الحرم فيحرم عليه أخذها قطعا.

قال طاب ثراه : ولا يكفي الوصف ، وقيل : يكفي في الأموال الباطنة. وهو حسن.

أقول : وجه حسنه تعسر اطلاع البينة على الأموال الباطنة ، فالاقتصار على البينة عسر وحرج ، ولرواية محمد الحجال (٣) ، وهو المعتمد.

ويحتمل ضعيفا عدم الاكتفاء ، لجواز الدخول بالتخمين وهو مال الغير ، فلا يجوز التصرف فيه بمجرد الظن ، والاولى أن الملتقط ان دفع بالوصف لم يمنع ،

__________________

(١) النهاية ص ٣٢٠.

(٢) في « ق » : بلفظه.

(٣) التهذيب ٦ ـ ٣٩٠ ـ ٣٩١.

٣٥٦

وان امتنع لم يجبر.

قال طاب ثراه : ولا بأس بجعل الآبق ، فان عينه لزم بالرد ، وان لم يعين ففي رد العبد من المصر دينار ، ومن خارج البلد أربعة دنانير ، على رواية ضعيفة تؤيدها الشهرة ، والحق الشيخان البعير.

أقول : الذي ورد به النص رواية ابن أبي سيار عن الصادق عليه‌السلام قال : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل في جعل الآبق دينارا إذا أخذه في مصره ، وان أخذه في غير مصره فأربعة دنانير (١).

ونسب المصنف إلحاق البعير الى الشيخين ، لسبقهما الى القول به ، وتبعهما على ذلك كثير ممن تأخر عن عصرهما ، والرواية ضعيفة ، لأن في طريقها سهل بن زياد ، لكن تأيدت بعمل الأصحاب ، وشهرتها في كتبهم ، حتى صار العمل بها وبما الحق بها قريبا من الإجماع.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٣٩٨ ـ ٣٩٩.

٣٥٧

كتاب المواريث

قال طاب ثراه : ولو أسلموا أو أحدهم ، قال الشيخ : يرد عليه ما فضل عن نصيب الزوجية ، وفيه تردد.

أقول : إذا كان أحد الزوجين مسلما وباقي الورثة كفارا. فان كان زوجا ، فالمال له النصف بالتسمية والباقي بالرد وان كانت زوجة ، كان لها الربع والباقي للإمام.

فإن أسلم الورثة أو أحدهم ، لم يكن لمن أسلم مزاحمة الزوج ، لاستقرار ملكه على كل التركة بالموت ، وكذا في مسألة الزوجة بعد القسمة مع الامام.

ولو كان إسلامه قبل القسمة ، أخذ ما فضل عن نصيب الزوجية وحجب الامام.

هذا هو مقتضى الأصل ، وهو مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة. وقال الشيخ في النهاية (١) تزاحم الزوج من أسلم منهم ، وليس بمعتمد.

قال طاب ثراه : روى مالك بن أعين إلخ.

أقول : هذه رواها الشيخ في الصحيح (٢) ، وبمضمونها عمل كثير من الأصحاب

__________________

(١) النهاية ص ٦٦٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٣٦٨ ، ح ١٤. والكافي ٧ ـ ١٤٣. والفقيه ٤ ـ ٢٤٥.

٣٥٨

والصدوق.

والشيخان والقاضي قصروا العمل بها على صورة النص ، وهو التربص مع ابن الأخ والأخت.

وابن زهرة والتقي أوجبا التربص لبلوغ الأولاد مع كل وارث.

وابن إدريس لم يوجب التربص وحكم باستقرار الملك لغير الأولاد من باقي طبقات الوارث المسلمين ، وأجرى الأولاد مجرى المعدوم ، واختاره المصنف والعلامة.

قال طاب ثراه : ولو لم يكن وارث الا كافر ، كان ميراث المرتد للإمام على الأظهر.

أقول : هذا هو المعتمد ، وهو المشهور. وقال الشيخ في الاستبصار (١) : ميراثه لورثته الكفار.

قال طاب ثراه : وقال الشيخان : يمنع من الدية حسب.

أقول : أقسام القتل ثلاثة :

الأول : العمد ، ولا يرث من الدية ولا التركة إجماعا.

الثاني : الخطأ ، وأجراه الحسن كالعمد ، ولم يحرمه المفيد وتلميذه من شي‌ء ، وحرمه الشيخ من الدية خاصة ، وهو مذهب أبي علي والقاضي والتقي وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

الثالث : شبيه العمد ، فابن الجنيد منعه من الجميع كالعمد ، واختاره العلامة في القواعد وفخر المحققين ، وأبو يعلى لم يحرمه من شي‌ء ، وابن حمزة حرمه من الدية خاصة.

قال طاب ثراه : الدية كأموال الميت تقضى منها ديونه ، وتنفذ وصاياه ،

__________________

(١) الاستبصار ٤ ـ ١٨٩.

٣٥٩

وان قتل عمدا إذا أخذت الدية ، وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه لا ، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث.

أقول : مذهب المصنف مختار ابن إدريس واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، وقال الشيخ في النهاية (١) : للديان المنع من القصاص حتى يضمن الوارث الدين.

وهو في رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقتل وعليه دين ، وليس له مال ، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين؟ فقال : ان أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل ، فان أوهب أولياؤه دمه للقاتل فجائز ، وان أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدية للغرماء (٢).

قال طاب ثراه : وقيل يرثها من يرث المال.

أقول : اختلف الفقهاء في الوارث لدية المقتول على ثلاثة أقوال :

الأول : كل وارث ، ذهب اليه الشيخ في المبسوط (٣) ، وموضع من الخلاف ، وابن حمزة ، وابن إدريس في كتاب الجنايات.

الثاني : كل مناسب ومسايب عدا المتقرب بالأم ، وذهب إليه في النهاية (٤) ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد.

الثالث : العمودان ، ومع فقدهما لمن تقرب بالأبوين معا ، دون من تقرب بأحدهما من الاخوة والعمومة ، ومع فقدهم لمولى النعمة ان كان والا فالإمام ، وهو القول الثاني للشيخ في الخلاف. والأول هو المعتمد.

__________________

(١) النهاية ص ٦٧٣.

(٢) تهذيب الأحكام ١٠ ـ ١٨٠ ، ح ١٨.

(٣) المبسوط ٤ ـ ٨٠.

(٤) النهاية ص ٦٧٣.

٣٦٠