وأنت خبير بأنّ شيئا من هذه لا يصلح للدلالة على ذلك :
أمّا الأوّل : فلمنع انحصار تحصيل البراءة اليقينيّة في البقاء على تقليد المجتهد الأوّل ، فإنّ البراءة اليقينيّة كما تحصل بالبقاء على تقليد المجتهد الأوّل ، فكذا تحصل بالرجوع عنه إلى تقليد المجتهد الثاني.
كيف ؟ والأدلّة المعتبرة الدالّة على مشروعيّة التقليد ، كما تدلّ على صحّة البقاء ، فكذلك تدلّ على صحّة الرجوع أيضا ، مضافا إلى اندفاع هذه القاعدة بها وبغيرها ممّا ستقف عليه.
وأمّا الثاني ـ أي استصحاب بقاء الأحكام المتعلّقة به ـ : فلعدم جريانه هنا :
أمّا أوّلا ؛ فلأنّ البقاء فرع التعلّق ، وهو أوّل المدّعى.
وتوضيح ذلك : أنّ المجتهد والمفتي الأوّل إن لم يجتهد في المسألة المتنازع فيها ، لم يمكنه القول بتعلّق الأحكام التي قلّده المقلّد فيها ، بالإضافة إلى الواقعة المتنازع فيها ، خصوصا فيما إذا كان المقلّد قد قلّد من أفتى في هذه المسألة بالجواز ، أو لم يقلّد أصلا.
كيف ؟ والتعلّق المدّعى فرع ثبوت القول بعدم الجواز في هذه المسألة ، كما لا يخفى ، فلا معنى حينئذ لإثباته به ، وإلّا لزم المصادرة ، أو الدور المحال.
وإن اجتهد فيها وأدّى اجتهاده إلى الجواز ، فمقتضاه عدم التعلّق المدّعى ، بل التعلّق المراعى بعدم الرجوع كما لا يخفى ، خصوصا فيما إذا قلّد المقلّد فيها من أفتى بالجواز ، أو لم يقلّد فيها أصلا.
وإن اجتهد فأدّى اجتهاده إلى المنع ، فإن قلّد المقلّد فيها من أفتى بالجواز ، أو لم يقلّد فيها أصلا ، فالحكم بالتعلّق المدّعى أوّل الدعوى ، بل ممنوع جدّا ؛ مقتضى تقليده عدمه ، كما لا يخفى ، ومقتضى عدمه تعلّقه المراعى.
وإن قلّد فيها من أفتى بالمنع ، فالحكم بالتعلّق المدّعى حينئذ وإن كان مسلّما إلّا أنّه خارج عن الفرض ، ومع هذا ، فلا يثبت التعلّق المدّعى ، بالإضافة إلى القائل