قال غوستاف لوبون في كتاب الآراء والمعتقدات : «إن التوكيد والتكرار عاملان قويان في تكوين الآراء وانتشارها».
٤٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) باغية تسعى في الأرض فسادا (فَاثْبُتُوا) في جهادهم وقتالهم (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) أي يجب أن يكون الجهاد خالصا لوجه الله لا للغنيمة أو السمعة ونحوها (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فيه إيماء إلى أن النصر والظفر في القتال والجهاد لا يتحقق إلا مع شرف الغاية ونزاهة القصد.
٤٦ ـ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي قوتكم وهيبتكم ... إن جراحنا نحن المسلمين لا تلتئم ، وأدواءنا لا تنحسم إلا أن نكون كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضا ، وهل من مسلم يجهل بأن هذا الخصام والانقسام بين قادة المسلمين هو أشد فتكا بالإسلام والمنتمين إليه ، من أي سلاح حديث؟ ونحن الذين صنعوا هذا السلاح للقاتل ، وقدمناه لعدونا وعدو ديننا بلا مقابل إلا الخزي والهوان ... لقد ابتدأ الإسلام من جمع الشمل ، وانطلق نبي الإسلام من المؤاخاة بين أصحابه وأتباعه ، ومن هنا يجب أن نبدأ وننطلق وإلا فلا وزن للمسلمين وإن كانوا مئات الملايين وأغنى أغنياء الأولين والآخرين.
٤٧ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً) يشير سبحانه بهذا إلى النفير بقيادة أبي جهل ، خرجوا من مكة ليحموا العير ، فقيل لهم : ارجعوا لقد سلمت العير ، فقال أبو جهل : لا نرجع حتى نقدم بدرا ، ونشرب فيها الخمور وتعزف علينا القيان ، وهذا بطرهم وغرورهم الذي أشارت إليه الآية بكلمة «بطرا» أما قوله تعالى : (وَرِئاءَ النَّاسِ) فهو إشارة إلى قول أبي جهل : نريد أن يسمع الناس بشجاعتنا وعظمتنا.
٤٨ ـ (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) في عداوة رسول الله وحربه (وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) فاقدموا على حرب محمد والصحابة (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) مجير ونصير (فَلَمَّا تَراءَتِ) تلاقت (الْفِئَتانِ) المسلمون والمشركون (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) رجع إلى الوراء (وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) أشعل النار ونجا بنفسه ، أما الذين غرهم واغتروا به فإلى داهية (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) من أن الله منجز وعده وناصر جند المسلمين لا محالة ، ونسي ما قاله للمشركين قبل ساعة : «لا غالب لكم» ولكن المنافق يحيك الكلام بما يأتي على لسانه ، له كان أو عليه ٤٩ ـ (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم الذين حسدوا محمدا على ما آتاه الله من فضل النبوة : (غَرَّ هؤُلاءِ) المسلمين (دِينُهُمْ) حيث تصدوا لقتال قوم أكثر منهم عددا وأقوى عدة (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ليس النصر بالكثرة ، ولا الخذلان بالقلة ، وإنما النصر بالإخلاص والصبر على الجهاد والتضحية والتوكل على الله ٥٠ ـ ٥١ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ ...) يبدأ عذاب المجرمين منذ الساعة الأخيرة