لانّه اذا كان نوعاً من أصل العدم فدليل حجيّة أصل العدم يجري فيه ايضاً بلا تفاوت.
ثمّ اعلم انّه قال بعض المتأخرين : كما كان الاستدلال باصل البراءة مشروطاً بان لايثبت حكماً شرعيّاً من جهة اخرى ، فكذا الحكم هنا بعينه. مثلاً اذا استعمل أحد ماء ثمّ ظهر له انّ هذا الماء كان قبل ذلك في زمان نجساً ثمّ طهّر بالقاء كرّ عليه دفعة ولم يعلم انّ التطهير هل كان قبل الاستعمال أو بعده؟ فلا يصحّ ان يقال : الأصل عدم تقدّم تطهيره فيجب اعادة غسل مالاقى ذلك الماء في ذلك الاستعمال ، لانّه اثبات حكم بلا دليل ، فانّ حجيّة الأصل في النفي باعتبار قبح تكليف الغافل ووجوب اعلام المكلّف بالتكليف ، فلذا يحكم ببراءة الذمّة عند عدم الدّليل ، فلو ثبت حكم شرعي بالاصل يلزم اثبات حكم من غير دليل وهو باطل اجماعاً ـ انتهى ـ (١).
اقول : فيه نظر لانّا نسلّم ما ذكر هذا القائل في أصل البراءة عن التكاليف وقد ذكرنا ذلك مفصّلاً قبل ذلك في بحث أصل البراءة ، وقد بيّنا انّ مقتضى ادلّة حجيّة أصل البراءة نفي التكليف فاذا كان الاستدلال باصل البراءة مستلزماً للتكليف من جهة اخرى فهو ساقط عن درجة الاعتبار.
وامّا أصل العدم وأصل تأخّر الحادث فان كان الحادث المقصود نفيه هو التكليف ، وكان الاستدلال على نفيه باعتبار ادلّة البراءة حتى يكون
__________________
(١) وافية الاصول ص ١٨٧