فقال : حقّاً ما أقول ، ثلاث مرّات ، فدخلها من الغيرة ما لاتملك نفسها ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة ، وكتب على الرجال جهاداً ، وجعل للمحتسبة الصابرة منهنّ من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله.
قال : فاشتدّ غمّ فاطمة من ذلك وبقيت متفكّرة هي حتّى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر ، وأخذت بيد اُمّ كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثمّ تحوّلت إلى حجرة أبيها ، فجاء عليٌّ فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتدّ لذلك غمّه وعظم عليه ولم يعلم القصّة ما هي ، فاستحيى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلّي فيه ما شاء الله ، ثمّ جمع شيئاً من كثيب المسجد واتّكأ عليه.
فلمّا رأى النبيّ صلىاللهعليهوآله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها من الماء ، ثمّ لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلّي بين راكع وساجد ، وكلّما صلّى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغمّ ، وذلك أنّه خرج من عندها وهي تتقلّب وتتنفّس الصعداء ، فلمّا رآها النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّها لايهنّيها النوم وليس لها قرار.
قال لها : قومي يا بنيّة ، فقامت فحمل النبيّ صلىاللهعليهوآله الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد اُمّ كلثوم فانتهى إلى عليٍّ عليهالسلام وهو نائم ، فوضع النبيّ صلىاللهعليهوآله رجله على رجل عليٍّ فغمزه وقال : قم يا أبا تراب ، فكم ساكن أزعجته ، ادع لي أبا بكر من داره ، وعمر من مجلسه ، وطلحة ، فخرج عليٌّ فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا علي ، أما علمتَ أنّ فاطمة بضعة منّي ، وأنا منها ، فمن آذاها فقد آذاني ، ( من آذاني فقد آذى الله ) (١) ، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها
__________________
(١) ما بين القوسين أثبتناه من «ح ، ن».