والحق بعد الاتفاق (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) يعني أن الناس كانوا أمّة واحدة ، ثم اختلفوا قبل مجيء الأنبياء والذين أرسل الله إليهم الأنبياء ليزيلوا الخلاف ـ هم بالذات اختلفوا في الأنبياء (بَغْياً بَيْنَهُمْ) حرصا على مصالحهم.
(فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالأنبياء (لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) تعالى أي أن الله سبحانه وفق أرباب النوايا الصافية الخالصة إلى الإيمان بالحق الذي جاء به الأنبياء (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ولا يشاء إلا لحكمة بالغة ، وهي أن يكون الإنسان مؤهلا للهداية.
٢١٤ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) أم هنا بمعنى بل ، والخطاب للصحابة الأول الذين كانوا مستضعفين في مكة (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) حيث لاقوا ألوانا من الأذى فصبروا (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ) جوعا وفقرا (وَالضَّرَّاءُ) تقتيلا وتشريدا (وَزُلْزِلُوا) أزعجوا إزعاجا شديدا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) من شدة البلاء ومدته : (مَتى نَصْرُ اللهِ) لقد نفد الصبر أو كاد (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) عند تناهي الشدة تكون الفرحة ، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع).
٢١٥ ـ (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد أصحاب الأموال (ما ذا يُنْفِقُونَ) والسؤال عن الإنفاق يتضمّن السؤال عن المنفق عليه ، ولذا قال سبحانه لنبيّه : (قُلْ) لهم (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) من مال (فَلِلْوالِدَيْنِ) الآباء وإن علوا (وَالْأَقْرَبِينَ) الأقرب فالأقرب (وَالْيَتامى) كل من لا أب له ولا مال (وَالْمَساكِينِ) الفقراء (وَابْنِ السَّبِيلِ) المسافر المنقطع عن أهله وماله (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) وليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه.
٢١٦ ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) الجهاد لإحقاق الحق وإبطال الباطل (وَهُوَ كُرْهٌ) مكروه كالخبز بمعنى المخبوز (لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) في الحال (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) في العاقبة (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) الآن (وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) غدا (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما هو الصلاح والفساد والخير والشرّ (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك.
____________________________________
الإعراب : (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) حال من النبيين ، وبالحق متعلق بمحذوف حال من الكتاب ، و (بَغْياً) مفعول لأجله.