مثلها إلا مثله.
وأما الفصاحة فقالوا : اشتقاقها من الفصيح ، وهو اللبن الذي أخذت منه الرغوة ، وذهب لباؤه يقال فصح الرجل اذا صار كذلك وأفصحت الشاة اذا فصح لبنها.
الثالث في الفرق بينهما : قال قوم من أرباب علم البيان : الفصاحة والبلاغة متعاقبان على معنى واحد .. وقال قوم : البلاغة في المعاني والفصاحة في الألفاظ. يقال معنى بليغ ، ولفظ فصيح ( وليست ) الفصاحة والبلاغة مختصين بالالفاظ العربية وانما يطلقان على كل ما لفظه غريب وفهمه قريب.
وإذا تقرر هذا فقد احتوى الكتاب العزيز على جمل من ذلك أفرغت في قالب الجمال ، وأترعت لها كئوس الاحسان والإجمال ، وأتت على معظمها وأجلّها ، واستوفت نصاب ملكها ، لازمة علم البيان ، وأدلّها ، وأنا أذكرها نوعا نوعا ، وقسما قسما ، محلا ببراهينه وشواهده ، سافرا عن نضارة وجوه نظائره وفوائده بعد استيفاء الكلام على الحقيقة والمجاز ، إذ الكلام لا يخلو عنهما أو عن أحدهما.
فنبدأ بالكلام على الحقيقة ، والكلام فيها من ثلاثة أوجه : الأول :اشتقاقها. الثاني : حدها. الثالث : أقسامها.
أما الأول فالحقيقة فعيلة بمعنى مفعولة وفي اشتقاقها قولان. أحدهما : انها مشتقة من حقّق الشيء يحققه اذا أثبته ، والآخر : أنها من حققت الشيء أحقه إذا كنت منه على يقين.
وأما الثاني : فلها حدان. الأول في المفردات. والثاني في الجمل .. فأما حدها في المفردات : فهي كل كلمة أريد بها ما وقعت به في وضع واضع وقوعا لا يسند فيه إلى غيره ، كالأسد للحيوان