تعالى : ( تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ) وكما في قوله تعالى : ( ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ ). ومنه قوله تعالى : ( وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) ومنه : ( وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ) ومنه : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ) معناه وإذ قلت وهو في القرآن كثير ( وانما ) قصدت العرب بالاخبار عن الفعل الماضي بالمستقبل لأن الاخبار بالفعل المضارع اذا أتى به في حالة الاخبار عن وجود كان ذلك أبلغ من الاخبار بالفعل الماضي ، وذلك لأن الفعل المضارع يوضح الحال التي يقع فيها ويستحضر تلك الصورة حتى كأن السامع يشاهدها ، وليس كذلك الفعل الماضي والفرق بينه ، وبين القسم الذي قبله هو أن الفعل الماضي يخبر به عن المضارع اذا كان الفعل المضارع من الاشياء الهائلة التي لم توجد ، والأمور المتعاظمة التي لم تحدث فتجعل عند ذلك فيما قد كان ووجد ووقع الفراغ من كونه وحدوثه ، وأما الفعل المضارع اذا أخبر به عن الماضي ، فإن الغرض بذلك تبيين هيئة الفعل واستحضار صورته ليكون السماع كأنه يعاينها ويشاهدها.
الثالث : التجوز بلفظ الخبر عن الأمر وهو في القرآن العظيم كثير. من ذلك قوله تعالى : ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) ومنه قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) ومنه قوله تعالى : ( تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) معناه آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وانفسكم ولذلك أجيب بالجزم في قوله : ( يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ ) ولا يصح أن يكون جوابا للاستفهام في قوله ـ هل أدلكم ـ لأن المغفرة وإدخال الجنات لا يترتب على مجرد الدلالة ، وهذا من مجاز التشبيه شبه الطلب في تأكيده بخبر الصادق الذي لا بد من وقوعه ، واذا شبه بالخبر الماضي كان آكد ، وكذلك الدعاء والأمر والنهي بالخبر الماضي اذا أريد