لاستنباط الأحكام الشرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة ، (١) الظاهر في اختصاص ذلك الحكم بالفقيه بواسطة قدرته على الاستنباط ، وعدم تمكّن العامي منه بواسطة توقّفه على امور يجهلها (٢) المكلّف.
والمسائل الفقهيّة ما لا يختصّ بالفقيه بما هو فقيه ، بمعنى أنّه بعد ما حصّلت المسألة وبرهن عليها ، فإمّا أن يجوز العمل في مواردها لخصوص الفقيه ، فتكون اصوليّة ، وإلّا فهي قضيّة تشترك بينه والعامي ، وبعد إثبات جواز التسامح فهذه المسألة لا تنفع للعامي ؛ لتوقّف إعماله على فهم الدلالة ، وإحراز عدم وجود المعارض ، ونفي احتمال الحرمة ، ونحو ذلك. (٣)
وكذا مسألة البراءة والاحتياط ، وذلك لتوقّف إعمالها في الموارد على العلم بعدم وجود الدليل ، ونحو ذلك.
__________________
(١) هذا تعريف مشهور الاصوليّين عن علم الاصول ، وإن ناقش فيه أكثر المتأخّرين. انظر : قوانين الاصول ، ص ٥ ؛ هداية المسترشدين ، ص ٩٧ ؛ الفصول الغرويّة ، ص ٩ ؛ فرائد الاصول ، ج ٣ ، ص ١٧ ؛ كفاية الاصول ، ص ٩ ؛ وغيرها من المصادر الاصوليّة.
(٢) في النسخة : « يجهله » ، وهو سهو.
(٣) قال الشيخ الأنصاري رحمهالله في رسالته في التسامح : « فالتحقيق في الفرق بينها هو أنّ المسألة الاصوليّة عبارة عن كلّ قاعدة يبتني عليها الفقه ، أعني معرفة الأحكام الكلّيّة الصادرة من الشارع ومهّدت لذلك ، فهي بعد إتقانها وفهمها عموما أو خصوصا مرجع للفقيه في الأحكام الفرعيّة الكلّيّة ، سواء بحث فيها عن حجّيّة شيء أم لا ، وكلّ قاعدة متعلّقة بالعمل ليست كذلك ، فهي فرعيّة ، سواء بحث فيها عن حجّيّة الشيء أم لا.
ومن خواصّ المسألة الاصوليّة أنّها لا تنفع في العمل ما لم تنضمّ إليه صرف قوّة الاجتهاد واستعمال ملكته ، فلا تفيد المقلّد بخلاف المسائل الفروعيّة ؛ فإنّها إذا أتقنها المجتهد على الوجه الذي استنبطها من الأدلّة جاز إلقاؤها إلى المقلّد ليعمل بها » .
ثمّ قال بعد تبيين عنه : « إذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك أنّ قاعدة التسامح مسألة اصوليّة ؛ لأنّها بعد إتقانها واستنباط ما هو مراد الشارع منها من غالب الأخبار المتقدّمة ، فهي شيء يرجع إليه المجتهد في استحباب الأفعال ، وليس ما ينفع المقلّد في شيء ؛ لأنّ العمل بها يحتاج إلى إعمال ملكة الاجتهاد ، وصرف القوّة القدسيّة في استنباط مدلول الخبر ، والفحص عن معارضه الراجح عليه ، أو المساوي له ، ونحو ذلك ... » .
رسائل فقهيّة ، ص ١٤٩.