١٨٤ ـ (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) وفي الآية ٢٢ من التكوير : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ). قال مشركو العرب للرسول الأعظم (ص) : إنك لمجنون! ولا غرابة ـ على منطقهم وعاداتهم ـ ألم يجعل الآلهة إلها واحدا؟ وثار على أوضاعهم وتقاليدهم ، وقال لهم من جملة ما قال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) ـ ٩٨ الأنبياء. (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ٥٤ الأنبياء». ولو كان محمد (ص) في هذا العصر لقيل عنه : مخرب هدام.
١٨٥ ـ (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) أو لم ينظر العقلاء نظرة استدلالية علمية إلى كل ما يقع عليه اسم الشيء في هذا الكون ليعلموا أن الله موجود وأنه على كل شيء قدير ، وقد استوحى الشاعر من هذه الآية قوله : «وفي كل شيء له آية. تدل على أنه واحد» ويتمثل في هذا الاستدلال القرآني الكوني المنهج العلمي الذي يستخدم الاستقراء والقياس معا ، يستقرئ الناظر أولا جزئيات الكون وما فيها من سنن تحكمها وتضبط حركاتها وسكناتها وتفاعلها ، وينطلق من ذلك ليقول : في الكون نظام وتدبير ولكل نظام وتدبير مدبر ومنظم ، فللكون خالق عليم ومدبر حكيم (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) سارعوا أيها العقلاء إلى النظر في الكون ، واستنطقوا ما فيه من آيات بينات تهتدوا بها إلى الحق قبل أن يفاجئكم ، وأنتم غافلون (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) بعد القرآن (يُؤْمِنُونَ) ومن لا يهتدي بموعظة الله وإرشاده لا يهتدي بشيء.
١٨٦ ـ (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) من حاد عن صراطه تعالى فهو ضال تماما كمن يمشي مكبا على وجهه (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) إذا خرجوا من طاعته ، واستنكفوا عن عبادته.
١٨٧ ـ (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنِ السَّاعَةِ) القيامة (أَيَّانَ مُرْساها) متى وقوعها وحدوثها ، وقال أعرابي لرسول الله (ص) : متى تقوم الساعة؟ قال : وما ذا أعددت لها؟ (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها) لا يظهرها (لِوَقْتِها) في وقتها (إِلَّا هُوَ) وحده لا شريك له (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ثقل وقعها على أهل السموات والأرض لهولها وشدتها (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) من غير اشعار وإنذار (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) أي كأنك مهتم بالسؤال عنها مثل اهتمامهم.
١٨٨ ـ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) هذي هي عقيدة المسلمين بمحمد (ص) ، إنه واحد من الناس ، يصيبه ما يصيبهم من عوارض الطبيعة ، والفرق أنه بشير ونذير (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ربي ، فهو الذي ينفعني ، ويدفع الضر عني. (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) حيث لا أقدم إلا على ما ينفع (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) حيث أحجم عما يضر ، وما كنت غالبا تارة ومغلوبا حينا في الحروب (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وللذين يريدون أن يهتدوا إلى الحق.