القسم الحادي والثلاثون
الاختراع
قال علماء علم البيان .. الاختراع هو أن يذكر المؤلف معنى لم يسبق إليه ، واشتقاقه من التليين والتسهيل يقال : بنت خرع إذا كان لينا فكأن المتكلم سهل طريقه حتى أخرجه من العدم الى الوجود. ومنه في القرآن كثير .. من ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) ولم يسمع بمثل هذا التمثيل البديع لأحد قبل نزول القرآن ، ولو سمع لكان القرآن سابقا ، ولا يكون مثله ، ولا قريبا منه ، وكذلك جميع أمثال القرآن ، ليس لها أمثال .. ومثال ذلك من السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم : « حمي الوطيس » ـ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من تكلم بهذا حين قدّم المسلمون خالد بن الوليد في غزوة مؤتة ، حين حمل خالد في العدوّ ـ والوطيس ـ هو التنور فعبر بشدة حميه ووقوده عن شدة الحرب واتقادها ، واتقاد نارها حين حمل خالد بن الوليد رضي الله عنه. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « السّعيد من وعظ بغيره ». ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم أما بعد ـ ومثل هذه الكلمات في السنة كثير ، وليس هذا موضع إحصائها ولا محل استقصائها.