المقتصر

الشيخ ابن فهد الحلّي

المقتصر

المؤلف:

الشيخ ابن فهد الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

قال طاب ثراه : ويشترط في قصر الصوم تبييت النية. وقيل : الشرط خروجه قبل الزوال. وقيل : يقصر ولو خرج قبل الغروب.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية (١) وضابطه (٢) : أن المسافر ان خرج قبل الفجر قصر قطعا. وان خرج بعده ، فان كان بيت النية قصر أي وقت خرج بين النهار ، وان لم يكن بيت فان خرج قبل الزوال أتم وأجزأ ، وان خرج بعده أتم وقضا ، واختاره القاضي.

والثاني مذهب الصدوق في المقنعة ، والمفيد ، وأبي علي ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

والثالث مذهب الفقيه ، والسيد.

قال طاب ثراه : وقيل : لا يجب عليهما مع العجز ، ويتصدقان مع المشقة.

أقول : إذا عجز الشيخ والشيخة عن الصيام أفطرا ، وصار فرضيهما (٣) الإطعام لكل يوم مد ، وهو مذهب القديمين ، والصدوقين ، والشيخ في المبسوط (٤) والنهاية (٥) ، وتبعه القاضي ، والمصنف والعلامة.

والمفيد أسقط الكفارة مع تحقق العجز ، وأوجبها مع المشقة والضرر الهين وبه قال السيد ، وسلار ، وابن إدريس. وباقي مباحث الباب مستوفاة في المهذب.

__________________

(١) النهاية ص ١٦١.

(٢) في « س » : ذهب الشيخ في النهاية وحاصله إلخ.

(٣) في « ق » : فرضهما.

(٤) المبسوط ١ ـ ٢٨٥.

(٥) النهاية ص ١٥٩.

١٢١

كتاب الاعتكاف

قال طاب ثراه : والمكان ، وهو كل مسجد جامع. وقيل : لا يصح الا في أحد المساجد الأربعة : مكة ، والمدينة ، وجامع الكوفة ، والبصرة.

أقول : الاقتصار على الأربعة مذهب الشيخ ، وعلم الهدى ، والصدوق في كتابه والقاضي ، وابن حمزة والتقي ، وسلار ، وابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو الأحوط.

وأضاف في المقنع (١) إليها مسجد المدائن. واكتفى المفيد بالمسجد الأعظم واختاره المصنف ، وأجازه الحسن في مطلق المساجد.

قال طاب ثراه : ولا يجب في الشروع ، فاذا مضى يومان ففي وجوب الثالث قولان ، لان المروي أنه يجب.

أقول : ذهب بعضهم الى وجوب المندوب بالشروع كالحج ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٢) ، وأبي الصلاح.

__________________

(١) المقنع ص ٦٦.

(٢) المبسوط ١ ـ ٢٨٩.

١٢٢

وأوجبه في النهاية (١) بعد ما مضى يومين ، وهو مذهب أبي علي ، وأحد قولي العلامة. ولم يوجبه السيد مطلقا ، وأجاز فسخه في كل وقت ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف.

قال طاب ثراه : وقيل : لو اعتكف ثلاثة ، فهو بالخيار في اعتكاف الزائد ، وان اعتكف يومين آخرين وجب الثالث.

أقول : هذا قول الشيخ واعتماده على رواية أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : من اعتكف ثلاثة فهو يوم الرابع بالخيار ان شاء زاد يوما آخر وان شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة ، فلا يخرج حتى يستكمل ثلاثة (٢).

ويحتمل عدم وجوب السادس ، لان اليومين الآخرين بانضمامهما الى السابق عليهما اعتكاف واحد ، ففسخ السادس لا يوجب إبطال ما سبق عليه مما زاد عن الثلاثة ، بخلاف فسخ الثالث.

والأقرب العمل على الرواية فيجب التتابع وكل ثالث.

قال طاب ثراه : ولو لم يشرط ومضى (٣) يومان ، وجب الإتمام على الرواية.

أقول : إذا شرط الرجوع في ابتداء المندوب ، أو في عقد النذر ، رجع مع العارض ، ففي المندوب لا قضاء سواء كان في الأولين والثالث ، لاقتضاء الشرط.

وفي المنذور إذا رجع مع العارض قضى عند أبي علي مطلقا ولا قضاء على مذهب الشرائع (٤) والمختلف مطلقا ، ويقضي في غير معين ، سواء كان الزمان

__________________

(١) النهاية ص ١٧١.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ ـ ٢٨٨ ح ٤.

(٣) في المختصر المطبوع : ولو لم يشترط ثم مضى.

(٤) شرائع الإسلام ١ ـ ٢١٨.

١٢٣

معينا أولا ، ولا يقضي ما تعينه في المعتبر (١) والتذكرة ، وهو الامتن.

وان رجع اقتراحا في المندوب جاز مع الشرط على اختيار المبسوط (٢) لا مع عدمه ، وفي الثالث على اختيار الشرائع (٣) والقواعد وقول الشهيد.

وفي المبسوط لا يجوز الرجوع في الثالث الا مع العارض الذي لا يمكن معه الاعتكاف كالطمث وحينئذ ان كان هناك شرط فلا قضاء ، والا وجب ، وفائدة الشرط سقوط القضاء.

ولو كان رجوعه في الأولين لعارض ، لم يجب القضاء إجماعا ، فقوله « ولو لم يشرط ومضى يومان وجب الإتمام على الرواية » فوجب الإتمام مع مضي اليومين على ترجيح الرواية ، خلافا للسيد حيث لا يوجب المضي فيه أصلا ، وقوله « ولو لم يمض يومان جاز الرجوع مع عدم الشرط » خلافا للمبسوط حيث يوجبه بالشروع.

وهذه المسألة من المطالب المهمة من علم الفقه ، وهي ذات شعب ، وفيها تحقيقات وفروع وأبحاث لطيفة ، استقصيناها في المهذب.

قال طاب ثراه : وقيل : يحرم عليه ما يحرم على المحرم ، ولم يثبت.

أقول : القائل بذلك الشيخ في الجمل (٤) ، وتبعه القاضي ، وابن حمزة. وقال في المبسوط : وله أن ينكح وينظر في أمور معيشته وصنعته ، وروي أنه يتجنب ما يتجنبه المحرم ، وذلك مخصوص بما قلناه ، لان لحم الصيد لا يحرم عليه وعقد النكاح مثله (٥).

__________________

(١) المعتبر ٢ ـ ٧٣٩.

(٢) المبسوط ١ ـ ٢٩٣.

(٣) شرائع الإسلام ١ ـ ٢١٨.

(٤) الجمل والعقود ص ٢٢٢.

(٥) المبسوط ١ ـ ٢٩٣.

١٢٤

وقال ابن إدريس بعدم التعميم ، وهو اختيار المصنف والعلامة ، والنزاع لفظي.

قال طاب ثراه : ولو كان بغير الجماع مما يوجب الكفارة في شهر رمضان ، فان وجب بالنذر المعين لزمت الكفارة وان لم يكن معينا أو كان متبرعا ، فقد أطلق الشيخان لزوم الكفارة ، ولو خصاء ذلك بالثالث كان أليق بمذهبهما.

أقول : هنا أقوال مختلفة ، والمحصل وجوب الكفارة على المعتكف بالجماع مطلقا ، أي : سواء كان واجبا أو مندوبا ، في الثالث أو الأولين ، وبالإفطار في الثالث مطلقا أو المعين ، وهو مذهب العلامة في التذكرة ، والتحرير والشيخ في النهاية (١) وهو ظاهر المصنف في كتابيه. وقال في المبسوط (٢) بوجوبها مطلقا.

قوله « وقد أطلق الشيخان لزوم الكفارة » إشارة إلى إطلاق الشيخ في المبسوط والمفيد في المقنعة. ومن أفطر وهو معتكف ، وجب عليه ما يجب على فاعل ذلك في شهر رمضان متعمدا لغير علة.

قوله « ولو خصاء ذلك بالثالث كان أليق بمذهبهما » لان الشيخ في النهاية قال بوجوب الثالث دون الأولين ، وإذا لم يكونا واجبين ولا يلزم المضي فيهما لا تجب الكفارة بافطارهما.

__________________

(١) النهاية ص ١٧٢.

(٢) المبسوط ١ ـ ٢٩٤.

١٢٥

كتاب الحج

قال طاب ثراه : ولو استطاع ، فمنعه كبر ، أو مرض ، أو عدو ، ففي وجوب الاستنابة قولان ، المروي أنه يستنيب.

أقول : ذهب الشيخ في الثلاثة إلى وجوب الاستنابة ، وان زال العذر بعد ذلك حج بنفسه ، وبه قال التقي ، والقاضي ، وأبو علي. وذهب ابن إدريس الى عدم الوجوب ، واختاره المصنف والعلامة.

قال طاب ثراه : وفي اشتراط الرجوع الى صنعة أو بضاعة قولان.

أقول : الاشتراط مذهب الشيخين والتقي والقاضي وابن حمزة. وعدمه مذهب القديمين والسيد وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وإذا استقر الحج فأهمل ، قضي عنه من أصل تركته ، فلو لم يخلف سوى الأجرة قضي عنه من أقرب الأماكن. وقيل : من بلده مع السعة.

أقول : ذهب الشيخ في الكتابين الى الوجوب من أقرب الأماكن إلى الميقات واختاره المصنف ، وقال في النهاية (١) من بلده مع السعة ، واختاره ابن إدريس والمعتمد الأول.

قال طاب ثراه : إذا نذر غير حجة الإسلام لم يتداخلا ، ولو نذر حجا مطلقا ،

__________________

(١) النهاية ص ٢٨٣.

١٢٦

قيل : يجزي ان حج بنية النذر عن حجة الإسلام ، ولا تجزئ حجة الإسلام عن النذر. وقيل : لا تجزئ أحدهما عن الأخرى ، وهو أشبه.

أقول : القول المحكي هو قول الشيخ في النهاية (١) وعدم التداخل مذهبه في الجمل (٢) والمبسوط (٣) ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : فان ركب بعضا قضى ومشى ما ركب. وقيل : يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة.

أقول : إذا ركب ناذر المشي فإن كان معينا كفر لخلف النذر ولا قضاء. وان كان مطلقا ، وجب القضاء. وان ركب البعض ، قال الشيخ والقاضي : يقضي ويمشي ما ركب ويركب ما مشي ، ليحصل منهما حجة ملفقة ماشيا. وقال الأكثر بوجوب القضاء ماشيا ، ووقوع الأولى لاغية بالنسبة إلى النذر ، لأنها غير المنذورة واختاره المصنف والعلامة.

قال طاب ثراه : ولو عجز قيل : يركب ويسوق بدنة ، وقيل : يركب ولا يسوق وقيل : ان كان مطلقا توقع المكنة ، وان كان معينا سقط لعجزه.

أقول : الأول قول الشيخ في الخلاف. والثاني مع استحباب السياق قول الأكثر ، وعليه المصنف والمفيد والعلامة ، وهو المعتمد. والثالث قول ابن إدريس.

قال طاب ثراه : ويأتي النائب بالنوع المشترط (٤). وقيل : يجوز أن يعدل الى التمتع ولا يعدل عنه.

أقول : أجاز الشيخ العدول الى التمتع والى القرآن لمن استؤجر مفردا ،

__________________

(١) النهاية ص ٢٠٥.

(٢) الجمل والعقود ص ٢٢٤.

(٣) المبسوط ١ ـ ٢٩٦.

(٤) في « س » : المشروط.

١٢٧

وعن القران الى التمتع لأنه أفضل ، ومنعه الباقون ، وهو مذهب المصنف والعلامة وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وقيل لو شرط عليه الحج على طريق جاز الحج بغيرها.

أقول : إذا شرط عليه الحج على طريق فحج بغيرها ، فلا يخلو : اما أن يتعلق بالطريق غرض أولا ، فهنا قسمان :

الأول : أن لا يتعلق به غرض ، ولا كلام في صحة الحج ، وهل يعاد عليه بالتفاوت لو كان لما سلكه أسهل؟ قال الشيخ : لا ، وبالعود قال العلامة في التذكرة ، وهو حسن.

الثاني : أن يتعلق به غرض فيصح ، وهل يعاد عليه بشي‌ء؟ قال الشيخ : لا ، وقال المصنف : بل يرجع عليه بالتفاوت ، وقال العلامة : يبطل المسمى ويرجع الى أجرة المثل.

والمعتمد ما اخترناه في المهذب ، وهو لزوم أقل الأمرين : من أجرة المثل والمسمى.

قال طاب ثراه : ولو صد قبل الإكمال أستعيد من الأجرة بنسبة المتخلف ، ولا يلزم اجابته لو ضمن الحج على الأشبه.

أقول : بوجوب الإجابة قال الشيخان ، وبعدمه قال المصنف.

قال طاب ثراه : من مات وعليه حجة الإسلام وأخرى منذورة ، أخرجت حجة الإسلام من الأصل والمنذورة من الثلث ، وفيه وجه آخر.

أقول : يريد أن حجة النذر هل تخرج من الأصل كالإسلام ، ولو ضاقت التركة عنهما قسمت عليهما ، فان قصر نصيب كل واحدة عما لا يرغب فيه أجير صرف في حجة الإسلام أو تكون المنذورة من الثلث مطلقا؟

١٢٨

بالأول قال ابن إدريس ، واختاره المصنف في الشرائع (١) والعلامة وفخر المحققين والشهيد ، وهو المعتمد.

وبالثاني قال الشيخ في المبسوط (٢) والنهاية (٣) ، وهو مذهب الصدوق وأبي علي ، لرواية ضريس (٤) ، وهو ظاهر المصنف في النافع.

قال طاب ثراه : وحده من بعد عنها بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب.و قيل : اثنى عشر ميلا من كل جانب.

أقول : الأول مذهب الشيخين ، والصدوق ، واختاره المصنف والعلامة في المختلف والتذكرة ، وجزم به الشهيد. وما حكاه من تحديده بالاثني عشر مذهب الشيخ في الجمل (٥) والمبسوط (٦) والاقتصاد (٧) ، واختاره التقي وابن إدريس والعلامة في القواعد والإرشاد ، والروايات تشهد بالأول.

قال طاب ثراه : ووقوعه في أشهر الحج ، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل : وعشرة من ذي الحجة وقيل : تسعة.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية (٨) وأبي علي ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. والثاني مذهب الحسن والسيد. والثالث مذهب الشيخ

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ ـ ٢٣٥.

(٢) المبسوط ١ ـ ٣٠٦.

(٣) النهاية ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ ـ ٤٠٦ ، ح ٥٩.

(٥) الجمل والعقود ص ٢٢٤.

(٦) المبسوط ١ ـ ٣٠٦.

(٧) الاقتصاد ص ٢٩٨.

(٨) النهاية ص ٢٠٧.

١٢٩

في الجمل (١) والاقتصاد (٢).

والنزاع فيه لفظي ، لأنه لا خلاف في وجوب إيقاع الموقفين فيما حد لهما من الزمان اختيارا واضطرارا ، ووجوب إيقاع الإحرام في وقت يعلم ادراك ذلك وما زاد على ذلك من الطوافين والسعي بل الذبح ، فإنه يجزي في بقية ذي الحجة عند الجميع ، فالنزاع اذن لفظي.

قال طاب ثراه : ولو عدل هؤلاء إلى التمتع اختيارا ، ففي جوازه قولان ، أشبههما : المنع.

أقول : جواز العدول من الإفراد الى التمتع ابتداء وفسخا أحد قولي الشيخ ، والمنع مذهب الصدوقين ، والقديمين ، وابن إدريس ، والمصنف والعلامة وهو القول الأخر للشيخ.

قال طاب ثراه : وقيل : انما يحل المفرد. وقيل : لا يحل أحدهما إلا بالنية.

أقول : القارن والمفرد إذا دخلا مكة جاز لهما التطوع بالطواف قطعا ، ولا يجوز لهما تقديم طواف النساء اختيارا إجماعا.

وهل يجوز تقديم طواف الحج وسعيه من غير ضرورة؟ قال ابن إدريس : لا ، واجازه الباقون. وإذا طافا هل يجب عليهما تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف؟قال الثلاثة وأبو يعلى : نعم ، ومنع المصنف والعلامة ، واستحبا التلبية ليخرج من الخلاف ، وهو قول الخلاف ، وفيه رواية ثالثة بوجوبه على المفرد دون القارن ، وهي رواية يونس بن يعقوب (٣) وهي مرسلة.

قال طاب ثراه : ولو لبي بعد أحدهما بطلت متعته وبقي على حجه على رواية.

__________________

(١) الجمل والعقود ص ٢٢٦.

(٢) الاقتصاد ص ٣٠٠.

(٣) الكافي ٤ ـ ٢٩٩. والتهذيب ٥ ـ ١٣١.

١٣٠

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وابن إدريس لم يعتبر التلبية بل النية.

قال طاب ثراه : ولو نسي الإحرام حتى أكمل مناسكه ، فالمروي أنه لا قضاء ، وفيه وجه بالقضاء مخرج.

أقول : التخريج تعدية الحكم من منطوق به الى مسكوت عنه : اما لكون الحكم في المسكوت عنه أولى من المنطوق به ، كدلالة التأفيف على تحريم الضرب. واما لتساويهما في الحكم ، كدلالة تحريم بيع الرطب بالتمرة بيع العنب بالزبيب.

ومعنى قوله « فيه وجه بالقضاء مخرج » أي : مستنده الاجتهاد ، والاعتماد فيه على عموم أو فحوى خبر ، لا الى نص صريح. ومثل هذا يرد إذا قابله النص وهو موجود.

روي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ما حاله؟ قال : إذا قضى المناسك كلها قد تم حجه (١).

وفي معناها رواية جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى ، قال : تجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك وقد تم حجه وان لم يهل (٢).

والمخرج هو ابن إدريس قال : لأنه لم يأت بالعبادة على وجهها ، بل أوقعها على وجهها وعلى ما أمر به ، لأنه مخاطب بما في ظنه ، غايته أنه ترك ركنا ، ولا

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ ـ ١٧٥ ح ٣٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ ـ ٦١ ، ح ٣٨.

١٣١

يلزم منه بطلان الحج ، كما لو ترك الطواف ناسيا.

المقصد الأول

( في أفعال الحج )

قال طاب ثراه : وفي وجوب رمي الجمار والحلق أو التقصير تردد ، أشبهه الوجوب.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الرمي هل هو واجب أم لا؟ الأكثر على الأول ، حتى ابن إدريس ادعى عليه الإجماع ، وهو مذهب المصنف والعلامة وهو المعتمد. والشيخ في الجمل (١) والقاضي على الثاني ، وهو ظاهر المفيد.

الثانية : الحلق أو التقصير ، وبوجوبه قال الشيخ في المبسوط (٢) ، والصدوق في المقنع (٣) والمفيد وتلميذه ، وباستحبابه قال الشيخ في التبيان (٤).

قال طاب ثراه : وقيل : يجوز تقديم (٥) الغسل على الميقات لمن خاف عوز الماء فيه.

أقول : القائل هو الشيخ وأتباعه وابن إدريس ، مستنده رواية هشام بن سالم

__________________

(١) الجمل والعقود ص ٢٣٤.

(٢) المبسوط ١ ـ ٣٦٩.

(٣) المقنع ص ٨٩.

(٤) التبيان ٢ ـ ١٥٤.

(٥) في « ق » : وقيل بجواز تقديم. وفي المختصر المطبوع : وقيل يجوز أن يقدم.

١٣٢

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أرسلنا الى أبي عبد الله عليه‌السلام ونحن بالمدينة أنا نريد أن نودعك ، فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة ، فإني أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة ، فاغتسلوا بالمدينة وألبسوا ثيابكم ، ثم تعالوا فرادى أو مثنى (١). وتوقف المصنف ، ولا وجه له ، لوجود ما يصار اليه من النقل.

قال طاب ثراه : وأما القارن ، فله أن يعقده بها أو بالإشعار أو التقليد على الأظهر.

أقول : منع السيد وابن إدريس من الانعقاد بغير التلبية في الأنواع الثلاثة ، وأجاز الشيخ للقارن العقد بالتقليد ، وهو قول التقي وسلار وأبي علي.

قال طاب ثراه : وقيل يضيف الى ذلك : أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك.

أقول : المشهور أن التلبيات الأربع وهو قول الشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) وبه قال التقي ، والقاضي ، وابن حمزة ، وابن إدريس ، واختاره المصنف ، والعلامة ، وفخر المحققين ، والشهيد ، وهو المعتمد.

وفي كيفيتها ثلاثة أقوال :

الأول : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، وهو قول المصنف.

الثاني : لبيك اللهم اللهم لبيك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، والقاضي ، والتقي ، وابن حمزة ، وابن إدريس.

الثالث : قول العلامة ، وله عبارتان : إحداهما لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ ـ ٦٣ ـ ٦٤ ، ح ١٠.

(٢) النهاية ص ٢١٥.

(٣) المبسوط ١ ـ ٣١٦.

١٣٣

لك لبيك أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، وهو في صحيحة (١) معاوية ابن عمار عن الصادق عليه‌السلام وبمضمونها قال في المختلف. والأخرى لبيك اللهم لبيك لبيك أن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك ، وهي المشهورة في كتبه.

قال طاب ثراه : وفي جواز لبس الحرير للمرأة روايتان ، أشهرهما : المنع.

أقول : المنع مختار الشيخ وأبي علي ، والجواز مختار المفيد وابن إدريس والعلامة.

قال طاب ثراه : وللمعتمر بالمتعة حتى يشاهد بيوت مكة ، وبالمفردة إذا دخل الحرم من خارجه ، وإذا شاهد الكعبة ان أحرم من الحرم. وقيل : بالتخيير.و هو أشبه.

أقول : مراده ان المعتمر إفرادا ان كان أهله خارج الحرم كرر التلبية حتى يدخل الحرم ، وان كان من أهل الحرم وقد خرج ليحرم بها من خارج ، إذ ميقاتها أدنى الحل ولا يجزي من الحرم ، كرر التلبية حتى يشاهد الكعبة ، وهو مذهب الشيخ ، وبه قال القديمان. وقال الصدوق بالتخير.

قال طاب ثراه : والمتمتع إذا طاف وسعى ، ثم أحرم [ بالحج ] (٢) قبل التقصير ناسيا مضى في حجه ولا شي‌ء عليه ، وفي رواية عليه دم.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج ، فقال عليه‌السلام : عليه دم يهريقه (٣). وبمضمونها قال الشيخ والتقي والفقيه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ ـ ٨٤ ، ح ٨٥.

(٢) الزيادة من المختصر المطبوع.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ ـ ١٥٩ ، ح ٥٢.

١٣٤

وقال سلار : عليه دم ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو أحرم عامدا بطلت متعته على رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

أقول : روى الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر ، فليس عليه أن يقصر وليس له متعة (١).وحملها الشيخ على المتعمد.

وقال ابن إدريس : يبطل إحرامه الثاني ، للنهي عنه. ورجح العلامة في المختلف قول الشيخ.

قال طاب ثراه : والطيب. وقيل : لا يحرم إلا أربعة : المشك ، والعنبر ، والزعفران ، والورس ، وأضاف في الخلاف العود والكافور.

أقول : للشيخ في الطيب ثلاثة أقوال :

الأول : أنه الأربعة المحكية ، وهو قوله في التهذيب (٢).

الثاني : انه ستة بإضافة العود والكافور إليها ، وهو قوله في الخلاف (٣) والنهاية (٤) ، وبه قال ابن حمزة.

الثالث : انه محرم على العموم ، وهو قوله في المبسوط (٥) ، والاقتصاد (٦) ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ ـ ١٥٩ ، ح ٥٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ ـ ٧٤.

(٣) الخلاف ٢ ـ ٣٠٢.

(٤) النهاية ص ٢١٩.

(٥) المبسوط ١ ـ ٣١٩.

(٦) الاقتصاد ص ٣٠١.

١٣٥

وبه قال الحسن والسيد والمفيد وتلميذه والتقي وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولبس المخيط للرجال ، وفي النساء قولان.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) الى المنع ، وهو ظاهر الحسن.وذهب ابن إدريس إلى الجواز ، وهو اختيار الأكثر ، وبه قال الحسن والسيد والمفيد وتلميذه والتقي وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وادعى عليه الإجماع في التذكرة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وقيل : يشق عن القدم.

أقول : القائل هو الشيخ وابن حمزة وأبو علي ، واختاره العلامة في المختلف ، ولم يوجبه ابن إدريس ، واختاره المصنف ، وأطلق في النهاية (٣) ولم يذكر الشق ، وكذا الحسن.

قال طاب ثراه : وفي الاكتحال بالسواد ، والنظر في المرآة ، ولبس الخاتم للزينة ، ولبس المرأة ما لم تعتده من الحلي ، والحجامة لا للضرورة ، وذلك الجسد ، ولبس السلاح لا مع الضرورة قولان ، أشبههما : الكراهية.

أقول : هنا مسائل :

الأول : الاكتحال بالسواد ، وبتحريمه قال في النهاية (٤) والمبسوط (٥) ، وبه قال المفيد وتلميذه وابن إدريس والعلامة في المختلف والإرشاد ، وهو المعتمد

__________________

(١) النهاية ص ٢١٨.

(٢) المبسوط ١ ـ ٣١٧.

(٣) النهاية ص ٢١٨.

(٤) النهاية ص ٢٢٠.

(٥) المبسوط ١ ـ ٣٢١.

١٣٦

وبكراهته قال في الخلاف (١) والاقتصاد (٢).

الثاني : النظر في المرآة وبالتحريم قال في النهاية (٣) والمبسوط (٤) ، وهو قول التقي ، والعلامة ، وابن إدريس. وبالكراهة قال في الخلاف (٥) ، وتبعه القاضي وابن حمزة والمصنف.

الثالث : لبس الخاتم للزينة ، قال بتحريمه في المبسوط (٦) ، وعليه ابن إدريس. وبكراهته قال في الجمل (٧) وعليه المصنف.

الرابع : لبس المرأة ما لم تعتده من الحلي حرمه في المبسوط (٨) ، وكرهه في غيره.

الخامس : الحجامة لا للضرورة ، وبتحريمها قال المفيد ، وتلميذه وابن إدريس ، والقاضي ، والتقي ، والعلامة في المختلف. وبالكراهة قال في الخلاف (٩) ، وابن حمزة ، والمصنف.

السادس : دلك الجسد لا على وجه الإدماء ، ولا خلاف في الكراهة مع عدم الإدماء ، قال المصنف بكراهته ، وهو قول الشيخ في الجمل (١٠) ، وله قول آخر بالتحريم ، واختاره العلامة.

__________________

(١) الخلاف ٢ ـ ٣١٣.

(٢) الاقتصاد ص ٣٠٢.

(٣) النهاية ص ٢٢٠.

(٤) المبسوط ١ ـ ٣٢١.

(٥) الخلاف ٢ ـ ٣١٩.

(٦) المبسوط ١ ـ ٣٢٠.

(٧) الجمل والعقود ص ٢٢٨.

(٨) المبسوط ١ ـ ٣٢٠.

(٩) الخلاف ٢ ـ ٣١٥.

(١٠) الجمل والعقود ص ٢٢٩.

١٣٧

السابع : لبس السلاح لغير ضرورة حرمه في المبسوط (١) والنهاية (٢) ، وكذا التقي ، والقاضي ، وابن حمزة ، وابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف.وكرهه في غيره ، واختاره المصنف. والمعتمد التحريم في الكل.

قال طاب ثراه : ولو لم يدرك عرفات نهارا وأدركها ليلا ولم يدرك المشعر حتى طلعت الشمس ، فقد فاته الحج. وقيل : يصح حجه ولو أدركه قبل الزوال.

أقول : ادراك الاختياريين مجزءا بالإجماع ، وكذا اختياري المشعر ، وفي اختياري عرفة قول بعدم الاجزاء محرج (٣). والأقرب فيه الاجزاء. وكذا الاضطراريان على ما اختاره المفيد ، وهو ظاهر كتابي الاخبار.

وقيل : بعدم الاجزاء فيهما لرواية محمد بن سنان (٤) واضطراري المشعر وحده مجزئ عند الصدوق وأبي علي ، وهو ظاهر السيد ، والأقوى فيه عدم الإجزاء.

أما اضطراري عرفة وحده ، فلا يجزي إجماعا.

قال طاب ثراه : وقيل يستحب الصعود على قزح.

أقول : القائل بذلك الشيخ في المبسوط (٥) ، وتبعه الباقون ، ولما لم يظفر المصنف له بمستند في الروايات ، قال ، وقيل : وهو جبل صغير بالمشعر وعليه مسجد اليوم.

قال طاب ثراه : وقيل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف.

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ٣٢٢.

(٢) النهاية ص ٢٢٢.

(٣) في « س » : مخرج.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ ـ ٢٩٠ ، ح ٢١.

(٥) المبسوط ١ ـ ٣٦٨.

١٣٨

أقول : لم يستثن المتقدمون من الأصحاب سوى المسجدين ، والمتأخرون على المنع من سائر المساجد.

قال طاب ثراه : ولا يجزي الواحد الا عن واحد في الواجب ، ولا بأس به في الندب. وقيل : يجزي عند الضرورة عن سبعة ، وعن سبعين لأهل الخوان الواحد.

أقول : القائل بذلك المفيد والقاضي والشيخ في أحد قوليه والعلامة في المختلف وأكثر المتقدمين. وقال الفقيه : تجزئ البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت ، واختاره سلار. وقال في الخلاف (١) : لا يجزي الواحد في الواجب الا عن واحد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

ويجزي في الندب ، والمراد به الأضحية المندوبة لا الحج المندوب ، لأنه ينقلب واجبا.

قال طاب ثراه : وقيل ان تكون هذه المواضع منها سوادا.

أقول : هذا قول ابن إدريس ، وقال أهل التأويل : ان يكون من عظمة شحمه (٢) ينظر في شحمه ، ويمشي في فيئه ، ويبرك في ظل شحمه ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنه أنفع للفقراء ، وهو حسن.

قال طاب ثراه : وقيل يجب الأكل منه.

أقول : هذا قول ابن إدريس ، ومستنده الآية (٣) ، وعليه العلامة ، وهو المعتمد ، وظاهر الشيخ والتقي الاستحباب ، وكذا المصنف.

قال طاب ثراه : ولو فقد الهدي ووجد ثمنه ، استناب في شرائه وذبحه طول

__________________

(١) الخلاف ٢ ـ ٤٤٢.

(٢) في « ق » : من عظمه وشحمه.

(٣) وهي قوله تعالى ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) سورة الحج : ٢٨.

١٣٩

ذي الحجة. وقيل : ينتقل فرضه الى الصوم.

أقول : هذا هو المعتمد ، وهو اختيار السيد ، والصدوقين ، والقاضي ، وابن حمزة ، والعلامة ومذهب المصنف. وقال ابن إدريس : ينتقل فرضه الى الصوم ، وهو مذهب الحسن. وخير أبو علي بين الحكمين وبين الصدقة بثمنه.

قال طاب ثراه : ولو كان صرورة أو ملبدا على الأظهر.

أقول : ذهب أبو علي والشيخ في أحد قوليه الى وجوب الحلق على الملبد والصرورة ، واجزاء التقصير للجميع ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : والقران مبطل في الفريضة على أشهر الروايتين.

أقول : معنى القران في الطواف أن يقرن بين الطوافين ، بأن لا يفصل بينهما بصلاة. وهل هو محرم إذا كان في طواف الفريضة أو مكروه؟ بالأول قال المصنف في كتابه. وبالثاني قال ابن إدريس.

احتج الأولون بما رواه علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يطوف يقرن بين أسبوعين؟ فقال : ان شئت رويت لك عن أهل المدينة ، قال قلت : لا والله ما لي في ذلك حاجة ، جعلت فداك ولكن إرو لي ما أدين الله عزوجل به ، فقال : لا تقرن بين أسبوعين ، كلما طفت أسبوعا فصل ركعتين الحديث (١).

وعن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا : سألناه عن قران الطواف بالاسبوعين والثلاثة ، قال : انما هو أسبوع وركعتان ، وقال : كان أبي يطوف مع محمد بن إبراهيم فيقرن ، وانما كان ذلك منه لحال التقية (٢). وفي صحيحة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ ـ ١١٥ ، ح ٤٦.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ ـ ١١٥ ، ح ٤٧.

١٤٠