وأكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر ، وأقلّ الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب للتسمية جهرا عرفا (١).
وبنحو ما ذكراه صرّح جماعة من المتأخرين (٢) ، بل كما قيل : كافّة من تأخّر عنهما (٣).
فالجهر على الأول إسماع الغير مطلقا ، والإخفات إسماع نفسه فقط.
وعلى الثاني الجهر اشتمال الكلام على إظهار الصوت على النحو المعهود ، إمّا مع إسماع الغير أيضا كما هو محتمل كلامهما ، أو مطلقا كما هو ظاهر تفسير الجهر عرفا بتضمّن إظهار الصوت كما في كلام الأول ، وجعل الاشتمال على الصوت موجبا للتسمية جهرا كما في كلام الثاني.
وبه صرّح صاحب الحدائق ، قال بعد نقل كلاميهما : فإن اشتمل الكلام على الصوت سمّي جهرا أسمع قريبا أو لم يسمع ، وإن لم يشتمل عليه سمّي إخفاتا كذلك ، وفسّره نفسه به أيضا ، قال : وبالجملة المتبادر عرفا من الجهر ما اشتمل على هذا الهزيز الذي هو الصوت وإن كان خفيّا ، وما لم يشتمل عليه فإنّه يسمّى إخفاتا وإن أسمعه قريبا (٤).
والإخفات يتضمن إخفاء الصوت وهمسه ، إمّا مع عدم إسماع الغير كما هو المحتمل ، أو مطلقا كما هو الظاهر.
ثمَّ دليل الأوّلين الإجماع المنقول ، ومتابعة اللغة ، حيث إنّ الجهر هو الإعلان ، أي الإظهار ، والإخفات هو الإسرار ، أي الكتمان ، كما صرّح بهما في الصحاح والقاموس (٥) ، ولا شك أنّ الإظهار هو الإظهار للغير ، والكتمان الإخفاء عنه ، فالجهر لا يتحقق إلاّ مع إسماع الغير ومعه يتحقق ، والإخفات لا يتحقق إلاّ
__________________
(١) روض الجنان : ٢٦٥.
(٢) منهم الفيض في المفاتيح ١ : ١٣٤ ، وصاحب الحدائق ٨ : ١٤٠.
(٣) كما في الحدائق ٨ : ١٣٩.
(٤) الحدائق ٨ : ١٣٩ و ١٤٠.
(٥) الصحاح ١ : ٢٤٨ وج ٢ : ٦١٨ ، القاموس المحيط ١ : ١٥٢ و ٤٠٩.