فصل
يشتمل على ذكر جمل عطف بعضها على بعض
بالواو. والفاء. وثم. واختلاف معانيها
فمن ذلك قوله تعالى : ( هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ) عطف أولا بالواو ، لأن الاطعام والاسقاء ليس فيهما ترتيب واجب مع أن تأخير الإسقاء أولى ، ولذلك أخره في الذكر ، وعطف ثانيا بالفاء إذ لا مهلة بين المرض والشفاء وعطف بثم لما بين الإماتة والاحياء من المهلة ، ومع ذلك نسب الموت الى الله لما في ذلك من إظهار القدرة والقهر ، ونسب المرض إلى نفسه ، لأن الادب أن لا ينسب الى الله تعالى الاّ ما يحمد والموت ، وإن كان مذموما لكنه عند قاتل هذا محمود لأنه على يقين من السعادة الأخروية.
ومن ذلك قوله تعالى : ( فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) إنما عطف بالفاء مع أن بين مجيء المخاض والحمل مهلة ، لأن المهلة التي بين حملها ومخاضها كانت مدة يسيرة قيل كانت يوما ، وقيل كانت ثلاث ساعات ، وعليه أكثر المفسرين حتى يتميز حملها عن سائر النساء ، ويكون ذلك كرامة لها. فعلى هذا يكون المراد بالآية بيان ذلك .. وجميع أفعال المطاوعة إذا كانت على معانيها فإنما يعطف عليها بالفاء ، لا الواو ، وتقول دعوته : فأجاب وأعطيته فأخذ ولا يحسن أعطيته ، وأخذ ولا دعوته وأجاب قال الله تعالى حكاية عن ابليس : ( وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ