وفيه : إن المناط والعبرة في جهات القضايا ليس بملاحظة الموضوع فيها شروطا ومقيدا بثبوت المحمول أو عدم له واقعا ، بل إنما هو بملاحظته مطلقا وغير مشروط بشيء في الامرين ، بمعنى أنّه يلاحظ أن نسبة هذا المحمول الى ذلك الموضوع في نفسها موجهة بأي جهة من الجهات ومع أية منها في نفسها صادقة سواء كانت من قبيل مفاد كان التّامة كما لو حمل الواجب عليه تعالى الممتنع على وشريك الباري والممكن على غيرهما ، أو من قبيل مفاد كان النّاقصة أن يكون المحمول من عناوين الموضوع وصفاته بعد فرض وجوده فإن جهة القضية في الكلّ إنما تلاحظ بملاحظة الموضوع في نفسه ومطلقا فإنها بملاحظته كذلك تنقسم إلى الضّرورة والامتناع والامكان لا بملاحظته بشرط المحمول ضرورة إنها على هذا التّقدير تنحصر في الضّرورة إيجابا أو سلبا حتّى في الممكنة منها لأن الممكن محفوف بالضّرورتين إن لوحظ بشرط وجود العلّة له فهو ضروري الايجاب أي الوجود ، وإن لوحظ بشرط عدمها له فهو ضروري السّلب أي العدم ، فيلزم انحصار جهة القضية مطلقا حتى الممكنة منها في الضرورة إما إيجابا أو سلبا ، وحيث أن الأمر ليس كذلك فيكشف عن كون العبرة بلحاظ الموضوع مطلقا لا بشرط ثبوت المحمول أو عدمه له واقعا لما أفاده (قدس) من صدق الايجاب أو السّلب بالضّرورة بشرط كون الذّات مقيدة بالوصف أو بعدمه واقعا لا يصحح دعوى انقلاب جهة الامكان إلى الضّرورة.
وممّا ذكرنا (١) ظهر عدم نهوض ما أفاده بإبطال الوجه الأوّل كما زعمه حيث
__________________
(١) لا يقال التّقييد الذي فرضه صاحب الفصول (قدس) إنّما هو في طرف المحمول لا في طرف الموضوع فلا يتوجه عليه ما أورد عليه ، لأنه يقال بناء على ترك مفهوم المشتق كما هو المفروض يجري الإشكال بعينه بطرف المحمول لأنه وحده على أن التّقدير قضية تامة فلا يلاحظ الموضوع فيها بشرط المحمول القيد كي يلزم الانقلاب جهة القضية لو كانت ممكنة إلى الضرورة والانصاف أراد بكلامه ولا إشكال عليه يهمنا قرينة تعيين المجال والله العالم بحقيقة الحال ، لمحرّره.