القسم السادس والخمسون
في الضمائر وما يتعلق بها
اعلم وفقنا الله واياك ان الضمير لا يخلو إما أن يكون معلوما أو لا يكون كذلك. فالأول تأكيده بضمير آخر ، وعدم تأكيده بذلك سواء في البلاغة كما في قوله تعالى : ( بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) مع قوله تعالى : ( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) وذلك لأن قدرة الله تعالى ، وعلمه معلومان فاستوى حذف الضمير المؤكد وثباته معهما.
والثاني الأولى فيه ، والأفصح تأكيد الضمير بضمير آخر ، وذلك إذا أريد تقوية المتعلق به ، وحينئذ إما أن يكون الضميران متصلين أو منفصلين أو أحدهما متصل والآخر منفصل. أما المتصلان فكقوله تعالى : ( قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) وإنما أكد هنا دون قصة السفينة لارادته في قصة الغلام زيادة النكر .. وأما المنفصلان فكقول المتنبي :
فإنّك أنت أنت وأنت منهم |
|
وجدّك بشر الملك الهمام |
والغرض المبالغة في زيادة المدح .. وأما إذا كان أحد الضميرين منفصلا والآخر متصلا فكقوله تعالى : ( قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ) وهاهنا دقائق. أحدهما الإتيان بلفظة ـ إنّ ـ المشددة لتفيد تأكيد ثبوت ما بعدها. وثانيها تكرير الضمير يدل على تأكيد ما يتعلق به. وثالثها ذكر ـ الأعلى ـ معرّفا