(إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) صمّموا على الجهاد مخلصين.
٢٤٧ ـ (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) قيل : إنّه سمي طالوت لطوله. ولما أخبرهم النبيّ أن الله اختاره لزعامة الجيش (قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) وهو غير عريق النسب وفارغ اليد من المال (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) لنسبنا ومالنا (وَلَمْ يُؤْتَ) طالوت (سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ) نبيّهم : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) لأن زعامة الجيش لا تحتاج إلى نسب ومال ، بل إلى الشجاعة والإخلاص والكفاءة ، وكل هذه المؤهلات متوافرة في طالوت (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) قيل : كان أعلم بني إسرائيل وأشجعهم آنذاك (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) وإضافة الملك إلى الله تعالى يشعر بأن المراد بالملك هنا الملك الحق والمشروع دينا وعقلا وعرفا في مقابل المأخوذ ظلما وغضبا (وَاللهُ واسِعٌ) الفضل والعطاء (عَلِيمٌ) بمن يصطفيه للملك والرياسة.
٢٤٨ ـ (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) بعد أن طلبوا معجزة تدل على مكانة طالوت : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) صندوق (فِيهِ سَكِينَةٌ) التوراة (مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) قيل : المراد بالبقية عصا موسى وفتات الألواح (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) وأنتم تنظرون إلى التابوت (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فاسمعوا لطالوت وأطيعوا.
٢٤٩ ـ (فَلَمَّا فَصَلَ) عن بلده (طالُوتُ) وسار (بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ) مختبركم (بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) أي ليس من أشياعي وأتباعي. لعله كان موبوءا (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) لم يذقه (فَإِنَّهُ مِنِّي) لأنه سمع قولي وعمل بأمري (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) لأن الضرورة تقدر بقدرها (فَشَرِبُوا مِنْهُ) متجاوزين الحدّ (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وهكذا المخلصون في كل عصر ومصر أقل من القليل (فَلَمَّا جاوَزَهُ) النهر (هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) قيل : بقي معه ٣١٣ رجلا.
____________________________________
قال الشيخ محمد عبده : ملاحظة : «ان محاولة جعل قصص القرآن ككتب التاريخ بإدخال ما يروون فيها على انه بيان لها هي مخالفة لسنة القرآن ، وصرف للقلوب عن موعظته ، واضاعة لمقصده وحكمته ، فالواجب أن نفهم ما فيه ، ونعمل أفكارنا في استخراج العبر منه ، وننزع من نفوسنا ما ذمه وقبحه ، ونحملها على التحلي بما مدحه واستحسنه».