المقتصر

الشيخ ابن فهد الحلّي

المقتصر

المؤلف:

الشيخ ابن فهد الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

قال طاب ثراه : روي في رجل دفع الى رجل بضاعة ، فخلطها بماله واتجر بها (١) ، فقال : ذهبت ، وكان لغيره معه مال كثير الى آخر البحث.

أقول : هذه رواية أبي عبيدة الحذاء قال قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام :رجل دفع الى رجل ألف درهم يخلطها بماله ويتجر بها ، قال : فلما طلبها (٢) منه ، قال : ذهب المال ، وكان لغيره معه مثلها ومال كثير لغير واحد ، فقال : كيف صنع أولئك؟ قال : أخذوا أموالهم ، فقال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام : يرجع عليه بماله ويرجع هو على أولئك بما أخذوا (٣).

وفيها اشكال من وجهين :

الأول : كيف يرجع عليه بماله ، وتلف المال ان كان لا عن تفريط ، كان الرجوع بما يخصه من الباقي لا بكل المال ، وان كان بتفريطه لم يرجع العامل على أولئك وكان الضمان لازما له خاصة.

الثاني : تضمن الخبر سواء أخذوا من أموالهم ، ومن أخذ ماله لا يستعاد منه.وحله حمل الحديث على ما إذا مزج ماله في أموالهم بغير اذنه ، وكان المزج بإذنهم ، وحصل التلف بغير تفريط العامل ، فإذا أخذوا قدر أموالهم رجع هو عليه بماله ، ورجع المالك على أولئك بما أخذوا ، لأنه لا يضمن لهم ، لحصول الاذن منهم بالخلط.

قال طاب ثراه : ولو تداعيا خصاء قضى لمن اليه معاقد القمط ، وهي رواية عمرو بن شمر عن جابر ، وفي عمرو ضعف إلخ.

أقول : يريد إذا تداعيا خصاء بينهما ، وليس لأحدهما بينة ، فهما في دعواه

__________________

(١) في المختصر المطبوع : يخلطها بماله ويتجر بها.

(٢) في التهذيب : طلبه.

(٣) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٨٨ ، ح ٦.

٣٨١

سواء ، وهل يرجع من اليه معاقد القمط؟ قال فخر المحققين : لا ، وعليه المتأخرون.

وروى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام أنه قضى في رجلين اختصما في خص ، فقال : الخص لمن اليه القمط (١).

وهي قضية في واقعة فلا يجب تعديها ، لاحتمال اطلاعه عليه‌السلام على ما يوجب الحكم على أن عمرو بن شمر ضعيف جدا ، وهو كوفي جعفي زيد أحاديث في كتب جابر بن يزيد الجعفي.

قال طاب ثراه : إذا ادعى أبو الميتة عارية بعض متاعها كلف البينة ، وكان كغيره من الأنساب ، وفيه رواية بالفرق ضعيفة.

أقول : مختار المصنف مذهب العلامة وابن إدريس ، وهو المعتمد.

والرواية هي ما رواه جعفر بن عيسى ، قال : كتبت الى أبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك المرأة تموت ، فيدعي أبوها أنه أعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم ، يقبل ذلك بلا بينة أم لا يقبل إلا ببينة؟ فكتب اليه عليه‌السلام : يجوز بلا بينة.

وكتبت اليه أن ادعى زوج الميتة وأبو زوجها وأم زوجها في متاعها أو خدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع والخدم ، أيكونون بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب : لا (٢). وعليها عمل الشيخ في أحد قوليه.

قال طاب ثراه : ولو تداعى الزوجان متاع البيت ، فله ما للرجال ، ولها ما للنساء وما يصلح لهما يقسم بينهما ، وفي رواية هو للمرأة ، وعلى الرجل البينة. وفي المبسوط : إذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.

أقول : الأقوال الثلاثة المحكية للشيخ ، فالأول في الخلاف ، وبه قال ابن حمزة

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ ـ ١٠٠ ، برقم : ٣٤١٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٨٩ ، ح ٧.

٣٨٢

وأبو علي ، واختاره المصنف ، وهو المعتمد. والثاني في الاستبصار (١). والثالث في المبسوط (٢) ، واختاره العلامة في القواعد وفخر المحققين ، وهو الأقوى.

وقال العلامة في المختلف : ان كان هناك قضاء عرفي ، رجع اليه وحكم به بعد اليمين ، والا كان الحكم فيه كما في غيره من الدعاوي ، لأن عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة الى ذلك ، وهو حسن.

الثالث : في تعارض البينات :

قال طاب ثراه : ويقضي مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك على الأشبه ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالنسب الى آخره.

أقول : يريد إذا تعارض بينتان بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، كان يشهد لأحدهما بهذه العين ويشهد لأخرى بها للآخر ، فيتحقق التعارض حينئذ ، فيقف الحاكم عن الحكم لأحدهما إلا بوصف يقتضي الترجيح لبينته ، فيحكم له عملا بالراجح ، وإطراحا للمرجوح ، ومع عدم المرجح أو تساويهما فيه يمتنع الجزم بأحدهما بالقسمة ، وأسباب الترجيح خمسة :

الأول : قوة العدالة ، بأن يكون احدى البينتين أرجح عدالة ، أي : أورع وأكف عن المحرمات ، وأضبط في المحافظة على الواجبات ، وأزهد في الدنيا من الأخرى ، فترجح بذلك.

الثاني : كثرة العدد ، فمتى كان عدد احدى الحجتين أكثر من عدد الأخرى مع التساوي في العدالة رجحت به ، لأن الكثرة أمارة الرجحان.

__________________

(١) الاستبصار ٣ ـ ٤٥.

(٢) المبسوط ٨ ـ ٣١٠.

٣٨٣

الثالث : اليد ، فمع تساوي البينتين عدالة وعددا يقضى لمن كانت العين في يده ، لتساقط البينتين بتعارضهما ، والرجوع الى الأصل ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف.

الرابع : السبب ، فمتى شهدت احدى البينتين بسبب الملك ، كالابتياع والنتاج وأطلقت الأخرى ، رجحت ذات السبب.

الخامس : قديم الملك ، فمتى شهدت احدى الحجتين بقديم الملك ، والأخرى بحادثة ، كان الترجيح للأولى عملا بالاستصحاب.

إذا تمهد هذا فنقول : إذا وقع التعارض في العين فاما أن يكون في أيديهما أو في يد أحدهما أو في يد ثالث :

الأول : أن تكون في أيديهما ، فينظر إلى أعدلهما ، ثم إلى أكثرهما ، فيرجح به ، فان تساويا في ذلك قضي لكل واحد بما في يده ، ان قدمنا بينة الداخل كمذهب الخلاف ، وبما في يد صاحبه ان قدمنا بينة الخارج ، كمذهب النهاية ، وتظهر الفائدة في الاحتياج الى اليمين ، فيحلف من يقضى له على الأول دون الثاني.

الثاني : أن يكون في يد أحدهما ، فيقضى للخارج.

الثالث : أن تكون خارجة عنهما وتساوتا عدالة وعددا وإطلاقا واضافة ، فيقضى بالقرعة لمن يخرجه مع يمينه ، فان نكل أحلف الأخر ، فإن نكل قسمت بينهما ، قاله الشيخ في النهاية وتبعه القاضي ، وقال الشيخ في المبسوط : هذا الحكم مع إطلاق البينتين ، ومع تقييدهما بالسبب يقضى بالقسمة من غير قرعة ولو اختصت أحدهما بالتقييد أو قديم السبب قدمت به.

واعلم أن للشيخ في التقديم مع التعارض ثلاثة أقوال :

الأول : تقديم الداخل مع إطلاقها وتقديمهما ، وهو قوله في الخلاف.

٣٨٤

الثاني : تقديم الخارج مع إطلاقهما ، والداخل مع تقييدهما ، وهو قوله في كتابي الأخبار.

الثالث : تقديم الخارج مع إطلاقهما ، وتقديم المنفرد بالسبب منهما ، وهو قوله في النهاية ، وسكت عن اجتماعهما في السبب.

والمعتمد تقديم الخارج مع إطلاقهما وتقييدهما ، كمذهب الصدوقين والمفيد والمصنف والعلامة ، واستقصاء البحث في هذه المسألة مذكور في المهذب.

٣٨٥

كتاب الشهادات

قال طاب ثراه : فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا ، وقيل : يقبل إذا بلغ عشرا ، وهو شاذ.

أقول : المشهور أنه لا تقبل شهادة الصبي في غير الجنايات ، وهو المعتمد.

ونقل المصنف والعلامة قبول شهادته مع بلوغ العشر مطلقا ، وهو متروك ، وهو في مقطوعة أبي أيوب الخزاز (١).

قال طاب ثراه : اختلف (٢) عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات ومحصلها القبول في الجراح مع بلوغ العشر ما لم يختلفوا ، ويؤخذ بأول قولهم وشرط في الخلاف ألا يفترقوا.

أقول : إنما نسب الخلاف إلى العبارة ، لاتفاقهم على القبول في الجملة ، كما قال المفيد يقبل في الجراح والقصاص ، ومثله عبارة الشيخ في النهاية (٣).

واعتبر فيها بلوغ العشر ، ولم يشترطه أبو علي ، وكذا الشيخ في الخلاف ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٥١ ، ح ٤٩.

(٢) في المختصر المطبوع : اختلفت.

(٣) النهاية ص ٣٣١.

٣٨٦

لكن شرط فيه اجتماعهم لمباح ، وألا يفترقوا.

واعتبر المصنف أربع قيود : بلوغ العشر ، والاجتماع ، وعدم الافتراق ، وأن يكون في الجراح دون النفس ، واختاره العلامة ، ومذهب فخر المحققين عدم القبول في شي‌ء حتى البلوغ ، وهو نادر.

وفي رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام تقبل شهادتهم في القتل ويؤخذ بأول كلامهم (١). ومثلها رواية محمد بن حمران (٢). واعتبر القول الأخير في النهاية (٣) ، ولم يعتبره المصنف والعلامة.

قال طاب ثراه : وتقبل شهادة الذمي في الوصية خاصة وفي اعتبار الغربة تردد.

أقول : أجمع الأصحاب على قبول شهادة الذمي في الوصية بشروط خمسة :تعذر عدول المسلمين ، وكون الشاهد عدلا في ملته ، معتقدا تحريم الكذب ، وكون الشهادة بالوصية بالمال.

وهل يشترط سادس وهو كون الموصي في غربة؟ قال في المبسوط : نعم ، وبه قال التقي وأبو علي ، وأطلق في النهاية (٤) ، وكذا المفيد والحسن وسلار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وهل تقبل على أهل ملته؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة ، والأشبه المنع.

أقول : إذا قبلت شهادة الذمي في الوصية على المسلم ، فقبولها على غيره

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٥١ ، ح ٥٠.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٥١ ، ح ٥١.

(٣) النهاية ص ٣٣١.

(٤) النهاية ص ٣٣٤.

٣٨٧

أولى بالشرائط المذكورة ثمة ، وهل تقبل في غير ذلك؟ أقوال ، فالقبول مطلقا مذهب أبي علي ، وعدمه مطلقا ظاهر المفيد والحسن ، واختاره المصنف والعلامة ، والقبول مع اتفاق الملتين مذهب الشيخ في النهاية (١) ، والمعتمد مذهب المصنف.

قال طاب ثراه : ولا تقبل شهادة القاذف ، وتقبل لو تاب ، وحد توبته إكذاب نفسه ، وفيه قول آخر متكلف.

أقول : بالأول قال الشيخ في النهاية (٢) ، وهو المشهور ، وعليه الفقيه والحسن والمصنف في النافع ، وزاد في الشرائع (٣) ويوري صادقا ، وهو المعتمد.

وقال ابن إدريس : بل يجب عليه أن يقول : القذف باطل ، أو حرام ولا أعود الى ما قلت ، ولا يقول كذبت ، لأنه قد يكون صادقا ، فيكون مأمورا بالكذب وهو قبيح ، وقواه الشيخ في المبسوط (٤) وهو القول المتكلف.

وقال أبو حمزة : ان كان صادقا قال : الكذب حرام ولا أعود إلى مثل ما قلت ، وان كان كاذبا قال : كذبت فيما قلت ، واختاره العلامة في المختلف ، وهو قريب من قول ابن إدريس.

ويدفعه إمكان التخلص بالتورية ، ولهذا جعله المصنف متكلفا ، أي : متعسفا لعدوله عن الاخبار وأقوال الأصحاب ، حذرا من عروض خيال مندفع بما قلناه ، وهو أسهل من التمحل المذكور ، ولاشتماله على القذف تعريضا.

قال طاب ثراه : وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف ، أظهره المنع.

أقول : المنع مذهب الفقيهين والشيخين وتلميذيهما وابن حمزة وابن

__________________

(١) النهاية ص ٣٣٤.

(٢) النهاية ص ٣٢٦.

(٣) شرائع الإسلام ٤ ـ ١٢٧.

(٤) المبسوط ٨ ـ ١٧٦.

٣٨٨

إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والجواز مذهب السيد ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، وشرط بعض الأصحاب انضمام غيره من أهل الشهادة ، وكذا في الزوجة ، وربما صح فيها الاشتراط.

أقول : شرط الشيخ في النهاية (١) الضميمة في الزوج والزوجة والوالد والأخ ، والاشتراط في الأخيرتين نادر.

وأما في الزوجين ، فتابعه القاضي وابن حمزة ، وأطلق المفيد القبول ، ولم يقيد بالضميمة ، وتابعة الشيخ في الكتابين ، وكذا التقي والحسن والعلامة وابن إدريس.

وظاهر المصنف الفرق ، وهو اختصاص الضميمة بالزوجة ، والمعتمد عدم الاشتراط فيهما.

قال طاب ثراه : والصحبة لا تمنع القبول ، كالضيف والأجير على الأشبه.

أقول : ذهب ابن إدريس إلى قبول شهادة الأجير مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه ، ومنعها الشيخ والصدوقان مطلقا.

وفصل العلامة في المختلف ، فمنع من تحقق التهمة ، كما لو دفع اليه ثوبا ليخيطه ، أو يقصره فشهد له به ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي قبول شهادة المملوك روايتان ، أشهرهما : القبول إلخ.

أقول : هنا طرفان وواسطة :

الأول : القبول مطلقا ، نقله المصنف عن بعض الأصحاب.

الثاني : المنع مطلقا ، مذهب الحسن ، وعلى حر مؤمن ، ويجوز على مثله أو كافر مذهب أبي علي.

__________________

(١) النهاية ص ٣٣٠.

٣٨٩

وأما الواسطة ففيها ثلاثة أقوال :

الأول : القبول مطلقا الا على السيد قاله المفيد وتلميذه والشيخ في النهاية (١) وتلميذه وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة.

الثاني : عكسه ، وهو ظاهر الصدوقين.

الثالث : القبول بالنسبة الى غير السيد ، فلا يقبل عليه ولا له ، قاله التقي.

قال طاب ثراه : طهارة المولد ، فلا تقبل شهادة ولد الزنا ، وقيل : تقبل في الشي‌ء الدون ، وبه رواية نادرة.

أقول : هذا إشارة إلى قول الشيخ في النهاية (٢) ، والرواية إشارة الى ما رواه عيسى بن عبد الله عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن شهادة ولد الزنا ، فقال : لا يجوز إلا في الشي‌ء اليسير إذا رأيت منه صلاحا (٣).

وقال الشيخ في الخلاف : لا تقبل أصلا ، وبه قال السيد وأبو علي والقاضي وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : التبرع بالشهادة (٤) قبل الاستنطاق يمنع القبول ، لتطرق التهمة ، وهل يمنع في حقوق الله؟ على تردد.

أقول : منشأ التردد : إطلاق المفيد والشيخ في النهاية (٥) وتلميذه القول بعدم جواز الأداء قبل القبول ، فيشمل صورة النزاع ووجود علة المنع ، وهو التهمة بالحرص على أدائها قبل سؤاله.

__________________

(١) النهاية ص ٣٣١.

(٢) النهاية ص ٣٢٦.

(٣) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٤٤.

(٤) في المختصر المطبوع : بالأداء.

(٥) النهاية ص ٣٣٠.

٣٩٠

ومن حيث أن حقوقه تعالى لا مدعي لها ، فلو لم يشرع فيها التبرع لعطلت وتعطلت مصالحها ، وهو غير جائز ، وهو المعتمد.

والإطلاق محمول على التفصيل ، وهو المنع في حقوق الناس دون حقوقه تعالى ، ولو قال للحاكم : عندي شهادة أو حسبه ، فسألها منه كان أحسن ولم يكن متبرعا.

قال طاب ثراه : الأصم تقبل شهادته فيما لا يفتقر الى السماع ، وفي رواية يؤخذ بأول قوله.

أقول : المشهور قبول شهادة الأصم فيما لا يفتقر الى السماع ، وهو الأفعال كالقتل والغضب ، وهو مذهب التقي وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

وقال في النهاية (١) : يؤخذ بأول قوله لا بثانيه ، وتبعه القاضي وابن حمزة ، اعتمادا على رواية جميل عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن شهادة الأصم في القتل قال : يؤخذ بأول قوله ، ولا يؤخذ بالثاني (٢). وفي طريقها سهل بن زياد ، وهو ضعيف.

قال طاب ثراه : وفي قبولها في الرضاع تردد.

أقول : منع الشيخ في الخلاف من قبول النساء في الرضاع ، واختاره ابن إدريس ، وأجازه المفيد وتلميذه وابن حمزة ، وهو ظاهر القديمين ، وهو المعتمد.

تنبيه :

ما تقبل فيه شهادة النساء لا بد فيه من أربع ، ولا يكفي ما دونهن. واجتزأ المفيد

__________________

(١) النهاية ص ٣٢٧.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٥٥ ، ح ٦٩.

٣٩١

بالمرأتين مع الوجدان ، ومع العدم تجزئ الواحدة ، ويثبت بشهادتها مجموع الحق ، واجتزأ بها الحسن وسلار اختيارا ، وأما أبو علي فقبل ما دون الأربع بالحساب كالوصية.

قال طاب ثراه : وفي الديون مع الرجال ، ولو انفردن كالمرأتين مع اليمين فالأشبه عدم القبول.

أقول : مختار المصنف مذهب ابن إدريس ، لعدم النص ، ومساواتهما بالرجل قياس. وأجازها الشيخ وأبو علي والقاضي والتقي ، واختاره العلامة في المختلف.

وهنا تحقيق فصلنا فيه أقسام الحقوق ، ذكرناه في المهذب مستوفى.

قال طاب ثراه : ولو دعي للتحمل فقولان ، لان المروي الوجوب.

أقول : ذهب المفيد وتلميذه والشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) وابن زهرة وأبو علي الى وجوبه على الكفاية ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.وذهب ابن إدريس إلى عدمه.

قال طاب ثراه : وقيل : يكفي في الشهادة بالملك مشاهدته يتصرف فيه ، وبه رواية ، والأولى الشهادة له باليد (٣) ، لأنه دلالة الملك وليس بملك.

أقول : الشهادة اما بالملك المقيد ، ومستندها العلم بسببه ، كالنتاج والابتياع والإرث ، واما بالملك المطلق ومستندها الكامل ما بنى على اليد والتصرف والسماع.

فان فقد السماع ووجدت اليد والتصرف ، هل يجوز له أن يشهد له بالملك المطلق؟ قال في الخلاف : نعم ، وبه قال التقي والقاضي وابن إدريس ، واختاره

__________________

(١) النهاية ص ٣٢٩.

(٢) المبسوط ٨ ـ ١٨٦.

(٣) في المختصر المطبوع : الشهادة بالتصرف.

٣٩٢

المصنف في الشرائع (١) ومنع في النافع (٢) ، وتوقف الشيخ في المبسوط (٣).

ولو فقد التصرف ولم يوجد الا اليد خاصة ، هل يجوز أن يشهد له بالملك المطلق؟ فيه أيضا قولان ، تردد المصنف كالمبسوط ، وقواه العلامة في القواعد ومال إليه في المختلف.

لرواية حفص بن غياث عن الصادق عليه‌السلام قال قال له رجل : أرأيت إن رأيت شيئا في يد رجل ، أيجوز أن نشهد أنه له؟ فقال : نعم ، قلت : فلعله لغيره ، قال :ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك؟ ثم تقول بعد الملك : هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه الى ما صار ملكه إليك من قبله ، ثم قال عليه‌السلام : لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق (٤).

والمعتمد جواز الشهادة بالملك في الصورتين ، عملا بالرواية.

قال طاب ثراه : ولا تجوز إقامة الشهادة إلا مع الذكر ولو رأى خطه ، وفي رواية إذا شهد معه آخر جاز ، وفي الرواية تردد.

أقول : الأول قول الشيخ في الاستبصار (٥) ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

والثاني قوله في النهاية (٦) ، واختاره القاضي ، وهو مذهب الصدوقين وأبي علي والمفيد وتلميذه ، لرواية عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يشهدني على الشهادة ، فأعرف خطي وخاتمي ، ولا أذكر [ من الباقي ] قليلا

__________________

(١) شرائع الإسلام ٤ ـ ١٣٤.

(٢) المختصر النافع ص ٢٨٩.

(٣) المبسوط ٨ ـ ١٨٢.

(٤) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٦٢.

(٥) الإستبصار ٣ ـ ٢٢.

(٦) النهاية ص ٣٢٩.

٣٩٣

ولا كثيرا ، فقال لي : إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له (١).

قال طاب ثراه : من حضر حسابا أو سمع شهادة ولم يستشهد ، كان بالخيار في الإقامة ما لم يحس بطلان الحق ان امتنع ، وفيه تردد (٢).

أقول : ذهب أبو علي الى عدم الوجوب ، لان صاحب الحق لم يسترعه الشهادة وبه قال التقي.

وقال الشيخ في النهاية (٣) : يجب عليه الإقامة ان خشي بطلان الحق والا فلا.

وقال ابن إدريس : يجب عليه الإقامة ، لقوله تعالى ( وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (٤) قال العلامة : ان أراد وجوب الإقامة عينا منعنا ذلك ، وان أراد وجوبها على الكفاية ، فهو كقول الشيخ.

قال طاب ثراه : وتقبل الشهادة على شهادة النساء في المواضع التي تقبل فيها شهادتهن على تردد.

أقول : ما يقبل فيه شهادة النساء قسمان :

أحدهما يقبلن فيه منفردات ، كالعذرة وعيوب النساء ، فهل يقبل فرعيتهن فيه؟قال في الخلاف : نعم ، وهو مذهب أبي علي ، واختاره العلامة في المختلف ، ومنع ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد وفخر المحققين ، وهو المعتمد.

والأخر : لا يقبلن فيه الا مع الانضمام كالديون ، فمن أجاز الفرعية هناك أجاز

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٢) في المختصر المطبوع : وفي الرواية تردد.

(٣) النهاية ص ٣٣٠.

(٤) سورة البقرة : ٢٨٣.

٣٩٤

هاهنا ، ومن منع ثمة فهنا أولى.

قال طاب ثراه : ولو شهد الفرع ، فأنكر شاهد الأصل ، فالمروي العمل بأعدلهما فان تساويا اطرح الفرع ، وفيه إشكال ، لأن قبول الفرع مشروط بعدم شاهد الأصل ولا تقبل شهادة على شهادة في شي‌ء.

أقول : إذا شهد الفرع ، فحضر الأصل وأنكر الشهادة ، قيل : فيه ثلاثة أقوال :

الأول : العمل بأعدلهما ، ومع التساوي يعمل بالأصل ، قاله الشيخ في النهاية (١) وبه قال الصدوقان.

الثاني : بطلان الفرع ، لان قبوله مشروط بعدم الأصل ، فلا يلتفت اليه مع وجوده ، قاله في المبسوط (٢) ، وبه قال ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

الثالث : ان الفرع ان كان واحدا لم يقبل ، وان كان شاهدان (٣) حكم بهما ، ولا يلتفت الى جحوده ، قاله أبو علي. ولو كان هذا الاختلاف بعد الحكم ، لم ينقض من غير تفصيل ، خلافا لابن حمزة حيث جعل هذا التفصيل بعد الحكم ، وقبله حكم بقول الأصل من غير تفصيل.

قال طاب ثراه : إذا رجع الشاهدان قبل القضاء لم يحكم ، ولو رجعا بعد القضاء لم ينقض الحكم وضمن الشهود ، وفي النهاية (٤) ان كانت العين قائمة ارتجعت ولم يغرما ، وان كانت تالفة ضمن الشهود.

__________________

(١) النهاية ص ٣٢٩.

(٢) المبسوط ٨ ـ ٢٣١.

(٣) في « ق » : شاهدين.

(٤) النهاية ص ٣٣٦.

٣٩٥

أقول : مختار المصنف مذهب الشيخ في الكتابين وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، ومختار النهاية مذهب القاضي وابن حمزة.

قال طاب ثراه : وفي النهاية (١) : يرد الباقون من شهود الزنا ثلاثة أرباع الدية والرواية صحيحة ، غير أن فيها تسلطا على الأموال المعصومة بقول واحد.

أقول : قال الشيخ في النهاية إذا قال واحد من شهود الزنا بعد رجم المشهود عليه : تعمدت الكذب ، كان لأولياء المقتول قتله ، ويرد الثلاثة ثلاثة أرباع الدية فأجاز إقراره على باقي الشهود ، وهو مذهب أبي علي.

وقال ابن إدريس : لا يمضي إقراره الا على نفسه ، ولا ينقض الحكم ، وهو الحق ، واختاره المصنف.

احتج الشيخ برواية إبراهيم بن نعيم (٢) ، وهي معارضة للأصل.

واحتج الآخرون برواية ابن محبوب (٣) ، وهي مرسلة ، لكنها متأيدة بالأصل.

قال طاب ثراه : ولو شهدا بطلاق امرأة ، فتزوجت ثم رجعا ، ضمنا المهر وردت إلى الأول بعد الاعتداد من الثاني ، وتحمل هذه الرواية على أنها نكحت بسماع الشهادة لا مع حكم الحاكم ، ولو حكم لم يقبل الرجوع.

أقول : مضمون النهاية (٤) مذهب التقي والقاضي ، ومستند الحكم رواية إبراهيم ابن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في شاهدين شهدا على امرأة ، بأن زوجها طلقها فتزوجت ، ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق ، فقال : يضربان الحد ، ويضمنان

__________________

(١) النهاية ص ٣٣٥.

(٢) تهذيب الأحكام ١٨ ـ ٢٤٠ ، ح ٢.

(٣) تهذيب الأحكام ١٨ ـ ٢٤٠ ، ح ١.

(٤) النهاية ص ٣٢٧.

٣٩٦

الصداق للزوج ، ثم تعتد ثم ترجع الى زوجها الأول (١) ، فقد دلت على أمور :

الأول : ضربهما الحد ، وحمله ابن إدريس على التعذير.

الثاني : ضمانهما المهر ، وحمله الشيخ على رجوعهما ، ولولاه لم يجب عليهما الحد.

الثالث : وجوب الاعتداد ، وحمله الشيخ على دخول الثاني ، ولولاه لم يجب كمال المهر.

الرابع : رجوعها إلى الأول ، وهو مستقيم على مذهب النهاية من نقض الحكم مع بقاء العين ، ولما لم يستقم ذلك على مذهب المصنف حملها على أنها نكحت باجتهادها بمجرد سماع الشهادة لا بحكم الحاكم ، وهو المعتمد ، وعليه العلامة وابن إدريس.

وحينئذ نقول : في صورة رجوعها إلى الأول على مذهب النهاية أو التأويل يكون الضمان للثاني لتغريرهما إياه بالعقد على بضع لا يتم الانتفاع به.

وفي صورة عدم الرجوع ، يكون الضمان للأول ، لأنهما أتلفا عليه بضعا يستوفيه بشهادتهما.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢٦٠ ، ح ٩٤.

٣٩٧

كتاب الحدود

قال طاب ثراه : ولو تشبهت الأجنبية بالزوجة ، فعليها الحد دون واطئها ، وفي رواية يقام عليها جهرا وعليه سرا ، وهي متروكة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه أبو بشير عن أبي روح أن امرأة تشبهت بأمة لرجل وذلك ليلا ، فواقعها وهو يرى أنها جاريته ، فرجع الى عمر ، فأرسل الى علي عليه‌السلام ، فقال : اضرب الرجل حدا في السر ، واضرب المرأة حدا في العلانية (١).

وهي مع ندورها ومخالفتها للأصول مرسلة ، وقضية واقعة مخصوصة ، وبمضمونها قال القاضي ، والأكثرون على سقوط الحد عنه.

قال طاب ثراه : ولو زنا المجنون بعاقلة (٢) ، ففي وجوب الحد تردد ، وأوجبه الشيخان.

أقول : للأصحاب في حد المجنون ثلاثة أقوال ، أجودها قول التقي ، وهو وجوب الحد على مجنون يفيق ويصح منه القصد الى الزنا ، ويقتصر على جلده

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١٠ ـ ٤٧ ، ح ١٦٩.

(٢) في المختصر المطبوع : ولو وطئ المجنون عاقلة.

٣٩٨

مائة ، محصنا كان أو غير محصن. وسقوطه عن المطبق الذي لا يفيق ولا يهتدي سبيلا.

وأسقطه الشيخ في كتابي الفروع وابن إدريس والمصنف والعلامة عن المجنون ولم يفصلوا ، وبمقابله قال الصدوق وأبي علي والشيخان والقاضي ، فأوجبوه رجما مع الإحصان ، وجلدا مع عدمه كالكامل.

قال طاب ثراه : ولو تزوج معتدة عالما ، حد مع الدخول ، وكذا المرأة.

ولو ادعيا الجهالة أو أحدهما قبل على الأصح ، إذا كان ممكنا في حقه.

أقول : مختار المصنف مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد وقال الشيخان : لا يقبل ، لان ذلك شائع بين المسلمين.

قال طاب ثراه : ويجب الحد على الأعمى ، فإن ادعى الشبهة فقولان ، أشبههما : القبول مع الاحتمال.

أقول : مختار المصنف كمذهب العلامة وابن إدريس ، وهو المعتمد. وعدم القبول مذهب الشيخين وتلميذيهما.

قال طاب ثراه : وهل يشترط اختلاف مجالس الإقرار؟ أشبهه لا يشترط.

أقول : بالاشتراط قال الشيخ في الكتابين ، وبه قال ابن حمزة والراوندي وصرح المصنف والعلامة بعدم الاشتراط ، وأطلق الشيخان في النهاية (١) والمقنعة وتلميذاهما والتقي والحسن وابن إدريس ، وهو صالح للحمل على كل واحد من القولين ، والمعتمد مذهب المصنف.

قال طاب ثراه : والحق الشيخ امرأة الأب.

أقول : أسند الإلحاق إلى الشيخ ، لعدم ظفره بدليل يدل عليه من الأحاديث ، فيحتمل ضعيفا عدمه للأصل ، والأول هو المعتمد ، وعليه القاضي وابن حمزة وابن

__________________

(١) النهاية ص ٦٨٩.

٣٩٩

إدريس والمصنف والعلامة.

قال طاب ثراه : وفي جلده قبل القتل تردد.

أقول : يريد أن الزاني بالمحرمة ، كالأم والذمي بالمسلمة والزاني قهرا ، يجب عليهم القتل ، ولا يراعى فيهم الإحصان ولا الحرية.

وهل يقتصر على ضرب عنقه؟ قال المفيد : نعم ، وقال الشيخ في النهاية (١) يقتل ولم يذكر كيفيته ، وقال ابن إدريس : ان كان محصنا وجب عليه الحد ثم الرجم ، وان كان غير محصن وجب الجلد ، ثم القتل بغير الرجم ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ويجمع للشيخ والشيخة بين الحد والرجم إجماعا ، وفي الشاب روايتان ، أشبههما : الجمع.

أقول : اقتصر الشيخ في النهاية (٢) على رجم الشاب ، وتبعه القاضي وابن حمزة.

وأطلق السيد وأبو علي والمفيد وتلميذه وجوب الجمع بين الجلد والرجم ، ولم يفصلوا بين الشاب والشيخ ، وبه قال الصدوق في المقنع (٣) ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : والبكر من ليس بمحصن ، وقيل : من أملك ولم يدخل.

أقول : الأول مختار الشيخ في الكتابين ، وتبعه ابن إدريس ، وهو ظاهر القديمين ، واختاره المصنف.

والثاني مختاره في النهاية (٤) وتبعه القاضي وابن حمزة ، وهو مذهب الصدوق

__________________

(١) النهاية ص ٦٩٢.

(٢) النهاية ص ٦٩٣.

(٣) المقنع ص ١٤٤.

(٤) النهاية ص ٦٩٣.

٤٠٠