المقتصر

الشيخ ابن فهد الحلّي

المقتصر

المؤلف:

الشيخ ابن فهد الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

قال طاب ثراه : وقوله مقبول في التلف ، ولا يقبل في الرد إلا ببينة على الأشبه.

أقول : مختار المصنف هو المعتمد ، وهو مذهب العلامة. وقال في المبسوط (١) : القول قول العامل.

قال طاب ثراه : ولا يطأ العامل (٢) جارية القراض ، ولو كان المالك أذن له ، وفيه رواية بالجواز مهجورة (٣).

أقول : لا يجوز للعامل أن يطأ جارية القراض ، لأنه مع ظهور الربح شريك ، ولا يحل له وطئ الجارية المشتركة ، على ما يأتي في كتاب النكاح.

ومع عدم الربح لا يصح له أيضا وطؤها بالاذن ، لتقدمه على المالك ، لأن الاذن في الوطي : اما أن يلحق بالإباحة ، أو العقد ، وكلاهما لا يتقدم على الملك ، وهو مذهب الأكثر ، وعليه المصنف والعلامة ، وفخر المحققين.

وقال في النهاية (٤) : له وطؤها بالإذن السابق ، معولا على ما رواه مرفوعا إلى الكاهلي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قلت : رجل سألني أن أسألكم أن رجلا أعطاه مالا مضاربة يشتري له ما يرى من شي‌ء ، وقال : اشتر جارية تكون معك ، والجارية انما هي لصاحب المال ، ان كان فيها وضيعة فعليه ، وان كان فيها ربح فله ، وللمضارب أن يطأها؟ قال : نعم (٥). وفي طريقها سماعة ، وهو واقفي.

__________________

(١) المبسوط ٣ ـ ١٧٤.

(٢) في المختصر المطبوع : المضارب.

(٣) في « ق » والمختصر المطبوع : متروكة.

(٤) النهاية ص ٤٣٠.

(٥) تهذيب الأحكام ٧ ـ ١٩١ ، ح ٣١.

٢٠١

كتاب المزارعة والمساقاة

قال طاب ثراه : ولا تبطل بموت أحدهما على الأشبه.

أقول : يريد أن المساقاة لا تبطل بموت العامل ولا المالك ، بل يقوم وارث كل منهما مقامه ، لأنه من العقود اللازمة كالإجارة ، وهي لا تبطل بالموت ، ومن قال ببطلانها في الإجارة قال به هنا.

٢٠٢

كتاب الوديعة والعارية

قال طاب ثراه : ولو اختلفا في القيمة ، فالقول قول المالك مع يمينه. وقيل : القول قول المستودع. وهو أشبه.

أقول : يريد إذا ثبت تفريط الودعي بإقراره أو البينة ، لزمه ضمان العين ، مثلا أو قيمة.

فإن اختلفا في القيمة ، فالقول قوله ، لأنه غارم ، قاله التقي ، وبه قال ابن حمزة ، وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

وقال الشيخان : القول قول المالك.

قال طاب ثراه : ولو اختلفا في القيمة قولان أشبههما : قول الغارم.

أقول : مختار المصنف مذهب العلامة ، وبه قال القاضي ، وسلار ، وابن إدريس.

وقال الشيخان : يقدم قول المالك.

٢٠٣

كتاب الإجارة

قال طاب ثراه : وهل تبطل بالموت؟ قال الشيخان : نعم. وقال المرتضى : لا تبطل. وهو أشبه.

أقول : بطلان الإجارة بموت كل منهما مذهب الشيخين وتلميذيهما ، وبه قال ابن حمزة.

وعدم البطلان مذهب السيد وابن إدريس والتقي ، وظاهر أبي علي والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

وبطلانها بموت المستأجر دون الموجر مختار الشيخ في المبسوط (١) ، ونقله في الخلاف عن الأصحاب.

قال طاب ثراه : وأن تكون الأجرة معلومة كيلا أو وزنا. وقيل : تكفي المشاهدة.

أقول : الاكتفاء بالمشاهدة في الأجرة مذهب الشيخ في المبسوط (٢) والسيد

__________________

(١) المبسوط ٣ ـ ٢٢٤.

(٢) المبسوط ٣ ـ ٢٢٦.

٢٠٤

المرتضى وظاهر النهاية (١) المنع ، وبه قال ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو اختلفا في قيمة الدابة أو أرش نقصها ، فالقول قول الغارم.و في رواية القول قول المالك.

أقول : مختار المصنف هو مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد. وفي النهاية (٢) القول قول المالك في الدابة ، وفي غيرها القول قول الغارم.

__________________

(١) النهاية ص ٤٤٣.

(٢) النهاية ص ٤٤٦.

٢٠٥

كتاب الوكالة

قال طاب ثراه : ولا ينعزل ما لم يعلم العزل وان أشهد على الأصح.

أقول : ذهب أبو علي الى عدم انعزاله الا مع العلم ، وتصرفه ماض على الموكل وان تأخر عن الاشهاد ، وقواه الشيخ في الخلاف ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد وفخر المحققين ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في النهاية (١) : ينعزل بالإشهاد على العزل وان لم يعلم ، وكذا لو علم العزل وان لم يكن الاشهاد وتبعه القاضي وابن حمزة والتقي وابن إدريس ، ولم يشرطهما العلامة في القواعد بل قال بعزله مطلقا.

قال طاب ثراه : وتصح الوكالة في الطلاق للغائب والحاضر على الأصح.

أقول : الجواز مذهب ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد والمنع مذهب الشيخ في النهاية (٢) وتبعه القاضي والتقي.

قال طاب ثراه : وفي وكالته على المسلم تردد.

أقول : يريد أن المسلم هل يجوز ان يكون وكيلا لذمي على مسلم ، قال الشيخ

__________________

(١) النهاية ص ٣١٨.

(٢) النهاية ص ٣١٩.

٢٠٦

في النهاية (١) والخلاف : لا ، وهو مذهب التقي والمفيد وتلميذه ، وهو المعتمد حذرا من تسلطه على المسلمين.

وقال في المبسوط (٢) : نعم على كراهية ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة.

واعلم أن الوكيل : اما مسلم ، أو كافر. فان كان مسلما ، فمسائله أربع :

الاولى : أن يتوكل لمسلم على مسلم.

الثانية : أن يتوكل لمسلم على ذمي.

الثالثة : ان يتوكل لذمي على ذمي وهذه الثلاثة جائزة إجماعا.

الرابعة : أن يتوكل لذمي على مسلم ، وهي مسألة الخلاف.

وان كان ذميا ، فمسائله أربع :

الاولى : ان يتوكل لمسلم على ذمي.

الثانية : أن يتوكل لذمي على ذمي ، وهما جائزان إجماعا.

الثالثة : أن يتوكل لذمي على مسلم ، وهو باطل قطعا.

الرابعة : أن يتوكل لمسلم على مسلم ، وهو باطل عندنا.

قال طاب ثراه : ولو اختلفا في الرد فقولان ، أحدهما : القول قول الموكل مع يمينه. والثاني : القول قول الوكيل ما لم يكن بجعل ، وهو أشبه.

أقول : ذهب ابن إدريس الى أن القول قول المالك مطلقا ، واختاره العلامة والمصنف في الشرائع (٣) وذهب الشيخ في المبسوط (٤) الى ان القول قول

__________________

(١) النهاية ص ٣١٧.

(٢) المبسوط ٢ ـ ٣٩٢.

(٣) شرائع الإسلام ٢ ـ ٢٠٥.

(٤) المبسوط ٢ ـ ٣٧٢.

٢٠٧

الوكيل إذا لم يكن بجعل كالمودع وتبعه القاضي والمصنف في النافع. وقيل القول : قوله مطلقا حكاه في المبسوط.

قال طاب ثراه : لو زوجه مدعيا وكالته ، فأنكر الموكل ، فالقول قول المنكر مع يمينه ، وعلى الوكيل مهرها ، وروي نصف مهرها ، لأنه ضيع حقها ، وعلى الزوج ان كان وكل.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي إلى وجوب المهر كملا على الوكيل ، واختاره العلامة في كتاب فتواه ، وأوجب في المبسوط نصفه ، واختاره ابن إدريس.

لرواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه‌السلام في رجل قال لآخر اخطب لي فلانة فما فعلت من شي‌ء مما قالت من صداق ، أو ضمنت من شي‌ء ، أو شرطت ، فذلك رضاك وهو لازم لي ، ولم يشهد على ذلك ، فذهب فخطب له وبذلت عنه الصداق وغير ذلك مما طالبوه وسألوه ، فلما رجع إليه أنكر ذلك كله.

قال عليه‌السلام : يغرم لها نصف الصداق ، وذلك أنه هو الذي ضيع حقها ، فلها أن لم يشهد لها عليه بذلك الذي قال له ، وحل لها أن تتزوج ، ولا تحل للأول فيما بينه وبين الله الا أن يطلقها ، لان الله تعالى يقول « فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ » فان لم يفعل فإنه مأثوم فيما بينه وبين الله عزوجل ، وكان الحكم الظاهر حكم الإسلام قد أباح لها (٢).

وقوى العلامة في المختلف بطلان العقد في الظاهر مع يمين الموكل على نفي التوكيل ، ولا يجب على الوكيل شي‌ء ، كالحكم في غير التزويج.

ثم الوكيل ان كان صادقا ، فلا شي‌ء عليه. وان كان كاذبا ، وجب عليه الطلاق ، ودفع نصف المهر ، وحكاه عن بعض الأصحاب.

__________________

(١) النهاية ص ٣١٩.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ ـ ٢١٣ ـ ٢١٤.

٢٠٨

كتاب الوقوف والصدقات والهبات

قال طاب ثراه : ولو جعله لمن ينقرض غالبا ، صح ويرجع بعد موت الوقوف إلى ورثة الواقف مطلقا وقيل : ينتقل إلى ورثة الموقوف. والأول مروي.

أقول : إذا وقف على من ينقرض غالبا قال المصنف : صح ، وهو مذهب الشيخين وتلميذيهما وابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، ويكون سكنى أو عمرى أو حبسا بلفظ الوقف.

إذا عرفت هذا : فاذا مات الموقوف عليه ، هل يرجع هذا الوقف الى الواقف أو الموقوف عليه أو الى البر؟ بالأول قال الشيخ ، وتبعه القاضي ، وهو لازم لابن حمزة ، حيث جعله سكنى أو عمرى ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد. وبالثاني قال المفيد وابن إدريس. وبالثالث قال ابن زهرة.

قال طاب ثراه : ولو شرط عوده عند الحاجة ، فقولان ، أشبههما : البطلان.

أقول : ذهب السيد والمفيد وتلميذه إلى صحة الوقف والشرط ، وهو أحد قولي العلامة. وقال في النهاية (١) بصحة الشرط والعقد ويكون حبسا ، فان رجع فيه مع الحاجة ورث عنه ، وكذا لو مات ولم يرجع ، وتبعه القاضي واختاره

__________________

(١) النهاية ص ٥٩٥.

٢٠٩

العلامة في المختلف. وقال في المبسوط (١) ببطلان العقد ، وهو مذهب أبي علي واختاره ابن حمزة وابن إدريس.

قال طاب ثراه : وفي وقف من بلغ عشرا تردد ، والمروي جواز صدقته ، والاولى المنع.

أقول : سوغ الشيخ وقفه في المعروف ، وبه قال التقي وأبو علي ، ومنع سلار وابن إدريس وعليه المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ويجوز أن يجعل الواقف النظر لنفسه على الأشبه.

أقول : منع ابن إدريس من صحة هذا الشرط وأبطل به الوقف ، وأجازه المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو وقف على ذلك الكافر صح ، وفيه وجه آخر.

أقول : إذا وقف المسلم على البيعة والكنيسة لعمارتهما وفرشهما وأضوائهما لم يصح ، ولو وقف ذلك الذمي جاز عند علمائنا ، لا نعلم فيه مخالفا.

أما لو وقف الذمي على ما سوى ذلك مما يرى تعظيمه ويشرك فيه بغير الله تعالى ، كبيوت النيران والأصنام ، فقد أطلق المفيد الصحة ، وكذا الشهيد ، لأنهم يقرون على معتقدهم ، وصرح العلامة بالبطلان ، وهو مذهب أبي علي ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : والمؤمنون الاثنا عشرية ، وقيل : مجتنبوا الكبائر.

أقول : الأول قول الشيخ في التبيان ، وبه قال سلار وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة. والثاني قاله في النهاية (٢) ، وبه قال المفيد والقاضي وابن حمزة ، وهو قوي.

__________________

(١) المبسوط ٣ ـ ٣٠٠.

(٢) النهاية ص ٥٩٧.

٢١٠

قال طاب ثراه : ولو نسبهم إلى أب ، كان لمن انتسب إليه بالأبناء دون البنات على الخلاف ، كالعلوية والهاشمية.

أقول : المسألة تقدمت في كتاب الخمس.

قال طاب ثراه : ويرجع في الجيران الى العرف. وقيل : هو من يلي داره إلى أربعين ذراعا. وقيل : إلى أربعين دارا. وهو مطروح.

أقول : الأول مختار المصنف ، وهو مذهب العلامة.

والثاني مذهب الشيخين وتلميذيهما وابن حمزة وابن زهرة ، واختاره ابن إدريس.

والثالث لبعض الأصحاب ، وهو متروك.

قال طاب ثراه : ولو وقف على مصلحة فبطلت ، قيل : انصرف الى البر.

أقول : هذا القول هو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، وتردد المصنف طلبا للدليل ، وهو ضعيف.

قال طاب ثراه : وهل له ذلك مع أصاغر ولده؟ فيه خلاف ، والجواز مروي.

أقول : الجواز مذهب الشيخ في النهاية (١) ، وتبعه القاضي. وأطلق الأصحاب المنع ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولا يجوز إخراج الوقف عن شرطه ولا بيعه ، الا ان يقع خلف يؤدي الى فساد على تردد.

أقول : منع ابن إدريس من بيعه مطلقا ، سواء وقع خلف أو لا ، وسواء تعطل أو لا ، وهو مذهب أبي علي ، وأجاز السيد والمفيد بيعه إذا كان أنفع لأرباب الوقف

__________________

(١) النهاية ص ٥٩٥.

٢١١

من بقائه.

وأجاز المصنف إذا تعطل أو خشي خرابه ، وتبعه العلامة ، وهو المعتمد ، وحينئذ يصرف ثمنه في ملك يستغله أرباب الوقف ، ومهما أمكن (١) المماثلة بينه وبين الوقف كان أولى.

قال طاب ثراه : ولا يرجع في الهبة لأحد الأبوين (٢) بعد القبض ، وفي غيرهما من ذوي الرحم على الخلاف.

أقول : أما هبة الأبوين ، فلا يجوز فيها الرجوع بعد القبض إجماعا. وأما غيرهما من ذوي الرحم ، فكذلك عند القاضي والمفيد وتلميذه ، واختاره العلامة وهو ظاهر المصنف ، وهو المعتمد ، واجازه الشيخ في الكتابين ، واختاره السيد وابن إدريس.

قال طاب ثراه : ولو وهب أحد الزوجين الأخر ، ففي الرجوع تردد ، أشبهه الكراهية.

أقول : مختار المصنف هو مذهب الشيخ وابن إدريس ، ونقل في الخلاف عن الأصحاب تحريم الرجوع ، واختاره العلامة في التذكرة وفخر المحققين ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ومع التصرف قولان.

أقول : منع في النهاية (٣) من الرجوع مع تصرف المتهب وتبعه القاضي وابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد. وأجازه أبو علي ، واختاره المصنف.

وهنا تفريعات وتحقيقات ذكرناها في المهذب.

__________________

(١) في « ق » : أمكنت.

(٢) في المختصر المطبوع : الوالدين.

(٣) النهاية ص ٦٠٣.

٢١٢

كتاب السبق والرماية

قال طاب ثراه : وفي لزومها تردد ، أشبهه اللزوم.

أقول : مختار المصنف هو مذهب ابن إدريس ، وذهب الشيخ في الكتابين إلى أنه من العقود الجائزة ، واختاره العلامة.

قال طاب ثراه : وفي اشتراط التساوي في الموقف تردد.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم الاشتراط ، لأنه مبني على التراضي ، وهو اختيار المصنف والعلامة. وقيل : باشتراطه ، لأنه أقرب الى العدل.والمعتمد الأول.

قال طاب ثراه : وفي اشتراط المبادرة والمحاطة تردد.

أقول : المبادرة : أن يبادر أحدهما ، أي : يسبق إلى إصابة العدد المشروط كما لو تراضيا على مراماة عشرين سهما والإصابة خمسة ، فمن بدر الى تكميلها قبل الأخر كان هو السابق.

والمحاطة : إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة شيئا فشي‌ء إلى الأخير.

إذا تقرر هذا : فهل ذكرهما شرط في عقد الرهان؟ قيل : نعم ، لان هذا العقد انما شرع لبعث العزم على القتال والهداية لممارسة النضال ، وباشتراط أحدهما يتأكد المقصود وترتفع الجهالة. وقيل : لا ويحمل الإطلاق على المحاطة ، وهو المعتمد.

٢١٣

كتاب الوصايا

قال طاب ثراه : ولا يجب العمل بما يوجد بخط الميت. وقيل : ان عمل الورثة ببعضها لزمهم العمل بجميعها.

أقول : القائل بذلك الشيخ في النهاية (١) ، ومنع ابن إدريس ، وهو مذهب المصنف والعلامة وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي وصية من بلغ عشرا في البر تردد.

أقول : أنفذ الشيخ في النهاية (٢) وصية الصبي إذا جمع ثلاث شرائط : بلوغه العشر ، ووضعه الأشياء في مواضعها ، وكونها في المعروف. ولم يشترط التقي سوى بلوغ العشر.

وأبو علي اكتفى ببلوغ ثمان في الذكر ، وسبع في الأنثى ، ولم يعتبر باقي الشرائط ، ومنع المصنف والعلامة وابن إدريس إلا مع البلوغ ، وهو أحوط.

__________________

(١) النهاية ص ٦٢١ ـ ٦٢٢.

(٢) النهاية ص ٦١١.

٢١٤

قال طاب ثراه : وللذمي ولو كان أجنبيا ، وفيه أقوال ، ولا تصح للحربي.

أقول : لا تصح الوصية للحربي وان كان رحما على المشهور ، وظاهر المبسوط (١) يقتضي الجواز فيه ، وكذا المفيد وتلميذه والتقي ، فإنهم أجازوا في الرحم ، ولم يفرقوا بين الحربي والذمي ، وصرح في الخلاف بالمنع ، وهو المعتمد.

وأما الذمي ، فتصح الوصية له مطلقا عند ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، ولا مطلقا عند القاضي ، وللرحم دون الأجنبي حكاه في الخلاف عن بعض الأصحاب.

قال طاب ثراه : ويعتبر ما يوصى به لمملوكه (٢) ، فان كان بقدر قيمته أعتق ، وكان الموصى به للورثة ، فإن زاد أعطي العبد الزائد ، وان نقص عن قيمته سعى العبد في الباقي. وقيل : ان كانت قيمته ضعف الوصية بطلت ، وفي المستند ضعف.

أقول : مختار المصنف وهو استسعاء العبد فيما بقي من قيمته بالغا ما بلغ مذهب ابن إدريس ، وعليه دل إطلاق الفقيه والتقي والشيخ في الخلاف ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

واشترط الشيخان في النهاية (٣) والمقنعة زيادة وصيته عن نصف القيمة ، عملا برواية الحسن بن صالح (٤) ، وهو زيدي.

قال طاب ثراه : ولو أعتقه عند موته وليس غيره وعليه دين ، فان كانت قيمته بقدر الدين مرتين صح العتق ، والا بطل ، وفيه وجه آخر ضعيف.

أقول : إذا أعتق عبده المستوعب عند موته ، فان قلنا المنجزات من الأصل عتق أجمع ولا شي‌ء عليه ، وان قلنا انها من الثلث ، فمذهبان : أحدهما : مذهب

__________________

(١) في المبسوط ٤ ـ ٥١.

(٢) في المختصر المطبوع : لمملوكه بعد خروجه من الثلث.

(٣) النهاية ص ٦١٠.

(٤) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٢١٦ ، ح ١.

٢١٥

المصنف ، وهو اشتراط كون القيمة ضعف الدين ، فينعتق سدسه ويسعى للديان في نصفه ، وللورثة في ثلثه.

وان كان الدين أكثر من نصف القيمة ، بطل العتق وصرف نصفه في الدين واسترق الورثة النصف ، وهو مذهب المفيد ، ولم يشترط العلامة ذلك ، بل حكم بصحة العتق من ثلث الفاضل عن الدين وان قل. والمعتمد الأول.

قال طاب ثراه : ولو أوصى لأم ولده صح ، وهل تعتق من الوصية أو من نصيب الولد؟ فيه قولان.

أقول : ذهب ابن إدريس إلى أنها تعتق من الوصية. وان قصرت عن قيمتها أكمل من نصيب الولد ، واختاره المصنف ، وهو المعتمد. وذهب الشيخ في النهاية (١) إلى أنها تعتق من نصيب الولد ولها الوصية ، وللعلامة القولان.

وفي صحيحة أبي عبيدة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له أم ولد له منها غلام ، فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو بأكثر للورثة أن يسترقوها؟ قال فقال عليه‌السلام : لا بل تعتق من ثلث الميت وتعطى ما أوصى لها به (٢).

قال طاب ثراه : وفي الوصية لأعمامه وأخواله رواية بالتفضيل كالميراث ، والأشبه التسوية.

أقول : تفضيل الأعمام على الأخوال كالميراث ، مذهب أبي علي والشيخ وتلميذه. والتسوية مذهب ابن إدريس واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وإذا أوصى لقرابته ، فهم المعرفون بنسبه. وقيل : لمن يتقرب اليه بآخر أب وأم في الإسلام.

أقول : ذهب الشيخ في الكتابين وابن إدريس والمصنف والعلامة إلى التفسير

__________________

(١) النهاية ص ٦١١.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٢٢٤ ، ح ٣٠.

٢١٦

الأول ، حملا للفظ على المعنى العرفي عند تجرده عن الوضع الشرعي. وذهب المفيد الى التفسير الثاني ، وقال في الخلاف : ولم أجد به نصا. والأول هو المعتمد.

قال طاب ثراه : وإذا مات الموصى له قبل الموصي ، انتقل ما كان للموصى له الى ورثته ما لم يرجع الموصي على الأشهر.

أقول : هذا هو المشهور ، وهو مذهب المفيد ، ورواه الصدوق ، واختاره العلامة في المعتمد. وقال أبو علي تبطل الوصية ، واختاره العلامة في المختلف.

قال طاب ثراه : ويعتبر التكليف والإسلام ، وفي اعتبار العدالة تردد ، أشبهه أنها لا تعتبر.

أقول : ذهب الشيخان في المبسوط (١) والمقنعة وتلميذهما وابن حمزة والشهيد الى اعتبار العدالة ، وجزم به العلامة في المعتمد وذهب ابن إدريس الى عدم اعتبارها واختاره المصنف والعلامة في المختلف.

قال طاب ثراه : ويأخذ الوصي أجرة المثل. وقيل : قدر الكفاية ، هذا مع الحاجة.

أقول : قال الشيخ في النهاية له قدر الكفاية ، وبه قال ابن إدريس بشرط الحاجة ، فلا يجوز مع الغناء للاية (٢).

ونقل العلامة في التذكرة عن بعض علمائنا أن للمحتاج قدر الكفاية وليس له ذلك مع الاستغناء.

لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل وأنا حاضر عن القيم لليتامى في الشراء لهم والبيع فيما يصلحهم إله أن يأكل من أموالهم؟ فقال : لا بأس

__________________

(١) المبسوط ٤ ـ ٥١.

(٢) قوله تعالى ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) سورة النساء : ٦.

٢١٧

أن يأكل من أموالهم بالمعروف ، كما قال الله تعالى في كتابه « وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ » هو القوت ، وانما عنى فليأكل بالمعروف الوصي والقيم في أموالهم بما يصلحهم (١).

وقال المصنف والعلامة والشهيد له أجرة المثل ، لأنه عمل عملا محترما ولم يتبرع به ، فكان له قيمته ، وهو أجرة المثل. وقال في المبسوط والتبيان (٢) له أقل الأمرين ، لأنه أحوط. وحمل الشيخ وأبو علي والعلامة الاستعفاف على الندب ، وهو حسن.

والمعتمد أجرة المثل مطلقا ، لما رواه هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فيمن تولى مال اليتيم ماله أن يأكل منه ، فقال : ينظر الى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك.

قال طاب ثراه : وإذا أذن له في الوصية جاز ، ولو لم يأذن فقولان ، أشبههما : أنه لا يصح.

أقول : الجواز مذهب الشيخ وتلميذه ، والمنع مذهب المفيد ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وان أجازوا قبل الوفاة ، ففي لزومه قولان ، المروي اللزوم.

أقول : اللزوم مذهب الشيخ وابن حمزة وأبي علي ، واختاره المصنف والعلامة وهو المعتمد. وعدمه مذهب المفيد وتلميذه وابن إدريس ، وأطلق الحسن لزومها مع الإجازة ، ولم يعين قبل الوفاة أو بعدها.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(٢) التبيان ٣ ـ ١١٩.

٢١٨

قال طاب ثراه : ولو أوصى بجزء من ماله كان العشر ، وفي رواية السبع ، وفي أخرى سبع الثلث.

أقول : الأول مذهب الصدوقين ، والشيخ في كتابي الاخبار ، واختاره المصنف والعلامة.

والثاني مذهب الشيخ في النهاية (١) والخلاف ، وبه قال المفيد وتلميذه ، والسيد وأبو علي ، وابن حمزة ، وابن إدريس.

والثالث في رواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله ، قال : سبع ثلثه (٢).

قال طاب ثراه : ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها صرفه في البر ، وقيل : يرجع ميراثا.

أقول : بالأول قال الشيخان والصدوق واختاره المصنف والعلامة. وبالثاني قال ابن إدريس ، وحكاه عن الشيخ في المسائل الحائريات. والأول هو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو أوصى بسيف وهو في جفن وعليه حلية ، دخل الجميع في الوصية على رواية يجبر ضعفها الشهرة. وكذا لو أوصى بصندوق وفيه مال ، دخل المال في الوصية. وكذا قيل : لو أوصى بسفينة فيها طعام ، استنادا الى فحوى رواية.

أقول : عدم الدخول في الجميع مذهب ابن إدريس ، والدخول مذهب الشيخين وأبي علي والصدوق والقاضي والتقي.

ومستند الحكم في السيف والصندوق رواية أبي جميلة عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أوصى بسيف كان في جفن وعليه حلية ، فقال له الورثة : إنما لك

__________________

(١) النهاية ص ٦١٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٢٠٩ ـ ٢١٠.

٢١٩

النصل وليس لك المال ، قال فقال : بل السيف بما فيه له ، قال قلت : رجل أوصى لرجل بصندوق وكان فيه مال ، فقال الورثة : إنما لك الصندوق وليس لك المال قال فقال أبو الحسن عليه‌السلام : الصندوق بما فيه له (١). وأبو جميلة هذا ملعون كذاب ، لكن تأيدت بعمل الأصحاب ، فلهذا قال : يجبر ضعفها الشهرة.

وأما مستند الحكم في السفينة ، فرواية عقبه بن خالد عن الصادق عليه‌السلام قال سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ولم يسم ما فيها وفيها طعام أيعطاها الرجل وما فيها؟ قال : هي للذي أوصى له بها ، الا أن يكون صاحبها استثنى ما فيها (٢).

واعلم أن الجواب ليس صريحا إلا في دخول السفينة ، لكن قوله « الا أن يكون صاحبها استثنى ما فيها » جواب قوله « أيعطاها الرجل وما فيها » قرينة تؤذن بإرادة دخول الطعام ، واليه أشار بقوله « استنادا الى فحوى رواية ».

وذهب العلامة في كتاب فتواه الى عدم دخول المظروف في السفينة والصندوق والجراب ، ولا الجفن في السيف ، وتدخل حليته ، وهو المعتمد ، الا أن يكون هناك قرينة كما ذهب إليه في المختلف.

قال طاب ثراه : ولا يجوز إخراج الولد من الإرث ولو أوصى الأب ، وفيه رواية مطرحة.

أقول : الذي عليه الأصحاب أنه لا يجوز إخراج الولد من الإرث ، وان أوصى الأب بذلك ، لثبوت النسب شرعا ، فلا يملك الإنسان إزالته.

والرواية إشارة إلى رواية علي بن السري (٣) ، وقال الشيخ في الاستبصار (٤) :

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٢١١ ، ح ١٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٢١٢ ، ح ١٥.

(٣) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٢٣٥ ، ح ١٠.

(٤) الاستبصار ٤ ـ ١٤٠.

٢٢٠