المقتصر

الشيخ ابن فهد الحلّي

المقتصر

المؤلف:

الشيخ ابن فهد الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٩

ولا تعديل.

وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية (١) ، وقيدها بعدم الحاجة ، ولا بد منه ، والأقرب عدم السريان إلى ألبانها ولحومها وأولادها.

قال طاب ثراه : وروى أبو بصير إلخ.

أقول : أورد المصنف هذه الرواية (٢) لبيان سند الحكم لتردده ، وفيها إيماء إلى أنه قصد ألا يمسها حراما ، فاذا ملكها أو تزوجها يحل له وطؤها ، لأنه غير المحلوف عليه.

فعلى هذا لو حلف لا يطأها مطلقا أو لم يخطر بباله قصد الزجر عن الحرام تعلق التحريم بها ولزمت اليمين ووجبت الكفارة بوطئها ، الا أن يعرض لليمين ما يوجب حلها كوطئها ناسيا أو شبهة أو يكون الأصلح وطئها.

__________________

(١) النهاية ص ٥٦٠ ـ ٥٦١.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٣٠١ ، ح ١١٠.

٣٢١

كتاب النذور والعهود

قال طاب ثراه : وفي انعقاد التبرع قولان ، أشبههما : الانعقاد.

أقول : مختار المصنف هو المشهور بين الأصحاب ، قال به الشيخ وابن إدريس واختاره المصنف والعلامة ، وقال المرتضى : لا ينعقد ما لم يعلق بشرط ، والمعتمد الأول.

قال طاب ثراه : ولو اعتقد أنه متى كان كذا فلله عليه كذا ، ولم يتلفظ بالجلالة فقولان أشبههما : أنه لا ينعقد.

أقول : مذهب الشيخ في النهاية (١) انعقاده بالضمير والاعتقاد ، وتبعه القاضي وابن حمزة ، وهو ظاهر المفيد. وقال أبو علي : لا ينعقد الا بالتلفظ مع النية ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي انعقاده ـ أي : العهد ـ اعتقادا قولان ، أشبههما : أنه لا ينعقد.

أقول : البحث هنا كالبحث في النذر من غير فرق.

قال طاب ثراه : ولو اتفق يوم عيد أفطره ، وفي القضاء تردد.

__________________

(١) النهاية ص ٥٦٢.

٣٢٢

أقول : القضاء هنا مذهب الشيخ في النهاية (١) والمبسوط ، وبه قال ابن حمزة والصدوق ، وبعدمه قال القاضي وابن إدريس والعلامة في القواعد وفخر المحققين وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو عجز عن صومه أصلا ، قيل : سقط ، وفي رواية يتصدق عنه بمد.

أقول : تقدم البحث في هذه المسألة في باب الكفارات.

قال طاب ثراه : وما علقه بشرط ولم يقرنه بزمان فقولان ، أحدهما : يتضيق فعله عند الشرط ، والأخر : لا يتضيق. وهو أشبه.

أقول : التضيق مذهب صاحب الوسيلة عماد الدين ابن حمزة ، والأكثرون على خلافه.

قال طاب ثراه : روى إسحاق بن عمار إلخ.

أقول : هذه رواية الشيخ في التهذيب عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال قلت له : رجل كان عليه حجة الإسلام ، فأراد أن يحج ، فقيل له : تزوج ثم حج ، فقال : ان تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر ، فتزوج قبل أن يحج ، فقال : عتق غلامه من التزويج ، فقلت : ان الحج تطوع ، فقال : ان كان تطوعا فهي طاعة لله عزوجل (٢).

وفيها اشكال من حيث علق العتق على شرط ، وهو باطل عندنا ، وعلى تقدير أن لا يكون عتقا بل نذرا ، كما قيده المصنف بقوله « الا أن يكون نذرا » أي : يقصد بذلك النذر ، وغرضه فيه الزجر عن تأخير الحج.

فيه أيضا إشكال ، لأنه لم يتلفظ بالجلالة ، وهي شرط في انعقاد النذر ، نعم

__________________

(١) النهاية ص ٥٦٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٣٠٤ ، ح ٩.

٣٢٣

يتمشى على أحد المذهبين :

الأول : مذهب ابن حمزة ، حيث قال : إذا قال الإنسان : علي كذا ان كان كذا ، ولم يقل لله لزمه الوفاء ، ولم يلزمه الكفارة بفواته ، ولو قال : علي كذا ، ولم يعلقه على شرط ، لم يلزمه الوفاء حتى يقول لله.

الثاني : أن يقصد الناذر في نيته النذر ، وقلنا بانعقاده بالضمير من غير حاجة الى التلفظ ، كمذهب الشيخ وتلميذه. والمذهبان متروكان.

قال طاب ثراه : وروى رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

أقول : هذه رواها الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل حج عن غيره ولم يكن له مال ، وعليه نذر أن يحج ماشيا أيجزئ عن نذره؟ قال : نعم (١). وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية (٢).

وحملها العلامة على ما إذا عجز عن نذره واستمر عجزه ، فالمصنف على ما إذا قصد ذلك في نذره ، أي : نذر أن يحج مطلقا عن نفسه أو عن غيره ، فإنه إذا حج عن غيره أجزأ ، لإتيانه بما سمي حجا.

وسبب الاحتياج الى الحمل كون النذر موجبا لحجة مبتكرة ، لأنه أحد الأسباب الموجبة للحج ، كالإسلام والاستئجار ، والأصل تعدد المسببات بتعدد أسبابها ، فتداخلها على خلاف الأصل ، والرواية من الصحاح ، فوجب حملها على ضرب من التأويل كيلا تطرح ولا تخالف الأصول.

قال طاب ثراه : من نذر ألا يبيع خادما لزمه الوفاء وان احتاج الى ثمنها (٣) وهو استناد إلى رواية مرسلة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٣١٥ ، ح ٥٠.

(٢) النهاية ص ٥٦٧.

(٣) في المختصر المطبوع : ثمنه.

٣٢٤

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في الضعيف عن الحسن بن علي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قلت له : ان لي جارية ليس لها مني مكان ولا ناحية ، وهي تحتمل الثمن ، الا أني كنت حلفت فيها بيمين ، فقلت : لله علي أن لا أبيعها أبدا ، ولي إلى ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة ، فقال عليه‌السلام : ف لله بقولك (١).

وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية (٢) ، ومنع ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، وحملت الرواية على عدم التضرر بترك البيع ، ويدل عليه قوله « مع تخفيف المئونة » وليست مرسلة بل متصلة ، لكنها ضعيفة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ ـ ٣١٠ ، ح ٢٦.

(٢) النهاية ص ٥٦٧.

٣٢٥

كتاب الصيد والذبائح

قال طاب ثراه : وفي رواية يؤكل الأكبر دون الأصغر ، وهي شاذة.

أقول : المعتمد أن الصيد إذا قطع نصفين (١) ، فان لم يتحركا حلا ، وان تحركا أو أحدهما لا مع استقرار الحياة فكذلك ، وان كان مع استقرار الحياة حل مع التذكية المحل القابل بها وهو ما فيه الرأس وكان الأخر ميتة ، كما لو أبان يد الصيد أو أخذت الحبالة أو السيف منه قطعة ، وهو مذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة.

وقال في النهاية : إذا قده بنصفين ولم يتحرك أحدهما ، جاز أكلهما إذا خرج الدم ، ولو تحرك أحد النصفين ولم يتحرك الأخر ، أكل الذي تحرك ، ورمى بما لم يتحرك (٢). فاشترط خروج الدم ولم يشترطه المصنف والعلامة ، وأكل المتحرك مطلقا ، ولم يعتبر استقرار الحياة وعدمها ، وهو مدخول.

وقال القاضي : الحلال أن يتحرك كل واحد منهما ويخرج منه الدم ، وان تحرك أحدهما وخرج منه الدم فهو الحلال خاصة. فقد اعتبر كلا الأمرين : الحركة ،

__________________

(١) في « ق » : بنصفين.

(٢) النهاية ص ٥٨١.

٣٢٦

وخروج الدم.

وقال ابن حمزة : إذا كانا سواء وخرج الدم حلا ، وان لم يخرج حرم ، وان كان أحد الشقين أكبر ومعه الرأس حل ذلك الشق ، وان تحرك أحدهما حل المتحرك ، وان أبان بعضه حرم ذلك البعض.

وتحقيق هذه المباحث ، ونقل أقوالها وحججها ، مذكور في كتاب الجامع ، فليطلب من هناك.

قال طاب ثراه : وفي رواية جميل يدع الكلب حتى يقتله.

أقول : يريد إذا أدرك الصيد وحياته مستقرة لم يحل إلا بالتذكية ، وان لم يكن معه ما يذكيه لم يحل وهو المعتمد ، واختاره ابن إدريس ، وهو أحد قولي العلامة ، وقال الشيخ في النهاية (١) : فليترك الكلب حتى يقتله ثم ليأكل ان شاء ، وبه قال الصدوق وأبو علي.

واختاره العلامة في المختلف ، لصحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يرسل الكلب على الصيد ، فيأخذه ولا يكون معه سكين فيذكيه بها ، أيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال : لا بأس (٢).

قال طاب ثراه : ويكره ان يرمي الصيد بما هو أكبر منه ، ولو اتفق قيل : حرم (٣) ، والأشبه الكراهية.

أقول : إذا رمى الصيد بما هو أكبر منه فقتله ، ذهب في النهاية (٤) إلى تحريمها ، أي : تحريم الفعل وتحريم المصيد ، واختار المصنف الكراهية ، وهو مذهب العلامة.

__________________

(١) النهاية ص ٥٨٠.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٢٣ ـ ٢٤.

(٣) في المختصر المطبوع : يحرم.

(٤) النهاية ص ٥٨٠.

٣٢٧

ذكر الذبائح :

قال طاب ثراه : الذابح ، ويشترط فيه الإسلام ، أو حكمه ولو كان أنثى ، وفي الكتابي روايتان ، أشهرهما : المنع ، وفي رواية ثالثة إذا سمعت تسميته فكل.

أقول : المعتمد تحريم ذبيحة الكافر ، حربيا كان أو ذميا ، لقوله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ) (١) والكافر لا يعرف الله فلا يذكره ، وللأحاديث وهي كثيرة.

واختاره الشيخان ، وتلميذهما ، والسيد ، والتقي ، وابن حمزة ، وابن إدريس ، والمصنف والعلامة ، وفخر المحققين ، والشهيد رضوان الله عليهم.

وقال الحسن بإباحة ذبائح أهل الكتاب ، وهو ظاهر أبي علي ، وقال الصدوق في المقنع (٢) : يباح مع سماع التسمية لصحيحة حمران قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله (٣).

قال طاب ثراه : وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد.

أقول : منع الشيخ في الكتابين من التذكية بالظفر والسن ، واختاره الشهيد ، وأجازها في التهذيب ، واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف ، وتردد المصنف ، والمنع أحوط.

قال طاب ثراه : إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

__________________

(١) سورة الانعام : ١٢١.

(٢) المقنع ص ١٤٠.

(٣) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٦٨ ، ح ٢٢.

٣٢٨

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال :اذبح بالحجر والعظم والقصبة والعود إذا لم تصب الحديد ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس (١).

وفي حسنة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : إذا فرى الأوداج فلا بأس (٢).

واعتبر الشيخ في الكتابين قطع الأعضاء الأربعة ، وانعقد عليه الإجماع.

قال طاب ثراه : ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي ، وأدناه أن يتحرك الذنب ، أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل ، وقيل : تكفي الحركة ، وقيل : يكفي أحدهما ، وهو أشبه.

أقول : اكتفى الصدوق بالحركة وحدها ، لا الدم وحده ، واختاره العلامة في المختلف ، واجتزأ الشيخ في النهاية (٣) بكل واحد منهما على البدل ، وهو ظاهر التقي ، واختاره ابن إدريس والمصنف والعلامة في القواعد ، وهو المعتمد.

ونعني به ذا الدفع القوي لا ما كان متثاقلا ، والمفيد وتلميذه اعتبر الأمرين ، وتبعهما القاضي ، وهو ظاهر أبي علي.

قال طاب ثراه : وفي ابانة الرأس بالذبح قولان ، المروي أنها تحرم.

أقول : المعتمد هنا تحريم الفعل وكراهة الأكل ، كمذهب العلامة في المختلف وفخر المحققين ، وعكس الشيخ في الخلاف ، وحرمهما في النهاية (٤) ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٥١ ، ح ٢١٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٥٢ ، ح ٢١٤.

(٣) النهاية ص ٥٨٤.

(٤) النهاية ص ٥٨٤.

٣٢٩

وكرههما ابن إدريس.

قال طاب ثراه : ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية (١) إلى تحريم الفعل والأكل ، وتبعه القاضي وابن حمزة ، وذهب ابن إدريس إلى كراهة ذلك ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ذكاة السمك إخراجه من الماء حيا ، وقيل : يكفي إدراكه يضطرب.

أقول : القائل بذلك هو الشيخ في النهاية (٢) وقال العلامة : لا يكفي النظر ، بل لا بد من إمساكه باليد ، وهو مذهب المصنف في الشرائع (٣) واكتفى في النكت بالنظر ، وجعل الضابط في حل السمك موته خارج الماء.

قال طاب ثراه : ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته ، وقيل : يشترط مع إشعاره ألا تلجه الروح. وفيه بعد ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.

أقول : القائل هو الشيخ في النهاية (٤) ، واستبعده المصنف ، ووجه بعدم قضاء العادة بكون الولوج سابقا على الاشعار ، وهو لا يؤكل قبل إشعاره ، فكيف يجعل عدم ما يجب تقدمه على الشرط شرطا ، وأيضا فإن الروايات خالية من ذكر الشرط.

وابن حمزة وابن إدريس والقاضي وسلار تابعوا الشيخ في النهاية ، والعلامة وفخر المحققين تابعا المصنف ، وهو المعتمد.

والمحصل أن الجنين لا يحل الا بشرطين :

__________________

(١) النهاية ص ٥٨٤.

(٢) النهاية ص ٥٧٨.

(٣) شرائع الإسلام ٣ ـ ٢٠٧.

(٤) النهاية ص ٥٨٤.

٣٣٠

الأول : تمام خلقته ، ونعني بها الإشعار أو الايبار ، فلا يحل قبل ذلك.

الثاني : خروجه ميتا أو حيا زمانا لا يتسع لفعل التذكية نفسها ، ولو خرج حيا وعاش زمانا يتسع التذكية ثم مات ، لتعذر المذكي أو الإله أو غير ذلك لم يحل.

٣٣١

كتاب الأطعمة والأشربة

قال طاب ثراه : وفي الجري روايتان ، أشهرهما : التحريم.

أقول : مختار المصنف وهو التحريم مذهب الأكثر ، ذهب اليه القديمان والصدوقان والسيد وابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، وذهب القاضي إلى الكراهية.

احتج الأولون برواية سمرة بن أبي سعيد قال : خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرجنا معه نمشي حتى انتهينا الى موضع السمك فجمعهم ، فقال : أتدرون لأي شي‌ء جمعتكم؟ قالوا : لا ، قال : لا تشتروا الحريث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه (١).

ومثلها رواية ابن فضال عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام (٢).

احتج الآخرون بصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن الحريث فقال عليه‌السلام ما الجريث فنعته له ، فقال ( لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ) (٣) إلى آخر الآية ، ثم قال : لم يحرم الله شيئا من الحيوان في

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٥ ، ح ١١.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٥ ، ح ١٢.

(٣) سورة الانعام : ١٤٥.

٣٣٢

القرآن الا الخنزير بعينه ، ويكره كل شي‌ء من البحر له قشر مثل الورق ، وليس بحرام انما هو مكروه (١). ومثلها صحيحة محمد بن مسلم (٢)

قال طاب ثراه : وفي الزمار والمارماهي والزهور روايتان ، أشهرهما (٣) الكراهية.

أقول : مختار المصنف وهو الكراهية مذهب القاضي والشيخ في موضع من النهاية (٤).

ومختار العلامة التحريم ، وهو مذهب الفقيهين والقديمين والشيخ في الخلاف والسيد وابن إدريس والمفيد وتلميذه ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ولو اختلط الحي فيها بالميت حل ، والاجتناب أحوط.

أقول : إذا جعل حظيرة في الماء ، بأن حضر منه موضعا وخرج فيها سمك ، فان كان حيا حل قطعا ، وان كان ميتا حرم ، وان اختلطا قال في النهاية (٥) حل الجميع لرواية مسعدة بن صدقة (٦) ، ولأصالة الحل. وقال ابن إدريس بتحريمه ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : ويحرم الجلال منها على الأصح إلخ.

أقول : البحث هنا يقع في مقامات :

الأول : المشهور تحريم الجلال ، وهو مذهب الخمس (٧) ، واختاره القاضي

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٥ ـ ٦ ، ح ١٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٦ ، ح ١٦.

(٣) في المختصر المطبوع : الوجه.

(٤) النهاية ص ٥٧٦.

(٥) النهاية ص ٥٧٨.

(٦) تهذيب الأحكام ٩ ـ ١٢ ، ح ٤٥.

(٧) في « ق » : الخمسة.

٣٣٣

والتقي وابن حمزة وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، وذهب أبو علي الى كراهته.

الثاني : ما يحصل به الجلال ، وهو أن يغتذي عذرة الإنسان محضا ، فلا يحرم ما خلط ، ولا ما أدمن أكل غير العذرة من المحرمات ، خلافا للتقي.

الثالث : فيما به يزول التحريم ، ويختلف باختلاف الحيوانات وأقسامه ستة :الأول : الناقة واستبراؤها أربعون يوما ، وهو إجماع.

الثاني : البقر ، واستبراؤها بعشرين ، عند القاضي وابن حمزة وابن إدريس والشيخ في النهاية (١) والخلاف ، وبثلاثين عند الصدوق في المقنع (٢) ، وكالناقة عند التقي والشيخ في المبسوط (٣).

الثالث : الشاة ، وفيها عشرون عند الصدوق في المقنع ، وعشرة أيام عند القاضي ، وابن حمزة ، وابن زهرة ، والشيخ في النهاية (٤) ، وعنده في المبسوط (٥) سبعة ، وتبعه التقي.

الرابع : البطة ، وفيها خمسة عند الشيخ في النهاية (٦) والتقي ، وثلاثة عند الصدوق في المقنع.

الخامس : في الدجاجة ، وفيها خمسة عند التقي وابن زهرة ، وثلاثة عند الصدوق والشيخ وتلميذه وابن حمزة وابن إدريس.

السادس : السمك ، وهو يوم وليلة عند الشيخ في النهاية ، ويوم الى الليل

__________________

(١) النهاية ص ٥٧٤.

(٢) المقنع ص ١٤١.

(٣) المبسوط ٦ ـ ٢٨٢.

(٤) النهاية ص ٥٧٤.

(٥) المبسوط ٦ ـ ٢٨٢.

(٦) النهاية ص ٥٧٤.

٣٣٤

عند الصدوق وفي المقنع.

والمعتمد في الناقة أربعين ، وفي البقرة ثلاثين ، وفي الشاة بعشرين ، والبطة بخمسة ، والدجاجة بثلاثة ، والسمك بيوم وليلة. ويشترط طهارة العلف من النجاسة وان كان طاهرا في أصله على الأحوط.

قال طاب ثراه : وفي الغراب روايتان ، والوجه الكراهية ، ويتأكد في الأبقع.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية (١) والاستبصار (٢) إلى كراهية الغراب بأنواعه واختاره المصنف ، وحرمها في الكتابين ، واختاره العلامة ، وفخر المحققين.

وقال ابن إدريس بتحريم ما عدا الزاغ ، وهو المعتمد.

والتحقيق أن أقسام الغراب خمسة :

الأول : الزاغ ، وهو غراب الزرع صغير أسود.

الثاني : الأسود الكبير الذي يسكن الخربان ، وسماه ابن إدريس بالغداف.

الثالث : الأغبر الرمادي ، وهو أصغر من الزاغ بيسير ، وهو المسمى بالغداف في المشهور.

الرابع : الأبقع ، وهو أكبر منه بقدر الزاغ ، وأنقى بياضا من الغداف ، وهو المسمى بالأبقع.

الخامس : العقعق طويل الذنب ، وهو أصغر من الغداف بيسير وأشد بياضا من الأبقع ، وهذه الخمسة شاهدناها ، والثلاثة الأخيرة مقيمة بالعراق دائما.

وأما الزاغ ، فيأتي آخر الخريف ويقيم الشتاء ، ثم يفارق الى بلاده ويتولد بها ، فقيل : انها الجبال في البلاد الباردة ، وانما يفارقها في الشتاء ، لفقد المرعى

__________________

(١) النهاية ص ٥٧٧.

(٢) الاستبصار ٤ ـ ٦٥.

٣٣٥

بها لاستنادها بالثلج.

وأما الأسود الكبير ، فهو يسكن الجبال والخربان ، ونحن شاهدناه في البلاد الخربة كالكوفة وسر من رأى على مشرفهما السّلام.

قال طاب ثراه : وفي الخطاف روايتان ، والكراهية أشبه.

أقول : مختار المصنف مذهب المفيد واختاره العلامة ، وهو المعتمد. وقال في النهاية (١) بالتحريم ، وتبعه القاضي وابن إدريس.

قال طاب ثراه : وفي اللبن روايتان ، أشبههما : التحريم.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية (٢) وكتابي الاخبار الى إباحة اللبن المحلوب من الحيوان الميت ، وبه قال الصدوق والمفيد وابن حمزة. وحرمه ابن إدريس وهو مذهب أبي يعلى ، وهو ظاهر أبي علي ، واختاره المصنف ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي المثانة والمرارة تردد ، والأشبه التحريم للاستخباث.

أقول : تحريم المثانة مذهب السيد ، وتحريمها مع المرارة مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي الفرج والعلباء والغدد وخرزة الدماغ والحدق خلاف أشبهه الكراهية.

أقول : مختار المصنف وهو الكراهية في المعدودات مذهب أبي علي ، وهو ظاهر السيد والمفيد وتلميذه. والتحريم مذهب الشيخ في النهاية (٣) ، وتبعه القاضي وابن حمزة وابن إدريس والعلامة في القواعد ، وهو الأحوط.

قال طاب ثراه : والعجين إذا عجن بالماء النجس ، وفيه رواية بالجواز بعد

__________________

(١) النهاية ص ٥٧٧.

(٢) النهاية ص ٥٨٥.

(٣) النهاية ص ٥٨٥.

٣٣٦

خبزه.

أقول : الرواية إشارة إلى صحيحة ابن أبي عمير عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في عجين عجن وخبز ، ثم علم أن قد كان فيه ميتة ، قال : لا بأس أكلت النار ما فيه (١). وبمضمونها أفتى الشيخ في باب المياه من النهاية (٢) ، ومنع في باب الأطعمة منها (٣) ، وهو مذهب المصنف والعلامة وفخر المحققين ، وهو المعتمد. وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام يدفن ولا يباع (٤).

وعن ابن أبي عمير أيضا عن بعض أصحابنا قال العلامة : ولا أحسبه الا حفص ابن البختري قال : قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام في العجين يعجن في الماء النجس كيف يصنع به؟ قال : يباع ممن يستحل أكل الميتة (٥).

فهذه ثلاثة أوجه كلها مروية عن ابن أبي عمير بإرسالها ، وفي الأخيرتين دلالة على سد باب طهارته.

قال طاب ثراه : الدم نجس ، وكذا العلقة ولو في البيضة ، وفي نجاستها تردد.

أقول : مذهب العلامة نجاستها ، وهو المعتمد ، وتردد المصنف من حيث انفرادها عن الدم باسم خاص ، والأصل الطهارة.

قال طاب ثراه : ولو وقع قليل من دم في قدر وهو تغلي لم تحرم المرق ولا ما فيه إذا ذهب بالغليان ، ومن الأصحاب من منع من المائع ، وأوجب غسل التوابل ، وهو حسن.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ ـ ٤١٤ ، ح ٢٣.

(٢) النهاية ص ٨.

(٣) النهاية ص ٥٩٠.

(٤) تهذيب الأحكام ١ ـ ٤١٤ ، ح ٢٥.

(٥) تهذيب الأحكام ١ ـ ٤١٤ ، ح ٢٤.

٣٣٧

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية (١) ، والثاني قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.

قال طاب ثراه : وفي الذمي روايتان ، أشهرهما : النجاسة ، وفي رواية إذا أراد مؤاكلته أمره بغسل يده ، وهي متروكة.

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القسم عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن مؤاكلة اليهودي والنصراني ، فقال : إذا توضأ فلا بأس (٢) وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية (٣).

ومنع المفيد والسيد وابن إدريس واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لما رواه علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام قال : سألته عن مؤاكلة اليهودي (٤) في قصعة واحدة وأرقد معه في فراش واحد وأصافحه ، فقال : لا (٥). ومثلها رواية هارون بن خارجة عن الصادق عليه‌السلام (٦).

قال طاب ثراه : وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل : نعم ، الا بول الإبل والتحليل أشبه.

أقول : لا شك في جواز شرب بول الإبل عند الحاجة ، وهل يجوز لغير حاجة؟أو شرب غيرها من الأبوال الطاهرة؟ خلاف ، ومنشأه : أن علة التحريم هل هو الخبث أو المبيح للتناول الطهارة؟

فعلى الأول يحرم ، وهو اختيار ابن حمزة ، ومذهب المصنف في كتاب

__________________

(١) النهاية ص ٥٨٨.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٨٨ ، ح ١٠٨.

(٣) النهاية ص ٥٨٩.

(٤) في التهذيب : المجوسي.

(٥) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٨٧ ، ح ١٠١.

(٦) تهذيب الأحكام ٩ ـ ٨٧ ، ح ١٠٢.

٣٣٨

الأطعمة من الشرائع (١) ، ومذهب المصنف ، وهو المعتمد.

وعلى الثاني يحل جميع الأبوال المأكولة ، لضرورة وغيرها ، وهو مذهب السيد وأبي علي وابن إدريس والمصنف في النافع.

قال طاب ثراه : وشعر الخنزير نجس ، سواء أخذ من حي أو ميت على الأظهر.

أقول : الشعر والصوف والعظم من نجس العين كالكلب والخنزير هل هو نجس أو لا؟ المعتمد الأول وعليه الأكثر ، والثاني مذهب السيد.

قال طاب ثراه : ولو اختلط الذكي بالميت اجتنبا ، وفي رواية الحلبي يباع ممن يستحل الميتة.

أقول : إذا وجد لحم واشتبه ، فلم يعلم أذكي هو أم ميت؟ قال في النهاية يطرح في النار فان انقبض فهو ذكي وان انبسط فميت (٢). واختاره المصنف هنا وجعله في الشرائع (٣) قولان ، ومنع العلامة في القواعد ، واختاره فخر المحققين وهو المعتمد.

وانما شرطنا الاشتباه ، لأنه لو علم أنه ذكي بأن عليه آثار اليد ، كتقطيع القصاب وهو في بلاد الإسلام ، فإنه حل ، كالجلد إذا وجد في دار الإسلام وعليه أثر اليد كالدباغ ، فإنه طاهر. وإذا لم يتميز الذكي من الميت اجتنبا على المعتمد ، وهو مذهب القاضي وابن حمزة وابن إدريس والمصنف وقال في النهاية : يباع على مستحل الميتة (٤). واختاره العلامة في المختلف واستقصاء مباحث الباب مذكور

__________________

(١) شرائع الإسلام ٣ ـ ٢٢٧.

(٢) النهاية ص ٥٨٢.

(٣) شرائع الإسلام ٣ ـ ٢٢٧.

(٤) النهاية ص ٥٨٦.

٣٣٩

في الجامع.

قال طاب ثراه : وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

أقول : تقدم البحث في هذه المسألة في باب التجارة.

قال طاب ثراه : وقيل : لو ألقى في الخل خمرا من إناء فيه خمر ، لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا ، وهو متروك.

أقول : إذا فرض انائين في أحدهما خل وفي الأخر خمر ، فوقع من إناء الخمر في الخل ، فالأصل تحريم الخل ، لنجاسته بملاقاة الخمر.

ولو تخلل الخمر الصرف ، قال في النهاية (١) طهر الممتزج. واستقربه العلامة في المختلف. والمعتمد بقاؤه على النجاسة والتحريم ، كمذهب ابن إدريس والمصنف والعلامة في أكثر كتبه ، وهو ظاهر السيد.

وهنا فروع مستطرفة ذكرناها في المهذب ، فلتطلب من هناك.

__________________

(١) النهاية ص ٥٩٣.

٣٤٠