وينبغى الترقى فى فهم آيات القرآن والكون إلى درجة الفقه حتى ندرك الحكمة وراء إعجازها ، ونبلغ نهاية درجة الإحسان فى قراءة الكتابين : المسطور والمنظور. أما نهاية الإحسان فى قراءة آيات القرآن فتعنى تجاوز حدود الأصوات والألفاظ ، واختراق حاجز الزمان والمكان ، وصولا إلى الاستمتاع من المتكلم الأزلى جل جلاله. فالنفس الشفافة ، والإحساس المرهف ، لهما أثر جلىّ فى قراءة القرآن ، أو الاستماع إليه ، وبذلك تتجلى أنوار القرآن على قلب القارئ أو السامع. ولهذا كانت نصيحة العارفين : «اقرأ القرآن كأنه يتنزل عليك».
وأما نهاية الإحسان فى قراءة آيات الكون ـ كتاب الله المنظور ـ فتعنى تجاوز حدود البحث العلمى الآلى ، بعناصره ووسائله وأدواته. واختراقه عالم النظريات والقوانين العلمية بصياغاتها اللفظية ، وصولا إلى إدراك أنه كل علم من العلوم الباحثة فى ظواهر الكون والحياة ، هو فى حقيقته علم يبحث بلغته الخاصة عن الله خالق الكون والحياة ، ويستند فى غاية منتهاه إلى اسم من أسماء الله الحسنى .. فعلوم الطب والصيدلة تصل إلى كمالها بمشاهدة التجليات الرحيمة لاسم «الشافى» فى كل حبة دواء. وعلوم الفيزياء والفلك والكيمياء والنبات والحيوان تبحث فى حقيقة الموجودات باستنادها إلى ما يناسبها من أسماء العليم الحكيم القادر المقدر الذى أوجد هذا العالم على أعلى درجة من الترتيب والنظام والكمال والجمال. وبهذا تكون العلوم فى حقيقتها غير مقصودة لذاتها ، وإنما هى ضرورات حيوية وحاجات معرفية وعقلية تحيط الهداية الإيمانية بأبعاد جديدة ، وترى فى كل مشهد كونى آية ناطقة بقدرة الخالق ووحدانيته ، ومظهرا معبرا من مظاهر تجليات أفعال الله تعالى وأسمائه الحسنى.
ولا شك أن البحث فى الإعجاز العلمى لآيات القرآن الكريم على هدى وبصيرة يؤتى ثماره الحقيقية ببلوغ نهاية الإحسان على سلم الترقى فى فهم آيات الله المنبثة فى القرآن الكريم ، وفى جنبات الكون الفسيح ، وفى أسرار النفس البشرية وباقى الموجودات.
كما أن ارتقاء العلوم الحديثة ونجاحاتها فى استكشاف حقائق جديدة عن الكون من العوامل التى ساعدت على الاجتهاد فى تسخير العلم الكونى لتجلية معان جديدة لآيات القرآن الكريم ، شريطة أن يكون الاجتهاد فى ذلك المجال وفق منهاج رصين محدد ينبغى الالتزام به فى ضوء ما هو معروف عن معنى الحقيقة العلمية وحدودها.