القسم الموفي ثمانين
الاستدراج
قال ابن الاثير وهو التوصل إلى حصول الغرض من المخاطب والملاطفة له في بلوغ المعنى المقصود من حيث لا يشعر به. وفي ذلك من الغرائب والدقائق ما يؤنق السامع ويطربه ، لأن بناء صناعة التأليف عليه ومنشأها .. ومن هذا الباب قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ) إلى قوله : ( فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا ) هذا الكلام يهز أعطاف السامعين ، ويبهج نفوس المتأملين ، فعليك أيها المترشح لهذه الصناعة امعان النظر في مطلوبه ، وترداد الفكر في اثنائه واتخاذه قدوة لك ونهجا تعتقبه ، ألا ترى حين أراد إبراهيم النظر في مطلوبه ، وترداد الفكر في اثنائه واتخاذه قدوة لك ونهجا تعتقبه ، ألا ترى حين أراد إبراهيم أن ينصح أباه ويعظه فيما كانت متورطا فيه من الخطأ العظيم الذي عصي به أمر العقل ، كيف رتب الكلام معه في أحسن سياق وانتظام مع استعمال المجاملة واللطف واللين والأدب الجميل ، والخلق الحسن مستصحبا في ذلك نصيحته وذلك انه طلب منه أولا نقله عن خطيئته طلب منبه على تماديه موقظ له من إفراطه وقلة تناهيه ، لأن المعبود لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا مقدرا على الثواب والعقاب إلا أنه بعض الخلق لا يشك في نقص عقل من أهله للعبادة ووصفه بالربوبية ، ولو كان أشرف الخلق كالملائكة