المقتصر

الشيخ ابن فهد الحلّي

المقتصر

المؤلف:

الشيخ ابن فهد الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

والتردد من المصنف هنا وفي الشرائع (١) ، ومنشأه : النظر الى قوله تعالى ( وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ ) (٢) وقد حصل ذلك ، واختاره فخر المحققين للشبهة واستشكله العلامة في القواعد.

قال طاب ثراه : ولو طلق فادعت الحمل منه ـ الى قوله : وفي إيجاب الجلد إشكال.

أقول : قال الشيخ في النهاية (٣) : إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول ، فادعت أنها حامل منه ، فإن أقامت البينة أنه أرخى الستر وخلي بها ، ثم أنكر الولد ، لاعنها وبانت منه ، وعليه المهر كملا.

وان لم تقم بذلك بينة ، كان عليه نصف المهر ، ووجب عليها مائة سوط ، بعد أن يحلف بالله أنه ما دخل بها ، فقد اشتمل هذا الكلام على ثلاثة أحكام :

الأول : أن الخلوة قائمة مقام الدخول ، ويترتب على ذلك ثلاثة أمور :كمال المهر ، ولحوق النسب واحتياج نافيه الى اللعان.

الثاني : إذا لم يثبت الخلوة لم يثبت الدخول ، فينتصف المهر ، وينتفي الولد بغير لعان.

الثالث : جلدها مائة سوط حد الزنا ، لانتفاء الحمل عن الزوج بغير لعان ، كما لو أقرت أو أقامت البينة بزنائها.

وقال ابن إدريس : لا تأثير للخلوة وإرخاء الستر ، والقول قول الزوج ولا يلزمه سوى نصف المهر ، ولا لعان بينهما ، واختاره المصنف والعلامة ، ولم يوجبا الجلد عليها ، لأنه نوع شبهة.

__________________

(١) شرائع الإسلام ٣ ـ ١٠١.

(٢) سورة النور : ٨.

(٣) النهاية ص ٥٢٣.

٣٠١

والمعتمد قول النهاية الا في الحد ، فلا يجب عليها حيث لا يتوجه اللعان ، لفقد البينة والإقرار وإمكان صدقها ، فيتحقق الشبهة ، وهي مسقطة للحد ، ولخلو الرواية عن ذكره ، والأصل عدمه ، وهي من الصحاح ، ولأنها مناسبة لما اخترناه في باب المهور ، ولا سيما لها على المحافظة على النسب ، وحراسته عن الضياع ، وصون العرض عن الهتك.

قال طاب ثراه : ولو قذفها فماتت قبل اللعان ، فله الميراث ، وعليه الحد للوارث ، وفي رواية أبي بصير ان قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له ، وقيل :لا يسقط الإرث لاستقراره بالموت ، وهو حسن.

أقول : هنا بحثان :

الأول : هل يتحقق اللعان بعد الموت؟ قيل فيه ثلاثة أقوال :

الأول : لا ، لأنه يكون بين الزوجين ، لأنه سبب شرعي ، فيقتصر فيه على صورة النص ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، وتبعه ابن إدريس ، واستشكله العلامة في القواعد والتحرير.

الثاني : نعم يجوز مع الوارث ، وهو مذهب الشيخ في النهاية (١) ، وتبعه ابن حمزة والقاضي في كتابيه ، لرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : ان قام رجل من أهلها فلاعنه ، فلا ميراث له ، وان أبى أحد من أوليائها أن يقوم أخذ الميراث (٢).

الثالث : يجوز لعان الزوج وحده لإسقاط الحد عنه ، وهو مذهب المصنف والعلامة وفخر المحققين ، وهو المعتمد.

الثاني : على تقدير ملاعنة الوارث هل يسقط إرثه من الزوجية؟ قال في

__________________

(١) النهاية ص ٥٢٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ١٩٠ ـ ١٩١.

٣٠٢

النهاية (١) ومن تبعه على ذلك : نعم ، وقال المصنف والعلامة : لا ، لأصالة بقاء استحقاقه ، وهو المعتمد.

تذنيب :

وعلى القول بمنع اللعان بعد الموت ، أو امتناع الوارث منه ، يرث وعليه حد الفرية. وعلى القول بجواز استقلاله باللعان ، يكون فائدته إسقاط الحد ، وهل نحكم بزوال الفراش والتحريم المؤبد؟ إشكال.

وتظهر فائدته في إلزامه بالكفن ومئونة التجهيز وجواز تغسيلها ، والأقرب العدم ، لبقاء ذلك الى حين الموت ، والأصل بقاؤه ، ولان ثبوت التوريث يؤذن بما ذكرناه.

__________________

(١) النهاية ص ٥٢٣.

٣٠٣

كتاب العتق

قال طاب ثراه : وهل ينعتق عليه بالرضاع من ينعتق بالنسب؟ فيه روايتان ، أشهرهما : أنه ينعتق.

أقول : إذا ملك الإنسان أحد العمودين ، ونعني : بهما الإباء والأولاد علوا أو سفلوا ، أو إحدى المحرمات عليه ، كالأخت وبناتها وبنات الأخ والعمة والخالة وان ارتفعتا نسبا ، انعتقن عليه.

وهل يجري هذا الحكم في هؤلاء من الرضاع كالنسب؟ قال المفيد وتلميذه والحسن وابن إدريس : لا ، والباقون على العتق ، لابتنائه على التغليب ، وهو المعتمد والروايات بالطرفين.

قال طاب ثراه : وفي لفظ العتق تردد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : لا يقع الا بقوله أنت حر مع القصد ، وتبعه القاضي والتقي ، وقيل : يقع بقوله أعتقتك ، وهو مذهب العلامة ، وتبعه الشهيد ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو شرط إعادته في الرق ان خالف فقولان ، المروي اللزوم.

٣٠٤

أقول : يريد إذا شرط على العبد في حال العتق سائغا لزم ، لعموم قوله عليه‌السلام « المؤمنون عند شروطهم » (١) ولو شرط إعادته في الرق ان خالف ، قال الشيخ في النهاية (٢) يصح العتق والشرط ، وتبعه القاضي ، وأبطلهما المصنف والعلامة في المختلف ، وفخر المحققين أجاز العتق وأبطل الشرط ، وهو الظاهر من كلام ابن إدريس.

قال طاب ثراه : وفي عتق الصبي إذا بلغ عشرا رواية بالجواز حسنة.

أقول : هذه رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له من ماله ما يعتق ويتصدق على وجه المعروف ، فهو جائز (٣). وهو فتوى الشيخ وتلميذه.

ومنع ابن إدريس وأبو علي واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي وقوعه من الكافر تردد.

أقول : منع ابن إدريس من عتق الكافر ، وأجازه الشيخ في الكتابين.

وفصل العلامة في المختلف ، فقال : ان كان الكفر باعتبار جهله ، فالوجه ما قاله ابن إدريس ، وان كان لا بهذا الاعتبار ، بل باعتبار جحده النبوة وبعض أصول الإسلام كالصلاة مثلا ، فالحق ما قاله الشيخ.

قال طاب ثراه : ولو أبق ومات المولى ، فوجد بعد المدة ، فهل للورثة استخدامه؟ المروي لا.

أقول : قد عرفت وجوب الوفاء على المعتق بالشرط السائغ ، فلو شرط عليه الخدمة مدة معلومة فقضاها آبقا ، فهل للمالك أو ورثته مطالبته أم لا؟

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ ـ ٢٩٣ و ٢ ـ ٢٧٥ و ٣ ـ ٢١٧.

(٢) النهاية ص ٥٤٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٢٤٨ ، ح ١٣١.

٣٠٥

فنقول : أما إلزامه بالخدمة ، فمحال لأنه ان كان معينا فقد فات ، ولم يتناول الشرط غير ذلك ، ولا يجوز التعويض عنها بمثلها من المدة ، لان أجزاء الزمان غير متساوية ، فلا يضمن بالمثل بل بالقيمة ، وهي أجرة المثل لتلك المدة. وان كانت مطلقة ، فتقتضي الاتصال بالعقد ، فتعود كالمعينة.

إذا عرفت هذا : فهل يضمن العتيق أجرة المدة؟ قال الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي : لا ، وهو مذهب أبي علي ، وبضمانها قال ابن إدريس ، واختاره العلامة وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ويكره التفرقة (٢) بين الولد وأمه ، وقيل : يحرم.

أقول : تقدم البحث في هذه المسألة في باب البيع.

قال طاب ثراه : ولو نذر تحرير أول مملوك يملكه ، فملك جماعة ، تخير في أحدهم ، وقيل : يقرع ، وقال ثالث : لا يلزمه عتق.

أقول : الأول وهو مختار المصنف مذهب أبي علي ، فان مات أو منع من بيان إرادته أقرع. والثاني قول الشيخ في النهاية (٣) ، وتبعه القاضي ، واختاره العلامة والثالث قول ابن إدريس ، والمعتمد مذهب الشيخ.

قال طاب ثراه : مال المعتق لمولاه وان لم يشترطه ، وقيل : ان لم يعلم به فهو له ، وان علم ولم يستثنه فهو للعبد.

أقول : تحقيق البحث هنا يقع في أمور :

الأول : هل يتحقق الملك للعبد أولا؟ قيل فيه ثلاثة أقوال :

الأول : نعم يملك رقبة الملك (٤) ، لكن لا مستقرا بل ملكا قابلاً لتصرف السيد

__________________

(١) النهاية ص ٥٤٢.

(٢) في المختصر المطبوع : التفريق.

(٣) النهاية ص ٥٤٣.

(٤) في « ق » المال.

٣٠٦

فيه وانتزاعه منه ، وهو مذهب الصدوق وأبي علي ، وذهب المصنف إلى أنه يملك ، ويكون محجورا عليه للرق ، كما يحجر على السفيه.

الثاني : يملك التصرف في الجملة ، وأثبته الشيخ في النهاية (١) ، وتبعه القاضي وقواه العلامة في المختلف ، واختاره الشهيد.

الثالث : اباحة التصرف ، ولا شك في حصوله للعبد ، وعليه الإجماع ، سواء كان التمليك من السيد أو غيره ، وهو المعنى بالملك عند مانع الأولين ، وهو الذي ذهب اليه ابن إدريس والعلامة في أكثر كتبه وفخر المحققين ، وهو أقوى.

الثاني : في تبعية المال بعد العتق ، وكل من منع الملك أو التصرف كالعلامة وولده وابن إدريس منع التبعية ، ولا يحتاج الى استثناء ، بل يكون للسيد علم أولا ، ومن أثبت الملك للرقية أو التصرف ، قال : ان علم به حال العتق ولم يستثنه فهو للعبد ، والا فهو للسيد ، نص عليه الشيخ في النهاية (٢) وأبو علي والصدوق والتقي.

الثالث : في كيفية الاستثناء ، فنقول : على تقدير عدم التبعية للجهل أو الاستثناء هل يشترط تقديم لفظ الاستثناء على الحرية؟ قال الشيخ في النهاية : نعم ، واختاره فخر المحققين ، ولم يشرطه العلامة والصدوق وأبو علي في صحة الاستثناء.

وهنا فروع وتنبيهات ذكرناها في الجامع.

قال طاب ثراه : وان قصد الإضرار فكه ان كان موسرا ، وبطل العتق ان كان معسرا ، وان قصد القربة لم يلزمه فكه ، وسعى العبد في حصة الشريك ، فان امتنع استقر ملك الشريك على حصته.

أقول : إذا عتق أحد الشريكين حصته لا يخلو : اما أن يكون موسرا أو معسرا

__________________

(١) النهاية ص ٥٤٣.

(٢) النهاية ص ٥٤٣.

٣٠٧

فهنا قسمان :

الأول : الموسر ، وشرط الشيخ في التقويم عليه قصد الإضرار لشريكه ، ومع قصد القربة لا يقوم بل يستحب له ، فان لم يفعل استسعى العبد في الباقي ، فإن امتنع من السعي ، كان له بقدر ما أنعتق ، ولمولاه بقدر ما بقي ، والباقون على التقويم مطلقا ، وهو المعتمد.

الثاني : المعسر ، فيستسعي العبد في نصيب الشريك ، عند السيد والصدوق وهو المعتمد. وقال الشيخ في المبسوط (١)يستقر الرق في نصيب الشريك ، وقال في النهاية (٢) : ان قصد الإضرار بطل عتقه ، وان قصد القربة سعى العبد في فك رقبته ، وان امتنع العبد من السعي ، كان له من نفسه بقدر ما انعتق منه ولمولاه الباقي.

قال طاب ثراه : وإذا أعتق الحامل ، تحرر الحمل ولو استثنى رقه ، لرواية السكوني ، وفيه مع ضعف السند إشكال ، منشأه عدم القصد الى عتقه.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية (٣) إلى تبعية الحمل لأمه في العتق ، ولو استثناه من الحرية لم يثبت رقه ، وتبعه القاضي وابن حمزة ، وهو ظاهر أبي علي.

وذهب ابن إدريس إلى بقائه على الرق من غير احتياج الى استثناء ، الا أن يعتقه مع أمه صريحا ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : والحق الأصحاب الإقعاد.

أقول : إنما نسب الإلحاق إلى الأصحاب ، لإجماعهم عليه ، وخلو لفظ الرواية عنه.

__________________

(١) المبسوط ٦ ـ ٥٥.

(٢) النهاية ص ٥٤٢.

(٣) النهاية ص ٥٤٥.

٣٠٨

كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد

قال طاب ثراه : وفي اشتراط القربة تردد.

أقول : قصد التقرب في التدبير شرط عند ابن إدريس ، وهو ظاهر القاضي وهو مبني على مسألتين : إحداهما ، انه عتق. والأخرى : أن العتق يشترط فيه القربة. وقيل : لا يشترط ، لأنه وصية ، وصرح كثير من الأصحاب وفخر المحققين بكونه وصية.

قال طاب ثراه : ولو رجع المولى في تدبيرها ، لم يصح رجوعه في تدبير الأول ، وفيه قول آخر ضعيف.

أقول : إذا حملت المدبرة بعد التدبير ، فان كان من مولاها ، لم يبطل تدبيرها بل أكد عتقها ، فيتمم لها من نصيب ولدها إذا عجز الثلث عن قيمتها ، وان حملت من غيره بمملوك : اما من عبد بعقد ، أو شبهة أو من حر بزنا (١) ، كان ولدها مدبرا ، لأنه يتبع أشرف الطرفين ، وللسيد الرجوع في تدبيرها قطعا.

وهل له الرجوع في تدبيره بعد الرجوع في تدبير الأم أو منفردا عنها؟ قال

__________________

(١) في « س » : حريتها.

٣٠٩

الشيخ في النهاية (١) والخلاف : لا ، وتبعه القاضي وابن حمزة ، واختاره المصنف وأجازه ابن إدريس ، واختاره العلامة وفخر المحققين ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو دبر الحبلى لم يسر الى ولدها ، وفي رواية ان علم بحبلها فما في بطنها بمنزلتها.

أقول : ذهب الشيخ في الكتابين الى عدم سريان التدبير ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، وبسريانه قال القاضي ، وقال في النهاية (٢) : يسري مع العلم به ولا يسري لو كان جاهلا ، وبه قال ابن حمزة ، وهو ظاهر أبي علي ، وأحد قولي القاضي.

قال طاب ثراه : وفي صحته من الكافر تردد أشبهه الجواز.

أقول : ذهب الشيخ إلى صحة تدبير الكافر مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف. وأبطله (٣) ابن إدريس مطلقا. وفصل بعض الأصحاب ، فأجازه من الذمي دون الحربي.

قال طاب ثراه : التدبير وصية يرجع فيه المولى متى شاء ، ولو رجع قولا صح قطعا. أما لو باعه أو وهبه ، فقولان : أحدهما يبطل به التدبير ، وهو الأشبه.و الأخر : لا يبطل ويمضي البيع في خدمته ، وكذا الهبة.

أقول : العبد المدبر قبل نقض تدبيره هل يصح تدبيره أم لا؟ فنقول : هنا مذهبان : الصحة ، والبطلان.

الأول : البطلان ، والقائل به فريقان ، فالحسن والصدوق منعا من بيعه الا بعد الرجوع ، أو أن يشترط على المشتري عتقه عند موته ، فالولاء لمن أعتقه ،

__________________

(١) النهاية ص ٥٥٢.

(٢) النهاية ص ٥٥٢.

(٣) في « س » : وإبطاله.

٣١٠

فعلى هذا يكون الولاء للمشتري.

والشيخ في النهاية (١) منع من بيعه ، الا أن يعلم المبتاع أنه يبيعه خدمته ، وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل له عليه ، ويلزم على هذا أن يكون الولاء للبائع.

الثاني : الصحة والقائل به فريقان ، فالشيخان على بقاء التدبير ، وابن إدريس على رفعه ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : والدين مقدم على التدبير ، سواء كان سابقا على التدبير أو متأخرا ، وفيه رواية بالتفصيل متروكة.

أقول : المعتمد عند المحققين تقديم الدين على التدبير ، لأنه بمنزلة الوصية وقضية الوصية تأخرها عن الديون.

ولا فرق بين تقديم التدبير أو تأخره عنه ، لان الدين حق لزم المال قبل الموت والتدبير موضعه ومرتبته بعد الموت من ثلث التركة بعد الديون.

وذهب الشيخ في النهاية (٢) وتبعه القاضي إلى تقديم التدبير إذا وقع في حال السلامة ، ثم حصل الدين ، عملا بصحيحتي أبي بصير (٣) وعلي بن يقطين (٤) عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام.

قال طاب ثراه : ولو جعل خدمة عبده لغيره ، ثم قال : هو حر بعد وفاة المخدوم صح على الرواية.

أقول : المشهور صحة التدبير معلقا بوفاة غير السيد ، إذا جعلت خدمة العبد

__________________

(١) النهاية ص ٥٥٢.

(٢) النهاية ص ٥٥٣.

(٣) التهذيب ٨ ـ ٢٥٩ ، ح ٥.

(٤) التهذيب ٨ ـ ٢٦١ ، ح ١٣.

٣١١

له في حال حياته ، ثم هو حر بعد وفاته ، ذهب اليه الشيخ في النهاية (١) ، وتبعه القاضي وابن حمزة ، وهو ظاهر أبي علي ، واختاره المصنف والعلامة.

ومنع ابن إدريس ، ولو أبق هذا العبد ، لم يبطل تدبيره ، والمستند في ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب (٢).

ذكر المكاتبة :

قال طاب ثراه : وحده أن يؤخر النجم عن محله ، وفي رواية أن يؤخر نجما الى نجم ، وكذا لو علم من حاله العجز (٣).

أقول : اختلف الأصحاب في حد التأخير المسمى بالعجز المبيح للفسخ في المشروطة.

فالمعتمد حده تأخير النجم عن محله ، وهو مذهب المفيد وابن إدريس والشيخ في الاستبصار (٤) ، وهو ظاهر أبي علي ، واختاره المصنف والعلامة ، ومستنده صحيحة معاوية بن وهب (٥).

وقال في النهاية (٦) وتبعه القاضي أن يؤخر نجما الى نجم ، أو يعلم من حاله العجز ، ومعناه : انه ليس للسيد أن يعجزه بمجرد تأخير (٧) النجم عن محله ، بل

__________________

(١) النهاية ص ٥٥٣.

(٢) التهذيب ٨ ـ ٢٦٤ ، ح ٢٨.

(٣) في المختصر المطبوع : منه العجز.

(٤) الاستبصار ٤ ـ ٣٤.

(٥) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٢٦٥ ، ح ١.

(٦) النهاية ص ٥٤٩.

(٧) في « ق » : تأخر.

٣١٢

يجب الصبر عليه الى أن يحل نجم آخر ، اللهم الا أن يعلم من حاله العجز علما عاديا ، فلا يجب التربص حينئذ. وقال الصدوق : أن يؤخره إلى ثلاثة أنجم.

قال طاب ثراه : ويعتبر في المالك جواز التصرف ، وفي اعتبار الإسلام تردد أشبهه أنه لا يعتبر.

أقول : من أجاز عتق الكافر أجاز الكتابة قطعا ، ومن منع ثمة ، فهل يجوز هنا؟ قيل : لا ، لأنها عتق بعوض ، والأكثر على الصحة ، لأنها معاملة بين السيد وعبده على عوض معلوم ، فهي نوع معاوضة ، فتصح من الكافر ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ويعتبر في المملوك التكليف ، وفي كتابة الكافر تردد ، أظهره المنع.

أقول : الأصل في هذه المسألة قوله تعالى ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (١) فقيل : المراد به الديانة خاصة ، لأنه المعهود في عرف الشرع ، قال تعالى ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) (٢) ومنه سبيل الخير ، وفي فلان خير أي : صلاح وديانة.

وقيل : المراد المال خاصة ، قال تعالى ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ) (٣) ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ ) (٤) وقيل : هما معا.

فالأول مذهب السيد ، والثاني مذهب المصنف والعلامة ، والثالث مذهب أبي علي والشيخ في الكتابين ، وهو المعتمد.

__________________

(١) سورة النور : ٣٣.

(٢) سورة الحج : ٧٧.

(٣) سورة العاديات : ٨.

(٤) سورة البقرة : ١٨٠.

٣١٣

قال طاب ثراه : وفي رواية يؤدون ما بقي من مال الكتابة وما فضل لهم.

أقول : إذا مات المكاتب المشروط ، بطلت كتابته ، وللسيد ماله وأولاده ، وعليه جهازه. وأما المطلق ، فان مات قبل أداء شي‌ء من مال الكتابة فكذلك.

وان مات بعد أداء شي‌ء من كتابته عتق منه بنسبته ، وبطلت الكتابة فيما بقي منه ، وكان ما ترك من المال مقسوما على السيد والوارث ، فله بقدر ما عتق منه ، وللسيد ما بقي ، ومئونة تجهيزه على النسبة.

فإن كان الأولاد أحرارا في الأصل ، فلا كلام. وان كانوا أرقاما ولدوا بعد المكاتبة ، كان ما يقابل نصيب الرقية مكاتبا وعليهم أن يؤدوا ما بقي على أبيهم من مال الكتابة لا ما يساوي قيمتهم.

فان كان ما يقع لهم من التركة بقدره ، دفعوه الى السيد وانعتقوا [ وان كان قاصراً سعوا في الباقي ، فإذا أدوه انعتقوا ] (١) هذا هو المشهور ، وهو المعتمد ، ذهب اليه الشيخ في الاستبصار (٢) والنهاية (٣) ، والمبسوط (٤) ، وأحد قولي أبي علي ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ومستنده صحيحتا بريد (٥) ، ومحمد ابن قيس (٦).

وأطلق الصدوق هذا الحكم في المكاتب ، ولم يفصله الى المشروط والمطلق والقول الأخر لأبي علي أنه يؤدي ما بقي من مال الكتابة من أصل التركة كالدين

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ساقطة من « س ».

(٢) الإستبصار ٤ ـ ٣٥.

(٣) النهاية ص ٥٥٠.

(٤) المبسوط ٦ ـ ١٥٦.

(٥) التهذيب ٨ ـ ٢٦٦ ، ح ٢.

(٦) التهذيب ٨ ـ ٢٧٠ ، ح ١٨.

٣١٤

والفاضل للورثة ، ولم يفصل الى المطلقة والمشروطة.

والرواية إشارة إلى صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام في مكاتب يموت وقد أدى بعض مكاتبته ، فله ابن من جاريته ، قال : ان اشترط عليه ان عجز فهو مملوك رجع ابنه مملوكا والجارية ، وان لم يكن اشترط عليه أدى ابنه ما بقي من مكاتبته وورث ما بقي (١).

وهي محتملة وليست بصريحة الدلالة على المطلوب ، لجواز أن يريد أدى ابنه ما بقي على أبيه مما يخصه وورث ما بقي ان كان في حصته فضل عن ذلك ، وصحيحة بريد العجلي صريحة الدلالة على الحكم الأول ، فيكون أرجح.

ذكر الاستيلاد :

قال طاب ثراه : ولو لم يخلف الميت سواها ، عتق منها نصيب ولدها وسعت فيما بقي ، وفي رواية تقوم على ولدها ان كان موسرا.

أقول : الأول هو المشهور ، واختاره الشيخان وابن إدريس والمصنف والعلامة. وقال أبو علي : يلزم ولدها أن يؤدي بقية ثمنها ، واختاره الشيخ في المبسوط (٢).

ولو كان الولد صغيرا وله مال أخذ منه قيمة أمه ، ولو لم يكن له مال صبر عليه حتى يكبر ، فان بلغ أجبر على ثمنها ، فإن أدى قيمتها أو أدت هي بكسبها عتقت.

وان مات ولدها ولم يكن أدت شيئا مما بقي من قيمتها ، سعت في الدين ،

__________________

(١) التهذيب ٨ ـ ٢٧٢ ، ح ٢٤.

(٢) المبسوط ٦ ـ ١٨٦.

٣١٥

أو في نصيب باقي الورثة ، قاله ابن الجنيد ، والشيخ في النهاية (١).

مستندا إلى موثقة وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سأله عن رجل اشترى جارية ، فولدت منه ولدا فمات ، قال : ان شاء أن يبيعها باعها ، وان مات مولاها وعليه دين قومت على ابنها ، فان كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ، ثم يجبر على قيمتها ، فان مات ابنها قبل أمه بيعت في ميراث الورثة ان شاء الورثة (٢).

قال طاب ثراه : وروى محمد بن قيس إلخ.

أقول : محمد بن قيس مجهول العين ، لأنه مشترك بين جماعة منهم أبو أحمد وهو ضعيف روى عن أبي جعفر عليه‌السلام.

وروايته هذه مخالفة للأصول في شيئين : استرقاق ولدها وهو حر ، وتحتم القتل على المرأة بارتدادها. وكلاهما ممنوعان ، فالأولى اطراحها اذن ، ونحكم بحرية ولدها ، وتحبس هي وتضرب أوقات الصلوات.

__________________

(١) النهاية ص ٥٤٧.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٢٤٠ ، ح ٩٨.

٣١٦

كتاب الإقرار

قال طاب ثراه : وكذا لو قال : أليس عليك كذا؟ فقال : بلى ، ولو قال : نعم ، قال الشيخ : لا يكون إقرارا ، وفيه تردد.

أقول : منشأ التردد : من النظر الى العرف ، ووضع أهل اللغة ، فإن العرف يرادف صيغتي نعم وبلى في الإقرار ، فتقوم كل واحدة منهما مقام الأخرى ، والإقرار يحمل على العرف ، فيكون إقرارا.

ومن حيث أن نعم في جواب السؤال مقدرة (١) ، لما دخل عليه حرف الاستفهام وبلى رافع له ، لأن أصلها بل وهي للرد والاستدراك.

وإذا كان كذلك فقوله « بلى » رد لقوله « ليس لي عليك » لأنه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ونفى له ، ونفي النفي إثبات ، وقوله « نعم » تصديق له وتقرير لحكمه ، فكأنه قال : ليس لك ، وهذا هو المعتمد ، وعليه الأكثر ، واختاره الشيخ والعلامة وفخر المحققين ، وتردد المصنف في كتابيه.

قال طاب ثراه : وكذا كناية (٢) عن الشي‌ء ، فلو قال : كذا درهم ، فالاقرار

__________________

(١) في « ق » مقررة.

(٢) في « س » : الكناية.

٣١٧

بدرهم. وقال الشيخ : لو قال كذا كذا ، لم يقبل تفسيره بأقل من أحد عشر. ولو قال كذا وكذا ، لم يقبل أقل من أحد وعشرين ، والأقرب الرجوع في تفسيره الى المقر.

أقول : يريد أن معنى قول المقر له « علي كذا » أي : شي‌ء ، وكما يقبل في تفسير الشي‌ء بما يقع عليه التمول ، كذا يقبل تفسير كذا بما يقع عليه التمول ، قل أو كثر ، وان فسره بشي‌ء مدرجا له مع الإقرار الزم ذلك الشي‌ء.

ولو قال : كذا كذا ، كان بمنزلة قوله « شي‌ء شي‌ء » فالحكم كالأول ، لأن الشي‌ء يقع على القليل والكثير ، فلا فائدة في تضعيفه ، فتكراره تأكيد لا تحديد.

أما لو قال : كذا وكذا ، فإنه يستدعي المغايرة ، فلا بد من تفسيره بشيئين مختلفين أو متفقين ، يقبل كل واحد منهما في تفسير كذا ، لو لم يكن عطف.

إذا تقرر هذا ، فنقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : إذا قال : علي كذا درهم ، ووقف عليه ساكنا ، لزمه درهم بالإجماع وان حركه نصبا أو رفعا أو جرا فكذلك ، فالرفع على البدل ، والنصب على التميز والجر على الإضافة ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر المحققين والشهيد رضوان الله عليهم ، وقال الشيخ في الكتابين : يلزمه مع النصب عشرون ، لأن أقل عدد مفرد ينصب ما بعده على التميز [ عشرون ، ومع الجر مائة لأن أقل عدد يخفض ما بعده على التميز ] (١) ذلك.

الثانية : لو قال : له كذا كذا درهما ، نصبا أو رفعا أو جرا ، لزمه درهم ، كما لو سكت ، على المعتمد من المذهب ، وعند الشيخ يلزمه مع النصب أحد عشر لأن أقل عددين تركبا وانتصب ما بعدهما على التميز ذلك.

الثالثة : لو قال : كذا وكذا : لزمه درهم مع السكون والتحريك كما تقدم ، وقال الشيخ : يلزمه مع النصب أحد وعشرون ، لأن أقل عددين عطف أحدهما على الأخر ، وانتصب ما بعدهما على التميز ذلك.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ساقطة من « س ».

٣١٨

كتاب الايمان

قال طاب ثراه : وفيه رواية بجواز الاستثناء إلى أربعين يوما ، وهي متروكة.

أقول : الاستثناء في اليمين بمشية الله يمنعها الانعقاد ، لان اليمين يدخلها الشرط ، ويشترط في الحكم بالمشروط تحقق شرطه أولا.

فإذا قال : والله لأفعلن كذا ان شاء الله تعالى ، فانعقاد اليمين موقوف على مشية الله لذلك الفعل ، وهو غير معلوم ، لكن بشرط الاتصال العادي ، ولو تراخى حكم باليمين ولغا الاستثناء ، هذا هو المشهور ، وهو المعتمد.

وروى الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن ميمون عن الصادق عليه‌السلام قال :للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي (١). والأصل في جواز الاستثناء مع ما ذكرنا من التوجيه ما اشتهر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : والله لأغزون قريشا ان شاء الله (٢).

ومثله عن علي عليه‌السلام ، رواه محمد بن يعقوب يرفعه الى عدي بن حاتم عن أبيه عن جده عدي ، وكان مع أمير المؤمنين عليه‌السلام في حروبه أن أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٢٨١ ، ح ٢١.

(٢) عوالي اللآلي ١ ـ ١٧٨ ، برقم : ٢٢٤.

٣١٩

قال في يوم التقى هو ومعاوية بصفين ، ورفع بها صوته ليسمع أصحابه : والله لأقتلن معاوية وأصحابه ، ثم يقول في آخر قوله : ان شاء الله ، يخفض بها صوته.

فكنت قريبا منه ، فقلت : يا أمير المؤمنين إنك حلفت على ما فعلت ، ثم استثنيت فما أردت بذلك؟

فقال : ان الحرب خدعة ، وأنا عند المؤمنين غير كذوب ، فأردت أن أحرص أصحابي عليهم ، لكيلا يفشلوا ، ولكي يطمعوا فيهم ، فأفقههم ينتفع بها بعد اليوم ان شاء الله.

واعلم أن الله جل ثناؤه قال لموسى عليه‌السلام حيث أرسله إلى فرعون ( اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى ، ولكن لتكون ذلك أحرص لموسى على الذهاب (١).

قال طاب ثراه : ويصح اليمين من الكافر ، وفي الخلاف لا يصح.

أقول : منع الشيخ في الخلاف من يمين الكافر ، واختاره ابن إدريس ، وجزم في المبسوط (٢) بالجواز ، واختاره المصنف وفصل العلامة. وأجازها ممن لا يجحد الرب ، ومنعها من الجاحد ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وروى ابن عطية إلخ.

أقول : هذه رواها الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن سهل بن الحسن مرفوعا الى عيسى بن عطية عن أبي جعفر عليه‌السلام الحديث (٣). وسهل بن الحسن وعيسى بن عطية مجهولان ، لم يذكرا في كتب الرجال بجرح

__________________

(١) فروع الكافي ٧ ـ ٤٦٠ ، ح ١.

(٢) المبسوط ٦ ـ ١٩٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

٣٢٠