بل المراد أن وراء اليهود قوما مشركين يشدون أزرهم ، فإذا ضربت اليهود ضربة قاسية اتعظ واعتبر الذين يؤازرونهم.
٥٨ ـ (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) إذا كان بينك يا محمد وبين قوم عهد ، وأيقنت أنهم يتخذون من هذا العهد ستارا يدبرون من ورائه الغدر والاغتيال (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) عاملهم بالمثل في رد العهد حتى يكون تصرفك معهم وتصرفهم معك بمنزلة سواء : قال الإمام علي (ع) : الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله ، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله.
٥٩ ـ (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) فاتوا ونجوا من العقاب (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) لا يعجزه من طلب ولا يفوته من هرب.
٦٠ ـ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) والمراد بهذا الرباط وتلك القوة كل ما يتم به النصر على الأعداء وأثبت العصر الراهن أنه لا حول ولا قوة لأي مجاهد في ميدان القتال أو الإعلام إلا بالعلم ، بل لا حياة إلا به ، وانه لا وسيلة للجهل إلا الاستسلام للعلم ... أجل ، إن العلم المعملي وحده لا يقود البشرية إلى السعادة والهداية إلا مع الدين والتقوى ، ولكنه يصون من الصغار والهزيمة ـ على الأقل ـ وقد بين سبحانه في الكثير من آياته كيف أخذ المجرمين والطغاة بالبركان والطوفان والزلازل والصواعق. ومعنى هذا أنه لا حق بلا قوة ، ونحن العرب والمسلمين نملك القوة كافية وافية ، ولكن لا نريد استعمالها! ولما ذا! لأن المخططين هكذا أرادوا. (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) أي كما ترهبون بالقوة أعداء الله وأعداءكم ، أيضا ترهبون بها قوما آخرين ، وهم الأذناب والصراصير الذين يعملون في الخفاء (لا تَعْلَمُونَهُمُ) على حقيقتهم (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) بما ينطوون عليه من لؤم وحقد على كل مصلح ومخلص (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ ...) تقدم مرات ، وذكر هنا حيث لا قوة ولا رباط إلا ببذل المال ٦١ ـ (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) القائم على العدل فاجنح لها لأن القصد من القتال دفع المعتدين ، وتأديب المفسدين ٦٢ ـ (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) إن شككت يا محمد في نوايا الذين طلبوا منك المسالمة ، ولم تجزم بمكرهم ـ فاستجب لهم ، والله كافيك ومعافيك.
٦٣ ـ (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ...) قد يملك الإنسان نفسه ، فيبتلع أخطاء الآخرين ، ويكظم الغيظ ، وأيضا قد يترك ما يحب ، ويفعل ما يكره ، ولكنه لا يستطيع هو ولا أية قوة في العالم أن تسيطر على قلبه ، وتلجئه قسرا على أن يحب أو يكره هذا دون ذاك أجل ، هناك أسباب طبيعية كالإساءة يتولد منها البغض والكراهية ، وكالإحسان يوجب الألفة والمحبة ، قال سبحانه : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ـ ٣٤ فصلت» ومن أهم الأسباب الموجبة لتأليف القلوب وحدة الإيمان والعقيدة ، قال سبحانه : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ـ ١٠ الحجرات» فالإيمان بمبدإ واحد ودين واحد يوحد بين القلوب ، ويربط بين المصالح والمصائر ، والله سبحانه قد جمع قلوب أصحاب محمد بالإسلام والإيمان ، وحببه إليهم وزينه في قلوبهم كما في الآية ٧ من الحجرات ، ومن