والجواب عن ذلك أنّ الذي يستقلّ العقل به في العمل بالاحتياط هو الوصول إلى المثوبات الثابتة في الواقع ونفس الأمر مع قطع النظر عنه ، ولا شكّ في اختصاص ذلك بمورد الإصابة ، ويستقلّ أيضا بكشفه عن حسن سريرة العبد ، وأنّ المولى يعطيه ما يعطي من حسنت سريرته ، وهذا في الحقيقة لا يعدّ ثوابا ؛ لخروجه عن جزاء العمل بضرورة جواز منعه ، فعدم الاختصاص بمورد الإصابة والمناطة بإتيان تلك الأفعال ، وتبيّن ما بلغه من القدر ، ونحو ذلك كاشف عن كون الثواب الموعود في تلك الروايات غير ما استقلّ به العقل ، وكونه وعدا ابتدائيّا لا يعقل ثبوته إلّا مع مطلوبيّة الإتيان بتلك الأفعال شرعا ، ويكون الروايات باعتبار الاشتمال على وعد الثواب الخاصّ دليل استحباب الفعل كسائر الموارد ، فلاحظ. (١)
الرابع : أنّ تلك الروايات معارضة لأدلّة حرمة العمل بالضعاف ، وخبر الفاسق كآية
__________________
(١) في حاشية النسخة : « ثمّ لا يخفى عليك أنّا وإن أثبتنا استحباب ما اشتمل عليه الضعاف من أجل وعد الثواب عليها في أخبار التسامح ، إلّا أنّه لا يكون مثل سائر المستحبّات ، أعني في صورة عدم المطابقة للواقع ، والوجه في ذلك أنّ وعد الثواب عليها في تلك الأخبار إنّما هو تفضّل محض ، وليس لحسن الفعل بالضرورة خلوّه عن المصلحة والحسن ، وعروض البلوغ والإتيان له لو أوجب حسنه ترمى ( كذا ) الموارد المخالفة للواقع في الثواب ، ذكر في الروايات أو لم يذكر ، مع أنّ الثابت من تلك الأخبار هو التفضّل حينئذ تفضّل الربّ بإعطاء ما يجزيه العبد لطمعه ، ولا قبح في الاختلاف حينئذ ، بخلاف ما لو كان للحسن مجال ( كذا ) بهذا العنوان العارض على أصل الفعل ، وفي ذلك يكون الفعل مستحبّا شرعا ، والمنادي إليه لدرك الثواب والمنادي هو أخبار التسامح فقط ، ولو بحسب الإرشاد كون الطلب لحسن الفعل ، ومن أجله اختلف الثواب نظرا إلى أنّ أخبار التسامح يقيّد بترتيب آثار الواقع على الأخبار الضعيفة وآثار واقعيّتها مختلفة ، وفيه ما لا يخفى.
وظاهر الأصحاب أيضا حسن الإتيان لدرك الثواب الموعود في تلك الأخبار ، ولا دليل عليه ، فلاحظ.
ويمكن أنّ الشارع لاحظ أنّ عدّة من المستحبّات يفوت من المكلّف بضعف الخبر ، ولا يمكنه طلب المعارف ، جعل الأمر للكلّ وطلب الكلّ وصولا إلى ذلك الغرض ، فيكون الطلب شرعيّا كاشفا عن المصلحة ، وإن كان أصل جعل الثواب للاستحقاق ، بل لمجرّد التفضّل ، مع أنّ التفضّل في جعل الأمر لا في إعطاء ما اخبر به ، فلاحظ ذلك جيّدا » . وراجع للمزيد في هذه المسألة : ذخيرة المعاد للمحقّق السبزواري ، ص ٤ ؛ عوائد الأيّام للمحقّق النراقي ، ص ٧٩٧ ؛ نهاية الدراية في شرح الكفاية ، ص ٥٤٣ ؛ فوائد الاصول ، ص ٤١٠.