القسم الحادي والثمانون
خذلان المخاطب
وهو الأمر بعكس المزاد ويدل ذلك على الاستهانة بالمأمور وقلة المبالاة بأمره أي انا مقابلك على فعلك ومجازيك بحسبه. فمن ذلك قوله تعالى : ( وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ). فقوله ـ قل تمتع بكفرك ـ من باب الخذلان كأنه قال له إذ قد أبيت ما أمرت به من الإيمان والطاعة فمن حقك ان لا تؤمر به بعد ذلك ونأمرك بتركه. وهذا مبالغة في خذلانه ، لأن المبالغة في الخذلان أشد من أن يبعث على ضدّ ما أمر به .. ومن هذا الباب قوله تعالى : ( قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ) فإن المراد بهذا الأمر الوارد على وجه التخيير المبالغة في الخذلان على ما سبق ذكره. وفي هذا الكلام معنيان لطيفان الأول أي أن عبادتكم لله وعبادتكم لغيره إنما تنفع أو تضر لكم لا لسواكم فالله تعالى مستغن عن عبادتكم له. الثاني : توعده لهم بالمقابلة على فعلهم من غير تصريح بالوعيد ، وذلك أبلغ من الإصراح به لوقوع الموعود في حيرة من أمره ، وترامي وهمه عند ذلك إلى كل خطب عظيم من المجازاة والمقابلة ، كقولك لمن عصاك افعل ما شئت أي إني مقابلك عليه. وهذا نوع من علم البيان شريف.