٨٩ ـ ٩٠ ـ (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى ...) تقدم في الآية ٣٨ من آل عمران وما بعدها والآية ٦ وما بعدها من مريم (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) هذي هي هوية الأنبياء : ليسوا سحرة أو منجمين ولا ملائكة أو سلاطين ، إنهم أناس يطيعون الله في كل شيء رغبة في ثوابه ، وخوفا من عقابه ، ومن أجل هذا جعلهم الله خزنة علمه ، وحفظة دينه ، وخلفاء في أرضه ، وحجة على عباده ، ولا يسوغ لأحد أن يتكلم باسم نبي أو وصي نبي ولا أن يوصف بالحجة والقدوة في دين الله إلا أن يكون عالما به ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه.
٩١ ـ (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) هي مريم بنت عمران تنزهت عن كل ما يشين (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) أجرينا فيها روح عيسى ، وتقدم في الآية ٤٥ من آل عمران و ١٦ من مريم.
٩٢ ـ (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أمتكم : ملتكم ودينكم ، والخطاب : للناس كافة دون استثناء ، والمعنى أيها الناس هذي هي ملتكم وهذا هو دينكم الذي شرعه الله لكم وبلّغه بلسان الأنبياء جميعا ، وهو التوحيد عقيدة ، والصلاة الخالصة المخلصة لوجه الله عبادة ، وفعل الخير والحسنات وترك الشر والسيئات شريعة ، ولا شيء إطلاقا خرج عن هذا الإطار أو دخل فيه عند ما شرع الله دينه الحق لعباده ، وفي الحديث الشريف : «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد» وأولاد العلات أخوة ، أبوهم واحد ، وأمهاتهم شتى. وإذن لا سبب لتعدد الأديان والطوائف إلا الجهل أو المنفعة الشخصية (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) ولا تعبدوا الأهواء والأدعياء ٩٣ ـ (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) ولكن الناس تمزقوا قطعا ، وتفرقوا شيعا ، لكل أمة قائد وإمام (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) هذا تهديد ووعيد على الشتات والتفريق ٩٤ ـ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) لا إيمان بلا عمل صالح نافع ، والعمل بلا إيمان كالبنيان بلا أساس ، ومن جمع بينهما (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) بل يشكر ويذكر بالخير والأجر (وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) فلا يضيع شيء منه عليه ٩٥ ـ (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) كأنّ قائلا يقول : هل يبعث الله ثانية الذين أهلكهم في الدنيا بكفرهم؟ الجواب : أجل ، لا استثناء من البعث ، وممتنع على الذين هلكوا إن لا يرجعوا إلى الله ، بل يرجعوا إليه لا محالة ، ويحاسبهم على ذنوبهم وكفرهم ، أجل لا يعاقبهم على تكذيب الأنبياء من حيث هو ، لأن الإهلاك في الدنيا هو العقاب على هذا التكذيب ، وما عداه يشمله الحساب والعذاب ، هذا ما ندركه بعقلنا من حيث الاستحقاق في ظاهر الأمر ، والواقع لله وحده.
٩٦ ـ (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) لا نعرف شيئا عنهما إلا ما نقلناه عن المفسرين عند تفسير الآية ٩٤ من الكهف ، وربما يكون يأجوج ومأجوج مشتقين من الأجيج بمعنى نار الفتنة والفساد في الأرض ، وعليه يكون يأجوج ومأجوج إشارة إلى دولة تسيطر بسلاحها المدمر على أهل الأرض بكاملها ، فتهلك الحرث والنسل ، وعندئذ تقوم القيامة كما أشار سبحانه بقوله :