هذا ، مع ان السيرة قائمة على جواز التصرف في المقام ، فيدخل الممنوع أو غير المأذون بعد كونه أباه أو أخاه أو صديقه ونحوهم ممن يقطع برضا المالك على تقدير معرفته ، ولا يعدّ ذلك ظلماً وتعدّياً عليه كما لا يخفى.
ومما ذكرناه يظهر الحال في الصورة الثانية ، فإنّ الاذن في التصرف يكشف عن طيب نفسه ورضاه وإن كان ذلك لاعتقاد أنه الصديق ، فيصدق معه الرضا ولو في الجملة ، فيشمله عموم الموثق. بل إنّ شمول الموثق لهذه الصورة أظهر ، كما أنّ قيام السيرة وبناء العقلاء هنا أوضح ، بحيث لا يكاد يتطرقه الإنكار ، فإن الإنسان ربما يدعو جماعة لضيافته باعتقاد أنهم أصدقاؤه وأحبّاؤه ، وقد يكون فيهم منافق وهو من أعدى عدوّه بحيث لو علم به المالك لطرده ولم يرض بتصرفه ، مع أنه يجوز للمنافق التصرف بلا إشكال ولا يلام عليه لدى العقلاء بعد الاذن الصريح من المالك كما هو ظاهر.
الجهة الرابعة : في الكاشف عن الرضا وما يتحقق به الإذن الذي هو طريق إليه وهي أُمور ثلاثة كما تعرض لها في المتن :
أحدها : الإذن الصريح ، ولا ريب في كشفه نوعاً عن الرضا وحجيته ببناء العقلاء كما هو الشأن في كل لفظ ظاهر في معناه ، ومعه لا يعتبر العلم بالرضا ، بل ولا الظن الشخصي به ، بل ولا يقدح الظن بالخلاف ، وإنما القادح العلم به لاستقرار بناء العقلاء الذي هو المدار في حجية الظهور على الأخذ به في جميع تلك الفروض ما عدا الأخير كما قرّر في الأُصول (١).
__________________
وقد راجعناه دام ظله في ذلك فأفاد : أنّ عنوان ما فيه الصلاح من الجهات التعليلية الدخيلة في ملاك الحكم ، فهو بوجوده العلمي من المبادي الواقعة في سلسلة علل الرضا ، فلا يكون بنفسه متعلقاً للرضا ، وهذا بخلاف عنوان الأب أو الصديق الذي هو حيثية تقييدية ويتعلق الرضا به بنفسه بعد استكمال المبادئ وعدم قصور فيها. على أنه لم يعهد رضا الملاّك بكل تصرف فيه الصلاح بصورة عامة ، فإنه قد لا يرغب فيه فلا يكون ذلك مسوّغاً للتصرف بحيث يرفع به اليد عن عموم سلطنة الناس على أموالهم ، فتدبر جيداً.
(١) مصباح الأصول ٢ : ١١٧.