نعم ، مفاد التعليل جواز التقدم وهو غير المحاذاة المذكورة في صدر الصحيحة ، ولكن جوازه يدل على جوازها بطريق أولى.
وكيف ما كان ، فلو سلّم فغايته تشويش الصحيحة من هذه الناحية وهو غير ضائر بما هو محل الاستشهاد بعد صراحتها فيه كما لا يخفى.
ومنها : صحيحة الفضيل عن أبي جعفر عليهالسلام « قال : إنما سميت بكة ، لأنه تبك فيها الرجال والنساء ، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك ، وإنما يكره في سائر البلدان » (١) بناء على عدم الفصل بين مكة وغيرها جوازاً ومنعاً ، وإن ثبت الفصل كراهة بمقتضى نفس هذه الصحيحة بعد حمل الكراهة الواردة فيها على الكراهة المصطلحة. إذن فتكون الصحيحة صريحة في الجواز ، وبذلك يحمل المنع في الطائفة الأولى المفصّلة بين حالتي صلاة المرأة وعدمها على الكراهة ، فترتفع المنافاة بينها وبين الطائفة الثانية.
الطائفة الثالثة : ما تضمّنت التفصيل ، ففي موثقة عمار إناطة الجواز بالفصل بينهما بمقدار عشرة أذرع « عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال : لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فان كانت تصلي خلفه فلا بأس ... » إلخ (٢).
فلو كنا نحن وهذه الموثقة لأخذنا بها وحكمنا بهذا التفصيل ، إلاّ أنّ هناك روايات اخرى تضمّنت تحديد الفصل بمقدار شبر واحد ، وأنّه إذا كانت الفاصلة بهذا المقدار صحت الصلاة ، وإن كانت دونه بطلت.
ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين الموثقة الالتزام بالكراهة فيما إذا كان الفصل
__________________
(١) الوسائل ٥ : ١٢٦ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١٠.
(٢) الوسائل ٥ : ١٢٨ / أبواب مكان المصلي ب ٧ ح ١.