المقتصر

الشيخ ابن فهد الحلّي

المقتصر

المؤلف:

الشيخ ابن فهد الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

أقول : في المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : الاكتفاء بالاستدامة في جعلهما للثانية لكونها تابعة لصلاة الإمام ، ثم يحذفهما ويأتي بسجدتين للأولى ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١).

الثاني : الاكتفاء بالاستدامة في جعلهما للأولى ، ولا يفتقر الى تجديد نية في صيرورتهما للأولى ، لأنهما في نفس الأمر كذلك ، وهو اختيار ابن إدريس.

الثالث : بطلان الصلاة بذلك ، بل لا بد من جعل هاتين السجدتين للأولى بالنية ، ومع إغفال ذلك تبطل صلاته ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (٢) ومذهب العلامة.

قال طاب ثراه : وقيل يكبر للركوع على الأشهر.

أقول : هذا إطباق الأصحاب وندر (٣) أبو علي وأوجب القنوت قبل القراءة في الاولى وبعدها في الثانية ليصل القراءة بالقراءة.

قال طاب ثراه : وقيل : التكبير الزائد واجب ، والأشبه الاستحباب.

أقول : يريد التكبيرات التسع هل هي واجبة أو مستحبة؟ بالأول قال أبو علي واختاره العلامة ، وهو المعتمد. وبالثاني قال الشيخ في التهذيب (٤) واختاره المصنف.

قال طاب ثراه : وكذا القنوت.

أقول : القنوت بين كل تكبيرتين هل هو واجب أو مندوب؟ بالأول قال السيد

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٤٥.

(٢) النهاية ص ١٠٧.

(٣) في « س » : ونذر.

(٤) تهذيب الأحكام ٣ ـ ١٣٤.

٨١

وهو ظاهر التقي واختاره العلامة ، وهو المعتمد. وبالثاني قال الشيخ في الخلاف (١) واختاره المصنف.

قال طاب ثراه : وفي رواية تجب لأخاويف السماء.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه في الصحيح زرارة ومحمد بن مسلم قالا :قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : هذه الرياح والظلم هل يصلى لها؟ فقال : كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن (٢) وبها أفتى المفيد والشيخ في الخلاف (٣) والحسن والصدوقان ، وهو المعتمد ، ولم يتعرض في النهاية (٤) والمبسوط (٥) والجمل (٦) لأخاويف السماء بل اقتصر مع الكسوف والزلزلة على الرياح المخوفة والظلمة الشديدة ، وكذا التقي وابن إدريس.

قال طاب ثراه : إذا اتفق في وقت حاضرة تخير الإتيان بأيهما شاء على الأصح.

أقول : إذا تضيق (٧) وقتا الحاضرة والكسوف بدأ بالحاضرة ، وان تضيق وقت واحدة خاصة بدأ بها ، وان اتسع الوقتان فبأيهما يبدأ؟ قيل : فيه ثلاثة أقوال :

الأول : التخيير وهو مذهب الأكثر ، وبه قال الشيخ في الجمل (٨) والمصنف

__________________

(١) الخلاف ١ ـ ٦٦١.

(٢) تهذيب الأحكام ٣ ـ ١٥٥ ، ح ٢.

(٣) الخلاف ١ ـ ٦٨٣.

(٤) النهاية ص ١٣٦.

(٥) المبسوط ١ ـ ١٧٢.

(٦) الجمل والعقود ص ٤٠.

(٧) في « س » : اتفق.

(٨) الجمل والعقود ص ٢١.

٨٢

والعلامة ، وهو المعتمد.

الثاني : تقديم الكسوف ثم الفريضة قاله في المبسوط (١).

الثالث : تقديم الفريضة ثم الكسوف على أثرها ، قاله القاضي وابن حمزة والشيخ في النهاية (٢) ، وهنا فروع لطيفة ومباحث شريفة ذكرناها في الكتاب الكبير (٣).

قال طاب ثراه : وتصلى [ هذه الصلاة ] (٤) على الراحلة وماشيا ، وقيل : بالمنع الا مع العذر وهو أشبه.

أقول : هذا هو المشهور ، لأنها صلاة واجبة ، فلا تجزئ راكبا مع القدرة ، وبجوازه قال أبو علي.

قال طاب ثراه : ومنها نافلة شهر رمضان ، وفي أشهر الروايات استحباب ألف ركعة زيادة على المرتبة.

أقول : هذا هو المشهور ، وقال الصدوق : رمضان كغيره من الشهور وباقي مباحث الباب مستقصاة في المهذب (٥).

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٧٢.

(٢) النهاية ص ١٣٧.

(٣) المهذب البارع ١ ـ ٤٢٧.

(٤) الزيادة من المختصر المطبوع.

(٥) المهذب البارع ١ ـ ٤٣١.

٨٣

المقصد الثالث

( في التوابع )

قال طاب ثراه : وقيل : ان كان في الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد وأتى بالفائت.

أقول : يريد إذا نسي الركوع ولم يذكر حتى سجد أو بالعكس فيه ثلاثة أقوال :

الأول : البطلان مطلقا ، قاله السيد وسلار وابن إدريس والتقي والمصنف والعلامة في كتبه.

الثاني : البطلان ان كان في الأوليتين أو ثلاثة المغرب ، والصحة ان كان في الأخيرتين من الرباعية ، فيسقط السجود ويأتي بالركوع ، ويغتفر (١) زيادة السجدتين عند هذا القائل وان كانت ركنا ، وهو مذهب الشيخ رحمه‌الله.

الثالث : البطلان ان كان في الركعة الأولى دون الثانية والثالثة ، وهو مذهب الفقيه وأبي علي.

قال طاب ثراه : ولو نقص من عدد صلاته ثم ذكر أتم ، ولو تكلم على الأشهر.

أقول : ظاهر الحسن والتقي الإعادة مطلقا ، وهو مذهب الشيخ في النهاية (٢) وقال في المبسوط : ومن أصحابنا من قال انه إذا نقص ساهيا لم يكن عليه اعادة

__________________

(١) في « س » : ويفتقر.

(٢) النهاية ص ٩٠.

٨٤

الصلاة ، لأن الفعل الذي يكون بعده في حكم السهو قال : وهو الأقرب عندي (١) واختاره المصنف والعلامة.

وقال الصدوق في المقنع : وان صليت ركعتين ثم قمت فذهبت في حاجتك (٢) فأضف إلى صلاتك ما نقصت منها ولا تعد الصلاة ، فان إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس بن عبد الرحمن (٣).

احتج الأولون برواية أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجته ، قال : يستقبل الصلاة (٤). والسند ضعيف ويحمل على ما إذا فعل المبطل.

احتج المصنف ومتابعوه بما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم ، قال : يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه (٥) وفي معناها رواية محمد بن مسلم عنه عليه‌السلام في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير الركعتين ، قال : يتم ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه (٦).

احتج الصدوق بما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام الى ان قال :والرجل يتذكر بعد ما قام وتكلم ومشى في حوائجه أنه انما صلى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب ، قال : يبني على صلاته فيتمها ولو بلغ الصين ولا يعيد

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٢١.

(٢) في « ق » والمصدر : حاجة لك.

(٣) المقنع ص ٣١.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ ـ ١٧٧.

(٥) تهذيب الأحكام ٢ ـ ١٩١ ، ح ٥٧.

(٦) تهذيب الأحكام ٢ ـ ١٩١ ـ ١٩٢.

٨٥

الصلاة (١). والمستند ضعيف.

قال العلامة في المختلف : والأقرب عندي التفصيل ، فان خرج المصلي عن كونه مصليا بأن يذهب ويجي‌ء أعاد والا فلا ، جمعا بين الاخبار.

قال طاب ثراه : وقيل : في الركوع إذا ذكر وهو راكع أرسل نفسه ، ومنهم من خصه بالأخيرتين ، والأشبه البطلان.

أقول : إذا شك في الركوع وهو قائم وجب ان يركع ، فان ذكر أنه كان قد ركع قيل فيه ثلاثة أقوال :

الأول : صحة الصلاة وإرسال نفسه من غير رفع مطلقا ، أي سواء كان في الأوليتين أو الأخيرتين ، قاله الشيخ في الجمل (٢) والمبسوط (٣).

الثاني : تقييد الصحة في الحكم المذكور بكون الشك في الأخيرتين ، وبطلان الصلاة ان وقع في الأوليتين ، قاله الشيخ في النهاية (٤) وعلم الهدى ، وتبعهما التقي وابن إدريس.

الثالث : البطلان مطلقا ، وهو ظاهر الحسن ، واختاره المصنف والعلامة في كتبه ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ففي الأول يتم ويحتاط بركعتين جالسا أو ركعة قائماً على رواية ، وفي الثاني (٥) كذلك.

أقول : إذا شك بين الاثنين والثلاث ، المشهور أنه يبني على الثلاث ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ ـ ١٩٢ ، ح ٥٩.

(٢) الجمل ٤١.

(٣) المبسوط ١ ـ ١٢٢.

(٤) النهاية ص ٩٢.

(٥) في « س » : الثانية.

٨٦

والمعتمد في الاحتياط تخييره بين ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام ، وهو رواية جميل بن دراج (١) ، وبه قال الشيخان والقاضي والسيد وأبو علي ، وقال الحسن : يصلي ركعتين من جلوس ولم يذكر التخيير ، والفقيه على تقدير البناء على الأكثر قال : يصلي ركعة من قيام ولم يذكر التخيير أيضا.

قال طاب ثراه : وقيل : لكل زيادة ونقصان ، وللقعود في موضع قيام ، وللقيام في موضع قعود.

أقول : هكذا نقل الشيخ والمصنف والعلامة ، ولم يذكروا القائل ، وقال الصدوق (٢) : لا يجبان الا من قعد في حال قيام أو عكس أو ترك التشهد أو لم يدر زاد أو نقص (٣). ثم قال في موضع آخر : وان تكلمت ناسيا فقلت : أقيموا صفوفكم ، فأتم صلاتك واسجد سجدتي السهو (٤). وقال الحسن : انما يجبان في أمرين : الكلام ساهيا ، والشك في أربع ركعات أو خمسة مما عداها وقال المفيد : يوجبه ثلاثة أشياء : السهو عن سجدة حتى يفوت محلها ، ونسيان التشهد حتى يركع ، والكلام ناسيا. وأضاف في المبسوط (٥) السّلام في الأوليين ناسيا ، والشك بين الأربع والخمس. وفي الجمل (٦) أبدل السّلام بالقيام في موضع قعود وعكسه.

قال طاب ثراه : وهما بعد التسليم على الأشهر.

أقول : هذا هو المعتد ، وهو مذهب الثلاثة والفقيه والتقي وسلار والحسن ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ ـ ١٨٤.

(٢) في « س » : وقالا الصدوقان.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ ـ ٢٢٥.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ ـ ٢٣١.

(٥) المبسوط ١ ـ ١٢٣.

(٦) الجمل والعقود ص ٣٦.

٨٧

واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ونقل المصنف والعلامة في التذكرة عن بعض أصحابنا كونهما قبل التسليم ، وذهب أبو علي الى كونهما بعد التسليم ان كان للزيادة ، وان كان للنقيصة فقبله وأجازه الصدوق في التقية.

قال طاب ثراه : ولا يجب فيهما ذكر.

أقول : هذا مذهب المصنف والعلامة في المختلف ، واجتزأ في المبسوط (١) بمطلق الذكر ، وعين المفيد والسيد والصدوق والتقي وسلار وابن إدريس والعلامة في المعتمد « بسم الله وبالله السّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته » أو « بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد » واحتجوا بما رواه عبيد الله (٢) الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في سجدتي السهو بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد ، وسمعته مرة أخرى يقول فيهما : بسم الله وبالله السّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (٣).

قال المصنف : وهي منافية للمذهب لرفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة وليست صريحة الدلالة في السهو على الامام بل يجوز أن يكون سمعه يقول ذلك على سبيل الإفتاء في سجدتي السهو.

قال طاب ثراه : والحق رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة.

أقول : هذا رد على الصدوق رحمه‌الله حيث يجوز السهو على المعصوم في العبادة ، ويستند في ذلك الى روايات ضعيفة لا توجب عدولا عن الأدلة القطعية الدالة على عصمة الامام ، وتحقيق ذلك مذكور في الكتب الكلامية.

قال طاب ثراه : وفي قضاء الفائت لعدم ما يتطهر به تردد ، أحوطه الوجوب (٤).

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٢٥.

(٢) في النسختين : عبد الله.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ ـ ١٩٦.

(٤) في المختصر المطبوع : القضاء.

٨٨

أقول : إذا عدم ما يتطهر به وضوءا وتيمما لكونه مقيدا أو محبوسا في موضع نجس ، سقطت الصلاة أداء وقضاءا ، وهو مذهب المصنف والعلامة وفخر المحققين ، وأسقطها ابن إدريس أداء وأوجب قضاؤها ، وهو مذهب السيد والشهيد ، وأوجب المفيد عليه ذكر الله تعالى في أوقات الصلوات بقدر صلاته ، وهو حسن ، وله قول آخر كالسيد.

قال طاب ثراه : وفي وجوب ترتيب الفوائت على الحاضرة تردد أشبهه الاستحباب.

أقول : لا ترتيب بين فوائت غير اليومية مع أنفسها ولا بينها وبين اليومية إلا في صورة التضييق (١) ، فيبدأ بالمضيقة منهما وجوبا ، واتساعهما فيقدم الحاضرة استحبابا. وتترتب الفوائت اليومية مع أنفسها ، فلو فاته عصر ثم ظهر ، قدم العصر في القضاء على الظهر ، وهل يترتب الفوائت اليومية مع حواضرها؟ قيل فيه أربعة أقوال :

الأول : لا مطلقا وهو مذهب الصدوق.

الثاني : الترتيب مطلقا ، وهو مذهب الثلاثة والقاضي والتقي وابن إدريس.

الثالث : الترتيب إذا كانت واحدة لا غير ، وهو مذهب المصنف.

الرابع : الترتيب إذا كانت الفائت ليوم حاضر تعدت الفائتة أو اتحدت ، ولا ترتيب لغير اليوم وان اتحدت وهو مذهب العلامة ، والمعتمد مذهب الصدوقين.

قال طاب ثراه : ويدرك [ المأموم ] (٢) الركعة بإدراك الركوع ، وبإدراكه راكعا على تردد.

__________________

(١) في « ق » : التضيق.

(٢) الزيادة من المختصر المطبوع.

٨٩

أقول : شرط في الاستبصار (١) بإدراك تكبيرة الركوع في إدراك الركعة ، ولم يشترط السيد واكتفى بإدراك الركوع ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولا يجوز أن يأتم بمن هو أعلى منه بما يعتد به كالأبنية على رواية عمار.

أقول : روى الشيخ عن عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من الموضع الذي يصلي فيه ، فقال : إذا كان الامام على شبه الدكان أو موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم (٢). وهو فطحي لكنه ثقة واشارة المصنف إليها دليل على توقفه ، لكنها مؤيدة بعمل الأصحاب.

ولا حرج في الأرض المنحدرة وان كان لو فرضت لصارت عالية بالمعتد. أما المأموم فيجوز علوه وان خرج عن العادة.

قال طاب ثراه : وتكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر ، وفي الجهرية لو سمع ولو همهمة ، ولو لم يسمع قرأ.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الجهرية وفيها قسمان :

الأول : مع السماع وفيه قولان : الأول ـ التحريم قاله الشيخ وابن حمزة ، الثاني : الكراهة قاله أبو يعلى واختاره المصنف والعلامة في القواعد.

الثاني : مع عدم السماع ، وفيه ثلاثة أقوال : الأول ـ وجوب القراءة ، وهو ظاهر التقي. الثاني : الاستحباب إذا لم يسمع ولو مثل الهمهمة ، وهو قول السيد وابن إدريس ، والشيخ في النهاية (٣) واختاره المصنف والعلامة في المختلف وتختص

__________________

(١) الاستبصار ١ ـ ٤٣٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٣ ـ ٥٣.

(٣) النهاية ص ١١٣.

٩٠

القراءة بالحمد. الثالث : لا يقرأ في الجهرية مطلقا ، ولم يقيد بالسماع وعدمه ، قال سلار : وروي أن ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الامام واجب (١).

المسألة الثانية : الإخفاتية وفيها ثلاثة أقوال :

الأول : استحباب القراءة ، قاله الشيخ والتقي واختاره العلامة في القواعد.

الثاني : التحريم ، وهو ظاهر السيد وابن إدريس.

الثالث : الكراهية ، وهو مذهب المصنف.

قال طاب ثراه : ويعتبر في الإمام العقل والايمان والعدالة وطهارة المولد والبلوغ على الأظهر (٢).

أقول : منع القاضي والشيخ في النهاية (٣) من امامة الصبي ، وهو اختيار المصنف والعلامة في كتبه ، وجوز في كتابي الفروع إمامة الصبي. وقال أبو علي ونعم ما قال : ان كان إمام الأصل لم يعتبر البلوغ ، وليس لأحد أن يتقدمه.

قال طاب ثراه : إذا أدركه بعد انقضاء الركوع كبر وسجد معه ، فاذا سلم الامام استقبل هو ، وكذا لو أدركه بعد السجود.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا أدرك الإمام بعد رفعه من الركعة الأخيرة ، كبر للافتتاح وسجد معه السجدتين ، فاذا سلم الامام هل يجوز له حذف السجدتين والبناء على تكبيرة أو يجب عليه استقبال صلاته بتحريم مستأنف؟ اختلف قولا المصنف في هذه المسألة واختار في الشرائع (٤) الثاني ، وهو المعتمد. وحكى الأول قولا ، وجزم

__________________

(١) المراسم ص ٨٧.

(٢) في « س » : الأصح.

(٣) النهاية ص ١١٣.

(٤) شرائع الإسلام ١ ـ ١٢٦.

٩١

في النافع ، وهو ضعيف.

الثانية : إذا أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، كبر للافتتاح وجلس معه ، فاذا سلم الامام قام فأتم صلاته من غير استئناف ، لأنه لم يزد ركنا ، فلا يحتاج إلى نية الانفراد ، ويدرك فضيلة الجماعة في هذين الموضعين.

قال طاب ثراه : جاز أن يصلوا صلاة ذات الرقاع ، وفي كيفيتها روايتان ، أشهرهما رواية الحلبي.

أقول : في كيفية هذه الصلاة إذا كانت المغرب روايتان ، أحدهما وهي المذكورة في الكتاب رواية الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام متضمنة لصلاته بالفرقة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين (١). وعليها جمهور الأصحاب ، وهو المعتمد.

وخير في المبسوط (٢) بين ذلك وبين العكس ، وهو مذهب التقي والعلامة في المختلف ، وجعله في القواعد الأجود لئلا يكلف الثانية زيادة جلوس.واحتجوا على جواز العكس بصحيحة زرارة (٣) ، لكن الأولى أشهر ، والفتوى بها أكثر.

قال طاب ثراه : وهل يجب أخذ السلاح؟ فيه تردد أشبهه الوجوب.

أقول : الوجوب مذهب الشيخ في المبسوط (٤) ، واختاره المصنف والعلامة والاستحباب مذهب أبي علي.

قال طاب ثراه : والميل أربعة آلاف ذراع تعويلا على المشهور ، أو قدر مد

__________________

(١) فروع الكافي ٣ ـ ٤٥٥ ، ح ١.

(٢) المبسوط ١ ـ ١٦٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٣ ـ ٣٠١.

(٤) المبسوط ١ ـ ١٦٤.

٩٢

البصر من الأرض تعويلا على الوضع.

أقول : للميل تقديران : مشهوري ، وهو أربعة آلاف ذراع باليد ، كل ذراع ست قبضات ، كل قبضة أربع أصابع. ووضعي ، وهو قدر (١) مد البصر في الأرض المستوية تحقيقا لمستوي الأبصار.

قال طاب ثراه : ويقصر لو كان الصيد للحاجة ، ولو كان للتجارة قيل : يقصر صومه ويتم صلاته.

أقول : ما كان من الصيد للهو والبطر لا يقصر فيه إجماعا ، وما كان لحاجته وقوت عياله يقصر فيه قطعا ، وما كان للتجارة هل يقتصر في محليه أو في الصوم خاصة؟ بالثاني قال المفيد والفقيه والقاضي وابن حمزة والشيخ في النهاية (٢) وابن إدريس ، وبالأول قال المصنف والعلامة ، وهو ظاهر الحسن والسيد وسلار ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وقيل : هذا يختص بالمكاري ، فيدخل فيه الملاح والأجير.

أقول : يريد أن كثير السفر إذا أقام في بلده عشرة أيام مطلقا ، أو في غير بلده مع النية أو ثلاثين مترددا ، إذا خرج بعد ذلك يكون مقصرا ونقل المصنف اختصاص هذا الحكم بالمكاري والملاح والأجير دون باقي الأصناف ، ولم نظفر بقائله. ولم يفرق الباقون بين المكاري وغيره ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو أقام خمسة قيل : يقصر صلاته نهارا ويتم ليلا ويصوم شهر رمضان على رواية.

أقول : المشهور وهو المعتمد أنه لا بد من العشرة ولا تكفي الخمسة ، وذهب

__________________

(١) في « س » : مقدر.

(٢) النهاية ص ١٢٢.

٩٣

أبو علي الى الاكتفاء بها ، وكذا المسافر مطلقا عنده يتم إذا نوى اقامة (١) خمسة في غير بلده ، وللشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) ثالث ، وهو القصر بالنهار والتمام بالليل ، وتبعه القاضي وابن حمزة ، وبالأول قال ابن إدريس والمصنف والعلامة.

احتج الشيخ بما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : المكاري ان لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل ، قصر في سفره بالنهار وأتم بالليل ، وعليه صوم شهر رمضان. وان كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر ، قصر في سفره وأفطر (٤).

وهنا فروع وتحقيقات ذكرناها في الكتاب الكبير (٥).

قال طاب ثراه : وكذا في العود من السفر على الأشهر.

أقول : اختلف الناس في الوقت الذي يباح فيه القصر للمسافر على أقوال :الأول : وهو المشهور اعتبار خفاء الأذان والجدران معا ، وعليه الشيخ وتلميذه والسيد والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

الثاني : خفاء الأذان المتوسط دون الجدران ، قاله ابن إدريس ، وهو ظاهر الحسن وبعكسه قال الصدوق في المقنع (٦).

الثالث : ابتداء التقصير من المنزل ، قاله الفقيه ، وهو نهاية السفر عنده ،

__________________

(١) في « ق » : إقامته.

(٢) النهاية ص ١٢٢.

(٣) المبسوط ١ ـ ١٤١.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ ـ ٢٨١ ، ح ١٣.

(٥) المهذب البارع ١ ـ ٤٨٨.

(٦) المقنع ص ٣٧.

٩٤

فيقصر حتى يدخله وتبعه أبو علي في النهاية ، ولم يذكر الابتداء ، والمرتضى وافق المشهور في الابتداء ، ووافق الفقيه وأبا علي في الانتهاء.

قال طاب ثراه : وقيل : من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه ، تخير في القصر والإتمام.

أقول : وجوب الإتمام (١) في محليه مذهب السيد وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد. والتخيير فيهما مذهب الصدوقين والمفيد وتلميذه ، والإتمام في الصوم والتخيير في الصلاة مذهب الشيخ.

قال طاب ثراه : ولو دخل وقت الصلاة فسافر والوقت باق قصر على الأشهر.

أقول : ذهب الحسن والصدوق في المقنع (٢) والعلامة وفخر المحققين الى وجوب التمام اعتبارا بحالة الوجوب ، وهو المعتمد. وذهب المفيد وابن إدريس إلى وجوب التقصير مطلقا واختاره المصنف والفقيه في رسالته ، وذهب الشيخ في النهاية (٣) وموضع من المبسوط (٤) ، وتبعه القاضي إلى التمام مع السعة والتقصير مع الضيق ، وخير الشيخ في الخلاف (٥) بين التمام والتقصير مطلقا.

قال طاب ثراه : ويجمع المسافر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

أقول : يسأل هنا ويقال : مذهب الإمامية كافة هو جواز الجمع بين صلاتي الظهرين والعشائين في وقت واحد منهما ، لا يختلفون فيه للحاضر والمسافر ، فأي فائدة في تخصيص المسافر هنا حتى يقول : ويجمع المسافر بين الظهرين ، وكذا

__________________

(١) في « ق » : التمام.

(٢) المقنع ص ٣٧.

(٣) النهاية ص ١٢٣.

(٤) المبسوط ١ ـ ١٤١.

(٥) الخلاف ١ ـ ٥٧٧.

٩٥

الحاضر عنده يجمع بينهما ، فما الفائدة في هذا التخصيص؟.

فالجواب : أن الجمع يطلق على معنيين : الأول إيقاع الصلاتين في وقت واحد. الثاني إيقاع الصلاتين معا من غير تخلل نافلة بينهما ، فالجمع بمعنييه جائز في السفر.

أما بالمعنى الأول ، فنقول : الجمع وان كان جائزا في الحضر الا أن بعض علمائنا يذهب الى أن الأفضل التفريق ، ففي حالة السفر لا يندب التفريق ، بل الجمع لضيق وقت العبادة واشتغاله بأحواله وتشعب خاطره في حفظ رحله ، فجاز نسيان أحد الصلاتين بالتفريق ، أو فوات بعض أغراضه ، فالجمع مشتمل على تفويت (١) بعض الأوقات على المسافر يصرفها في مصالحه ومهماتها كما رتبه (٢) الشارع عليه وقت ما زاد على الركعتين في الرباعية ، ولاشتمال الجمع على مسارعة تفريغ الذمة والسلامة عن التغرير بالعبادة.

وأما الثاني ، فلان السنة الإتيان بالفرائض والنوافل على الوضع الشرعي والمخالفة لذلك تغيير للأحكام الشرعية عن وضعها الموظف شرعا ، وهو غير جائز ففي السفر الأفضل الجمع بين الصلاتين من غير إيقاع نافلة بينهما ، حيث كان السفر مظنة الاشتغال عن العبادة ، ومحل التشويش والاضطراب والتعب ، فإذا أدى الصلاتين وكان هناك نافلة راتبة ووقتها باق ونشط للتنفل أتى بها أداء كما لو صلى العشائين في أول الوقت وفرغ من العشاء مع بقاء الحمرة المغربية ، فله فعل نافلة المغرب أداء لبقاء وقتها ، وتغير (٣) الوضع الشرعي هنا جائز لمكان السفر ، فهذا فائدة قوله « ويجمع المسافر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء » فاعرفه.

__________________

(١) في « ق » : ترفية.

(٢) في « ق » : رفه.

(٣) في « ق » : وتغيير.

٩٦

كتاب الزكاة

قال طاب ثراه : وفي وجوب الزكاة في غلات الطفل روايتان ، أحوطهما : الوجوب.

أقول : بالوجوب قال الشيخان والتقي وابن حمزة والقاضي ، وبعدمه قال الحسن والفقيه وسلار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وقيل : تجب في مواشيهم. وليس بمعتمد.

أقول : بالوجوب قال الشيخان والتقي والقاضي ، وبعدمه قال السيد والفقيه واستحبها العلامة ، ونفى المصنف استحبابها في المواشي دون الغلات.

لأن الحجة للموجبين رواية محمد بن مسلم (١) ، وهي مقصورة على الغلات ، ولم يذكر فيها المواشي ، ولا شي‌ء غيرها من الروايات ، والأصل براءة الذمة ، فلهذا جعل التسوية بينهما في الحكم غير معتمد.

قال طاب ثراه : ولا تجب في مال المجنون صامتا كان أو غيره وقيل : حكمه حكم الطفل ، والأول أصح.

أقول : قال الشيخان والقاضي والتقي : حكم الطفل حكم المجنون فيما

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ ـ ٢٩ ح ١٣.

٩٧

تقدم ، ولم يذكر ابن حمزة المجنون ، واستضعف المصنف دخول المجنون في قسم الأطفال لخلو النصوص عن المجنون والأصل براءة الذمة من اشتغالها بواجب أو مندوب.

قال طاب ثراه : ولا في الدين ، الا أن يكون صاحبه هو الذي يؤخره.

أقول : الوجوب إذا كان تأخره من جهة مالكه بأن يكون على ملي باذل مذهب الشيخين ، وعدمه مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة.

قال طاب ثراه : وفي مال التجارة قولان.

أقول : جمهور الأصحاب على استحباب زكاة التجارة والأصل (١) براءة الذمة وقال الفقيهان بوجوبها.

قال طاب ثراه : فاذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فروايتان ، أشهرهما : أن فيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فصاعدا ، ففي كل مائة شاة.

أقول : إذا بلغت الغنم مائتين وواحدة وهو النصاب الثالث ، كان فيها ثلاث شياه إجماعا ، فإذا بلغت ثلاثمائة وواحدة وهو النصاب الرابع هل يتغير الفرض ويجب فيها أربع شياه أو يجب الثلاثة خاصة ، ويكون قد سقط الاعتبار حينئذ ويؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ؟ فيه مذهبان.

فالأول مذهب الشيخ ، وأبي علي ، والقاضي ، والتقي ، والمفيد في المقنعة والمصنف والعلامة ، وانما يسقط الاعتبار عند بلوغها أربعمائة ، فالنصب (٢) عندهم خمسة.

والثاني مذهب الفقيهين ، والسيد ، والحسن ، وابن حمزة ، وسلار ، وابن إدريس ، وهنا فوائد وفروع من أرادها وقف عليها من المهذب (٣).

__________________

(١) في « ق » : لأصالة.

(٢) في « س » : فالنصف.

(٣) المهذب البارع ١ ـ ٥١٠.

٩٨

قال طاب ثراه : وفي قدر النصاب الأول من الذهب روايتان ، أشهرهما : عشرون دينارا ، ففيها عشرة قراريط.

أقول : هذا هو المشهور ، وقال الفقيه : لا شي‌ء فيه حتى يبلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال.

قال طاب ثراه : ويتعلق به الزكاة عند تسميته (١) حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا وقيل : إذا احمر ثمر النخل أو اصفر أو انعقد الحصرم.

أقول : الذي عليه الأصحاب ، وهو تعلق الوجوب بالغلات عند بدو صلاحها وهو الاحمرار ، أو الاصفرار في الثمرة ، أو انعقاد الحب في الحصرم والزرع وقال المصنف عند تسميته حنطة أو شعيرا ، كمذهب أبي علي.

واتفق الفريقان على أن وقت الإخراج عند الجذاذ في الثمرة ، ويجب عند التصفية من الغش والتبن في الغلة ، ويترتب على الخلاف مسائل ذكرناهما في المهذب (٢).

قال طاب ثراه : ولا يجوز تأخيره إلا لعذر (٣) ، كانتظار المستحق وشبهه. وقيل ان عزلها جاز تأخيرها شهرا أو شهرين ، والأشبه أن جواز التأخير مشروط بالعذر فلا يتقدر بغير زواله.

أقول : جواز التأخير مع العزل شهر أو شهرين مذهب الشيخ في النهاية (٤) والباقون على المنع الا مع العذر ، ولا يتقدر بوقت ، بل يكون موقوفا على زواله.

__________________

(١) في المختصر المطبوع : التسمية.

(٢) المهذب البارع ١ ـ ٥١٦.

(٣) في « س » : بعذر.

(٤) النهاية ص ١٨٣.

٩٩

قال طاب ثراه : ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب على أشهر الروايتين.

أقول : المشهور عند أصحابنا عدم الجواز ، وهو مذهب الثلاثة ، والتقي وأبي علي ، وقال الحسن بجواز التعجيل ، وبه قال سلار.

احتج الأولون بصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أيزكي الرجل ماله إذ مضى ثلث السنة؟ قال : لا أتصلي للأولى قبل الزوال (١).

واحتج الآخرون بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له الرجل تحل عليه الزكاة من شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم؟ فقال : لا بأس ، قلت : فإنه لا تحل عليه الا في المحرم ، فيجعلها في شهر رمضان؟ قال : لا بأس (٢).

الركن الرابع

( في المستحق )

قال طاب ثراه : الفقراء والمساكين ، وقد اختلف في أيهما أسوأ حالا ، ولا ثمرة مهمة في تحقيقه ، والضابط : من لا يملك مئونة السنة له ولعياله.

أقول : الفقير والمسكين يشملهما شي‌ء واحد ، وهو قصور الملك عن مئونة السنة له ولعياله الواجبي النفقة ، وما يحتاج اليه ، ولو في بقاء عزه وترفعه ، كعبد الخدمة وفرس الركوب.

ويمتاز أحدهما عن الأخر بأنه لا يملك ما يقع موقعا من حاجته ، ويسمى الاسوأ حالا ، والأخر الأجود حالا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ ـ ٤٣ ح ٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ ـ ٤٤ ح ٣.

١٠٠