وقد انقدح أيضا حال اجتماع الوجوب مع الاستحباب في العبادة فإنّه يقابل اجتماع الوجوب مع الكراهة فيها ، وقد عرفت أن المراد بتفسير الكراهة في العبادة بكونها أقلّ ثوابا كونها أقلّ ثوابا بالقياس ما في أصل الطّبيعة لا بالقياس إلى سائر الأفراد بخصوصيّاتها فمعنى استحبابها أيضا كونها أكثر ثوابا بالقياس إلى ما في أصل الطّبيعة ، فلا يتصوّر الاستحباب في العبادة الواجبة بهذا المعنى كالكراهة في القسم الأوّل ، إذ لا بدل له كي يكون أكثر ثوابا أو أقلّ ثوابا منه ، وأمّا في القسمين الأخيرين فالأمر الاستحبابي بالعبادة الواجبة على القول بجواز الاجتماع يمكن أن يكون إرشادا إلى أفضل الأفراد مطلقا على نحو الحقيقة ومولويّا اقتضائيّا كذلك ، ومولويّا فعليّا حقيقيّا في صورة الاتّحاد والانطباق وبالعرض والمجاز في صورة الملازمة ، فإن متعلّقه حينئذ حقيقة هو الملازم ، فلو تعلّق أمر أيضا بالعبادة لأجل الملازم يكون بالعرض والواسطة ، وأمّا على القول بالامتناع فيمكن جميع ما ذكر في الأمر سوى المولوي الفعلي الحقيقي في صورة الاتّحاد ، وأقول : وكذلك سوى المولوي الفعلي بالعرض والمجاز في صورة الملازمة بناء على عدم إمكان اختلاف المتلازمين في الحكم الفعلي ، إذ على هذا لا يبقى الأمر الاستحبابي بالملازم فعليّا ، لرجحان جهة الوجوب على جهة الاستحباب عند المزاحمة إلّا في فرض بعيد يأتي نظيره ، فكيف يترشّح منه أمر آخر استحبابي إلى الواجب لأجل الملازمة؟ وهل يمكن فعليّة الأمر الاستحبابي دون الوجوبي في القسم الأوّل نظير فعليّة النّهي التّنزيهى فيه دون الأمر الوجوبي؟ الظّاهر لا ، فإنّ انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الّذى لا بدل له إنّما يؤكّد إيجابه لا أنّه يوجب استحبابه أصلا ولو بالعرض والمجاز ، فإنّ جهة الاستحباب بالنّسبة إلى المنع من التّرك من قبيل اللااقتضاء