١٤٣ ـ (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) الخطاب لبعض الصحابة الذين لم يشهدوا بدرا مع رسول الله وكانوا يتمنون أن يشهدوا غزوة ليفوزوا بالشهادة ، ولما شهدوا أحدا وجد الجد ولوا الأدبار لا يلوون على شيء.
١٤٤ ـ (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) أبدا كل من عليها فان نبيا كان أم شقيا ، ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ، وسبب هذه الآية أن صائحا صرخ بملء فيه يوم أحد : قتل محمد ، فانقلبوا على أعقابهم إلا قليلا منهم ، وتركوا النبي في قلب المعركة مع نفر يسير ، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب ، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله موبخا المنهزمين : (أَفَإِنْ ماتَ) رفعه الله إليه (أَوْ قُتِلَ) قتله الكافرون (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) عدتم إلى الكفر بعد الإيمان (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) يرتد عن دينه (فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) بل يضر نفسه وحدها (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) الثابتين على دينهم قولا وعملا.
١٤٥ ـ (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ليس هذا إخبارا ، بل حثا وترغيبا في الجهاد ، وأن الإنسان لن يموت إلا بحضور أجله (كِتاباً مُؤَجَّلاً) مفعول مطلق لفعل محذوف أي كتب الموت كتابا مؤقتا (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) قد يحكم على الخاص بلفظ عام ، ويبقى اللفظ على شموله للمحكوم عليه وغيره ، وقد يكون اللفظ عاما في الظاهر ، والمراد خاصا في الواقع ، ولفظ الآية هنا عام ، والمراد به خصوص الجهاد والمعنى من جاهد وقاتل للغنيمة لا لله وقتل فقد خسر الدنيا والآخرة ، وإن سلم فله حظه من الغنيمة ولا شيء له عند الله ، ومن جاهد لله وقتل فله عند الله فوق ما يتصور ، وإن سلم أحرز الحظين معا ، وملك الدارين جميعا.
١٤٦ ـ (وَكَأَيِّنْ) كلمة مرادفة لكم الخبرية في الدلالة على تكثير العدد (مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) لقد قاتل وقتل كثير من العلماء العاملين مع الأنبياء السابقين ، وكان الأليق بكم أيها الذين فروا يوم أحد أن تقتدوا بهؤلاء العلماء الأصفياء. (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فما فروا من الموت كما فررتم ، بل ثبتوا حتى استشهدوا طاعة لله ورسوله (وَما ضَعُفُوا) وما جبنوا عن القتال (وَمَا اسْتَكانُوا) وما خضعوا للعدو.
١٤٧ ـ (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا ...) قتلوا في سبيل الله ليغفر ذنوبهم ؛ ويصفح عن تقصيرهم ، ويقدمون عليه تعالى بإيمان ثابت وراسخ ، هذا وهم النخبة والصفوة ، وهكذا كل رباني وروحاني.
١٤٨ ـ (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) تقديسا وتعظيما.